أثارت بعض الوصلات الإشهارية
التي تبثها المحطات الإذاعية جدلا واسعا بين المستمعين الذين اعتبروها مسيئة وحاطة
بالكرامة. فبعد إشهار خاص بموقع إلكتروني يدعو إلى "بيع النسيبة" ويسخر
منها ويشجع على التخلص منها، تبث بعض المحطات الإذاعية في الوقت الحالي إشهارا لمسحوق
غسيل يتضمن رسالة تدعو المرأة لمعاملة زوجها بسوء، وتتحدث صراحة "عن المرأة
التي تصبن زوجها" كسلوك إيجابي ومشجع.
وتطرح مثل هذه الوصلات
الإشهارية إشكالا قانونيا وأخلاقيا نظرا لغياب نص قانوني صريح في الموضوع، إذ تعرف
المادة 2 من القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري الإشهار ب "شكل من أشكال الخطابات المذاعة أو المتلفزة سيما بواسطة صور أو رسوم
أو أشكال من الخطابات المكتوبة أو الصوتية التي يتم بثها بمقابل مالي أو بغيره،
الموجهة لإخبار الجمهور أو لاجتذاب اهتمامه إما بهدف الترويج للتزويد بسلع أو
خدمات، بما فيها تلك المقدمة بتسمية فئتها، في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو تقليدي
أو فلاحي أو مهنة حرة وإما للقيام بالترويج التجاري لمقاولة عامة أو خاصة".
ويحدد القانون نفسه الإشهار
الممنوع في
"الإشهار
الذي يحتوي على عناصر للتمييز بسبب العرق أو الجنس أو الجنسية أو الديانة أوعلى مشاهد
تحط من كرامة الإنسان أو تمس بحقوقه أو مشاهد العنف أو تحريض على سلوكات مضرة
بالصحة وبسلامة
الأشخاص والممتلكات أو بحماية البيئة؛
والإشهار
ذي الطابع السياسي؛ والإشهار الذي
يتضمن مزاعم وبيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع
المستهلكين في الخطأ؛ والإشهار الذي من شأنه أن
يلحق ضررا معنويا أو بدنيا بالقاصرين والذي يهدف بالخصوص إلى ما يلي: تشجيع القاصرين بصفة مباشرة على شراء
منتوج أو خدمة عن طريق استغلال قلة تجربتهم أو سذاجتهم أو حثهم بصفة مباشرة على
إقناع
آبائهم أو الأغيار لشراء المنتوجات أو الخدمات المعنية؛ واستغلال أو زعزعة الثقة الخاصة للقاصرين إزاء
آبائهم ومعلميهم والأشخاص الذين لهم سلطة شرعية عليهم؛ وتقديم قاصرين في وضعية خطيرة دون سبب مشروع. والإشهار الذي يتضمن بأي شكل من الأشكال
بيانات من شأنها أن توقع المواطنين في الخطأ أو تخرق حقهم في سرية المعلومات
المتعلقة بحالتهم الصحية أو تتضمن بيانات كاذبة عن الصحة أو تحثهم على الممارسة
غير القانونية لمهنة الطب أو ممارسة الشعوذة؛
والإشهار
الذي يتضمن تشهيرا بمقاولة أو منظمة أو نشاط صناعي أو تجاري أو فلاحي أو
خدماتي أو
منتوج أو خدمة سواء من خلال محاولة تعريضه لاحتقار الجمهور أو سخريته أو بأي وسيلة
أخرى".
من جهتها، تتحدث دفاتر تحملات
المحطات الإذاعية بشكل ملح عن احترام الأشخاص والإشهار الكاذب والمضلل وصورة
المرأة، إذ أصدرت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، أخيرا، تقريرا حول "صورة
المرأة في الإعلام السمعي البصري"عرض جردا تحليليا لمجموعة من المعطيات حول
صورة المرأة في الإعلام السمعي البصري المغربي وتجارب مقارنة في مجال الضبط تتعلق
بصورة المرأة، إلى جانب توجيه مجموعة من التوصيات لبعض المؤسسات المعنية من أجل
النهوض بصورة المرأة في الإعلام السمعي البصري.
ويرى البعض أن مثل هذه
الوصلات الإشهارية تفلت من العقاب لأنها تستغل فراغا قانونيا، إذ أغفلت النصوص
الحديث عن صورة الرجل، لكن في المقابل ينصح آخرون بالاعتماد على البنود الخاصة بمس
كرامة الإنسان من أجل سد الفراغ.
والملاحظ أن تدخل الهاكا في
كثير من المناسبات المتعلقة يهذا الجانب كان رادعا، فقد شهدت الأعمال الرمضانية
خلال موسمي 2005 و2006 مجموعة من الانزلاقات العنصرية حول السود مثلا، وجاءت في
بعض السيتكومات عبارات من قبيل "العزي" و"مشمش فالليالي"
و"سراق الزيت" وتدخلت الهيأة من أجل تنبيه القنوات التلفزيونية حول
الخطابات العنصرية وهو ما أدى إلى اختفائها من شاشاتنا.
وفي مثال آخر، أذاعت محطة مغربية خاصة أغنية لفرقة
"راب" سعودية تضامنت مع الجزائر ضد المصريين في عز الحرب الكروية، وفي
الحين نبهت الهاكا القناة الموسيقية التي امتثلت بدورها ولم تبث الأغنية قط.
ويسير توجه آخر نحو الأخذ بعين الاعتبار طرق الإشهار
المبنية على المبالغة التي تجعل التخوف من مثل هذه الوصلات الإشهارية بلا معنى،
الأمر الذي يطرح إشكالا قانونيا وأخلاقيا واضحا يجب الحسم فيه بشكل قطعي.
جمال الخنوسي