عرفت السنوات الأخيرة تطورا كبيرا في مجال المسلسلات بشتى مواضيعها وأصنافها، وغدت شركات الإنتاج الأمريكية تراهن عليها بشكل كبير في تحقيق مداخيل خيالية من خلال عرضها على مختلف شاشات العالم، وبيع المنتوجات الموازية المرتبطة بالشخصيات التي اكتسبت شهرة واسعة مثل "هاوس" في سلسلة "الدكتور هاوس" و"جاك باور" في سلسلة "24".
ومن بين السلسلات التي عرفت نجاحا مدويا وكانت سباقة في هذا المجال سلسلة "ليزيكسبير" أو خبراء الشرطة العلمية. ودفع النجاح الكبير لهذه السلسلة المنتجين في هوليوود إلى إطلاق سلسلات موازية بالأفكار ذاتها وبالمناخ نفسه اسمها "خبراء ميامي" وأخرى تدعى "خبراء مانهاتن".
إلا أن هذه السلسلة حل بها مسخ عجيب عند وصولها إلى القناة الثانية أول أمس (الأحد)، وتحول "ماك" و"ستيلا" ورفاقهما إلى الحديث بلغة ما أنزل الله بها من سلطان، وكأنهم أصيبوا بمس شيطاني، والعياذ بالله، جعلهم يتحدثون بلغة "زعلوكية"، مع اعتذارنا لشميسة وزملائها، هي خليط من العربية والفرنسية ودارجة الحواري.
وبدل السلسلة الرصينة ذائعة الصيت، وجدنا أنفسنا أمام كوميديا العبث بفعل دبلجة رديئة ومفردات لا تنتمي إلى أية لغة أو لهجة على كوكب الأرض. وهكذا عرفنا أن المداعبات في لغة أهل مانهاتن هي "الألعاب الجسدية"، وبأن "الضحية كانت في حالة عاطفية" تعني بلغة خبراء عين السبع "الضحية مارست الجنس قبل الوفاة".
وفي الوقت الذي بذل فيه المدبلجون مجهودا كبيرا في بعض الأحيان وتحدثوا عن "الحمضيات اللسانية" و"عينة من اللعاب" يعني "البصاق" فقد احتفظوا بكلمات أخرى استعصت عليهم مثل "جورنال أنتيم" يعني "دفتر الذكريات" و"الكارد كور" بمعنى "حارس الأمن الخاص".
وحتى نعود إلى أمور أكثر جدية، فإن دبلجة المسلسلات المكسيكية والتركية بكل علاتها أمر مفهوم من الناحية البراغماتية، إذ تجذب مثل هذه الإنتاجات التلفزيونية شريحة معينة من المشاهدين تعتبر الدارجة الأقرب إليها، وبالتالي فغاية الإشهار والمداخيل الإضافية تبرر الوسيلة، لكن الأمر مختلف في ما يخص سلسلة مثل "ليزيكسبير" التي تتوجه إلى جمهور خاص متعلم، ولا يمكن قبول أو تصور أن "ربة البيت" أو "لا ميناجير" التي هي هدف كل قنوات الدنيا، ستقبل على "خبراء مانهاتن" بكل تعقيداته كي تسوق لها دوزيم الزيت ومسحوق التصبين والفوطات الصحية.
وحتى وان ابتليت قناة عين السبع ببلية الدبلجة، وأصابها جنون الدارجة وشيطانها، فعلى الأقل عليها أن تقوم بذلك بشكل مقبول، وتختار أعمالا مناسبة وغير محرجة كما هو الحال في سلسلة "ديابلو" التي كثيرا ما يلاحظ المشاهدون نوعا من التيه واللامعقول في محاولة يائسة من المدبلجين لمراوغة قضايا مزعجة وحاضرة بقوة في المسلسل كما هو الحال بالنسبة إلى مثلية بعض الشخصيات، دون أن نغفل ضرورة الاستعانة بممثلين حقيقيين أصواتهم تناسب الأدوار التي يؤدونها، حتى لا يتحول المسلسل البوليسي الرصين إلى كوميديا مقرفة من العبث.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق