قدم الملك محمد السادس في خطابه التاريخي ل9 مارس الجاري مفاجأة كبيرة عندما أعلن عن دسترة توصيات هيأة الإنصاف المصالحة رافعا بذلك سقف التغييرات المنشودة إلى حدود غير منتظرة.
وجاء القرار الملكي بعد أن خضعت هذه التوصيات للنقاش العمومي وتفرعت عنها مؤسسات للمتابعة، واليوم أتي الدور كي تصبح تلك التوصيات منصوصا عليها في مشروع الدستور الجديد حسب ما جاء في الخطاب.
وعلى النحو ذاته، ينتظر الجميع ما ستسفر عنه "هيأة الإنصاف والمصالحة" الخاصة بالإعلام و ما يسمى "الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع " التي يديرها جمال الدين الناجي بمشاركة النقابة الوطنية للصحافة وفيدرالية الناشرين والفرق البرلمانية من خلال صياغة الكتاب الأبيض الذي يحمل تصورها أو تصور المجتمع للعلاقة بينه وبين الإعلام من صحافة مكتوبة وسمعي بصري وانترنيت...
وإذا خرجت هذه التوصيات واشتم فيها أشياء مهمة، يمكن أن يدرج جزء منها في الدستور الجديد، ففي بلجيكا مثلا حرية الصحافة منصوص عليها في الدستور كمستوى كبير من الديمقراطية والانفتاح.
وفي هذا الإطار هناك العديد من الإشارات في الخطاب الملكي تتحدث عن تدعيم ثقافة حقوق الإنسان وحرية التعبير، ما يجعل حرية الصحافة معنية بكل هذا مادامت تصب بدورها ضمن خانة حرية التعبير والحريات العامة. ومادام الملك رفع سقف المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنه حتما لا ينتظر من القطاعات والمؤسسات الأخرى سوى أن تقوم بالأمر ذاته من خلال مواكبة هذه الإصلاحات وعلى رأسها الإعلام. فتلك لم تكن رسالة مشفرة بل واضحة وجلية.
المتتبعون للقنوات التلفزيونية والإذاعية الوطنية لاحظوا أنه منذ اندلاع احتجاجات 20 فبراير وإلى غاية الخطاب الملكي، غدت جل هذه المحطات تؤمن بالفكر التعددي "من حيث لا تدري"، إذ شرعت أبوابها للجميع من يسار راديكاليي وإسلاميين ومعتدلين ووسطيين وفيسبوكيين... ومنحت لهم جميعا الكلمة. وأصبحت العديد من الأمور تقال بلا حرج، والكثير من المواضيع تخوض فيها دون قيد. كل هذا لأن الخطاب الملكي واحتجاجات الشارع رفعا من سقف التغييرات.
لكن التغيير في مجال الإعلام يجب أن يكون مؤسساتيا بالدرجة الأولى، وكما أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة، فإن إمكانية التغيير دائما حاضرة بشرط أن يواكبها الضوء الأخضر سياسيا إلى أن جاء ذلك في الخطاب الملكي ومحتواته الطلائعية التي تقطع الطريق أمام المتحججين بإعلام التعليمات وإعلام الهاتف ...
فقد أعلن الملك صراحة أن هذا العهد انتهى وولى بلا رجعة، والكرة الآن في مرمى الإذاعات والقنوات لترفع بدورها من مستواها وتشمر على ساعدها وتظهر أنها تواكب حراك المجتمع والتغيرات الإيجابية التي وعد بها صاحب الجلالة.
لنلاحظ جميعا كيف أصبح الإعلام المصري والتونسي اللذين يشهدان انفتاحا غير مسبوق. على المستويين الداخلي والخارجي: فعلى المستوى الداخلي تتحدث قنوات هذين البلدين لغة جديدة وتفتح فمها بما تشاء. وعلى المستوى الخارجي يعرف البلدان العربيان إنزالا مكثفا من طرف القنوات الأجنبية لتغطية أحداثها ومواكبة تحولاتها وحراكها. فمن كان يظن يوما أن "النشرة المغاربية" لقناة ك"الجزيرة" ستبث يوما من بلد اسمه تونس؟
يجب أن نعي تماما أن أي تخلف للإعلام الوطني "اليوم" يجعل من الانترنيت "بديلا" للتلفزيون ولجميع المحطات الوطنية، إذ أن دخول الإعلام الأجنبي يستدعي تحصين الجبهة الداخلية ف"اختراق" القنوات الدولية لمجالنا لم يعد خيارا بل إلزاما تفرضه الظرفية الراهنة وبالتالي نحن مجبرون على التعامل معه وفق هذا الأساس والمنطق.
جمال الخنوسي