25‏/12‏/2006

في مأتم حرية التعبير

في مأتم حرية التعبير

كثيرا ما يباغتك محاور ملم بما يدور، ومتتبع لمكامن الأمور، أن بلدنا، والحمد لله، يتمتع بحرية تعبير لا تضاهى، بل هي قدوة لكل الدول العربية والإفريقية، ودرس يجب أن يلقن "للعادي والبادي". بدليل أن الجرائد والمجلات تقول "كل شيء" ولا تسكت عن أي شيء. وتكفي نظرة خفيفة لما يطرح في الأكشاك لنرى الكثير مما لا يجرؤ آخرون من زملائنا في البلدان المجاورة على مجرد التفكير فيه.
لكن في حقيقة الأمر، مجرد تقديم مثل هذا التبرير وهذه الملاحظة الضيقة يعد دليلا عكسيا، و مؤشرا على غياب هذه الحرية. لأن حريتي أو حرية غيري في التعبير، لا تقتضي أن يكون حديثي عن مواضيع "طابو" أمرا شاذا، بل يجب أن تكون الحرية قاعدة شائعة ومتعارفا عليها يحميها القانون ولا يحد منها.
إن حرية التعبير لا يمكن أن تبقى منحة أو عطية أو هبة تمن علينا بها الحكومة في كل وقت وحين، وتقدمها عن رضى وطواعية ثم تسحبها متى شاءت، مستعملة ترسانة من القوانين المهترئة والمفتوحة على كل الاحتمالات وجميع القراءات.
عن أية حرية تعبير نتحدث والمقصلة على أعناقنا تقطع الرؤوس بقرار وزاري وتعفو عن أخرى بغض الطرف؟
عن أية حرية تعبير نتحدث ونحن نرى أوراق مجلاتنا وجرائدنا تحرق بنفط خليجي، وعود كبريت أحزاب الظلام المالكة للحقيقة الإلهية. مستجيبين ل"كمشة" من الظلاميين الذين يحرمون على نسائهم سياقة السيارات؟
كان حريا بالكويتيين مثلا الذين احتجوا عما نشرته مجلة "نيشان" ومنعت بسببه، أن يحتجوا على مواطنيهم ال17 الذين تناوبوا على اغتصاب خادمة فيليبينية!! لماذا لم تخرج المظاهرات الصاخبة ضدا على مثل هذه الجرائم الإنسانية؟
إن ما حدث مؤخرا مع مجلة "نيشان" نوع من العبث وهدية حكومية مسمومة لآخر السنة. وتتمة للعب الحكومة على كل الحبال : الحرية واللاحرية، المنع واللا منع . رقص ليس متناغما بالمرة بل "تلفات ليهم الشطحة" بالمرة.
الرؤية المستقبلية الواضحة تتطلب رؤية الأبيض أبيضا والأسود أسودا، والحكومة المغربية أصيبت بعمى ألوان مزمن وترسم أجمل لوحاتها وأبهى إبداعاتها باللون الرمادي.
يا خسارة!
جمال الخنوسي - يومية الناس - الثلاثاء 26 دجنبر 2006

20‏/12‏/2006

«الكابتن نرجس»

«الكابتن نرجس»

أسر لي الناقد السينمائي المصري سمير فريد بعد عرض فيلم نرجس النجار «انهض يا مغرب» الذي قدم في مهرجان مراكش الدولي للسينما في دورته الأخيرة ضمن المسابقة الرسمية، أنه يذكره بفيلم مصري من نفس الشاكلة إسمه «أجدع ناس».
والفيلم حسب الناقد المعروف يصور من خلال مباريات للمصارعة الانتصارات التي يحققها الفريق المصري بصفته يتكون من "أجدع ناس" على كل من أمريكا وإسرائيل واليابان وغيرها من البلدان العظمى.
وحتى وإن كان كلام الناقد المصري قد استفزني وحرك داخلي «نعرة طائفية بليدة»، إلا أن فيلم نرجس بكل ما يحمله من انبطاحية وسطحية لم يترك لي أي مجال للدفاع عنه. حيث رسمت هي الأخرى ملامح فريق مغربي في كرة القدم لا يستعصي عليه لا الفريق الألماني ولا الفرنسي ولا حتى سحرة كرة القدم البرازيليين. وقدمت طوال نصف ساعة أو أكثر لقطات الإصابات الخيالية والانتصارات الوهمية، الأمر الذي جعلنا نعتقد أننا نشاهد النسخة المغربية من «الكابتن ماجد»!!
ليس سمير فريد الوحيد من «مرمط» بنرجس النجار الأرض، بل أطلقت كل الجرائد الوطنية (ونحن معهم)، لسانها الطويل على الفيلم وصاحبته، مباشرة بعد عرضه، الأمر الذي أسماه البعض بالتآمر على المخرجة وكأن الصحافة المغربية عصابة أو طائفة دينية (secte).
صحيح، أطلق جميعنا النار على نرجس النجار ليس لأن "انهض يامغرب" فيلم فاشل، بل لأنه لا ينتمي لجنس السينما أصلاً.
وصحيح أيضا أننا «تحاملنا» عليها جميعاً لكن الإجماع المطلق لا يكون إلا حول الرداءة والقبح اللامتناهيين. إن فيلم فوزي بنسعيدي "ياله من عالم جميل" والذي شارك هو الآخر في المسابقة الرسمية للمهرجان، يراه البعض فيلماً متوسطاً بينما يراه آخرون قمة في الإبداع. وهذه صفة العمل الفني الذي يحقق الخلاف والاختلاف حول قيمته الإبداعية والجمالية. أما البروباغندا الإنبطاحية فمصيرها مزبلة التاريخ لا محالة.

لست ضد الحجاب لأنه أمر شخصي، ولكني ضد تكييف الدراما لصالحه وصالح أمور شخصية

المخرجة المصرية إيناس الدغيدي لـ"يومية الناس" :
لست ضد الحجاب لأنه أمر شخصي، ولكني ضد تكييف الدراما لصالحه وصالح أمور شخصية

أجرى الحوار: جمال الخنوسي

كلما ذكر اسم المخرجة المصرية إيناس الدغيدي إلا وذكرت معه عناوين أفلام أثارت الجدل ونوقشت مشاهدها ومواضيعها تحت قبة البرلمان أو قاعات المحاكم المصرية."إيناس الدغيدي" اتهمت بإخراج أفلام تتضمن كما كبيرا من "مشاهد العري والعبارات الجنسية" واتهمت بارتكاب جريمة السب والقذف في حق "بنات مصر" في تصريحات نشرتها لها الصحف حيث قالت "إن نصف بنات مصر وقعن في المحظور وحملن سفاحا نتيجة علاقات غير شرعية".
كما اتهمت مخرجة "الباحثات عن الحرية" و"مذكرات مراهقة" ب "التشجيع على انتشار الرذيلة والفحشاء بين طوائف المجتمع ودعوة الشباب صراحة للعزوف عن الزواج والانخراط في الحرام" وبأنها "تخصصت في أفلام العري والجنس والإثارة".

هي أكثر شخصية مصرية إثارة للجدل، فأينما حلت إلا وتحدث آراؤها ووجهة نظرها ردود أفعال حادة ومتباينة وصلت لحد اتهامها بالكفر والزندقة تارة، وإهدار دمها والتهديد بالقتل تارة أخرى، آخرها كان حول جرأتها للتصدي للممثلات المحجبات وظهور اسمها في لائحة سوداء، بالإضافة إلى ردود الفعل التي خلفها فيلمها الأخير الذي تقوم ببطولته النجمة يسرى تحت عنوان «ماتيجي نرقص».
حلت المخرجة المصرية إيمان الدغيدي بالمغرب مؤخراً لحضور مؤتمر انعقد في الدار البيضاء حول المرأة المغربية المهاجرة، والذي دعت له منظمة العمل العربية ومنظمة المرأة العربية.
«يومية الناس» استغلت فرصة تواجدها في المغرب لتنقاشها في موضوع السينما ومواضيع التطرف التي تهددها، وحول ظاهرة الفنانات المحجبات وعودة التائبات وغيرها من القضايا في الحوار التالي:
* مع الانتصار الذي حققه الإخوان المسلمون في الانتخابات الأخيرة بمصر، ألا تظنين بأن صعود الإخوان يهدد صناعة السينما؟
** بالتأكيد، لأنه لو اتفقنا أو اختلفنا بأن الفن حرام أو ليس حراما، فلا بد أن نتفق على أن الفن ليس له دين وليس له وطن ولا مكان لأن الفن حر بلا قيود. فإذا كان للمتشددين قيود وتحفظات فهم بذلك سيقضون على الفن لا محالة أو سيؤسلمونه. وبإعتقادي فإن الفن ليس مسلماً ولا مسيحياً ولا يهودياً ولا درزياً وبلا شك سيؤثر المتأسلمون على السينما عامة.
* هل يمكن اعتبار ظهور مصطلح «السينما النظيفة» هو بداية لهذه الأسلمة؟
** هذا المصطلح خرج من رحم أناس يدعون الإسلام أو الفضيلة، وأنا هنا أتحدث عن إدعاء الفضيلة داخل حقل الفن وليس في الحياة الشخصية لأن ذلك أمر لا يهمني في شيء. أما إدعاء الفضيلة في الفن فهو أمر مرفوض أيضاً، لأن المبدع سيجد نفسه محاطا بقيود كبيرة جداً ولن يتمكن من التعبير عن أي شيء إطلاقاً والفن أصلاً يبحث عن المناطق غير المنظورة وغير المرئية كالغوص في النفس البشرية، وأظن أن هذه هي رسالة الفن وهدفها فالمبدع لا يكتفي بنقل الواقع بل عكس الواقع غير المرئي ومن يطلق مصطلح السينما النظيفة فإنما يريد سينما مسطحة بلا أي معنى، اللهم تخدير الناس ونقل واقع سخيف بلا تحليل أو بحث عن مكامن الداء التي سببت التسطيح ودفعت إليه.
* التسطيح على شاكلة أفلام محمد سعد ..
** نعم، محمد سعد ومحمد الصغير ..

* وبماذا تفسرين هذه الانتكاسة؟
** هذه الانتكاسة مكملة لما يعرفه المجتمع فمصر تعيش مرحلة تخبط كبيرة بين مظاهر التطرف الزائد في كل الاتجاهات ومرحلة انتقالية فيما يسمى بالديمقراطية . وهي مرحلة غريبة عنا وكان علينا قبل أن نخطوها أن نوفر لها مقوماتها بقدر معين من الثقافة. وأنا لا أعني هنا التعليم بل الثقافة والوعي ومعرفة المصلحة العامة للمجتمع. ومع غياب كل هذا حدث التغبط والتسطيح الذي نعيشه الآن والسوقية التي نعرفها. هناك بطبيعة الحال ظروف اقتصادية صعبة تجعلنا نعيش حالة تعجب غريبة فكيف نتحدث عن الظروف الاقتصادية العويصة في حين أن فيلما ً من الأفلام يحقق 25 أو 26 مليون جنيه من الإرادات؟!
* بمعنى أن الرداءة هي التي تحتل الواجهة ..
** نعم، يجب التساؤل لماذا الرداءة هي السائدة وهي المطلوبة؟
* وبماذا تفسرين أن فنانات من داخل الوسط هن أول من يعادي الفن ويحرمه ؟
** موضوع الحجاب أعتبره موضوعاً شخصية مرتبط بكل فرد ومهما كان النقاش الدائر هل هو زي إسلامي أو غير إسلامي فأنا أعتبره لحد كبير زياً إسلامياً، إنما المشكلة تكمن في لي وتطويع الدراما والفن لصالح الحجاب. هذا أمر مرفوض والفنانات المحجبات يردن تكييف الدراما لصالح الحجاب ولمصالح شخصية وليس لمصالح عامة فقد وصل الآن أجر الممثلة 3 أو 4 مليون جنيه عن المسلسل الواحد وهو رقم مهول لم يصلن إليه قط لقد حققن كل هذا بفضل ما قيل من قبل من كون الفن حراماً وأنهن تبن عن هذا الإثم. لكن ماذا يبرر عودتهن الآن بعد أن تقبل الله توبتهن؟ لابد أنها مغريات المال التي وصفنا من قبل لكونها مال حرام جاء عن طريق الحرام
.
* تتحدثين هنا عن العائدات للفن من أمثال سهير البابلي وسهير رمزي ..
** أنا أسميهن التائبات العائدات وأنا لست ضدهن شخصياً ولكن ضد تكييف الدراما لصالح الحجاب لقد أصبحت المسلسلات استعراضاً لأزياء المحجبات فإذا لجأت الفنانة إلى الحجاب وتابت إلى الله حسب تعبيرهن وحققت راحتها النفسية فلماذا العودة واللجوء إلى التمثيل والقلق والتحدي والصراع ثانية!
* سنتحول للحديث في موضوع آخر، بصفتك مخرجة مصرية لها وزنها كيف ترين الإنتاج السنيمائي المغربي؟
** أنا متابعة للسينما المغربية منذ بدايتها وأرى أنها تسير في الإتجاه الصحيح لكن ينقصها السوق والشق التجاري وهذا ليس عيباً بالمرة لأن السينما تعتمد على المال بالأساس.
* المخرج رومان بولونسكي قال إن السينما ليست مؤسسة خيرية ..
** طبعاً، والرهان هو أن يصبح الفن بمميزاته الجيدة مصدر دخل مادي كي يعلو ويرتفع شأنه، لأنه ليس هناك بلد في العام قادر على تمويل الأفلام السينمائية دون الحصول على مقابل أجر أو ربح مادي.
* سبق لك الاشتغال مع ممثلة مغربية في فيلم «الباحثات عن الحرية» فكيف كان تعاونك مع سناء موزيان؟
** التقيت بسناء في القاهرة التي حلت بها قادمة من انجلترا من أجل تسجيل مجموعة من الأغاني وكنت حينها أبحث عن ممثلة بنفس المميزات الشكلية بالإضافة لمؤهلاتها الغنائية فوقع اختياري عليها من بين العديد من الفتيات، بعد وقت طويل أمضيناه في عملية الكاستينغ فأخذتها لمدرسة التمثيل كي تتعلم أصوله لمدة ستة أشهر وقامت بعدها بأداء دور مهم ورئيسي في الفيلم وأرى أن لها إمكانات مميزة. ومع مجيئي للمغرب سررت كثيراً لما علمت أنها الآن تصور فيلماً مغربياً جديدا واستطاعت من خلال "الباحثات عن الحرية" أن تعرف باسمها بعد أنك كان الكل يجهلها في المغرب. أظن أن هذه ثاني تجربة مشابهة لي بعد تجربتي مع التونسية هند صبري التي تبنيتها لأول مرة، وجعلت منها أكبر النجمات المصريات والعربيات. وأنا سعيدة لأني خرجت من النطاق المحلي للسينما المصرية التي اتهمت دائماً بالانغلاق والعنصرية. وأظن أنه بعد الانفتاح الذي سيشهده العالم مع الفضائيات والقنوات المختلفة لم يعد الحديث عن الفيلم المصري أو المغربي أو السوري ممكناً بل هناك فيلم عربي أو أوسع من ذلك. وليس لزاماً أن يكون هناك إنتاج مشترك فهذا أمر غير ضروري. لقد تعاملت مع سناء موزيان ومحمد عفيفي بالمغرب دون أن يكون هناك إنتاج مشترك من المغرب ولم يعرض فيلمي في المغرب أساساً. بل قصدت أن تؤدي دور الفتاة المغربية ممثلة مغربية ودور الفتاة اللبنانية ممثلة لبنانية، وأظن أن هذا التكامل سيثري الفيلم العربي وسيجعله أكثر انتشارا. كما يمكن للسينما المصرية أن تستفيد من انتشار الفيلم المغاربي في أوربا التي لم تستطع فرض أفلامها فيها بينما الأفلام المغربية والتونسية والجزائرية لها مكانة مميزة في فرنسا وإسبانيا وغيرهما.