29‏/07‏/2012

حامضة

من بين الحكايات الطريفة التي كان يرويها عبقري الضحك، أحمد السنوسي، في زمن مضى، قبل أن يشتد عليه خناق المنع، قصته وهو جالس في محطة الطوبيس، إلى جانبه قفة "التقدية"، ينتظر ذلك الذي يأتي أولا يأتي. فلاحظ بزيز "بوليسيا" يراقبه عن بعد، يحصي سكناته ويعد أنفاسه، فأخذ السنوسي "حامضة" من قفته وبدأ يتقاذفها بين يديه، ففهم البوليسي إن الرجل متمرد يريد القول بشكل مبطن "إن القضية حامضة". فاقترب البوليسي من بزيز وصفعه بقوة ليختم بالقول "إن القضية حامضة ولكن البوليسي باسل" !
كان ذلك في زمن مضى اسمه "اللي دوا يرعف"، فأجبر السنوسي بعدها على جمع "خضره" وأرغمه المنع على التزام الصمت. أما اليوم، فقد زادت نسبة الحموضة كثيرا، حتى أن رئيس الحكومة، عبد الإلاه بنكيران، بقده وطول قامته، يخرج إلى الناس ويقول لهم إنه يحكي نكتا حامضة لملك البلاد. وأنا أعتقد أن بنكيران علامة من علامات الرحمة التي ينزلها الله على عباده، ليفرج كربهم ويزيل غمتهم، ففي عز الضائقة التي تعيشها البلاد، رزقنا الله رئيس حكومة خفيف الظل، "دمه شربات"، يحكي نكتا حامضة، مائة في المائة حلال.
مشكلة بنكيران "او ميستر بين" كما يسميه بعض اللطفاء، أنه أغرق الشعب، أيضا، بنكته الحامضة، ومع توليه منصبه الجديد قصفنا بحموضته العالية في شاشات التلفزيون ولقاءاته الجماهيرية وندواته الصحافية. ولا يمضي يوم واحد دون ان تملأ قفشاته الدنيا وتنتشر لوازمه حول "لي بانان" و"فهمتني ولالا؟" انتشار النار في الهشيم على فايس بوك وتويتر ويصبح موضوع تنظر في جلسات المقاهي وتجمع الأصدقاء.
لكن سبع أيام ديال الباكور انتهت (باكور لا علاقة له بقفة السنوسي)، و"بينكي" لم يعد يضحك إلا نفسه، لأنه بعد مرور ستة أشهر على توليه منصبه البادخ، وجد نفسه في مواجهة المشاكل الحقيقية للبلاد التي انشغل عنها، مع بعض حواريه، بتصفية الحسابات و"الحفير" للآخرين و"شد ليا نقطع ليك". فأصبحت نكته باسلة وضحكه كالبكاء.
المصريون الذين لا يقلون عن المغاربة في خفة الدم وروح التنكيت يقولون
"يا بخت من بكاني و بكا الناس عليا،  ولا ضحكني و ضحك الناس عليا". وما نشهده اليوم ضحك على الذقون أكثر منه ضحك على نكت حامضة.

27‏/07‏/2012

حوار حصري مع وزير الداخلية الفرنسي/ تعديلات مرتقبة في إجراءات الحصول على التأشيرة

أجرى الحوار: جمال الخنوسي
قال وزير الداخلية الفرنسي، مانويل فالس، إنه سيدخل تعديلات على إجراءات الحصول على تأشيرة شنغن، قريبا، سيكون أهمها تقليص عدد الوثائق المطلوبة.
وأكد فالس في حوار خص به "الصباح"، على التعاون المغربي الفرنسي في مجالات عدة تخصص بالأساس قضايا الهجرة والتعاون الأمني ​​في مجال مكافحة تهريب المخدرات والإرهاب. كما هاجم سياسة سلفه في تدبير قضايا الهجرة وتنقل الطلبة، مشيرا إلى أن الإسلام دين له كل مكانته في فرنسا على غرار الأديان الأخرى. 
 
السيد الوزير، هذه أول زيارة رسمية لكم للمغرب وزيرا للداخلية، ما هي المواضيع التي تطرقتم إليها بمناسبة الزيارة؟ وهل كانت قضايا الأمن، والجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب ضمن جدول الأعمال؟
هذه أول زيارة أقوم بها إلى المغرب وأرى فيها فرصة لمعالجة مجموعة واسعة من المواضيع، ومواصلة تعزيز التعاون بين بلدينا، إذ تم تناول قضايا الهجرة والتعاون الأمني ​​في مجال مكافحة تهريب المخدرات والإرهاب. أنا أعرف أن المغرب جعل الجهوية المتقدمة، واللاتمركز، ضمن أولوياته، وبما ان فرنسا شهدت إصلاحات مماثلة، ستكون الشراكة بين بلدينا مفيدة. وأريد أن أؤكد الفخر الذي أشعر به في زيارتي الأولى، فأنا سعيد جدا للحضور الى بلدكم الذي تربطني به علاقة خاصة، وبالتالي هذه فرصة لقاء الشعب المغربي، والمسؤولين الحكوميين، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس. فوجودي في المغرب يعكس قوة ومتانة الصداقة بين البلدين والشعبين.
ما هي مجالات التعاون الرئيسية بين فرنسا والمغرب خصوصا في المجالات التي تدخل ضمن دائرة اختصاصكم؟ وكيف تخططون لتعزيز التعاون بين البلدين؟
يجب أن تسمح لنا آليات التعاون بالتكيف مع التهديدات المتعددة وتبادل التجارب المشتركة. وتشكل معالجة قضايا مكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة الإلكترونية موضوع تبادل متنام بين مصالحنا. وفي ما يتعلق بمكافحة المخدرات، لدينا، بالفعل، تعاون ثنائي ممتاز، لكن بالإمكان تعميقه أكثر. إننا نطمح إلى الانضمام إلى الشراكة الوثيقة والتعاون الذي يجمع المغرب وإسبانيا في هذا المجال، ما أدى إلى إنشاء مراكز للتعاون في مجال الأمن في الجزيرة الخضراء وطنجة. تعاوننا ينكب أيضا على القضايا الأمنية بما في ذلك تدريب الشرطة، إذ شاركنا أخيرا في إنشاء مركز أبحاث الجريمة، وإنشاء قوة للمراقبة والأبحاث ومركز تدريب الشرطة العلمية والتقنية داخل المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة.  وأنا مقتنع بأننا سنتمكن من مواصلة تعزيز التعاون في ما بيننا، الذي هو بالفعل على مستوى متقدم جدا، كما تقوم بين بلدينا ثقة كبيرة متبادلة.
ما هي منهجيتكم في التعاطي مع قضية الهجرة القانونية؟ أما زلتم تساندون سياسة تحديد "حصص" للهجرة؟ أم تفكرون في قطيعة تامة مع سياسة "الأرقام" والإحصاءات التي اتبعتها الحكومة السابقة؟
إن الأجانب الذين يقيمون بصورة شرعية في فرنسا، والذين يبرهنون على وجود رغبة لبناء حياة عائلية أو مهنية على المدى البعيد، لهم كل مكانهم في بلدنا. كما يتعين على فرنسا أن تكون قادرة على مواصلة استضافة المهاجرين، لذلك يجب فرض رقابة صارمة على الهجرة. يجب أن تكون سياستنا في الهجرة واقعية وتأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا. لذلك، ستعقد كل سنة، جلسة في البرلمان لمناقشة تنظيم الهجرة الاقتصادية.
وفي ما يخص تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين،  كانت السياسة الماضية مصدر معاملة تعسفية، وأريد القطع مع هذا المنطق. إذ ينبغي إعطاء الأسبقية للمعايير لأنها ضمانة المساواة في المعاملة بين المتقدمين للهجرة. إن وضع معايير يمنحنا فرصة لقبول أو رفض الطلبات، وعلى الأفراد الذين لا يسمح لهم وضعهم بالبقاء في فرنسا، العودة إلى وطنهم.
اتخذ سلفكم قرارات جذرية ضد الطلاب الأجانب. وقد تضرر الطلبة المغاربة، الذين هم أول مجتمع من الطلاب الأجانب في فرنسا، بشكل مباشر من هذه السياسة. كيف تتصورون، مسألة تنقل الطلاب؟
لقد كان إلغاء دورية 31 ماي 2011 رمزا قويا، أراد من خلاله رئيس الجمهورية إنهاء حالة عبثية جعلت فرنسا تنفر المواهب من جميع أنحاء العالم. إن تنقل الطلاب، سيما في إطار الفرنكوفونية، فرصة عظيمة لمدارسنا وجامعاتنا. الطلاب الأجانب ثروة توفر لفرنسا والتعليم العالي فرصة الانفتاح على العالم وتحقيق إشعاع دولي. 

بخصوص مسألة التأشيرات بشكل عام، هل سيكون هناك تغيير في الإجراءات الإدارية لمنح تأشيرة شنغن؟
نعم، سوف نجري تغييرات قريبا. أولا، يجب تقليص عدد الوثائق المطلوبة. من ناحية أخرى، سيتم توسيع نطاق فئات الأشخاص المؤهلين للحصول على تأشيرات الدخول لمرات متعددة أو تأشيرات طويلة المدى، تدريجيا. ومن شأن هذه التطورات أن تكون جزءا من عملية التفاوض على اتفاق أوربي ينبغي أن يتضمن المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوربي من أجل اتفاق تيسير واتفاق إعادة القبول. بالطبع، يجب على الجميع القيام بدوره حتى تكون هذه التطورات مفيدة للطرفين. كما قلت قبل قليل، يجب على الأشخاص الذين لا يسمح لهم وضعهم  بالبقاء في فرنسا العودة إلى وطنهم.
أصبح الإسلام من بين القضايا الحساسة في فرنسا، والحقيبة الوزارية التي تتولون تدبيرها تضم أيضا مسألة المعتقدات والأديان، فما هي المقاربة التي تعتزمون اعتمادها في هذا المجال؟
أرفض الفكرة التي تقول إن الإسلام مسألة حساسة، إذ على غرار باقي الأديان الأخرى، يحظى الإسلام بكل مكانته في الجمهورية. ويتعين تناول قضايا المعتقدات في جو من الوضوح والرزانة. ويعتبر الحوار بين الدولة والمؤسسات التمثيلية، في هذا الإطار أساسيا. لذا أشجع مسلمي فرنسا على أن ينتظموا داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وأن يعملوا على التوصل إلى اتفاق جدي ودائم يضمن تمثيلية الإسلام بفرنسا بكل تنوعه.
يعتبر ملف المهاجرين غير الشرعيين بفرنسا موضوعا شائكا بالنسبة إلى وزير داخلية، هل ستعملون على طردهم أم تسوية وضعيتهم؟
هدفي أن أقطع مع كل الممارسات الجائرة التي كان معمولا بها في الماضي، لأنها تتعارض مع قيم الجمهورية. ويتعين أن ترتكز عملية تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين على معايير دقيقة وموضوعية، مرتبطة بسنوات الإقامة داخل التراب الفرنسي، والروابط العائلية، وتمدرس الأطفال، ووضعية الشغل، أي كل ما يرتبط بالحياة اليومية في بلادنا. ويتعين أن تنفذ هذه المعايير من أجل الأخذ بعين الاعتبار، بطريقة أفضل، واقع العلاقات المنسوجة بين الراغبين (في الحصول على الإقامة الشرعية) وفرنسا. لكني أؤكد، لن تشمل عملية تسوية الوضعية أعدادا كبيرة. فالأجانب الذين يقيمون بطرق غير قانونية على التراب الفرنسي دون وجه حق، سيتم إبعادهم طبقا لما تقتضيه القوانين في هذا الباب.
في سطور
وزير داخلية فرنسا في حكومة جون مارك أيغو منذ 16 ماي الماضي
ينتمي إلى الحزب الاشتراكي
من مواليد 13 غشت 1962 ببرشلونة (إسبانيا)
عمدة ل"إيفري" من 2001 حتى 2012
إلغاء مذكرة العار
فور تعيين الحكومة الفرنسية الجديدة، قرر وزير الداخلية، مانويل فالس، إلغاء مذكرة التعليم التى كان قد أقرها سلفه وزير الداخلية السابق، كلود غيان، فى ماي 2011 التى تقضى بمنع الطلاب الأجانب فى فرنسا من العمل  بعد التخرج قصد منح الأولوية للحصول على الوظائف للفرنسيين.
وكانت للمذكرة  انعكاسات وخيمة على الطلاب الأجانب، إذ حرمتهم من الحصول على إجازات عمل رغم أن بعضهم كان يعمل في شركات بصورة شرعية. وألحقت أضرارا كبيرة بسمعة الجامعات الفرنسية في الخارج.
وبإلغائها عاد الارتياح إلى الأوساط الجامعية الفرنسية إذ أن وزيرة التعليم العالي والبحث في الحكومة الجديدة، جونافييف فيوراسو، إن إلغاء المذكرة يمثل إحدى أولوياتها وإجراء يجب اتخاذه بشكل "طارئ لأسباب إنسانية ولأجل تبادل المعرفة أيضا".

20‏/07‏/2012

عندما يتنبأ نيتشه بنهاية بشار

لقد جاء نيتشه بفكرة قلبت موازين الفلسفة، عندما تحدث عما أسماه "العود الأبدي" الذي وقف في وجه فكرة أخرى مفادها أن التاريخ يسير على شكل خط طويل ممتد إلى الأبد، في حين أن العبقري الألماني أكد أن الزمن يتوقف في لحظة ما ليعيد الأحداث نفسها بالمضامين والمعطيات نفسها، أي أن الزمان يعود بشكل مستمر إلى نقطة بدايته، فجعل المفكر الألماني الكبير من هذه الفكرة الأساس الجوهري الذي تقوم عليه فلسفته.
وما يحدث اليوم في سوريا شبيه بما حدث في تونس ومصر وليبيا مع وجود فوارق صغيرة: البيانات والتصريحات والتصريحات المضادة نفسها، التهديدات بقمع انتفاضة الشارع من طرف النظام وتحدي "الثورة الباسلة" رافعة "الله أكبر" في وجه الطاغية، كأننا نعيش السيناريو نفسه... وبين هذا وذاك، المواقف الدولية ذاتها بين مدافع مستميت عن الأسد أو القدافي أو أي كان... وعواصم أخرى تهدد بقرارات شجاعة لمجلس الأمن يمكن أن تصل إلى التدخل العسكري... وكأننا نعيش حلقات صغيرة من "العود الأبدي" الذي تحدث عنه نيتشه فلسفيا، وترجمته جريدة "ليبيرسيون" الفرنسية صحافيا بالقول "A qui le tour ?" أي الدور على من؟ 
   

لقد شكل الحادث الذي شهدته العاصمة السورية، دمشق، أول أمس (الأربعاء)، هزة أمنية عنيفة، استهدفت اجتماع خلية الأزمة المشكلة من قادة الأجهزة الأمنية وأبرز الوزراء السياديين، ما أسفر عن مقتل وزير الدفاع العماد داوود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ومعاون نائب الرئيس بشار الأسد العماد حسن تركماني، حدا فاصلا في القضية السورية، وهي اللحظة التي  يسميها نيتشه "السنة الكبرى للصيرورة" التي تنتهي عندها دورة لتبدأ دورة جديدة، حتى أن بعض القنوات التهييجية وعلى رأسها "الجزيرة" تتحدث من الآن عن ما بعد بشار، كما تحدثت من قبل عن ما بعد القذافي وما بعد بنعلي وغيرهما من الطغاة.
وإذا كان بعض الفلاسفة انتقد فكرة نيتشه بالقول إن مفهوم العود الأبدي يقضي على الحرية، مادامت الحلقة محتوم عليها بالعودة باستمرار: الانعتاق من قبضة طغاة العسكر للوقوع في جحيم طغاة السلفية، فإن الفيلسوف الألماني الذي اشتكى معظم حياته من مرض نفسي، دافع عن فكرته بالحديث عن أن النفس فوق كل استعباد للزمان ما دام "الآن ليس هو اللحظة الهاربة، بل هو التصادم بين المستقبل والماضي" بين قمع العسكر وقمع السلفية.
إن التاريخ يسير بوتيرة متسارعة جدا، ومهما كان التزامه بفكرة نيتشه و"عوده الأبدي"، أو بفكرة الفيلسوف الإغريقي، هيرقليطس، الذي قال "لا تستطيع أن تستحم بماء النهر ذاته مرتين" لأن التاريخ ممتد إلى ما لا نهاية، فإن الخوف كل الخوف من أن دائرة العود أو الامتداد تسقطنا في جحيم النكوص والتخلف الكبيرين أكثر مما نحن عليه الآن، فما حدث في بلد مثل مالي حيث التقتيل والتعذيب وقطع الرؤوس والأيدي ليس عودة إلى العصور الظلامية فحسب بل نهاية للتاريخ.
جمال الخنوسي

09‏/07‏/2012

مغاربة يغتالون فايسبوك


فكرت مرات عديدة في التخلي عن البلاء المسلط المسمى "فايسبوك"، وأستعيد حريتي المسلوبة بالتخلي عن العادة السيئة التي تهدر الوقت والجهد والتركيز في العدم. فبعد دهشة الاكتشاف الأولى، وبعض الإيجابيات التي تجعلك تنسج علاقات جديدة وتحيي أخرى قديمة، تصل من خلالها الرحم مع الأقارب، تظهر فجأة سيئات هذه "البلية الخايبة" التي تعكس وجهنا الحقيقي وسكيزوفرينيا متجذرة في مجتمع تفاقمت حالاته المرضية.
 آخر الإحصاءات تقول إن فايسبوك تمكن من جمع أكثر من 500 مليون منخرط، من بينهم 15 مليونا في فرنسا وأكثر من مليوني منخرط في المغرب منذ انطلاقته في 4 فبراير 2004. كما وضع مالكه مارك زوكربيرغ البالغ 26 سنة في الرتبة 212 في سلم أثرياء العالم بثروة تفوق أربعة ملايير دولار جمعها في ظرف ست سنوات.
أكثر من هذا، عرف المغرب أعلى نسبة انخراط في العالم كله بعدد كبير وصل 130 ألف و380 منضما جديدا إلى الشبكة الاجتماعية المثيرة للجدل، خلال أسبوع واحد فقط! مع الأخذ بعين الاعتبار عدد السكان، وبالتالي احتل المغرب الرتبة الأولى أمام المكسيك ورومانيا وقبرص وغيرها من البلدان.
هؤلاء المغاربة الفايسبوكيون أنواع وألوان، يعرفهم جيدا مستعملو شبكة التواصل الاجتماعي و"المبليون" (الله يعفوا على الجميع)، إذ يكفي أن أذكر لكم شريحة "شوميشة" التي تعرض في صفحتها فطورها اليومي المكون من الشاي والمسمن والبغرير حينا، ووجبة كونتينونطال مكونة من القهوة والكرواصة تارة أخرى. وتستعرض هذه الشريحة "المجوعفة" شهيوات الغذاء التي تتضمن سلطة بادخة وسمكا مشويا أو دجاجا محمرا ومعمرا، كما لا تفوت شوميشات فايسبوك استعراض جميع أنواع الكسكس بالقرع الأحمر والخضر السبع معلقين بالقول "جمعة مباركة .. بالصحة".
فصيلة أخرى اكتشفت فجأة، عبر فايسبوك، أنها تتميز بالحكمة ورجاحة العقل وانجلاء البصيرة، التي تجعلها تقصفنا بلا حياء بحكم "جوج دريال" والخزعبلات النابعة عن بلادتها واعتقادها المضلل، أضف إلى ذلك كوكتيلا من الخواطر التافهة عن الرجل والمرأة والحب والإحساس المرهف والعواطف الجياشة... مقترنة بصور الأطفال والملائكة والورود و"بوكليب لكحل".
أما الطامة الكبرى فهي فصيلة "الخاسرين" التي تعتبر الأكثر بروزا داخل ملايين المنخرطين، إذ يكشف هذا الجيش العرمرم عن مرضى نفسيين يعيشون بيننا يملأ قلوبهم حقد دفين تجاه الآخر وكبت تاريخي وعنف مجاني حول فايسبوك إلى ما يسميه الأمريكيون "هايتبوك" أي دفتر الحقد.
وينتظر هؤلاء تعليقا أو صورة أو خبرا من أجل التعليق بلغة سوقية وعنف صادم وإطلاق شلال من الشتائم استقوها من أقرب واد حار، مصدرين موقفهم البليد عن "السياسة والدين والكرة والكرعين... والجاز حتى هو" كما تقول أغنية "فهاماتور".
وحتى تكتمل صورة القبح، غدا فايسبوك الذي أنشأه الأمريكي زوكربيرغ سامحه الله، ساحة لإصدار فتاوى القتل والتعزير من طرف فقهاء الدم وجماعة من المتأسلمين الذين لا يعرفون عن الدين السمح سوى "إن لم تنشر هذه الترهات فالشيطان منعك"!
إنها جيوش مهمتها نشر الحقد والكراهية وهدفها الأسمى هو الدفاع عن "الجهل المقدس" على حد تعبير محمد أركون رحمة الله عليه. لقد تحول الحلم الجميل إلى كابوس مرعب، وغدا موقع الفاسق المارق ابن الشيطان الأكبر من شبكة لمقتنص طالبات الجامعات الأمريكية ثم مقتنص للأنظمة الديكتاتورية في تونس ومصر وليبيا، إلى ساحة للجلد وقطع اليد والسجن والنفي وفصل الرؤوس... بئس المصير.  
جمال الخنوسي

03‏/07‏/2012

موضة جديدة اسمها الشواطئ النظيفة!



في البداية، ظننت أن الأمر يتعلق باهتمام متزايد لحزب العدالة والتنمية بقضايا البيئة والحفاظ عليها، وتفتق قريحته بإجراءات جديدة ستدعم انخراط المغرب في سيرورة تتبنى الطاقات المتجددة غير الملوثة...، فخاب ظني.
ثم ذهب تفكيري الساذج بعد ذلك إلى مبادرة "شواطئ نظيفة" التي ترعاها الأميرة لالة حسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، وزاغ نحو حرص الحزب الحاكم على التوعية والتربية على الحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية ضمن تنمية مستدامة والكلام الكبير إياه...، أخطأت مرة أخرى.
والسبب في جنوحي الجنوني، وهلوساتي الطلائعية، هو حديث القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، التي أوردها موقع إلكتروني، حول "الشواطئ النظيفة"،  فبدل فرضياتي الخاطئة كان الرجل يقصد "الشواطئ النظيفة" من شوائب المايوهات واللحوم "المقددة"، وليس من النفايات المنزلية والواد الحار والقارورات البلاستيكية. مثلكم غرني العنوان.  
وجاء في الخبر الذي رد فيه حامي الدين على جماعة العدل والإحسان التي تسعى كل سنة إلى تنظيم مخيماتها الطائفية أنه "لا يفضل التخييم الصيفي الذي يتخذ صبغة طائفية أو حزبية، ولكنه بالمقابل يتمنى من السلطات أن تسعى إلى إيجاد شواطئ "نظيفة" تنسجم مع رغبة عدد من العائلات المحافظة في المجتمع للاستجمام في فضاءات مناسبة لها... وبأنه لا يحبذ فكرة المخيمات "الفئوية" أو "الجماعاتية" لأن التخييم الصيفي هو تخييم، لا يجب أن يتخذ غير طابعه الاستجمامي والترفيهي الاعتيادي، مادام أنه يكون في إطار مجموعات أو عائلات أو أفراد. وعبر عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية عن اختلافه مع من يطالب بمخيمات يحجُّ إليها الآلاف من أتباع جماعة أو تيار معين، لأن هذا النوع من التخييم الصيفي قد يعتبر حينها "خطوة استفزازية" للحكومة الجديدة، أكثر منها رغبة في الاصطياف والترفيه عن النفس على الشواطئ".
انتهى الخبر الذي يدعو إلى الشواطئ النظيفة أسوة بالسينما النظيفة والثقافة النظيفة، وتم التغاضي عنه لأنه رد على مقترح العدليين الذي يعتبره البعض أشد بطشا، مع ذلك لابد من الإشارة إلى أننا البلد الوحيد الذي لا يشن الحرب في جبهات القتال وساحات الوغى بل لنا "حرب الطرقات" و"حرب الشواطئ" والحرب حتى ضد أنفسنا وضد من يخالفنا الرأي كان آخر ضحاياها زميلنا المختار الغزيوي الذي أصابته نيران صديقة!
والأشد خطورة في الأمر هو أن الساحة يستحوذ عليها اليوم النقاش بين المتشدد والأكثر تشددا، بين الطاعون والكوليرا، بين الشواطئ النظيفة والشواطئ الطائفية المنغلقة، أما عباد الله الذين يسعون إلى الحد الأدنى من المتعة والاستجمام بعيدا عن الصهد وحرقة اليومي فلهم الله، لأن الشواطئ وزعت بين جماعات التشادور والمستحمات البشعات ب"الكومبينيزون".
المغاربة احتار دليلهم على حد قول أم كلثوم، ويريدون معرفة أين تبدأ النظافة وأين تنتهي القذارة؟ ومتى يكون الجسد أكثر إثارة وفتنة، هل مع استعمال المايوه الذي يظهر السرة أم مع ملابس النوم الشفافة الملتصقة؟ وهل صاحبة المايوه "البياسة الواحدة" ستتمتع بظروف التخفيف مقارنة مع السافرة صاحبة "دو بييس"؟ وهل ستكون عقوبة مرتدية البيكيني قطع الثدي قياسا مع السارق الذي يعاقب بقطع اليد؟
أذكر زمنا جميلا، قريبا جدا، كان فيه عامة الناس يستحمون في سلم وسلام دون نوايا مبيتة أو هيستيريا لحمية تنظر إلى المرأة بمنطق الجزارة. غطوا إذن هذا الجسد كيفما أردتم.. وضعوا حوله الحواجز والأسلاك الشائكة، خبئوه.. انفوه.. أقبروه.. فسترون فيه دائما الفتنة والإغراء لأن العيب ليس في الجسد ولكن في عيونكم المريضة التي لا يملؤها إلا التراب!
جمال الخنوسي