30‏/12‏/2005


المخرج عزيز السالمي ل"صوت الناس" :
ـ مهما قدمت من الأفلام الطويلة سأعود دائما للفيلم القصير ، لأنه مجال فسيح للتعبير والاشتغال

عزيز السالمي مخرج مرح لكن فيلمه الأخير "عايدة" حزين لدرجة الكآبة . حزن يترك في حلق المشاهد غصة تعبر عن مدى تفاعل المشاهد مع الممثلة خلود في دور عايدة ، و صدق تعبير المخرج و تمكنه من أدواته . له عدة تجارب تلفزيونية أيضا ، منها فيلم "معطف أبي" من إنتاج القناة الثانية و تمثيل عبد القادر لطفي و سعاد صابر . التقته "صوت الناس" و كان لها معه الحوار التالي :
* كيف تتبلور فكرة فيلم جديد لعزيز السالمي ؟
** كل الأفلام التي كتبت وأخرجت تحمل جزءا مني ، فبداية فيلم "سبقت رؤيته" مثلا انطلقت من جملة قصيرة لممثلة في حالة اكتئاب : "لا أريد أن أشيخ في هذا البلد وأنا أمارس هذه المهنة". من هذه الجملة كونت فكرة وفيلما عن معاناة فنان معين في بلد ما . نفس الأمر بالنسبة لفيلم "عايدة" . عرفت أنا كذلك أناسا عانوا نفس معاناة "عايدة" مع المرض الخبيث. أنا أنطلق في أفلامي من شرارة صغيرة ، حدث، جملة... وبعد الخروج مما هو ذاتي أنطلق في تقنيات الكتابة والإخراج. لقد سألني البعض لماذا لا تظهر ملامح المرض بوضوح على البطلة ؟ ومن المؤسف أن تصدر مثل هذه الملاحظات عن نقاد سينمائيين لأنهم لم يعرفوا بعد بأني مخرج لا أومن بالأمور الواضحة والبديهية . أنا أتعامل بتفرد مع الأمور لأنه ـ كما يقال ـ في التفرد تصنع الأفلام. نفس الأمر في اللوحات التشكيلية ، ليس المطلوب مثلا من الفنان هو تقديم تفاحة كما هي في الواقع ، بل كما يراها هو . هذا ينطبق أيضا على المسرح والسينما وجميع الفنون . أنا أعبر بما هو داخلي وليس خارجي لأن التعبير بالمظهر هو أبسط وأسهل طريق.
* لقد اعتمدت على الإيحاء والتعبير الداخلي دون أن نرى البشاعة . و نفس الأمر استعملته في حنين البطلة لعشيقها وعناقها معه ، و هو في الحقيقة عناق مع الموت . هل هذا خوف من الوقوع في فخ الإباحة ؟
** سأعترف لك بأمر طريف، عندما أكتب أي سيناريو، فإني أكتب بشكل صريح لدرجة كبيرة، وأعير اهتماما بالغا لكل التفاصيل . و أكتب كل ما أريد أن أقدم وبشكل فاضح أحيانا ، يجعل قارئ السيناريو الأولي يجد في تعبيري نوعا من البورنوغرافيا. أنا أكتب دون أن يحضر معي أي رقيب. وبعد أن أنهي عملية الكتابة أعيد مراجعة عملي وأتمعن في مضمونه. أقوم باختلاق رقيب ذاتي وتحسين لغتي وتعبيري. لاأريد أن يرى المشاهد القبلة كما رآها في مئات الأفلام الأمريكية . سأقدم القبلة "العادية" عندما أستنفذ كل رموزي وأدواتي لتمثيلها. أنا أجتهد أكثر لكي تكون لي أفكار أعبر عنها دون أن أخلق عنفا في التعبير أو صدمة للمتلقي. لاحظ أنه في فيلم "عايدة" خيال البطلة التي ترتدي ملابسها أجمل وأصدق تعبيرا من اللقطة ذاتها لو أظهرت الممثلة تغير ملابسها . خيال المتلقي يلعب دورا مهما هنا. لم أرد أن أبين الدمار الذي لحق بالبطلة جسديا وبشكل ظاهر ، و إلا سيكون رد فعل المشاهد كالتالي : "خير لها أن تموت" . أريده أن يقول : "حرام أن تموت" إنها لعبة الحياة والموت.
* ألا يعكس هذا الفيلم خوفا دفينا من الموت ؟
** لقد طرحت في فيلمي موضوعا سينمائيا مازال "طابو" بالنسبة لجميع الديانات وهو الانتحار. الكل يخاف الموت ، و من قال غير هذا مهما بلغ من العمر أو الإيمان ، كاذب. لا أظن أحدا ينزلق الى الموت ولا يتشبث بالحياة ، إنها غريزة . إننا نعرف ماذا نضيع ولكن لا نعرف ماذا سنجد ، مهما تشبثنا بالدين والروحانيات ، هناك الخوف من العقاب والحساب لأن الإنسان خطاء بطبيعته. كل منا يحمل ثقلا لا يعرفه إلا هو. لا أظن أن أحدا منا يفكر في الموت بشكل هين وسهل . الفرق هو أن هناك من يصبح الموت عنده هاجسا وهوسا ملاحقا له ولتفكيره ، و بالتالي تفسد عليه حياته وموته. وهناك من يراه قضاء و قدرا . وحتى عندما نبكي على الموتى فإننا في الحقيقة نبكي موتنا نحن أثناء رؤية الجسد يهوي في الحفرة.
* ما هو جديد عزيز السالمي ؟
** أنا أشتغل حاليا في فيلم قصير جديد، لأني عاشق حقيقي للفيلم القصير. و مهما قدمت من الأفلام الطويلة سأعود دائما للفيلم القصير ، لأنه مجال فسيح للتعبير والاشتغال دون هوس الشباك. ولا أقوم بما صنع آخرون " وإعداد ثلاثة أفلام في يوم واحد" كما هو الحال في الإشهار الشهير للشامبو "ثلاثة في واحد" ، رغبة في الحصول على ترخيص من أجل دخول لعبة الإنتاج الوطني . لقد أصبح الكل يقوم بإنتاج أفلام قصيرة في عجالة حتى يتمكن من دخول مضمار أوسع .
*متى سنرى فيلمك الطويل ؟
** لقد حصلت على دعم لإنجاز فيلم طويل اسمه "حجاب الحب" الموضوع سري لغاية الشروع في العمل. حصلت من المركز السينمائي على دعم قدره مليونا درهم، وأنا الآن في طور البحث عن موارد أخرى لأني أقدر ميزانية الفيلم ب4,5 ملايين درهم. كما أن هناك مشروع فيلم مع القناة الأولى في شهر فبراير القادم اسمه " بنت الشيخة" كتب السيناريو عبد الهادي حديفة و يحكي عن تخوف امرأة متزوجة من انكشاف أمر كون أمها كانت "شيخة" . و بالمناسبة انظر ما يحدث الآن حول تسمية "الشيخة" مع مجلة "تيل كيل"!
أجرى الحوار : جمال الخنوسي


29‏/12‏/2005





" الراقد " الذي أيقظ السينما المغربية

هكذا تحدثت ياسمين قصاري .. في حوار مفتوح مع جريدة " صوت الناس " :
- لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي
- الطفل " الراقد" هو رمز للرغبة الجنسية المؤجلة
- الإنسان متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.

ياسمين قصاري أفلامها تشبهها ، هادئة ، خجولة ، متزنة ، كلامها فيه عمق و حكمة رغم حداثة سنها . تتحدث عن " تاركوفسكي " كما تتحدث عن " نيتشه " . حصل فيلمها الأخير " الراقد " حتى الآن على 23 جائزة في مهرجانات عالمية . ولدت المخرجة المغربية سنة 1972 بمدينة جرادة . أخذها والدها إلى فرنسا و عمرها لم يتجاوز 12 سنة لحبها و تعلقها به . أكملت دراستها في مؤسسة باريسية . و تعلمت العربية في " معهد العالم العربي " . بعدها درست سنتين في كلية الطب . عندما أخذت هذا الاتجاه لم يكن في الحقيقة اختيارا بل " نصيحة " من والدها الذي أرادها أن تكون محامية أو طبيبة أو مهندسة . أحست ياسمين بالملل لأن ميلها كان للفن و الشعر و الفلسفة . بالصدفة قرأت في مجلة عن مدرسة للسينما فذهبت لمسؤول التوجيه في الجامعة و عرضت عليه الأمر . و أمام دهشتها تحمس و شجعها . في البداية كانت تريد الذهاب لدراسة السينما في روسيا أو أي بلد آخر من أوربا الشرقية لأنها معجبة بمخرجين تكونوا هناك أمثال " فاجدا " و " تاركوفسكي " لكنها قبلت في المدرسة البلجيكية للفيلم ببروكسيل INSAS لأن تكونها في الطب لم يكن يسمح بأكثر من ذلك . بحثت طويلا عن شغل بموازاة دراستها فنصحها زملاؤها بالذهاب عند المنتج السينمائي " جون جاك أوندريا " الذى كان يبحث عن مساعدة . اشتغلت معه كمتدربة ثم مساعدة و شريكة في المؤسسة التي يمتلكها . و هذا ما خول لها إنجاز أفلامها . سنة 1994 فيلم le feutre noir ، سنة 1995 فيلم chiens errants سنة 2000 فيلم linda et nadia كأفلام قصيرة و سنة 2002 قدمت الفيلم الوثائقي حول حياة المهجرين quand les hommes pleurent ثم سنة 2004 أول فيلم طويل لها " الراقد " الذي واجهت فيه عدة صعوبات في تمويله ، البعض يصدها في لباقة " موضوعك صعب ! " ثم بدأ الحديث عن اللغة " فيلمكك باللغة العربية صعب جدا جدا " أو " لقد أنتجنا الكثير من أمثال فيلمك " و كأنها تبيع الفساتين !! و مع تطور الأمور أصبحت تسمع أقسي من هذا " أنت لا تهمينا كمؤلفة و لا تهمينا أكثر كعربية ! ماذا سيفيدنا موضوعك ؟ و ماذا ستقدم لنا معاناتكم ؟ " لسوء الحظ ، كما اعتادت ياسمين أن تقول ، فمثل هؤلاء الوسطاء الذين يحددون للجمهور ما يشاهد أو لا يشاهد .
سيعرض " الراقد " في القاعات الفرنسية بشكل رسمي انطلاقا من 28 دجنبر 2005 و في المغرب في شهر مارس أو أبريل 2006 ، وهو من بطولة رشيدة براكني(حليمة) و مونية عصفور (زينب) و يحكي قصة زوجة ترى عريسها يرحل عنها متوجها لإسبانيا صبيحة ليلة الزواج قصد تحسين ظروف العيش وتجاوز قهر الطبيعة التي يعيشون فيها . بعد أسابيع تكتشف زينب أنها حامل . في انتظار رجوع الزوج "ستنيم" الجنين في بطنها لكن الزوج لم يظهر له أثر فبدأت تفقد الأمل في عودته.
و لمن لا يعرف أسطورة " الراقد " فإنها ذات بعدين : الأول هو الحديث عن الراقد بصفته جنينا " نائما " داخل بطن أمه مدة سنوات طويلة يمكنه أن يستيقظ لاحقا حتى بعد موت الأب أو غيابه !! و قد اعترف الفقهاء المسلمون به و تبنته جميع الفرق الدينية و ربطت نسبه بالأب و جعلت الحمل يمكن أن يدوم أكثر من سنتين . و بالتالي لم تحاكم النساء و لم ترجم على زنى كما أن الأطفال لم ينعتوا باللقطاء و لا " أولاد الحرام " . إلا أنه مع دخول الاستعمار و التطور العلمي تدارك العلماء المسلمون الأمر و حددوا مدة الحمل في 9 أشهر لتظهر المآسي التي نعرفها جميعا . لقد كان حلا لبقا لتجاوز تناقضات اجتماعية بعقلانية و حيلة و تبصر .
المستوى الثاني هو فعل متعمد حيث تقوم الأم بتنويم الجنين بمساعدة "فقيه" لموعد لاحق وبعلم جميع الأطراف في انتظار الوقت المناسب لإيقاظه. نمو الطفل يتوقف فنقول أنه رقد أو نام و يمكن أن يكمل سيرورته لاحقا في " الوقت المناسب". اقتبست ياسمين أسطورة ما يسمى ب "الراقد" لاستعمالها في الفيلم و استخدامها كرمز للرغبة و اللذة حيث لا تهم القراءة السوسيولوجية أو الأنثربولوجية للفيلم بقدر ما تهم القيمة البلاغية والرمزية.
إلتقيناها في طنجة حيث فازت بالجائزة الكبرى للفيلم و أجرينا معها الحوار التالي :
* هل يمكن اعتبارك محظوظة لأنك اشتغلت مع منتج كجون جاك أوندريا ؟
** أنا لا أعتبر نفسي محظوظة لأن اشتغالي مع جون جاك ليس خبطة حظ بل اختيار . كان لدي عروض من منتجين أمريكيين وفرنسيين . وضعت على نفسي السؤال التالي : ماذا سيقدم لي كل منهم وماذا سيطلبون مني ؟ ومن منهم سيحفزني على الإشتغال أكثر وتقديم الأفضل . جون جاك أندريا له خاصية نالت إعجابي . فعندما أطرح فكرة ما فإنه دائما معي في نفس الخط ويشاركني نفس الرؤية. يبقى دائما أنه أستاذي وتعلمت منه الكثير وما زلت . يدفعني إلى السير بها إلى أبعد حد. إنه يحترم اختياراتي أيضا فعندما أقول له هذا يجوز وهذا لا يجوز أو صحيح وخطأ، فإنه يحترم نظرتي للأمور ويقدر توجهاتي ولهذا نتعايش معا لأن كلا منا يحترم الآخر بالرغم من المشاكل المادية التي واجهتنا. كان من الممكن لي أن أختار منتجا فرنسيا أو أمريكيا يحقق لي تمويلا لا محدود للفيلم، لكنه في المقابل سيفرض علي توجهات ربما لن أرضاها. ويجعلني أغير خيارات ولدت داخلي. هذا ما يخلق الاختلاف بين جون جاك وغيره.
*سأكون صادقا معك، لقد حضرت مناقشات فيلمك وأحسست وكأنكم تناقشون فيلما غير الفيلم الذي شاهدت ؟
** صحيح لاحظنا ذلك نحن أيضا، الكل يجتمع ليس لمناقشة الفيلم بل ليجعلونا فريسة لهم.
* "يجعلونا" من أنتم ؟
** أنا وليلى المراكشي واسماعيل فاروخي نحن من يعتبرونا "دياسبورا" ( شتات ) وسمونا كذلك " سينما المهاجرين " وكأننا " كائنات من عالم آخر". كانت الأسئلة كثيرة وتعرضنا للهجوم وعوض أن نجيب على الأسئلة كنا نفكر فقط في رد الهجوم والدفاع عن أنفسنا وكأننا في قفص الإتهام. لو كنا في نقاش هادئ وبعيد عن "البوليميك" سنتحدث فعلا عن الفيلم . و آنذاك لن نتحدث عن ياسمين قصاري لأن الأمر لا يعنيني كشخص. فعندما يحب الجمهور الفيلم يتحرر عنك ولا يعود يربطك به شيء . لقد أصبح " موضوعا للرغبة " يمثلني ويمثلك ويمثلنا جميعا. والحملة الشعواء التي اكتشفتها هنا حول تحديد ما هو مغربي وما هو غير مغربي يقودها محترفون في الهجوم يمكنهم حتى نزع جنسيتك و حرمانك من هويتك وهذا هو الوضع الذي وقعت فيه ليلى المراكشي . وضع في الحقيقة لا تحسد عليه على الإطلاق (تضحك) لقد راقني كثيرا عرض فيلم "ماروك" لمشاكل مغربية كمشكلة الهوس البوليسي الذي أبدعت ليلى في إبرازه ، والتفتيش والسؤال الذي يلاحق الجميع : من تكون؟ من يرافقك ؟ ما علاقتها بك ؟ وغير ذلك. و نحن المغاربة نضطر للتبرير. هذه حقيقة لا تغيب على أحد ولا يجب إنكارها و حتى لحظة مناقشة الفيلم أجبرت على الرد على الخزعبلات والترهات بدل الحديث عن الشكل واللغة السينمائية عندما نتحدث عن الشكل فإننا نتقدم . إن سينمانا فعلا مهترئة. يجب أن نتقدم ، أن نتطور، السينما أصبح لها معنى عالمي . ربما غدا سنجد إنجليزيا يتحدث عن هموم المغرب أحسن مني ومنك. الفنان ملك عندما يكون صادقا يمكن أن يصنع من الفحم ذهبا ، مهما يكن المكان الذي ينتمي إليه.


* ما الذي كنت تودين قوله بالضبط ؟
** كنت أتمنى أن أحدث الناس هنا عن الميتافيزيقا ، عن الفلسفة ، وعوض ذلك نحن غارقون في البوليميك والمزايدات الفارغة والشعبوية والصراعات و الدعاية السياسية. لا يناقشنا أحد عن لغتنا السينمائية بل يكتفون بالقول : " أنتم تنشرون العري لأنكم تعيشون في أوربا ". نعم نحن نعيش في أوربا وهذا حقنا ، لكن أذكركم أن والدي عندما رحل إلى بلجيكا كان مرغما على ذلك وذهب للبحث عن لقمة العيش. لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي. أنا أحب المغرب وأهواه ، إنه داخلي وفي أعماق أعماقي وأحب بلجيكا أيضا ولا تناقض في الأمر. يقال لي دوما أنت مغربية تصنعين أفلاما في بلجيكا أو بلجيكية تصنع أفلاما في المغرب ! أنا أظن أننا - أعني " الدياسبورا " التي تحدثت عنها من قبل - كزهور مهجنة فعندما تخلط نوعين من الورود ستعطيك زهرة من صنف ثالث ولا يمكنك إذاك إقصاء لا الأولى و لا الثانية . و نحن كذلك في داخلنا هذا الاختلاف والتناقض المتعايش . في داخلي بلجيكا وفي داخلي المغرب. ولست مستعدة للتخلي عن أي حق من حقوقي، لاحظ في فرنسا أحرقوا السيارات كتعبير عن أزمة هوية . يجب ترسيخ هويتنا .. الهوية المختلفة التي تحتوي على تعايش عالمين يكونان كياننا. الإنتماء لثقافتين اثنتين يجعل منا أفرادا أكثر غنى ممن ينتمي لثقافة واحدة، أنا أعرف أننا نعيش في عالم يسير نحو عولمة تريد توحيدنا ومسح ثقافتنا وهويتنا ، لكن الأمر الذي أتحدث عنه مختلف . نحن لسنا أمام حالة ثقافة ضد ثقافة بل تعايش ثقافتين داخل كيان واحد. أنا حزينة لأني لم أتحدث مع الناس حول مواضيع مختلفة كالتي نتحدث عنها الآن ، و بدل ذلك سرنا في نقاشات عقيمة وصراع ديكة. أنظر إلى المغرب ، هناك ثقافات متعددة وأجناس ولغات مختلفة وأناس يجب تهذيبهم وتوعيتهم، إنني أسمع كلمات عن السود و "الملونين" وألقاب ينعتون بها أناسا بشرتهم مختلفة . في أوربا يمكن أن يقودهم مثل هذا الكلام للسجن. لا أتحدث عن المغرب فحسب ، بل حتى في فرنسا يمكن أن تجد مثل هذه النماذج. المشكل هو أن الأغلبية تسير في الطريق السيء و دور النخبة هو التفكير في التهذيب والتغيير. إن الأمر ليس خاصية مرتبطة بنا ، فكما يقول المثل العربي من " جال عرف حق الرجال " أنا سافرت كثيرا، و وصلت إلى أن الكل متشابه، الإنسان هو هو متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.. كل الشعوب تشتكي من هذا المرض لكن هناك أخرى اكتشفت روح المدنية أما نحن فلم نصل لهذا المستوى بعد لم نعرفه حتى الآن. ولم يجد طريقه حتى لطبقتنا المثقفة، إذا كانت السفاهة متفشية في أرجائها أدعك تتصور الحال عند العامة. ربما هناك أشخاص متميزون يلزمون الصمت لكن أظن الشجاعة أيضا يجب أن تكون إحدى صفات النخبة.
* أين تتجلى شجاعة ياسمين قصاري ؟
** سأجيبك بقولة لنيتشه، في الحقيقة أنا أحب فلسفته ومعجبة به إنه يتميز بفكر طلائعي وله رؤية مستقبلية خارقة يقول : "عندما نأخذ طريقنا الخاص فإننا لا نصادف فيها أحدا " في حديثه عن التفرد ، تفرد المبدع و الفنان الذي كلما تعرض للهجوم والانتقاد كلما تأكد أنك في الطريق السليم .
* هل تعنين أن ياسمين تحلق خارج السرب ؟
** هذا أمر يفزع الكثيرين، الناس ترتاح في السكون وتخاف التغيير. لكن المثل يقول : أفكار اليوم هي ثورات الأمس . يجب المجازفة في اتجاه التغيير . ومن أجل ذلك على المبدع أن يتسم بالصدق .
* نعود للحديث عن فيلمك. إني أرى أنه يتمحور حول موضوعين أساسين : الوحدة والجنس. وتوفقت في الحديث عن الإثنين حيث أننا عانينا من وحدة شخصيات الفيلم وفي نفس الوقت حدثتنا عن مشكلة جنسية في "حشمة" و لباقة جعلت المتلقي يتقبلها خلافا لتجارب أخرى لا داعي لذكرها.
** ما طرحته في الفيلم أمر واقع ويكفي النظر حولنا . كيف يعقل أن يرحل رجل عن امرأة عاش معها مدة طويلة ونام بجانبها كل ليلة على السرير وربما لهم أطفال. وفي لمح البصر يرحل وتجد نفسها وحيدة، البيت فارغ و السرير واسع. حرمان على كل المستويات. تطرح الأسئلة على نفسها وعلى النساء الأخريات بحثا عن جواب أو حل . النساء في فيلمي تتكلمن بلغة خاصة فكما تتيه "حليمة" مع صاحب معصرة "الزيتون" وتبحث عن حريتها في الطلاق . في المقابل لغة "زينب" تتجلى في الطفل " الراقد" والرغبة المؤجلة . إن الراقد رغبة جنسية أيضا. الفيلم يتحدث فعلا عن النساء ، وقبل أن أقدم "الراقد" قدمت فيلما عن الرجال اسمه "عندما يبكي الرجال" وحتى في الفيلم الذي نتحدث عنه فالرجل حاضر بشكل كبير حاضر بقوة غيابه.

* لقد قال لنا منتجك " جون جاك أندريا " أنك حذفت بعض المقاطع من الفيلم الوثائقي " عندما يبكي الرجال " ما هو السبب ؟
** نعم المقاطع صورت في بورديل للعاهرات و لم أكن أريد أن يرى النساء أزواجهم هناك احتراما لهم جميعا . علينا أن نفرغ عقولنا من أي آراء مسبقة. الرجال لا يعيشون في أوربا في بحبوبة كما يتصور لنا . نفس المعاناة النسائية هي أيضا رجالية. فيلمي يتحدث عن معاناة الإنسان بمفهومه الواسع .
* لقد عرضت في فيلمك شخصيتين نسائيتين الأولى رمز للمرأة المستكينة التي ترضى بقدرها. والثانية نموذج للمرأة الثائرة التي تسعى للتحرر من القيود وأخذ زمام أمورها بيديها. هل يمكن اعتبار هذين النموذجين يصوران حالة المرأة الآن وحالتها كما تريدينها أن تكون ؟
** من قامت بدور المرأة المتمردة أو "حليمة" هي رشيدة براكني وأداؤها في غاية النضج إنها ممثلة فرنسية من أصل جزائري . إنها نجمة في فرنسا وتعمل بحيوية كبيرة. بالنسبة لي المرأتان متكاملتان ، "حليمة" امرأة تعيش فيما هو آني ولا تؤجل أي شيء . آنية في حبها، في عشقها و في رغابتها. أما الأخرى فهي تعيش في التأجيل والأمل في ما سيأتي أو لا يأتي. وأنا محتاجة لهما معا، يجب أن تتمرد الأولى حتى تفقه الثانية أن الأمور ليست على ما يرام.
* لقد شدت "حليمة" كثيرا الجمهور.
** (مقاطعة) أكيد لأنها مثال لما نريد أن نكون جميعا ولا نستطيع أن نكونه . إنها داخلنا جميعا والسؤال يبقى هل ستظهر وتبرز على الواجهة أم سنخنقها داخلنا للأبد. عندما وضعت هذين النموذجين السلبي و الإيجابي الجمهور لا يحس نفسه أنه أعتدي عليه أو هوجم عكس أفلام أخرى كان تناولها عنيفا و مباشرا فرفضها الجمهور لأنه هوجم .
* صحيح معاجتك لموضوع الجنس كانت لبقة
** أريد أن أوضح شيئا : الطرح الديني منطقي حينما يقول : زوجوا أبناءكم في سن 13 أو 14 سنة ، الآن هذا الأمر مستحيل و حتى في الثلاثين من العمر الكثيرون ليس لهم عمل و بالتالي دخل ! يجب أن ترى فيما بعد نساء في 30 أو35 من العمر خصوصا عندما يأتون لأوربا و يحاولن ممارسة " حقهن الطبيعي " أقول لك أن الأمر ليس هينا بالمرة !! إنهن يصبحن غير قابلات للاختراق على كل المستويات !! و هذا موضوع فيلمي القادم . الإسلام منذ 14 قرنا قدم حلولا و دعانا للذة و المتعة . طبعا في إطار معين ، و لكنه اعترف بحياة الفرد الجنسية. الآن لا يمكن تحقيق هذا الإطار . ما هو الحل ؟ ماذا يقدم فقهاؤنا لنا الآن ؟ اجتهدوا اجتهدوا .. نريد حلا . كيف تكون حالة امرأة في الثلاثين ما زالت تنظرت كل هذا الوقت من أجل تذوق اللذة الجنسية ! ستعاني بمرارة و تصبح لا محالة مصابة بانفصام الشخصية . و نخلق بالتالي مجتمعا للنفاق و التكتم ..
* هل يمكن أن تحدثينا أكثر عن فيلمك القادم ؟
** ( ضاحكة ) هذا سر . لدي أفكار كثيرة ، ربما سيكون موضوعه حول الجنس و كما تعلم فإن النضج يزداد مع كل فيلم أنجزه . سيصور في نواحي جرادة لأني أعشق هذا المكان حتى الوادي الذي يظهر في فيلم " الراقد " كثيرا ما أمضيت فيه الإجازة مع أسرتي .
* كيف يمكن أن تتعامل السينما مع الجنس خصوصا السينما المغربية. هل يمكن أن تكون الجرأة في صالح السينما أم ضدها ؟
** الجنس في السينما له مستويان : الجنس كموضوع صالح للتناول والجنس كفعل مرئي أو فرجة. الحديث عن الجنس كفلسفة كعلاقة بين كائنين كإشكالية سيجد حتما آذانا صاغية. بينما في المستوى الثاني المسألة عالمية ، ففي الفيلم الأمريكي الكل ينتظر متى تصل لقطة القبلة بين البطل والبطلة . فكرتي الحقيقية الخالية من أي شعور بالخوف هي أنه لا يجب التهجم على ما يعتقده الآخر ويؤمن به. أنا أجادل و لا أهاجم . إنه من غير اللائق أن تقف أمام الناس وتقول لهم عن الخطأ و الصواب و تهاجم ما آمنوا به واعتقدوه منذ مئات السنين. الناس يتطورون بفعل داخلي .
* هل يمكن الحديث عن سينما نسوية مع ظهور ياسمين قصارى ليلى مراكشي و ليلى التريكي...؟
** لقد طرح علي نفس السؤال صحفي من الشيلي . في الواقع، الوجود الرجالي في السينما أكثر من الوجود النسائي، هذا أمر واقع ويمكن ملاحظته بسهولة. هناك أسماء نسوية أصادفها في المهرجانات العالمية وهذا شيء جديد وممتاز و غنى لنا جميعا و للسينما المغربية. بالإضافة إلى ذلك هناك بصمة نسوية متميزة ، حس مرهف لصيق بالمرأة. لكن عندما يصل المبدع إلى مستوى من العبقرية يمكنك إزالة اسم المخرج ولن تستطيع أن تميز بين عمل المرأة أو الرجل. الموهبة الحقة لا جنس لها. يمكن أن تنزع اسم "برغمان" من الجنيريك فيخيل لك أنه عمل نسائي . لم يصور أحد النساء كما صورها "برغمان". إن الإبداع يوصلك إلى درجة روحية و صوفية بلا جنس .
* بمن تأثرت ياسمين قصاري سينمائيا ؟
** أحب كثيرا " تاركوفسكي " لكن أي محاولة لمقارنتي به سأكون فيها خاسرة لا محالة . إنه أستاذي . يجب التمييز بين السينما التي أحب و السينما التي أقدم . أنا أقدم السينما بشكل غريزي مثلما ألبس، آكل، أمشي و أبتسم . لا أحاول إقحام تأثيرات خارجية لأن هذا أمر خطير. هذا هو الطريق الذي اخترت . إذا نجحت فالأمر جيد و إذا فشلت فسأغير مهنتي

* لقد صورت رحيل الزوج للضفة الأخرى و البنت الصغيرة التي تتبعه بشكل متميز ما السر في ذلك ؟
** إن الصغيرة التي تبكي رحيل الأب هي أنا في الحقيقة . لقد ذهب والدي لفرنسا قبل ولادتي و كان مع كل رحيل له أبكيه بنفس الحرقة ، لدرجة أنه أخدني معه لفرنسا دونا عن أي آحد آخر من إخوتي و كان يراجع معي دروسي و يعد لي الأكل و يغسل ملابسي . ذهبت و عمري 12 سنة ، بينما إخوتي كانوا ملزمين بالحصول على الباكلوريا أولا . إن علاقة البنت بأبيها متميزة جدا ، و أي صورة سلبية كانت أو إيجابية عن الرجل تأتي منها و الأب هو مصدرها. كنت أرى أبي رائعا و وسيما و كان كذلك بالفعل و مازال ( تضحك ) .
جمال الخنوسي


أمال عيوش " لصوت الناس" :
* التمثيل يعلمنا التسامح والتخلي عن إصدار الأحكام المسبقة والجاهزة.
* أرفض أن يصبح داخل أسرة الفن بوليس لقمع الفن
* متفائلة من التطور الكبير الذي عرفته السينما المغربية

أمال عيوش ممثلة أنيقة في مظهرها و أنيقة في طريقة أدائها . تألقت في الفيلم الأخير "رقصة الجنين" لمحمد مفتكر الذي فاز بالجائزة الكبرى للفيلم القصير في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة . و قد دفع أداؤها المتميز الكثيرين لترشيحها للفوز بجائزة أحسن ممثلة . التقتها جريدة "صوت الناس" و كان لنا معها الحوار التالي :
* كيف دخلت أمال عيوش فضاء التمثيل ؟
* أحببت الفن منذ صغري ، و في نفس الوقت درست الصيدلة في فرنسا . كانت لي الرغبة في التمثيل لكن للأسف لم يكن لي مثال أو قدرة ناجحة أقلدها وأسير في نهجها . كان علي أن أحفر طريقي لوحدي ، لم يكن الأمر بسيطا كما هو الحال في أمريكا أو أوربا أو مصر حيث هناك ممثلون ناجحون يمهدون الظروف لشباب واعد مادام للمهنة وجود وآفاق تطمئن له الأسرة أيضا. إضافة إلى أني لم أكن أملك الثقة التامة في مؤهلاتي. اغتنمت فرصة تواجدي في فرنسا وجربت ورشات للتمثيل وكان لي الحظ أن انتميت لفرقة مسرحية والتقيت بفنان كبير ومبدع علمني حب وعشق التمثيل . فاكتشفت في نفسي ولعا بهذا الفن كما أني في الحقيقة أملك رغبة عارمة للاكتشاف والتطلع الدائم للجديد . فكانت لي الرغبة أن أكون صحفية أو مهندسة أو باحثة أو راقصة وهذه الأشياء من الصعب تحقيقها كلها لكن التمثيل منحني هذه الفرصة. وجدت في التمثيل مدرسة الحياة الحقيقية لكن مع أخذ احتياطات صارمة فقد كان علي أن أبحث عن ذاتي ولا أسقط في فخ تكوين صورة سطحية لي.
* كيف كانت طفولة أمال عيوش؟
** ولدت في مدينة الدار البيضاء ، كانت طفولتي سعيدة لكن للأسف توفيت أمي وأنا صغيرة عمري 12 سنة. كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي جعلتني أطرح أسئلة عن الحياة والموت.. كانت أختي تحب المسرح ورأيتها ذات يوم تقوم بدور "أونتيغون" فأصبح حلمي أن ألعب أنا أيضا نفس الدور نظرا للعمق والألم الذي أحسست به ، خصوصا مع سن المراهقة ووفاة أمي . فكانت "أنتيغون" بالنسبة لي شخصية ذات أهمية كبيرة فحققت مع المخرج المغربي نبيل لحلو حلمي الكببير عندما طلبني للعب الدور .
* ماهي الشخصيات التي أثرت فيك و في مسارك الفني؟
** من الناحية الشخصية تأثرت كثيرا بجدتي وأمي أيضا لأنها كانت تتميز بروح التسامح والانفتاح لكن للأسف رحلت باكرا. أبي ساعدني كثيرا في حياتي بتفتحه واحترامه للمرأة . شجعني في الدراسة و في الفن . كنت خائفة في البداية من رد فعله ، لكنه أراحني بتفهمه بالرغم من تخوفاته لغموض مهنة التمثيل في بلادنا . لقد كان طبيبا و إنسانا بالمفهوم الواسع للكلمة .
أما من الناحية الفنية فكان أول فيلم لي هو "أصدقاء الأمس" لحسن بنجلون ، كان حدثا مميزا بالنسبة لي. كما أحببت دوري في "أونتيغون" و "علي زاوا" لأني أجد متعة في لعب أدوار بعيدة عن شخصيتي . و دور بنت الشارع وظروفها الصعبة جعلتني أفكر في قضايا كبرى. إن مثل تلك الأمور يمكن أن تقع لأي منا ، هذه المهنة أي التمثيل تعلمنا التسامح والتخلي عن إصدار الأحكام المسبقة والجاهزة.
* ماهي معايير اختيارك للأدوار؟
** يجب أن يكون الدور مصاغا بشكل جيد ومحبوك . أحب الشخصيات العميقة والمركبة كفريدا مثلا . لقد كانت فنانة ورسامة ، و في نفس الوقت تعيش أزمة نفسية وإعاقة جسدية . و مع ذلك تقاوم وتصارع بمساعدة الفن والحب . يجب أن يكون الدور مفتوحا و يمنحني فرصة للعب والإبداع ، لا أن يكون سطحيا . فكما هو الحال في الحياة الحقيقة للإنسان عدة مظاهر وأحاسيس مختلفة : الحب ، الكراهية ، الحزن ، السعادة ، الغيرة ، الرغبة.. هذا ما يكون الإنسان ويجعله مختلفا عن الحيوان. صراع الحيوان يكون حول الفرائس أما صراع الإنسان فهو صراع السلطة، صراع على المرأة، صراع الغيرة.
* كيف ترين راهن السينما المغربية؟
** لقد لاحظت تطورا كبيرا و أنا جد متفائلة . هناك فقط ضعف وفراغ في كتابة السيناريو . لكن مادام هناك نجاح حققناه فسنحاول مقارنة أنفسنا مع الناجحين و سنتغلب حتما على هذا المشكل . خصوصا مع انفتاحنا على دول أخرى وسينمات مختلفة عبر المهرجانات واللقاءات. تجارب مختلفة نستفيد منها وتستفيد منا، أنظر مثلا للتجربة الإسبانية مادامت قريبة منا جغرافيا . إنهم مبدعون في الفيلم القصير ويهتمون كثيرا بالصورة ولغتها، الديكور و الملابس و الأضواء والتفاصيل و إنتاج صورة غنية . إنهم سينمائيون قريبون من الرسام والفنان التشكيلي.
* ما رأيك في فيلم "ماروك" الذي أثار ضجة كبيرة؟
** أنا متفقة مع حرية التعبير وحرية الفنان وهذا أمر لا يناقش . لكن هناك أمور لم ترقني خصوصا بعض اللقطات..
* هل تعنين الجرأة الجنسية؟
** ليس هذا بالتحديد أنا أعيب في هذا الفيلم عدم احترامه لنا و لطقوسنا وطريقة تقديمه للأسرة المغربية خصوصا أن الفيلم سيمثلنا في عدة مهرجانات حول العالم . لم يعجبني ذلك الاستخفاف بالآخر وخياراته.
* ألا ترين أن دور الفن الحقيقي هو تحريك البرك الراكدة و خلخلة المجتمع ؟
** نعم خلخلة المجتمع وتقديم أفكار ذات بعد طليعي لكن باحترام . الجرأة مهمة ومرغوب فيها لكن بتحفظ . أنا عصرية وكبرت في وسط عصري ودرست في فرنسا لكني عشت هنا بالمغرب وأسرتي عصرية وأجدادي كذلك و رغم ذلك عشت مع الكل في احترام . في نفس الوقت لم يرقني طلب منع الفيلم وإقصائه . كيف يصبح داخل أسرة الفن بوليس لقمع الفن .
* ما هي العراقيل التي صادفتك كممثلة ؟
** في الحقيقة كان الأمر سهلا بعض الشيء لأن زوجي متفهم . و بما أن لي مهنة أخرى كصيدلية فذلك يمنحني نوعا من الحرية و الاستقلالية في اختيار الأدوار بينما زملائي مرغمون على قبول مجموعة من الأعمال أو القيام بالإشهار .
* ماهي آخر أعمالك ؟
** فيلم مع نبيل لحلو ويدور حول قصة الكوميسير ثابت صاحب الفضيحة الأخلاقية المعروفة لكن للأسف للمخرج مشاكل مادية. أما آخر فيلم قصير فكان مع محمد مفتكر.
* ماهي مشاريعك المستقبلية؟
** أستعد لعمل سينمائي سينطلق نهاية يناير 2006 . و عمل تلفزيوني مع حسن بنجلون سينطلق في فبراير أو مارس من السنة القادمة . و هناك أيضا مشروع عمل مسرحي مع مؤسسة الفنون الحية مازال في طور الكتابة.
أجرى الحوار : جمال الخنوسي
المهرجان الوطني الثامن للفيلم بطنجة :
حصيلة إيجابية و مكاسب جديدة للسينما المغربية

انتهى المهرجان جمع الكل رحاله .. و ماذا بعد ؟ ماذا بقي للسينما المغربية ؟ ماذا ننتظر منها ؟ و ما هي الخطوة التالية ؟
الكل في طنجة اتفق على أن هناك طفرة و عهدا جديدا تشهده السينما في المغرب . طفرة على مستويات متعددة يحدد أهمها محمد باكريم رئيس قسم التعاون والتنمية السينمائي في المركز السينمائي المغربي في " غزارة الأفلام المشاركة حيث أن الدورة الثامنة حققت نجاحا كبيرا على هذا المستوى ، نظرا للعدد الكبير من الأفلام المبرمجة سواء في المسابقة الخاصة للفيلم الطويل أو تلك الخاصة بالفيلم القصير . و أيضا لمستواها الرفيع من الناحية الفنية والجمالية وذلك ما سجله ليس فقط المتتبعون المغاربة بل أيضا بعض الضيوف والأصدقاء الأجانب كما هو الحال في المجلة الأمريكية VARIETY ( التي احتفلت مؤخرا بسنتها المائة في الساحة الصحفية) و اعتبرت أن هذه الدورة دورة تاريخية.



المستوى الآخر للنجاح الذي يمكن أن نقيس به أية تظاهرة هو مدى إقبال المهنيين عليها وقد سجلنا حماسا كبيرا من طرف السينمائيين المغاربة والتقنيين المشتغلين بالسينما وعشاقها وحرصهم على الحضور. ثم المستوى الآخر هو إقبال جمهور طنجة بشكل منقطع النظير، بحماس وانضباط واهتمام بالغ . مما يؤكد بأنه مازال للسينما جمهورها وللقاعات روادها وما زال للفيلم المغربي عشاقه . واقع السينما المغربية في الوقت الراهن بشكل عام، إيجابي وحافل بطموحات وآمال كبرى نظرا للأرقام التي سجلناها خصوصا على مستوى الإنتاج الذي سيعرف من جديد زخما بعد الدفعة القوية التي قدمتها الحكومة المغربية لصندوق الدعم وأيضا على مستوى النتائج التي حصلت عليها الأفلام المغربية في المهرجانات الدولية الكبرى . حيث أصبح الفيلم المغربي لا يقتصر على الحضور فقط شكليا في التظاهرات بل أصبح منافسا قويا للدول ذات التاريخ العريق في الميدان. ومن الملاحظ أيضا ، أن هذه السينما تحمل بوادر تطور واستمرارية وهذا ما يؤكده التحاق أجيال جديدة من المخرجين . و من المعلوم أنه إلى عهد قريب كان عدد المخرجين المشتغلين في المجال السينمائي ضئيلا ، انحصر في مجموعة من الرواد الذين دشنوا هذا الفن في المغرب . و لكن اليوم لنا عدد كبير من المخرجين من انتماءات جغرافية وثقافية مختلفة وذوو اختيارات ومقاربات جمالية متباينة ، وهذا دعم وغنى للثقافة المغربية بشكل عام . " و يرى باكريم أن الفضل يعود لصندوق الدعم الذي " أثبت إيجابيته والعديد من الدول تنظر لهذه التجربة وتدرسها بل حتى بعض الدول المنتمية للضفة الأخرى من المتوسط تنظر للتجربة المغربية كتجربة متميزة ترى للدولة دورها الهام في القطاعات الاستراتيجية كالقطاع الثقافي " . أما حفيظ العيساوي كاتب عام الجامعة الوطنية للأندية السينمائية فيرى أنه بعد سنتين فقط من مهرجان وجدة استطعنا الوصول إلى الكم الهائل من الأفلام خصوصا مع الإدارة و المشرفين في المركز السينمائي الذين أشركوا جميع الفاعلين في مجال السينما. واعتبر المهرجان عرسا وأهم تظاهرة وطنية كان الأحرى أن تنظم في مدينة أخرى مادامت طنجة سبق لها شرف تنظيم دورة سابقة لكن عدم توفر القاعات الملائمة حال دون ذلك. و يطالب العيساوي بضرورة تنظيم مواعيد المهرجانات . فبعد مراكش نجد طنجة ثم أكاديرفزاكورة في ظرف وجيز . نفس المشكل نجده أيضا في المهرجانات العربية التي نظمت بفارق 48 ساعة بين مراكش و دمشق و القاهرة و دبي لذلك يؤكد العيساوي بضرورة تكوين لجنة وطنية لتنظيم التظاهرات من أجل التنسييق بين مختلف المهرجانات .و في زاوية مختلفة نادى البعض بالحفاظ على المكاسب و النظر لمستقبل السينما المغربية لكسب رهانات جديدة . الناقد السينمائي فريد الزاهي يرى أنه من اللازم الربط بين مهرجان طنجة 1995 وطنجة 2005 " لشيء بسيط هو أن مهرجان طنجة 1995 طرح مجمل المشكلات الأساسية التي كانت تعانيها السينما آنذاك . سواء في نقاشات الأفلام أو في الندوة الفكرية التي نظمت حول المحلي والعالمي في السينما االمغربية وظهر في ذلك الحين جيل من الشباب بأشرطة قصيرة . هؤلاء الشباب هم من نشهد اليوم وبكل فرح أفلامهم الطويلة الأولى كنور الدين الخماري و اسماعيل فاروخي وغيرهما. حاليا المهرجان يعيش منعطفا لأنه وصل بإيقاعه الجديد إلى حده الأقصى ، أي أن وتيرة الإنتاج السينمائي تجاوزت إيقاع التنظيم بحيث في وقتنا الراهن أصبح من الممكن تنظيم المهرجان سنويا. أو يأخذ صيغا أخرى لأن هذه الصيغة بدأت تستنفذ قوتها وطاقاتها. لقد أصبح الكل واعيا بأن السينما أصبحت رهانا أساسيا وتحديا مرحليا . تصدرت الواجهة بعد طول تهميش، وتفوقت على ميدان الكتابة والمسرح.. عموما أصبحت الرهان الرسمي للثقافة المغربية . أظن أن هناك إرادة قوية في بلادنا من طرف جميع الفاعلين خصوصا الممولين -لأن التمويل أمر أساسي - لخلق صناعة سينمائية أو على الأقل حركة سينمائية لأن الصناعة تتطلب قاعات واستديوهات ومدارس خاصة، و الحلقة الضعيفة في هذه السلسلة هي التكوين ، لماذا ؟ لأن هذه الإرادة الثابتة ( التي هي أيضا إرادة عاطفية مادامت السينما تنبني على نوع من " البريستيج " و المظهرية في المهرجانات الدولية . فمهرجان مراكش الذي كان له ثقله في الساحة الدولية هو في الحقيقة نتيجة إرادة سياسية ) يجب أن تسعى أيضا لجعل الثقافة السينمائية مكونا أساسيا في البرامج التعليمية حتى تغدو جزءا من الصناعة الثقافية، أتحدث عن صناعة لأن للسينما أبعادا سياحية و تساهم في بلورة وصياغة صورة عن الذات و تلميعها، على العموم صورتنا التي سنبدو بها أو كما يراها الآخر بعيونه وكل ما يخلقه ذلك من حضور وامتيازات رمزية . الجانب الآخر الذي لم يتطور هو العلاقة بين الأدب والسينما . هناك قطيعة حقيقية بين من يكتبون في كل المجالات وبين من يكتبون للسينما، لقد تجاوزنا في الحقبة الأخيرة تلك العنجهية التسلطية حيث كنا نجد المخرج صاحب السيناريو وكاتب الحوار وكل شيء . إنها ظاهرة "خاصة" بدأنا نتجاوزها. لقد لاحظنا منذ حوالي 5 سنوات ترك المجال للآخرين ليقوم كل واحد بأعماله، لكن أظن أن الكتابة للسينما تشكو من الضعف نوعا ما. ومن ثم جاءت مطالبتنا منذ مدة من المركز السينمائي بتخصيص "دعم" لكتابة السيناريو " .
الاهتمام إذن بكتاب السيناريو هو الخطوة المطلوبة لأن السينما المغربية تشكو من أزمة نصوص حقيقية ، خصوصا مع ظهور التيار الجديد من سينما الشباب و آخرون يسمونها سينما المخرجين المهاجرين . و التى تتميز بنظرة خاصة لقضايا المجتمع المغربي و أسلوب مميز في التعامل مع هذه القضايا . تيار يضم ياسمين قصاري و ليلى مراكشي و اسماعيل فروخي و غيرهم ، و من النقاد من ذهب لحد القول إن مهرجان طنجة هو إعلان لنهاية " ديناصورات السينما المغربية " لصالح الجيل الجديد . حيث أن أفلاهم لم تلق أي صدى . أو على الأقل أن أعمالهم لم تتميز و لم تتألق و مستواها هو مستوى عهده الجمهور و المتتبعون منهم .
أما خليل الدامون رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب السينما المغربية فيحدد خصوصية هذه الدورة في اختلاف الأساليب و نوعية الأفلام . حيث نجد الأسلوب التجاري كفيلم " الباندية " لسعيد الناصري و "فيها الملح والسكر" لحكيم النوري و التي يبحث فيها المخرج منذ البداية عن الجمهور وشباك التذاكر. هناك أيضا سينما ما يسمى بسنوات الجمر " كالغرفة السوداء " ليوسف بنجلون ، " " ذاكرة معتقلة " للجيلالي فرحاتي و " شاهدت اغتيال بنبركة " لسعيد السميحي و سيرج لوبيرون . هناك ما يمكن تسميته أيضا بسينما " المخرجين المهاجرين " الذين لهم وجهة نظر خاصة في إبراز معاناة الإنسان المغربي الذي ظل حائرا بين مجتمعه الأصلي والمجتمع الذي يعيش فيه. إضافة إلى ما يمكن تسميته بسينما السيرة الذاتية أو سينما المدينة كما هو الحال عند مومن السميحي في "العايل" أو فيلم فريدة بليزيد " خوانيتا بنت طنجة ". كما تم عرض فيلم كان من الممكن أن يصبح تحفة لولا بعض الثغرات وهو "السمفونية المغربية" الذي يشكل إضافة جديدة للسينما المغربية. إذن هناك أنواع مختلفة من الكتابات السينمائية الشيء الذي جعل النقاش حيا يصل إلى درجة العنف أحيانا. نفس الأمر بالنسبة للفيلم القصير حيث وصل الإنتاج إلى 46 فيلم وهي سابقة وأنا لا أقول أنها كلها جيدة ولكن مجموعة كبيرة من المخرجين الشباب أبانوا على أنهم قادرون على العطاء مثل لحسن زينون، عزيز سالمي، محمد مفتكر، و محمد شريف الطريبق كل هذه العناصر قادرة على العطاء وعلى النقاش وأن تجعل من الصورة السينمائية المغربية صورة مشرفة بين أهم السينمات. فبعدما كنا نصاب بخيبة أمل عند مشاهدة الفيلم المغربي، أصبحنا الآن نلاحظ بعض التطور على مستوى الأسلوب والتقنيات الشيء الذي جعل الفيلم المغربي قادرا على خوض مجال المنافسة ".و في نفس الاتجاه يرى الناقد نور الدين كشطي أن الدورة الثامنة شهدت عددا من الأفلام المتميزة، إضافة إلى أن هناك مجموعة من الأفلام كان من الممكن أن تكون حاضرة وتعرض لأول مرة في المهرجان لكنها للأسف تعاني من بعض المشاكل المادية والتقنية مما جعل لجنة التحكيم في رأيه تعاني كثيرا عند انتقاء الفيلم الذي يستحق الجائزة . كما سجل قلة جودة الفيلم القصير و تميز أفلام المخرجين المقيمين في الخارج مقارنة بنظرائهم من المخرجين المحليين، و اعتبر المهرجان مناسبة للاحتكاك والتنافس لأن الجودة في رأيه " لا يجب أن تكون في المواضيع بقدر ما يجب أن تكون في الجانب الفني والجمالي " . و قدم كمثال أفلام سنوات الرصاص.
سجل المهرجان أيضا بداية قصة حب بين السينما و الأمازيغية حيث ظهرت أولى إرهاصات ما سمي " بالسينما الأمازيغية " و أصبح الحديث عن " فيلم 100% أمازيغي " و عن " رد الاعتبار " . يقول محمد باكريم في هذا الصدد " إن المركز السينمائي المغربي لا يدعم الأفلام حسب لغة حوارها. المركز له سياسة للدعم بشكل عام . أما لجنة اختيار الأفلام فهي مستقلة مكونة من فعاليات تنتمي للقطاع السينمائي والثقافي والمجتمع المدني واختياراتها تتم بكل استقلالية. فيما يخص الفيلم الأمازيغي والسينما الأمازيغية هذا حديث مرتبط بما تقوم به وزارة الاتصال لتطوير ودعم حضور الأمازيغية في وسائل الإعلام بشكل عام وهو نابع من التوجيهات الملكية في هذا الصدد منذ إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وهو نوع من رد الاعتبار لجزء كبير من ذاكرتنا الجماعية ، والفيلم الأمازيغي والسينما الأمازيغية ستحظى أيضا بهذه المساندة لكي يساهم الفيلم الأمازيغي في إغناء وتنوع السينما المغربية، وفي نظري هذا لا يحمل معالم سقوط نحو بعض الانزلاقات التي يتخوف منها البعض ، أقول بكل صراحة لقد تأخرنا في إصلاح هذا الخلل التاريخي "


و في المقابل يرى فريد الزاهي أن الخطير في الأمر هو أن تصبح مثل هذه التسميات ضربا من اللافتات السياسية والأيديولوجية. و يتساءل : هل هناك صورة أمازيغية ؟ " الصورة ليست أمازيغية ولا عربية. الصورة لغتها الوحيدة مجموعة من الشعارات والرموز يمكن للجميع قراءتها. لقد كنت منذ البداية من القلائل و ضمن مجموعة من الأشخاص الداعين لنوع من التعدد طبعا في حدود معينة. أنا لست ضد الأمازيغية ولا الثقافة الأمازيغية لكن لي مؤاخذة . لن أتحدث عن منزلق بل يمكن أن أقول أنه من السهل الوقوع في الفخ . حتى الحديث عن سينما مغربية بالنسبة لي أمر مؤقت. تصور أن تركيا أخذ الجنسية المغربية و أخرج أفلاما... أية هوية يمكن أن نمنح لأفلامه . إن السينما لغة عالمية أنا أخاف من التهافت على مجموعة من التسميات والمفردات كالمغربة وغيرها كذلك أخاف من انغلاق الهوية . يلزمنا أن نأخد الوقت الكافي ، أنا لست ضد أن تكون هناك سينما أمازيغية أو لا تكون ، يجب أولا تحديد ما الذي نعنيه بالسينما الأمازيغية ؟ هل الناطقة بالأمازيغية ؟ أم هل هي التي تتحدث عن الأمازيغ ؟؟ إن الأمازيغية لغة للحوار وليست لغة فيلم . هناك خلل وهناك مشكل فيه نوع من التهافت والاستباق والإسقاط " .
يبقى النقاش و الجدل ظاهرة صحية تعكس حيوية و انتعاش القطاع السينمائي و تطور الفيلم المغربي شكلا و موضوعا ٠

جمال الخنوسي

المخرجة الشابة ليلى التريكي ل"صوت الناس" :
ـ إذا أغلقنا على نفسنا في حيز ضيق و نوع واحد من السينما كيفما كان سنختنق و نموت
ـ نحن مازلنا محتاجين للدعم ، لأنه بلا دعم لن تكون هناك سينما في المغرب
ـ المجانية في التعبير هي عدوة السينما الحقة

ليلى تريكي تحسن التعبير بالكلمات كما تحسن التعبير بأدواتها السينمائية . لم يتجاوز سنها الثلاثين و تتحدث بحكمة و رهافة إحساس . شاركت في مهرجان "كان" و المهرجان الوطني الثامن للفيلم بفيلمها "دم الحبر" . مثلت مع زميلاتها من المخرجات ما سماه البعض موجة نسائية في السينما المغربية .إلتقتها "صوت الناس" لتتحدث معها عن السينما ، عن مشاريعها و عن لقائها بسكورسيزي و كياروستامي :

* كيف ترى ليلى التريكي واقع السينما المغربية ؟
** أنا جد متفائلة ، لقد لاحظنا بروز مواهب كثيرة ، و لغاة جديدة في المقاربة الفنية و الإخراج . هذا كله لا يمكن إلا أن يبعث بالتفاؤل . نعم عندنا مشاكل إنتاجية و تقنية ، لكن لا يمكنني أن أقدم نظرة سوداوية على الواقع فالأمر ليس كذلك . و أظن أن رد الفعل عن نفور الجمهور من القاعات بالاهتمام بالسينما ولد نهضة نقطف تمارها الآن .
* ماهو رأيك في سياسة الدعم ؟
** نحن مازلنا محتاجين للدعم ، لأنه بلا دعم لن تكون هناك سينما في المغرب . لم نصل بعد للصناعة السينمائية القائمة ببنيتها التحتية و وكالاتها و وكلائها .. حتى في فرنسا و أوربا هناك مؤسسات تمارس نفس النهج . بالنسبة لنا دعم المركز السينمائي مهم جدا لأنه يقدم لنا على الأقل 40% كأمل في أن يرى الفيلم الوجود . و بعد ذلك ، يبقي مجهودك الخاص للبحث عن منتج يؤمن بمواهبك لأن الدعم لا يغطي كل ميزانية الفيلم . خصوصا الأفلام الطويلة التي تحتاج تقنيات و إمكانات ضخمة حتى يقدم عملا في المستوي لا من ناحية الصورة و لا الصوت و لا الممثلين و السيناريو . إنه استثمار كبير لابد من البحث له عن موارد مالية . على الأبناك و الشركات أن تدخل أيضا هذه المغامرة التي هي في نفس الوقت مربحة . من أجل بناء صناعة سينمائية مغربية محضة ، مازالت تبحث عن بصمتها . كما هو الحال في السينما الإيرانية التي ليست سينما غنية أو لها ما يسمى ب star system ، و مع ذلك فهي سينما فرضت وجودها و علينا السير في نفس الطريق .
* هل تظنين أن الأفلام التي عرضت في مهرجان طنجة الأخير تبحث عن هذه البصمة و بالخصوص الأفلام التي أثارت جدلا واسعا ؟
** بالفعل لكن للأسف الفيلم الذي أثار الجدل كان هو "ماروك" لليلى المراكشي و لم تتح لي فرصة مشاهدته بعد . سمعت عنه الكثير ، و أظن أن لكل مخرج مقاربة معينة لطرح موضوع ما. و ليلى المراكشي اختارت أن تبرز واقعا موجودا بالفعل ربما مقاربتها صدمت البعض لأنه داخل أنفسنا عندما نتجاوز الحدود المعروفة نصاب بالهلع . هناك واقع الفقر لكن هناك أيضا واقع الغنى . و واقع أناس ضاعت هويتهم و ضاع تموقعهم . انمحى انتماؤهم المغربي و اختلط بما يستوعبونه من القنوات الفضائية . لقد أصبح شبابنا موزعا بين الواقع المغربي و ما يجري في الضفة الأخرى . حالة من التيه ، يسمعون الموسيقى الغربية و لباسهم غربي و لا يأخذون الوقت من أجل التفكير في من هم و أين هم ذاهبون ؟ و ماذا يأخدون من الآخر و ما عليهم تركه ؟ بالإضافة للواقع الجنسي المزري الذي لم يعد يخفى علي أحد . لا أستطيع الخوض طويلا في الفيلم لأني لم أشاهده بعد ، لكن شخصيا أحترم كل المقاربات . من الممكن أن تكون لي آراء شخصية لكني لا أستطيع الحكم على المقاربات الأخرى كونها صائبة أو ليست صائبة . يجب أن تتوفر لدينا جميع أنواع السينما لأنه ليس هناك جمهور واحد . هناك عدة شرائح و كل شريحة لها ثقافة و خلفية معينة و تريد أن ترى نفسها في فيلم . و إذا أغلقنا على نفسنا في حيز ضيق و نوع واحد من السينما كيفما كان سنختنق و نموت . أنا شخصيا من الممكن أن أتجنب العديد من المشاكل و لكن ستكون لي مقاربة مختلفة . لقد سبق لي أن شاهدت أفلاما أجنبية و بالخصوص شاهدت لقطة للمخرج الفرنسي لوك بيسون "مثيرة" لدرجة كبيرة و مع ذلك لا نرى "أي شيء" . يمكن أن نوصل جميع الأفكار و يبقي الاختلاف فقط في كيفية إيصالها . و المقاربة الشخصية لكل مخرج يتحمل تداعياتها هو وحده .
* لا يجب فقط الوقوع في فخ المجانية ..
** بالتأكيد فالمجانية في التعبير هي عدوة السينما الحقة . و كل لقطة أو صورة يجب أن تكون مبررة و تحمل رسالة . لا أن نبحث لها عن أعذار و مبررات . أنا أعتبر النقاشات مهمة لأنه في الكثير من الأحيان و في مهرجانات في إيطاليا و فرنسا و غيرها تطرح أسئلة يقدم فيها المشاهد أشياء عن فيلمي غابت عنيي . أمور لاحظها و لم ألتفت لها أو ربما لم أعرها اهتماما . لكن هو شاهدها لأن له حمولة ثقافية و عاطفية مختلفة . لقد تلقى الصورة بشكل مختلف و هذا ما يصنع الغنى . لذلك في أفلامي القصيرة أجرب و أعتبر الفيلم القصير حقل تجارب . لقدد حاولت نوعا ما مخاطبة اللاوعي من خلال مقاربة معينة للصورة . حاولت أن أرى رد فعل المتلقي لأنه في الفيلم القصير ليس كل لقطة تقدم فهي مفهومة . فربما لتلك اللقطة وقع كبير على اللاشعور الذي يعطي في الأخير إحساس الرضى أو عدم الرضى في نهاية الفيلم لأنك تنادي شيئا دفينا داخله .
* لقد شاهدت فيلمك "دم الحبر" و كلفني الكثير من المجهود لفهمه . لماذا كل هذا الإغراق في الرمزية ؟ هذه ملاحظة تصدق على جل الأعمال المغربية ، فإما هي سطحية لدرجة السداجة أو مغرقة في الترميز لدرجة لا يفهمها أحد .
** عندما اشتغلت في فلمي لم يكن هدفي أن أكون مغرقة في الرمزية . لقد تعاملت مع لاوعي شخصية لا تعبر عنه بالكلمات و يظهر لاوعيها في الأخير ك voix off لتفسير ما يحدث عندما يكون للإنسان جدل داخلي . السؤال الذي طرحت هو كالتالي . كيف أحول هذا الجدل الداخلي إلى صورة ؟ ليس مهم أن كل ما يرى في الصورة يفهم المهم هو أن نعرف أن الشخصية تعيش عراكا داخليا . الشخصية لها علاقة مع الأب و علاقة مع الحبر الذي يبقى بعد أبيها . و للشخصية علاقة بالكتابة أيضا و انكسار القلم هو تعبير عن انقطاع روح الإلهام . ثم تنطلق في البحث عن حل لإيجاد دفعة جديدة لوحيها الإبداعي . إذا خرج المشاهد بهذه الشبكة من العلاقات أعتبر نفسي قد نجحت . أما كل ما يحوم حول هذا فهو مجرد لغة الفيلم القصير و تقنياته التي تمثل الفرق بينه بين الفيلم القصير و الطويل الذي يعتمد على أحداث متسلسلة تتطلب الفهم . في فيلمي القصير أتحدث عن فنان يتعامل مع أدواته و يفقدها ثم يبحث عن أخرى بديلة . في الحقيقة عشت تجربة أدهشتني مع أمريكية من أصل كولمبي في مهرجان مراكش الأخير . قالت لي أنها شاهدت فيلمي و نال إعجابها . أفرحني كثيرا قولها ، و ذكرني سؤالك بهذا الأمر لأن فيلمي هناك من يفهمه كاملا و هناك من يفهم جزءً منه. لكن في الحقيقة لم أقصد قط ذلك ، و لم يكن هدفي تقديم قصة بقدر ما كان هدفي أن يلم المشاهد بشبكة العلاقات التي ذكرت من قبل . تصور أن الأمريكية التي حكيت لك عنها سردت لي أحداث الفيلم كما أردت أن يفهم دون أن تفقه كلمة واحدة من الحوار لأنها لا تعرف لا العربية و لا الفرنسية !
* ما هي الأحداث البارزة التي أثرت في بناء شخصيتك و نظرتك السينمائية ؟
** لقد أثر في حدث عشته هذه السنة هو ميلاد ابني الذي غير حياتي و نظرتي للأمور . لقد سمعت الكثير عن الإحساس بالأمومة و لما جربته لم أكن أتصور إلى أي مدى من الممكن للطفل أن يغني حياة أمه . و أنا كإنسانة راشدة علمني طفلي كيف أنظر للحياة و أعيد النظر في الكثير من قناعاتي . إننا نأخذ الأمور بجدية كبيرة و ننسى الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة و هذا ما يأتي به المولود الجديد . لقائي مع سكورسيزي و كياروستامي في مراكش كان متميزا أيضا . لقد كان لي تبادل كبير مع هذا الأخير : في تمريني الأول معه غمرني بملاحظاته السلبية عندما طلب مني إنجاز فيلم قصير موضوعه الهاتف النقال . كان جد قاس في حكمه على عملي . و قساوته تلك جعلتني أتجاوز نفسي و قدراتي . و لما عرضت عليه إنجازي بفكرة جديدة هنأني قائلا : في ظرف أسبوع استطعت أن أفجر داخلك كل هذه العطاء و أخلق رد الفعل هذا . لقد شجعني قوله و سأحافظ على علاقتي به عبر الانترنيت للاستفادة من تجربته و معرفته . إنها خطوة جديدة بالنسبة لي و حدث لن أنساه قط لأنه مخرج عملاق . لقد علمني التواضع . لما جاء سكورسيزي إلى مراكش و هو رجل وراءه 40 سنة من الإخراج كلمنا و كأنه مبتدئ في فيلمه الأول . منذ شهور و نحن ننتظر سكورسيزي للننهل من تجرببته و معارفه و إذا به يقول لنا في أدب : هل يمكن أن تمنحوني 5 دقائق إضافية لأبين لكم كذا و أشرح كذا .. إنه جد متواضع و يستمع للأسئلة و يجيب في لطف .. قيمة المخرجين الكبار من طينة سكورسيزي هي تواضعهم و إيمانهم بأن كل ما يعرفونه هو أنهم لا يعرفون شيئا .
* كيف تختارين السيناريوهات التي تشتغلين عليها ؟
** يجب أن أحب العمل أولا ، أن يلمس شيئا داخلي . هناك جانب عقلاني و شروط أساسية لكن في نفس الوقت هناك جانب عاطفي . يجب أن يحرك العمل شيئا داخلي و إلا فلن أستطيع التعامل معه . سيناريو أول فيلم لي كان لمحمود ميكري . راقتني فيه بساطة القصة ، حيث تحكى من وجهة نظر طفل صغير ، نظرة بريئة . أما الفيلم الثاني فأنا من كتبت السيناريو حيث كان لي تساؤلان أساسيان : أولا حول الشخص الذي تكون له حمولة عاطفية و ثقافية و إبداعية و له ارتباط خاص بأداة التعبير . تخيل مثلا نحاتا فقد بصره ، هل سيكف عن الإبداع ؟ لا أظن ذلك . سيبحث له حتما عن البديل و إلا سيعيش مع إعاقته التي ستقوده لنهايته . ثانيا ربط التساؤل الأول بحياة شخصية نسائية في زمن انتقالي في المغرب . في فترة الخمسينات كان المغرب ينتقل إلى الحرية و الاستقلال ، و في السبعينات هناك انتقال في نظرة جيل بأكمله إلى مختلف القضايا بعد ماي 68 و التحول الذي عرفته قضية المرأة . و السؤال هو : هل ستتحمل المرأة المغربية دائما ثقل تاريخها ؟ هل ستصبح عضوا كاملا و فعالا في المجتمع ؟ و هل ستثبت وجودها ليس فقط من خلال الرجل الذي هو والدها الذي منحها حمولة ثقافية و عاطفية ، إنما باستعمال أبيها كغنى و ليس عبء . و بما أن الفيلم قصيرا ، كان لابد من طريقة و لغة مركزة جدا و مرئية لأعبر على أن الشخصية النسائية ستتحدي الجدل داخلها و ستنفتح من جديد على عالم أترك لمخيلة الجمهور معرفة كنهه .
* ما هي مشاريعك المستقبلية ؟
** أشتغل على فيلم قصير يتحدث عن فكرة عصر السرعة الذي يخترقنا . و كيف أن المجتمع المغربي المبني على التكافل تغير و أصبح كل فرد لا ينظر إلا لهمه الشخصي . يمكن أن يمر أي منا أمام فقير أو محتاج دون أن يعيره أدنى اهتمام لدرجة يصبح فيها شفافا . لن يتساءل قط : هل كان له حياة من قبل ؟ الموضوع هو اللامبالاة التي تكبر داخل مجتمعنا و الفردانية التي غزتنا . لاحظ أننا في بعض الأحيان نرى شخصا يهاجم أو يعتدى عليه دون أن يتدخل أحد لأن المجتمع أصبح عنيفا و يخيم عليه الخوف و الرهبة .
أجرى الحوار : جمال الخنوسي



نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي لجريدة " صوت الناس " :
- السينما المغربية حية و ذات توجهات مختلفة
- التعبير الحقيقي للسينما هو التناقض الإيجابي
- نحن أمام تحدي حقيقي ، إما أن نواكب التاريخ باحترام أسسنا
و جرأة الدخول في الحركية العالمية و إما أن نقف و نبكي على الأطلال
- مسآلة المنع لن ينطبق عليها سوى نظرية داروين

حاوره : جمال الخنوسي

* في البداية ما هو تقييمكم للمهرجان الثامن للفيلم ؟
- أرى أن المهرجان حقق الأهداف المسطرة له من خلال مناخ ملائم تجلى في ثلاث نقط : أولا التنظيم كان في المستوى المقبول ثانيا الحضور كان مكثفا لكل المهتمين السينمائيين و الممثلين المغاربة و الصحافة المعتمدة و المختصة . ثالثا اعتماد لجنة تحكيم متماسكة في تشكيلتها و متناغمة و قامت بعملها على أحسن وجه . أملنا أن يتم في هذا المهرجان الاعتراف بالكيان المغربي كصانع لسينما حقيقية على مستوى الآشرطة الطويلة . و الاعتراف كذلك بكثافة الشريط القصير كمحاولات أولية لها مالها و عليها ما عليها . كل ما ذكرت يعطينا الإحساس أن المهمة المنوطة بنا قد انجزت على الوجه الأمثل .

* كيف ترون راهن و مستقبل السينما المغربية ؟
- أراه بقياس طموح و إيمان السينمائيين المغاربة ، بقوة التعبير السينمائي على بلورة و تقديم الصورة الحقيقية للمغرب المعيش الحالي ، مغرب النضال من آجل التفتح ، مغرب الإعتراف بذات قادرة على النظر لنفسها دون طرح تساؤلات عقيمة و بدون أي بارانويا أو مرض عقلي اتسمت به تجارب دول عربية كانت تتوهم أحلاما لا تتطابق مع الواقع . إني أرى أن مستقبل السينما في قدرة السينمائيين على مواجهة الواقع كما هو و قبل كل شيء السيطرة على الوسائل التعبيرية الخاصة بالسينما و اتقان لغتها . أظن بأن السينمائيين الشباب الذين رأيناهم في المهرجان هم الذين يحملون على كاهلهم مستقبل المغرب و أومن بأنهم سيرفعون العلم المغربي إلى أعلى درجة و سيذهبون بالخطاب السينمائي إلى أبعد حد في كل المحافل الدولية.

* بغض النظر على المناصب التي تقلدتموها ، نسأل الآن نور الدين صايل القيمة السينمائية المغربية . ما هو الفيلم الذي أثاركم و نال إعجابكم ؟
- المهرجان تميز ب21 فيلم طويل أعطى للجمهور و المتتبعين ضمانات بأن التنوع مضمون و أن الخطاب السينمائي في المغرب متنوع و متضارب . و هذا دليل على أن السينما المغربية حية و ذات توجهات مختلفة . أريد أن يكون التعبير الحقيقي للسينما هو التناقض الإيجابي . في هذا الإطار هناك أفلام مكتملة تشد المشاهد و تجعل المتلقي يتساءل . كما أن هناك أفلام هي عبارة عن محاولات أو هي ضمانات لفنانين لهم رأسمال تعبيري يستعملونه مرة و مرتين و ثلاث .
الأفلام التي أعتبرها محاولات خصبة ـ و هذا أمر لا ينفي قيمة الأفلام الأخرى التي قدمت ـ تنطوي على رؤية للمستقبل . هناك مثلا فيلم فروخي " السفر الطويل " و فيلم داوود ولاد السيد " طرفاية " حيث يتميزان بدقة و اختيار محترف . هناك طبعا فيلم " الراقد " لياسمين قصاري هناك فيلم حسن لكزولي " الطين جا " ، فيلم " الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء " لمحمد العسلي فله بناء درامي رفيع، فيلم مومن السميحي " العايل " الذي يعتبر من الاختيارات القوية في التعبير السينمائي . هناك خمسة او ستة عناوين ـ ممكن ان أكون قد نسيت أخرى ـ برهان أكيد على الزخم الانتاجي و دليل على أن الأرض خصبة . مما يجعلني أرى هؤلاء الفنانين متمكنين من خطابهم السينمائي . كما رأينا في فيلم كمال كمال " السمفونية المغربية " الذي بالرغم من التأرجحات داخل التصعيد الدرامي يظهر لي انه توفق في بعض المشاهد بكيفية تحترم تماما . طبعا هناك أفلام أخرى لأناس معروفين و أثبتوا وجودهم و لا داعي لأن أذكرهم .

* كان هناك تميز واضح لمجموعة من الوجوه النسوية كياسمين قصاري ، ليلى التريكي و ليلى المراكشي . هل من الممكن الحديث عن موجة نسوية في السينما المغربية ؟
- الموجة النسوية آتية و لا يمكن للإنسان إلا أن يعتز بهذا الإقبال للعنصر النسوي و يحتفي بالابداع النسوي في السينما . إنه خطاب متميز تماما في إطار الانتاج السينمائي فيكفي أن نرى الجرأة التي تعالج بها المواضيع كما فعلت ياسمين قصاري مع حالة المرأة في القرية و الذهاب و الإياب الفكري بين الرجل المهاجر و المرأة في قمة عزلتها . إنها متميزة جدا في التحليل فهي أحسن برهان على نظرة نسوية عظيمة . هناك كذلك الجرأة التي رأيناها عند ليلى المراكشي في فيلم " ماروك " في تناولها لقضايا معيشة حقيقية و الكيفية التي من خلال هذه القضايا تطرح قضيتها الشخصية و تجربتها الحياتية و إعادة تركيب و دمج الواقع و الوهم بذكاء كبير . وجدت ليلي التريكي أيضا متميزة . في الحقيقة النساء في المغرب لهم نظرة و معالجة في الإبداع السينمائي أكثر دقة في التحليل و أكثر جرأة في التناول و هذه خاصية ستعطي للسينما المغربية دفعة كانت تنقص العديد من المنتجين و المخرجين .

* بما أنكم أثرتم قضية الجرأة في تناول المواضيع السينمائية فنحن نعرف جميعا أن السينما المغربية تتمتع بهامش واسع من الحرية . ما رأيكم في الضجة التي أحدثها فيلم " ماروك " ، خصوصا أننا سمعنا من ينزع عن الفيلم و صاحبته حتى الهوية المغربية ؟
- بالنسبة لي هذه المواقف عارضة لا يمكن أن يصبح لها صبغة جوهرية . إنها أمور لا قيمة لها . فنحن في سيرورة لا رجعة فيها ، الواقع يتحرك و المواقف المتحجرة التي تنظر إلى الوراء و تراجع كتابة التاريخ نسميها على العموم رجعية ، تحترم على أنها مواقف، لكن للأسف مواقف أكل عليها الدهر و شرب . الآن نحن أمام تحدي حقيقي ، إما أن نواكب التاريخ باحترام أسسنا و جرأة الدخول في الحركية العالمية و إما أن نقف و نبكي على الأطلال . أظن آن السينمائيين بصفة عامة في موجة التحرك ، موجة لها ميزتان : الميزة الآولى آنها تجعل من المغرب بلدا يواكب عصره بالفعل بكل شجاعة و الميزة الثانية تجعل من السينما المغربية سينما لها القدرة على خلق كيان في الداخل و كيان في الخارج و بالتالي إثبات هوية إبداعية و بصمة وطنية لم نصلها قط لا على المستوى الوطني و لا على المستوى الافريقي أو مستوى المنطقة العربية . يجب أن نستعمل كل هذا كحافز لجعل قضية السينما قضية و طنية أساسية لأن صورتنا الآن نبنيها بكيفية مقبولة ، لها وزن و ليست مصطنعة. و أنا ألاحظ أن الجيل الصاعد من السينمائيين المغاربة انتقل للقرن الواحد و العشرين بسهولة أبهرتني .
أنا أومن بأن قضية السينما المغربية قضية تستحق كل الأهمية و هو أمر أصبح الآن من البديهيات التي اعترف بها أكبر النقاد . بالطبع طرحت لنا مجموعة من المشاكل و الصعوبات مع مجموعة من البلدان و المهرجانات التي لم ترد ان تقبل أن المغرب أصبح قوة سينمائية فعلية، و أظن أن ذلك ليس بعزيز على المبدعين المغاربة و الدولة المغربية التي تقدم كل الضمانات للتعبير الحر و البناء من أعلى مستوى في الدولة إلى كل المسؤولين . هذا أمر لم يعد فيه نقاش . الأمر الذي يمكن الخوض فيه يجب آن يتم في إطار النقاش التناقضي بين كل الأطراف التي تعبر عن رأيها لتدبير خطابات سينمائيية و تدبير روايات سينمائية للكل الحق في التعبير . أما مسآلة المنع فلن ينطبق عليها سوى نظرية داروين .

* ما هو تقييمكم لتجربة الدعم السينمائي ؟
الدعم السينمائي هو أساس الحركية السينمائية الآن في المغرب . و محكوم عليه أن يذهب إلى التزايد فمقارنة مع المرحلة الأولى ارتفعت قيمة المساعدة و نحن نطمح للمزيد و المزيد إلى أن نبلغ أعلى مستوى من مساهمة الدولة لهذا الدعم الذي نقدم للمنتجين . من أجل ضمان إمكانية التمويل ليس للإنتاج أكثر بل للإنتاج أحسن و أفضل . ثم جعل المنتجين أكثر عقلانية و مهنية في إتخاذ القرارات، هذه المهنية هي الهدف الأساسي للسنة الثالثة في تجربة الدعم بعدما كانت السنة الأولى هي سنة التقنين و السنة الثانية هي سنة ترسيخ أسس الإنتاج و السنة الثالثة أريدها أن تكون إن شاء الله سنة الزيادة في المهنية و مراقبة هذه المهنية لـمنتجينا في المغرب و طبعا تبعا لذلك كل العناصر التي تساهم في إنتاج الفيلم .

* ما هي الخطوة القادمة لتعزيز مكانة السينما في المغرب ؟
- المتابعة لما تحقق و المواضبة على السير في نفس النهج مع الحفاظ على المكاسب . خطتنا هي كالتالي تحديد الهدف ، الوصول إليه و المحافظة عليه لتحقيق تراكم أهداف أخرى . إذا غابت المتابعة ـ التي للأسف عادة ما ننساها في المغرب ـ نحدد السياسة ، نحقق الأهداف و بعد ذلك ننسى . لا بد أن تشكل الأهداف التي نصل إليها رأسمالا نحفظه من الضياع و هذه المسألة هي أساس سياستنا للسنة الثالثة .





حول تداعيات فيلم ليلى المراكشي : ماروك
- محمد العسلي : "ماروك " فيلم صهيوني أستعملت فيه شابة مغربية لم تفهم و لم تفقه حيثيات اللعبة
- فريد الزاهي : العسلي مجرد سينمائي شاب في مرحلة الكهولة .
- بعد أن أطلق محمد العسلي العنان للسانه ننتظر منه الآن أن يطلق العنان للحيته

وجهها طفولي ، بريق الذكاء في عينيها ، تغطي خجلها بابتسامات تزرعها في كل اتجاه ، لكن كلماتها طلقات نار و تعبيرها إعلان حرب . ليلى المراكشي الطفلة التي أحرقت طنجة و اختلف الجمهورحولها . صنعت الحدث ، خلقت المفاجأة في المهرجان الوطني الثامن للفيلم بطنجة و هزت كراسي سينما روكسي بعنف . لم يثر فيلم ضجة كالتي أثارها فيلمها ، و لم يفرق فيلم الجمهور كما فرقه فيلمها .

هدوء ما قبل العاصفة :
فيلم " ماروك " سيناريو و إخراج ليلى المراكشي تدور أحداثه بمدينة الدار البيضاء في حي راق من أحياء الثراء الفاحش و البدخ . تعيش غيثة البطلة البالغة من العمر 17 سنة و التلميذة في الباكلوريا أول قصة حب في حياتها بعد مغامرات خاطفة لتجد نفسها في مواجهة التقاليد و الأعراف في صورة الأخ و الوالدين . شأنها في ذلك شأن باقي المراهقين و المراهقات من جيلها . تعاني غيثة من عدم القدرة على التأقلم مع محيطها و قيمه لتخلق لنا بطلة مهزوزة تتأرجح بين نموذجين : نموذج القيم البالية المهترئة التي تعتمد على مظاهر التقوى و الورع و نموذج الغرب الذي يتسم بالانحلال الخلقي و السفاهة . لن يخلص البطلة من هذا التأرجح سوى قصة حب عنيفة تنتهي نهاية مأساوية .
هذا هو ملخص الفيلم و ربما ستتساءلون و ما العيب في هذا و لم أفزعت ليلى المراكشي رجالا بقامات طويلة و بنيات جسدية شامخة ؟

بداية الخلاف :
في الوهلة الأولى يمكن وضع الفيلم في خانة أفلام الشباب و المراهقين . خليط من أماريكان باى و تريبل ايكس صخب الشباب و مرحه و السرعة على الطرقات. كل التوابل التى تثير المراهق و تستهويه متوفرة . الفيلم يحكي عن أولاد " الفشوش " الذين يولدون و في أفواههم ملاعق من ذهب يكبرون وسط الفيلات و القصور يتسابقون في الطرقات بسياراتهم الفارهة يأكلون ، يشربون ، ينطقون بالسفاهات و يتناكحون كالكلاب . هذه الطبقة المجتمعية استفزت " البعض " . محمد الدهان الناقد السينمائي وأستاذ علم الاجتماع في تدخل غريب عبر عن رفضه للفيلم " الفاشي " بدعوى أنه لا يريد مشاهدة شريحة مجتمعية اضطهدته في الواقع و لن يسمح لها أن تضطهده في السينما كذلك !! كانت هذه صفعة الأولى لمن اعتبروها كذلك . لكن ما يزيد الطين بلة هو آن " غيثة " بطلة الفيلم المسلمة ستقع في حب " يوري " اليهودي الوسيم الذي تتلألأ نجمة داوود على صدره ! كيف تحب المسلمة اليهودي ؟ هكذا حركت ليلى البركة الراقدة و أيقظت الغيلان النائمة . لو قلبت الآية لأعتبرت المسألة عادية أو حتى " بطولية " لكن ليلى تجرأت و اختارت الأصعب . فضلت أن تصرخ أن للأنثى إختيارها و تخلخل النظرة الدونية و فكرة " الكفاح المسلح " بالذكر و مقاومة العدو بالإغراء و قهره بالجنس كما هو الحال في رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " للطيب صالح و غيرها . لم ينظر إلى " يوري " اليهودي قط على أنه مغربي بل كعدو يهودي . و لم يخمد نار هذا الحوار الجنسي بين الأديان إلا تدخل المخرج نبيل لحلو في جرأة معهودة متحدثا عن تجربته : « لقد نكح اليهود المسلمات ، و نكحنا نحن أيضا الكثير من اليهوديات » .

إعلان الحرب :
كان أكبر هجوم على الفيلم بطله محمد العسلي صاحب فيلم " في الدار البيضاء الملائكة لا تحلق " حيث إعتبر "ماروك " فيلما صهيونيا استعملت فيه شابة مغربية لم تفهم و لم تفقه حيثيات اللعبة ، إنها ضحية . و نحن نندد بالناس الذين استعملوها و الذين أرادوا التطبيع مع توجه صهيوني يريد إلغاء الهوية المغربية ، العربية و الإسلامية بشكل فج يدخل في سيرورة تركيع الإنسان العربي و أنا شخصيا ـ مع مجموعة كبيرة من المغاربة ـ ( ! ) نندد بهذا التوجه السلبي لأنه قبل أن نتكلم عن السينما نتكلم طبعا عن الوجود و نحن مطالبون بالدفاع عن وجودنا » .
و أمام طرح فكرة التسامح و الاستماع للآخر و الإنفتاح على طرق تفكير مختلفة بادرنا بالقول : " نحن لا نسمع .. المطلوب منا هو الإذعان و ليس الإجتماع و الحوار المطلوب منا هو إلغاء أنفسنا ليصول و يجول الآخر القوي الذي يفرض علينا العولمة و التوجه السياسي و القيم . نحن لسنا في مكان قوة أو الند للند حتى نتحاور. المطلوب منا فقط هو الإذعان » . محمد العسلي خلال مناقشة فيلم " ماروك " مع مخرجته طالب بمنع الفيلم و التصدي له بعنف . و لم يخمد لهيب الاحتجاج سوى تدخل نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي التي إعتبر مثل هذه المواقف غير مجدية و لا يحق لأي أحد أن يأخذ على عاتقه تحديد هوية فيلم من الأفلام أو نزع مغربية أي مبدع وإعتبر كل الأفلام المشاركة في المهرجان أفلاما مغربية أنتجت بين سنة 2003 ( تاريخ آخر مهرجان ) إلى اليوم . و أكد أن جميع الأشرطة لم تخضع لأي اختيار أو إنتقاء قبلي . و أكدت ليلى المراكشي نفس الأمر مضيفة أن فيلمها حصل على موافقة لجنة الرقابة دون حدف أي مشهد و سيبدأ عرضه في الصالات المغربية ابتداء من شهر فبراير 2006 .
و في عرض سؤال لمحمد العسلي سجلنا استغرابنا لكونه فنانا و مبدعا و في نفس الوقت ضد حرية الفن في حين وهب العديد من المبدعين أرواحهم من أجل هامش و لو صغير للحرية . أجاب العسلي في عصبية : « نحن لسنا ضد حرية الإبداع . نحن ضد توجه سياسي منهجي له أهداف لإلغائي كثقافة لأنه قوي ماديا . فهل لأني ضعيف و ليس لي القوة لفرض رأيي و تصوري بشكل عام أقبل الهجوم و أصبح عدوا لحرية الإبداع ؟ أنا أتكلم عن عمل لا وطني ، عمل مصنوع بشكل صهيوني يلغيني ليس كسينمائي فحسب و إنما كإنسان مغربي عربي ، مسلم و من واجبي كإنسان مقاومة هذا التوجه الذي يريد أن يمسخني كما أن هناك سياسات أخرى تريد إلغاء هذا الانسان الذي أنتمي إليه و المجتمع الذي أنا فرد منه . حان الآن دور السينما لتغزوه السياسات الأمريكية و الصهيونية لتزكي نفس التوجه في العالم و الذى يؤسفني أن مجموعة من الناس في بلادنا لم تفهم هذه الخطورة الكامنة في هذا العمل و ظلوا يسردون خطابات جوفاء و سطحية . لقد استعملت ليلى المراكشي كبيدق لأن أي إنسان مغربي له احترام لمغربيته وإنسانيته يرفض أن يستعمل بهذا الشكل . و حتى مسألة الدعم ـ التي هي حق لجميع المغاربة ـ تحمينا جميعا من ضغوطات فيلم ك"ماروك" » . هنا اختلطت علينا المفردات و التعابير الضخمة فآثرنا سؤال العسلي عن المعايير التي يحدد بها مدى " مغربية " أي انتاج سينمائي فرد في امتعاض " الفيلم المغربي هو الفيلم الذي يدافع على قيم هذا البلد و إنسان هذا البلد و يحتضن قضاياه و لا يحتضن قضايا الصهاينة ».

الهجوم المضاد :
موقف محمد العسلي استقبل باستهجان و رفض و حتى تدخله في قاعة المناقشة تلاه صفير و تنديد من الصحفيين و النقاد و المهتمين بالشأن السينمائي . و قد عبر أحد الحضور عن ذلك في سخرية : " بعد آن أطلق محمد العسلي العنان للسانه ننتظر منه الآن أن يطلق العنان للحيته ، إنه رجل دونكيشوتي يحارب طواحين الهواء و يرى الأعداء في كل مكان " و في نفس الاتجاه صرح لنا فريد الزاهي الأستاذ الجامعي و الناقد السينمائي بأن « هناك مسألة مبدئية يجب الإنطلاق منها . أولا : لا يجب لأي أحد أن ينصب نفسه حكما على الآخرين وهو يمارس تقريبا نفس الأمور. من جهة ثانية أظن أن محمد العسلي مخرج في منتصف العمر إن لن نقل في مرحلة الكهولة وعليه أن يفكر في فيلمه المقبل بدل أن يرمي الناس بالشظايا والقاذورات والمثل يقول إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الآخرين بالحجارة. كان من الممكن أن يكون فيلمه ضحية لنفس الأمور التي يقولها عن ليلى المراكشي فهو كذلك اعتمد على الأجانب . إن العسلي مجرد سينمائي شاب في مرحلة الكهولة بينما ليلى المراكشي سينمائية ناضجة مازالت في مرحلة الشباب والمستقبل عريض أمامها. وننتظر منها المزيد والأحسن والأفضل. أتحداه أن يقدم فيلما بنفس قوة فيلمه الأول والأخير . عليه أولا أن يجيبنا عن هذه الأسئلة . من زاوية أخرى يجب أن يحافظ كل فرد على موقعه وكرسيه، فعار على محمد العسلي أن يكون ناقدا ومخرجا و قاضيا و حكما و جلادا وكل شيء . ويسطو على جميع المواقع من منطلق ذاتي ضيق يجعل كل العالم يتمحور حول ذاته الكريمة . أعود مرة أخرى وأقول لمحمد العسلي حدثنا عن فيلمك المقبل. لا أظن أن هناك سؤالا أفضل من هذا. عليه أن يكنس أمام بيته قبل أن يتهم الآخرين "بالعفن". من يكون العسلي لإعطاء نفسه الحق لمنع الآخرين ؟ هناك مشكلة في محدودية التكوين لدى البعض وحدود التموقف الذي من الممكن أن يخلق منزلقات خطيرة جدا . رأيي في منتهى البساطة من يخيل له أنه حقق نجاحا و وصل لا يجب أن يعتبر نفسه فزاعة. نحن متابعون للسينما منذ مرحلة فقرها. لما كان الفيلم يظهر كل سنتين . حيث يعتبر ظاهرة وحدثا في حد ذاته لا نراها إلا نحن بصفتنا نقادا ومهتمين بالسينما ولا يعرف أي إقبال جماهيري أو لا يوزع أساسا على القاعات. أما الآن فهناك شروط صحية يجب أن نحافظ عليها وندافع عنها ونوحدها بدل خلق أرخبيلات » .
نفس الاتجاه يسير فيه يونس ميكري المغني و الممثل حيث اعتبر أن القيام بفيلم سينمائي طويل وإتمامه وخروجه للوجود في المغرب هو في حد ذاته إنجاز يجب الاحتفاء به . فمن الغريب أن المبدع يعاني وهو يصنع فيلمه ويجلد بسياط الإمكانات القليلة . و نتلذذ بجلده بعد خروج فيلمه . أنا أجد أن هذا الأمر بلا جدوى الآن. سيكون هناك حوار حقيقي وجاد عندما ننتج سينما حقيقية بشروط صحية وسليمة . نحن الآن نريد أن نقدم سينما لا أن نقدم " بوليميك "» .
كما احتج الناقد السينمائي خليل الدامون و رفض أن يكون الفنانون بكل هذا العنف والإقصاء الذي تحدث عنه العسلي. « وإلا سنصبح أصوليين نمارس النفي وإلغاء الآخر . هذه العقلية يجب أن تنقرض من أساس تفكيرنا. نحن نعيش في وبالسينما. والسينما لا تعرف شيئا اسمه الإقصاء بل هناك شيء اسمه النقاش، الحوار .. إنها كلمات نبيلة. والنقاش الجاد هو الذي بإمكانه أن يجعل الفيلم يأخذ المكان اللائق به، أما أن نقصي مخرجة ونضطهدها بدعوى أنها طرحت مشكلة معينة أو أسلوبا جديدا فهذا أمر غير مقبول . هناك جرأة حقيقية في فيلم "ماروك" وطرح لقضايا مست عمق ثقافتنا وتاريخنا وتراثنا ومع ذلك يبقى الأمر قابلا للجدل والانطلاق نحو الأحسن أما الإقصاء فسيعطي للزلة الشرعية ويزكي أفكارا وأساليب أكثر من دحضها. هناك فعلا شريحة مغربية ـ وإن كانت ضئيلة ـ تنظر للأمور بنفس منظار ليلى المراكشي، أنا لست متفقا معها بطبيعة الحال ولكن يبقى الحوار قائما بيننا وصلة وصل دائمة. فيلم "ماروك" جميل و محبوك من الناحية التقنية. ولكن من ناحية المقاربة الموضوعاتية فطرحها محتاج لنقاش طويل.

إعلان الهدنة :
مهما يكن من أمر يبقى طرح ليلى المراكشي للعديد من المواضيع أمرا مشروعا و شجاعا مع بعض التحفظ في الطريقة التى تناولتها بها حيث أنها اتخذت موقفا في حين كان عليها التزام الحياد . و مهما ارتكبت المراكشي من أخطاء بوضع صراعات غاية في التعقيد بين يدي شخصيات " تافهة " يجب الاعتراف بأننا حملنا الفيلم صراعا أزليا و مريرا مازال الجميع يدفع ثمنه . لكن مع ذلك يبقى دعوة للحب و السلام و التعايش وفرصة للمحافظة على خيط الحوار لنجعل من القمع و الاقصاء مفردات مقموعة و مقصية من قاموس الإبداع . فلا أحد يملك الحق في أية رقابة على مانشاهد أو لا نشاهد لأنه بكل بساطة "التفكير لا يفوض" .