29‏/03‏/2010

إنفلونزا الخنازير.. سوء التدبير الكبير

أكثر من 17 مليون جرعة لقاح كلفت أكثر من 95 مليار سنتيم معرضة للتلف بعد انتهاء مدة صلاحيتها

قبل أشهر قليلة، عم الهلع وانتشر الخوف، وغدت جائحة انفلونزا الخنازير موضوع الجلسات ونقاش الأصدقاء، وفاتحة الجرائد والمجلات والعنوان الكبير لكل المطبوعات. واستعدت الدول والحكومات كل حسب إمكاناتها، للتصدي لهذه الجائحة الخطيرة "التي تهدد وجود الكائن البشري". أما اليوم فقد بقي المرض وراءنا وتناسى المغاربة اسم الفيروس المركب "H1N1"، وكأن ما حدث مجرد كابوس مفزع استيقظنا منه بسلام. من يقف إذن وراء هذه "الجائحة" المفبركة؟ ومن تنبأ بهذه النهاية التي لم تتم؟ وكم كلف المغرب هذا الكابوس المزعج؟ ومن المسؤول عن سوء تدبير هذه الأزمة الكاذبة؟
قبل أشهر قليلة، سادت حالة من الإرهاب والترهيب، وشمل الخوف الأسر والتلاميذ وكل الشرائح الاجتماعية. ولم يسلم من تهديد إنفلونزا الخنازير أي مهنة أو مجموعة. ومع اكتشاف أول حالة إصابة بأنفلونزا الخنازير بالمغرب يوم الجمعة 12 يونيو 2009، زادت الحمى، واستعدت المؤسسات الكبرى ل"الكارثة"، وسعى الناس إلى التقاط الوصفات الغريبة للوقاية، فبيعت المناديل والمراهم كما لم تبع من قبل. إلا أن الأمور هدأت اليوم بل نسي الناس فيروسا اسمه "H1N1"، وانتهت حالة الإرهاب اليومي، فاطمأنت النفوس وتبدد الكابوس. ولحدود الآن لم تسجل سوى 3054 حالة إصابة على طول التراب الوطني، من بينها 64 حالة وفاة فقط. أكثر من هذا، تقول بعض المصادر المطلعة إنه منذ بداية يناير 2010 لم تسجل أية حالة جديدة لأنفلونزا الخنازير في المغرب.

على المستوى العالمي

أما على المستوى العالمي، فذكرت منظمة الصحة العالمية أن عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس "إتش1 إن1" في مختلف أنحاء العالم بلغ 16713 منذ اكتشافه في المكسيك والولايات المتحدة في أبريل الماضي. وذكرت المنظمة أنه لم تسجل أية حالة وفاة أو إصابة بهذا الفيروس في أي بلد منذ الخامس من مارس الجاري.
وبحسب تقديرات المنظمة، بلغ عدد الوفيات في إفريقيا 167، وفي الأمريكتين أكثر من 7576، بينما وصل العدد إلى 1019 في الشرق الأوسط، و4571 في أوربا. وفي شرق آسيا سجلت 1664 حالة وفاة، وفي شرق المحيط الهادي 1716 حالة. أي أننا بعيدون جدا عن السيناريو الكارثي الذي رسم للجائحة بشكل محكم.

وفيات وهمية؟

تتحدث الأرقام الرسمية لوزارة الصحة في المغرب عن 64 حالة وفاة، وهو رقم هزيل جدا مقارنة مع ما تنبأ به مسؤولو الوزارة ورددوا بشكل ببغاوي بروبغندا شركات الأدوية الكبرى، ونسبة ضعيفة بالنظر إلى عدد الوفيات بسبب أمراض أخرى "معروفة"، أكثر فتكا وتحتاج إلى اهتمام أكبر وميزانيات أوفر.
64 حالة وفاة نفسها يلفها الكثير من الغموض، وربما تم النفخ فيها كثيرا من أجل رفع حالة الهلع والتخويف والترهيب.
في الاتجاه ذاته صرح الدكتور عمر المنزهي، مدير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة، أخيرا، لجريدة أسبوعية، أنه لا يمكن تحديد السبب الحقيقي للوفاة إلا بعد مستويات عدة من التحليل التي يمكن أن تصل إلى حدود التشريح الطبي، وهو ما يجعل عملية الضبط هذه مكلفة جدا. وهذا ما يعني أن العديد من حالات الوفات التي كان سببها أزمات قلبية أو غيرها من الأسباب، نسبت "ظلما"، لأنفلونزا الخنازير.

ارتباك

مدير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة، نفسه، قال لجريدة "التجديد"، في وفت سابق، إن الوزارة تتوقع أن يصل عدد الإصابات بأنفلونزا الخنازير بالمغرب ما بين 900 ألف ومليون شخص، وسيحتاجون إلى علاجات من أنواع مختلفة، حسب طبيعة وخطورة الإصابة''، متوقعا أن يعرف المغرب، كغيره من دول العالم، موجات جديدة للإصابة بالوباء في بداية فصل الخريف وفصل الشتاء المقبل. فيما اعتبر الأغضف الغوتي، رئيس التعاضدية العامة للصيادلة ومهنيي الصحة، أن إصابة مليون شخص بالأنفلونزا في المغرب هو أدنى التوقعات الحقيقية، ''ذلك أن منظمة الصحة العالمية تحدثت على 30 في المائة من السكان، وهو ما يرفع عدد الإصابات المتوقعة إلى 9 أو 10 ملايين في غضون الأشهر القليلة المقبلة''، وربط الغوتي بين موجة متوقعة وبين بداية الخريف، وانتقد النظام الصحي بالمغرب، مؤكدا أنه '' نظام صحي منخور، لا يتوفر على سياسة وقائية ولا سياسة دوائية ولا سياسة صحية، وبالتالي لا يمكنه التصدي لهذا الوباء، ولا يتوفر على استراتيجية ناجعة لذلك''.

تصريف اللقاح

وفي الوقت الذي بدأت تتعالى فيه "الأصوات العاقلة" وظهرتالبوادر الأولى التي تبرز أن "الجائحة" لم تكن كما "وعدت" بها شركات الأدوية والجوقات التابعة لها، تراجعت العديد من الحكومات الأوربية وبدأت تبحث لنفسها عن "سوق" لتصريف مخزونها. وقررت الحكومة الفرنسية، في دجنبر 2009، التخلص من جزء كبير من مخزون اللقاحات ضد أنفلونزا الخنازير التي اقتنتها لمواجهة الوباء، من خلال بيعها إلى "البلدان الأجنبية".
وعللت فرنسا هذا الإجراء بأن وزارة الصحة بها اقتنت من المختبرات حوالي 94 مليون جرعة، بمعدل جرعتين لكل شخص يتم تلقيحه، إلى أن أكدت مذكرة للوكالة الأوربية للدواء في فاتح نونبر الماضي أن جرعة واحدة تكفي للوقاية.
وأشارت جريدة "لوباريسيان" نقلا عن مصدر في وزارة الصحة، إلى أنه تم إجراء مفاوضات سريعة مع كل من قطر ومصر والمكسيك وبلغاريا ورومانيا وأوكرانيا للتخلص من المخزون، مضيفة أن فرنسا تقترح اللقاح بالسعر الذي اقتنته به، غير أنها تواجه منافسة من قبل البلدان الراغبة في تصريف مخزونها كألمانيا وسويسرا وهولندا، أما بلجيكا فقد قررت "التصدق" ب10 في المائة من مخزون اللقاحات لفائدة الدول النامية، كل هذا لأن الوباء ليس كما تصور الجميع، أو كما صورته لنا كبريات شركات الأدوية والمختبرات العالمية، التي سوقت لقاحا لم يتم تجريبه بالشكل اللازم أو إخضاعه للدراسة بالشكل الأمثل.

18 مليون تلقيح!

كم اقتنى المغرب من اللقاحات للتصدي إلى الجائحة الوهمية؟
بعض المصادر تتحدث عن مليوني جرعة صرفت منها نصف الكمية فيما بقي النصف الآخر عرضة للتلف.
مصادر أخرى تتحدث عن 18 مليون جرعة بحكم أن منظمة الصحة العالمية كانت تطالب البلدان بتلقيح ما بين 60 و65 في المائة من مجموع السكان. وفي هذا السياق صرح الدكتور عمر المنزهي، مدير مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة، لجريدة "التجديد" في 17 دجنبر الماضي، "أن اللقاح الذي تلقته المملكة يمكننا من تلقيح ما يفوق 60 في المائة من المواطنين المغاربة".
في ظل غياب تأكيد رسمي يبقى الرقم الأقرب إذن للحقيقة هو 18 مليون جرعة صرفت منها أقل من مليون جرعة.
إذن، ما مآل هذه الكمية الضخمة (17 مليون جرعة)، إذا ما وضعنا نصب أعيننا الفشل الذريع لحملة التلقيح؟ ومن المسؤول عن تبذير كل هذه المبالغ علما أن مدة صلاحية اللقاح لا تتعدى 18 شهرا، وأن الثمن يتراوح بين 3.70 و6 أورو للجرعة الواحدة؟ وهل مبلغ 834 مليون درهم كلفة "انفلونزا الخنازير" حسب تصريحات الوزير الأولى هو الرقم المعقول والكلفة الحقيقية؟

وماذا بعد؟

انتهى الأمر إذن وانكشفت الخدعة الكبيرة وبدا ظاهرا سوء التدبير الذي لف العملية كلها. وفي بلدان محترمة مثل فرنسا حان الوقت للمحاسبة والتدقيق وتحديد المسؤوليات وفضح سوء التدبير في ما يخص صرف ميزانيات هائلة في اقتناء التلقيح والكمامات وحملات التوعية... وبدأت لجنتان برلمانيتان عملهما للتحقيق في الطريقة التي دبرت بها أزمة انفلوزنا الخنازير، أكثر من هذا هناك لجنة تابعة لمجلس الحسابات تدقق بدورها في الأمر. فقد كان من المنتظر أن تهدد الجائحة الاقتصاد الفرنسي، وتم صرف مليار أورو، في حين لم تسفر انفلونزا الخنازير إلا عن 302 حالة وفاة أي بنسبة أقل من أية انفلونزا موسمية "عادية".
الأمر ذاته يمكن أن يقال عن المغرب وتدبير الأزمة يطرح أمامه علامات استفهام بلا نهاية: كم كلف هذا الكابوس المزعج المغرب؟ ومن المسؤول عن سوء تدبير هذه الأزمة الكاذبة؟ ومن استفاد منها؟ أليس من حقنا أن نتساءل عن مآل 834 مليون درهم التي أنفقتها الوزارة على انفلونزا الخنازير بعد أن استنسخت "بشكل ببغاوي موديلا فرنسيا"؟
وحتى إن لم نتمكن جميعا من إيجاد جواب شامل وشاف، فعلى الأقل هناك بوادر أجوبة ظاهرة للجميع.

بوكس: تعتيم
اختارت وزارة الصحة من جديد سياسة النعامة، وقابلت جميع اتصالات "الصباح" بالتماطل والتسويف إلى أجل غير مسمى. وغدت خلية التواصل خلية للتعتيم والبروبغندا في الآن ذاته، تغلق آذانها عندما تطلب منها المعلومة، وتتحول إلى بوق للدعاية المتخلفة عندما يتعلق الأمر بنشاط ترعاه الوزارة أو مبادرة لتلميع وجه الوزيرة.
وبعد أن اعتذر المسؤول عن التواصل في الوزارة بصعوبة الحصول على المعلومات بسبب غياب الوزيرة و"المسؤولين الكبار" في القاهرة لحضور الدورة العادية ال 34 لمجلس وزراء الصحة العرب، وضرب لنا موعد في بداية الأسبوع، عادت الهواتف من جديد لترن بلا مجيب، وحلت العلب الصوتية الخرساء مكان التواصل المؤسساتي عندما وصل اليوم الموعود.
وربما غدت هذه المسألة عادة لدى وزارة الصحة التي تنتهك حقنا في المعلومة، فقد اكتفت على مدى شهور من اندلاع "الجائحة الوهمية" ببلاغات الرعب وأرقام المصابين دون أن تراعي التواصل مع وسائل الإعلام وبالتالي مع المواطنين، وهو الأمر الذي دفع الناس إلى الشك والارتياب ودفع إلى حالة الفتور التي قوبلت بها حملة التلقيح. ومنذ أن أطلقت وزارة الصحة ما سمته "المرحلة الأخيرة" من الحملة الوطنية للتلقيح ضد أنفلونزا الخنازير، من خلال تعميم التلقيح على كل الفئات بالمجان، لم يتدافع الناس إلى 1258 مركزا التي تحدثت عنها الوزيرة ياسمينة بادو بل بقيت فارغة تصرف فيها أموال دافعي الضرائب على الكراسي الفارغة والحقن غير المستعمل والأمصال التي باتت عرضة لانتهاء مدة صلاحيتها.
جمال الخنوسي

24‏/03‏/2010

هنيئا .."مارغاريتا تزوجت" و"فريخوليتو لقى باه"

مسلسلات الهدف منها طمأنة المشاهدين أن "العام زين" ومهما كبرت المشاكل فالنهاية لن تكون إلا سعيدة
فوجئت هذا الصباح عندما اشتكى مجموعة من الزملاء من أن أبناءهم مدمنون على مشاهدة السلسلة المكسيكية العجيبة التي تسمى "أين أبي؟"، وأن أطفالهم تلقفوهم مع دخول بيوتهم مساء أول أمس (الاثنين) بالقول إن "مارغاريتا تزوجت" وإن "فريخوليتو لقى باه". قلت في نفسي، حينها، كما قال محمود درويش في موضع آخر "لست وحدك..".
طوبى لنا جميعا، فقد انتهى مسلسل الصابون الذي "تزحلق" على أحداثه المغاربة على مدى ستة أشهر، وحبس الأنفاس منذ انطلاقه في 10 أكتوبر 2009، ففكت "وحايل" مارغاريتا بخير، وعاش "فريخوليتو" حياة هنيئة بعد أن تزوجت "ماما الزوينة" من مغتصبها "اغناسيو"، فتنفس الملايين الصعداء وعادوا إلى حياتهم العادية جدا بعد أن انتهى الحلم أو الكابوس كل حسب تقديره. فمن حقنا إذن أن نتساءل عن السبب الرئيسي وراء هذا الولع ب"التيلينوفيلاس" والحمى التي أصابت الصغير والكبير.
يجب الاعتراف في البداية أن هذا الصنف من الأعمال كتب بحرفية كبيرة على أساس نظام معين وقالب مضبوط. وكيفما كانت جنسية السلسلة، مكسيكية أو برازيلية أو حتى تركية، لها وصفة واحدة وتوابل محددة: مشاكل قديمة قدم التاريخ، صراع الخير والشر، شخصيات تغري بالحلم وأخرى لها مشاكل تشبه مشاكلنا جميعا... كل هذا إضافة إلى تتبع أسلوب صارم في التشويق وتتالي الأحداث لدرجة الإدمان، حتى أن المساجد في مدينة أبيدجان، مثلا، كانت تؤخر مواقيت الصلاة في رمضان من سنة 1999 كي يتمكن الإيفواريون من متابعة المسلسل البرازيلي "ماريمار".
هذه النوعية من المسلسلات الهدف منها طمأنة المشاهدين والعامة أن "العام زين"، ومهما كبرت العقبات وكثرت المشاكل تنتهي جميعها بالحل. إنها نظرة متفائلة إلى حد السذاجة في أن غدا يوم أفضل، وتخلص جميعها إلى شيء واحد ونهائي: المشاكل تنتهي بالحل والأمور تؤول جميعها إلى النهاية السعيدة.
وبعد هذا وذاك، فإن دبلجة المسلسلات إلى اللهجة المغربية رغم ما يشوبها من أخطاء (الشخصيات تتحدث بطريقة مضحكة، فعلى الأقل للسوريين الذكاء الكافي لتغيير أسماء الشخصيات لتسهيل التماهي معها)، فإن الدارجة في "تيلينوفيلاس" فتحت المنتوج على شريحة الأطفال التي نفرت من قبل بسبب اللهجة اللبنانية أو السورية المستعصية عليهم، وغدا الآن "فريخوليتو" يتحدث كما يتحدث "زيد وعمرو" و"وليدات الحومة".
من حقنا أيضا أن نطرح أسئلة من نوع آخر دون أن ننتظر أجوبة:
هل لأن الجمهور "عايز كده يجب أن نسقط به إلى الحضيض؟
هل المرفق العمومي مطالب بالرقي بذوق المشاهد إلى الأحسن لا الانحدار به؟
هل السياق المحموم نحو نسب المشاهدة يمكن أن يقودنا إلى أحط معدلات الإسفاف؟
هل البحث عن إرضاء وجذب "لا ميناجير" التي تستهوي المعلنين يبرر التسطيح والتضبيع والسفاهة؟
هنيئا للقناة الثانية على أرقام المشاهدة التي ستنقذ ماء وجهها، وتغوص بنا إلى مستويات أعمق من التسطيح والغباء والبلادة، و"امبارك ومسعود" ل"مارغاريتا" و"اغناسيو" و"فريخوليتو" وكل الشلة.
جمال الخنوسي

16‏/03‏/2010

"العظام الجميلة" فيلم يسائل الحياة والموت

يحكي قصة فتاة تشاهد معاناة عائلتها وقسوة مغتصبها بعد موتها
عندما أخرج "بيتر جاكسون" ثلاثيته الملحمية الشهيرة "سيد الخواتم" ظن البعض أن المخرج العبقري وجد ضالته، واكتشف العالم الذي يبدع فيه أكثر. إلا أن الرجل فاجأ الجميع من خلال فيلم يجمع بين الإثارة والشاعرية والحزن يحمل عنوان "العظام الجميلة أو "the lovely bones" مؤكدا أنه يكره التكرار أو التخندق في خانة معينة، بل هو عاشق للبحث في عوالم جديدة والسباحة في مياه مجهولة.
ويقول المقربون من جاكسون إن رواية "العظام الجميلة" التي صدرت في 2002 للكاتبة الأمريكية "أليس سيبولد" وحازت على أعلى مبيعات السنة ذاتها، التي اقتبس منها الفيلم، لم تكن تفارق المخرج أثناء تصوير الجزء الأخير من "سيد الخواتم" التي صنعت شهرته الواسعة وجعلت المخرج النيوزيلندي يقطف ثلاث جوائز أوسكار.
وتجري أحداث السيناريو عام 1973، حول الفتاة الصغيرة "سوزي سالمون" التي تتعرض للاغتصاب والقتل في بداية الحكاية، حتى تفتح عينيها مرة أخرى لترى أنها قد وصلت إلى الجنة، ومن هناك تشاهد عائلتها التي دمرت وهم يدفنونها في المقبرة، وتشاهد قاتلها وهو يخفي أدلة الجريمة استعدادا لجريمته المقبلة، فتحاول بإرادتها وإيمانها وكل ما تملك هناك، إيقافه وفضحه وتخفيف الألم الذي حل بأسرتها.

ويحكي "بيتر جاكسون" بشكل شاعري حياة "سوزي" الجديدة بسعادتها في اكتشاف جمال العالم الآخر، وحزنها وهي تراقب عائلتها تئن وتتعذب لفراقها.
إن "العظام الجميلة" فيلم يتحدث عن الحب بمعناه الكبير، يسائل الحياة والموت بسلاسة، ويجعلنا المخرج منذ الوهلة الأولى نتحول إلى "فلاسفة" رغما عنا، نسائل أنفسنا كما تسائلنا الصورة وتخلق أمامنا علامات الاستفهام الكبيرة لأسئلة وجودية.
فالفيلم لا يطمح إلى التشويق البوليسي، أو إلى الملاحقات التي تقطع أنفاس المشاهدين، بل الهدف منه هو تحريك الأحاسيس والمشاعر من أجل الانتباه أولا إلى مشكل ذي بعد عام، هو اغتصاب الأطفال والجرائم البشعة التي تنفذ ضد شريحة ضعيفة وبريئة. والفيلم ثانيا نداء لنحيا الحياة كما هي، أي أن نكون سعداء في انتظار السفر الأخير.
الفيلم إذن قصيدة شعر حزينة، جميلة وقاسية كالحياة. فيلم مختلف عن الوصفة الهوليوودية وتوابل السينما الأمريكية، استعان فيه المخرج بأسماء كبيرة لتحقيق مبتغاه، لأن صدق الإحساس هو الوحيد الكفيل بتحريك مشاعر المتلقي، لذلك أسند للممثلة الشابة المرشحة للأوسكار "ساوورس رونان" دور سوزي سالمون، والفائزة بجائزة الأوسكار "راشيل ويز" دور الأم، والمرشّح للأوسكار "مارك ويلبيرغ" دور الأب، والفائزة بالأوسكار "سوزان ساروندون" دور جدة سوزي، وأخيرا "ستانلي توتشي" المرشح بدوره لجائزة الأوسكار دور قاتل ومغتصب سوزي.
ويرى بعض النقاد في "العظام الجميلة" أو "العظام الرقيقة" نوعا من المراجعة الذاتية التي تتمحور حول استعداد سوزي للصفح عن قاتلها، ورأى بعض نقاد الأدب في الرواية أنها تنتمي الى تيار ما بعد اعتداء الحادي عشر من شتنبر 2001، والرغبة في الصفح عما حدث ونسيان المأساة.
لكن الفيلم مبني على ترقّب المشهد التالي ومعرفة ما إذا كان القاتل سيدفع ثمن جريمته أم لا وكيف. ولا شيء في سياقه يحمل رغبة ما في النسيان والغفران، على العكس ها هي سوزي تقول بعد موتها وتحولها إلى روح هائمة: "حين كنت صغيرة لم أكن أكره أحدا. لكنني الآن لا أملك إلا الكره".
جمال الخنوسي

05‏/03‏/2010

السينما في "مباشرة معكم" .. الدرجة الصفر من النقاش

ضيفة طالبت فرض الممثل المغربي على الإنتاجات العالمية وشباب يستغلون أسطورة إنقاذ القاعات السينمائية
من الطبيعي جدا أن يجعل برنامج حواري مهم من طينة "مباشرة معكم" على القناة الثانية، من السينما موضوع حلقة خاصة، لسببين اثنين على الأقل: أولا بحكم تنظيم الدورة الحادية عشرة من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة بين 23 و30 يناير الماضي، وثانيا لأن السينما تشكل المظهر الثقافي المشرق الوحيد في بلد تئن فيه الثقافة وتلفظ غالبية الفنون أنفاسها الأخيرة.
كانت الفكرة إذن جيدة، والمبادرة محمودة، إلا أن التعامل مع الموضوع تم بنوع من الاستسهال وصل درجة لا تطاق من الاستخفاف، وسمعنا من الخزعبلات والترهات الشيء الكثير، فتحول بالتالي البرنامج الحواري الرصين إلى نكتة كبيرة ووصلة فكاهية بامتياز.
لقد حضر كل شيء في البرنامج وغابت السينما، إذا ما استثنينا تدخلات الناقد حسن نرايس، الذي وجد نفسه يحاور "طرشان" حول الفن والإبداع، فيما الكل يدافع "عن عرامه" ومصالحه. أما المخرج نورالدين لخماري فقد حاصرته الأسئلة اللاسينمائية في برنامج خصص للسينما، وخضع لاستنطاق مكرر حول "اللغة" في فيلمه "كازانيغرا" للمرة الألف، ووجد الرجل نفسه من جديد يناقش الأخلاق والمبادئ، والسينما النظيفة، والفيلم الذي يشاهد مع الأسرة، وانتقادات الجماعة إياها التي تجعل من تصيد العورات والقبلات في الأفلام همها الوحيد، وتلزم المخرجين بالحصول على مباركة الملات في حزب العدالة والتنمية قبل الشروع في التصوير.
لقد سمعنا أكبر مهزلة تصدر عن ضيفة فنانة، يا حسرة، عندما أخذتها الشوفينية والشعبوية كي تقول إن على المركز السينمائي فرض "الفنان المغربي" على الإنتاجات الأجنبية (!)، وأخذتها روح الوطنية إلى القول بضرورة فرض هذا الشرط فرضا على "سكورسيزي" و"تارونتينو" و"ريدلي سكوت" وغيرهم من عباقرة السينما، وإلا سنرفض السماح لهم بأن يصوروا مشهدا واحدا في بلادنا، أي ما يعني بلغة أخرى، ضياع مورد مالي مهم يقدر بملايين الدراهم (913 مليون درهم سنة 2008 وحوالي 415 مليون درهم سنة 2009).
رأينا مجموعة من الشباب يدعون أنهم "ينقذون السينما" منذ سنوات في وقت لم ينقذوا فيه حتى كرسي واحد من هذه القاعات المهترئة، بل جعلوا من القضية نوعا من "البيزنس" المدر للربح من خلال بيع قمصان تحمل العبارة الأسطورية "save cinema in morocco"، ورأيناهم ينبشون في الأزبال وينقذون بشكل بطولي أفلاما من روائع السينما المغربية العالمية والمغربية المعرضة للتلف، في حين أن تلك السينما، أو ما تبقى منها معروفة منذ القدم بأنها لا تقدم سوى الأفلام الهندية الرديئة التي لا يكترث إليها أحد، وتبين بعد تدخل مصطفى ستيتو، الكاتب العام للمركز السينمائي المغربي، أن الجماعة لا تفهم في السينما ولا هم يحزنون.
وغيره كثير من النكات والمستملحات مثل تلك التي قالها صاحب القاعات المعروف الذي أراد أفلاما مغربية على المقاس ليحقق دخلا محترما "يهرب" في ما بعد إلى ميدان العقار، والمخرجة التي تطالب بإنتاج فيلم تاريخي ب 10 فرنك... وتحدث الجميع عن الكتابة الانطباعية لدى الصحافيين المساكين والأميين، فيما لم يتحدث أحد عن أفلام الهلوسة التي لا يفهمها لا المخرج ولا الجمهور، وتحدثوا عن النقد السينمائي دون الحديث عن جمعية مغربية للنقاد أصابتها العلاقات والارتباطات ب"الخرس"، بعد أن نخرت نسيجها الصراعات الداخلية والحروب الصغيرة على الزعامات.
هكذا إذن، خرجنا من الحلقة السينمائية بخفي حنين، ولم يجد المشاهد المسكين جوابا شافيا على سؤال واحد، فكان الرابح الكبير هو اللغو والسفسطة والمزايدة. ولا يسعنا جميعا سوى وضع حد لهذا اللغط التلفزيوني ونرحل إلى عوالم القاعات المظلمة، لأن من يحب الحياة يذهب إلى السينما، أولا وثانيا وأخيرا.
جمال الخنوسي