من الطبيعي جدا أن يجعل برنامج حواري مهم من طينة "مباشرة معكم" على القناة الثانية، من السينما موضوع حلقة خاصة، لسببين اثنين على الأقل: أولا بحكم تنظيم الدورة الحادية عشرة من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة بين 23 و30 يناير الماضي، وثانيا لأن السينما تشكل المظهر الثقافي المشرق الوحيد في بلد تئن فيه الثقافة وتلفظ غالبية الفنون أنفاسها الأخيرة.
كانت الفكرة إذن جيدة، والمبادرة محمودة، إلا أن التعامل مع الموضوع تم بنوع من الاستسهال وصل درجة لا تطاق من الاستخفاف، وسمعنا من الخزعبلات والترهات الشيء الكثير، فتحول بالتالي البرنامج الحواري الرصين إلى نكتة كبيرة ووصلة فكاهية بامتياز.
لقد حضر كل شيء في البرنامج وغابت السينما، إذا ما استثنينا تدخلات الناقد حسن نرايس، الذي وجد نفسه يحاور "طرشان" حول الفن والإبداع، فيما الكل يدافع "عن عرامه" ومصالحه. أما المخرج نورالدين لخماري فقد حاصرته الأسئلة اللاسينمائية في برنامج خصص للسينما، وخضع لاستنطاق مكرر حول "اللغة" في فيلمه "كازانيغرا" للمرة الألف، ووجد الرجل نفسه من جديد يناقش الأخلاق والمبادئ، والسينما النظيفة، والفيلم الذي يشاهد مع الأسرة، وانتقادات الجماعة إياها التي تجعل من تصيد العورات والقبلات في الأفلام همها الوحيد، وتلزم المخرجين بالحصول على مباركة الملات في حزب العدالة والتنمية قبل الشروع في التصوير.
لقد سمعنا أكبر مهزلة تصدر عن ضيفة فنانة، يا حسرة، عندما أخذتها الشوفينية والشعبوية كي تقول إن على المركز السينمائي فرض "الفنان المغربي" على الإنتاجات الأجنبية (!)، وأخذتها روح الوطنية إلى القول بضرورة فرض هذا الشرط فرضا على "سكورسيزي" و"تارونتينو" و"ريدلي سكوت" وغيرهم من عباقرة السينما، وإلا سنرفض السماح لهم بأن يصوروا مشهدا واحدا في بلادنا، أي ما يعني بلغة أخرى، ضياع مورد مالي مهم يقدر بملايين الدراهم (913 مليون درهم سنة 2008 وحوالي 415 مليون درهم سنة 2009).
رأينا مجموعة من الشباب يدعون أنهم "ينقذون السينما" منذ سنوات في وقت لم ينقذوا فيه حتى كرسي واحد من هذه القاعات المهترئة، بل جعلوا من القضية نوعا من "البيزنس" المدر للربح من خلال بيع قمصان تحمل العبارة الأسطورية "save cinema in morocco"، ورأيناهم ينبشون في الأزبال وينقذون بشكل بطولي أفلاما من روائع السينما المغربية العالمية والمغربية المعرضة للتلف، في حين أن تلك السينما، أو ما تبقى منها معروفة منذ القدم بأنها لا تقدم سوى الأفلام الهندية الرديئة التي لا يكترث إليها أحد، وتبين بعد تدخل مصطفى ستيتو، الكاتب العام للمركز السينمائي المغربي، أن الجماعة لا تفهم في السينما ولا هم يحزنون.
وغيره كثير من النكات والمستملحات مثل تلك التي قالها صاحب القاعات المعروف الذي أراد أفلاما مغربية على المقاس ليحقق دخلا محترما "يهرب" في ما بعد إلى ميدان العقار، والمخرجة التي تطالب بإنتاج فيلم تاريخي ب 10 فرنك... وتحدث الجميع عن الكتابة الانطباعية لدى الصحافيين المساكين والأميين، فيما لم يتحدث أحد عن أفلام الهلوسة التي لا يفهمها لا المخرج ولا الجمهور، وتحدثوا عن النقد السينمائي دون الحديث عن جمعية مغربية للنقاد أصابتها العلاقات والارتباطات ب"الخرس"، بعد أن نخرت نسيجها الصراعات الداخلية والحروب الصغيرة على الزعامات.
هكذا إذن، خرجنا من الحلقة السينمائية بخفي حنين، ولم يجد المشاهد المسكين جوابا شافيا على سؤال واحد، فكان الرابح الكبير هو اللغو والسفسطة والمزايدة. ولا يسعنا جميعا سوى وضع حد لهذا اللغط التلفزيوني ونرحل إلى عوالم القاعات المظلمة، لأن من يحب الحياة يذهب إلى السينما، أولا وثانيا وأخيرا.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق