إن كانت هناك حسنة للخرجة الإعلامية السياسية لرئيس
الحكومة، عبد الإله بنكيران، فستكون حتما تحقيقه للفرجة التلفزيونية الغائبة في
البرامج السياسية والحوارية في تلفزيوننا الحزين، إذ تمكن، ولله الحمد، رئيس
الحكومة، بروحه المرحة، وقفشاته المتنوعة، وجاذبية حديثه، من تحقيق نسب مشاهدة لا
ينافسها سوى مسلسل "خلود"، إن شاء الله.
لقد أحس بنكيران أن "الصهد" زاد، وأن "السخونية"
تقترب، لذلك طلب برنامجا تلفزيونيا خاصا، اجتمعت فيه يد الأولى والثانية، حتى يبرر
لملايين المغاربة أسباب الزيادة الأخيرة في ثمن المحروقات التي اكتوى المواطنون
بنارها، وأشعلت لهيب الأسعار بالأسواق. كما لم يفته منح الوعود السخية التي تسيل اللعاب،
وهدهد المواطنين بالأحلام الوردية المغلفة ببعض التعاويذ والحولقة والبسملة
والتهليل والتكبير.
لكن، قبل أن نساير بعض المجموعات التي أطلقها خفيفو الظل
على الشبكات الاجتماعية، تطالب بـ "سكيتشات بنكيران على التلفزيون مع مائدة
الإفطار في رمضان"، دعونا نكن جديين قليلا: فالنقل التلفزيوني المشترك بين
ثلاث قنوات (الأولى والثانية والعيون) ليس في محله بالمرة، بل حالة تلفزيونية شاذة
لا تعرفها سوى جمهوريات الموز أو "لي بانان"، على حد تعبير بنكيران. ففلسفة
التكامل التي يجب أن تسم قطبا عموميا مستقلا غير قائمة على نقل المادة نفسها في
القنوات جميعها، إذ لن نشهد قط في فرنسا مثلا قناة عمومية اسمها "فرانس
2" تنقل حوارا مع الوزير الأول على القنوات الأخرى! كما أن اعتراف رئيس الحكومة بأنه طالب بلقاء خاص في التلفزيون
يمكن أن نقول عنه الكثير، فلا أحد يقبل أن تكون باب دار البريهي مشرعة دائما للرئيس
يدخل منها كلما أراد أو كلما وقع في ورطة في البرلمان؟! فالدستور الجديد قام بدسترة المعارضة البرلمانية
ومنحها حقها في الإعلام العمومي بالشكل نفسه وبصيغة قريبة منها. والأهم من كل هذا وذاك، أن النقل التلفزيوني
المشترك تقليد مرتبط أساسا بالخطاب الملكي الذي له وزنه، وتوقيته الخاص، أما خرجات
رئيس الحكومة فيمكن أن تتناوب عليها القنوات بشكل سلس دون أن يكون الموضوع مجالا
للابتزاز الذي يمارسه بعض حوارييه بخصوص تجاهل التلفزيون العمومي لسكناتهم
وحركاتهم في المداشر والأزقة والدروب.
من جهة أخرى، باءت جميع محاولات الإعلامية فاطمة
البارودي، وشغب الصحافي المشاكس جامع كلحسن بالفشل، من أجل إخراج رئيس الحكومة من
السكيتش الذي كتب له سيناريو مسبقا جهابذة "العدالة والتنمية"، فأخذ من
بريقهما ومن حصتهما في الحديث، واستبد بنكيران بالكلام المبالغ فيه، في حين أن الكثير
من النقط التي أثارها مردود عليها. فتعرضا إما للقمع (عندما قال لكلحسن: خليني
نكمل هضرتي ما تقاطعنيش....)، أو للتسفيه والتمييع (عندما توجه إلى البارودي
بالقول: ياكما باغية شي منصب ألالة فاطمة). رئيس الحكومة يظهر في التلفزيون
العمومي المستقل ليجيب عن أسئلة الصحافي التي تعبر عن صوت المواطنين وليس لتمرير
الخطابات التي يريد. اللقاء التلفزيوني يكون سؤالا وجوابا محددين ومضبوطين لتبديد
الغموض وليس للحديث عن ربطة العنق والبترول الذي اكتشف في جزر الواق واق، واستظهار
أثمان الخضر و"لي بانان" لا ندري من أي جهة مختصة حصل عليها؟ ومن أي سوق
"تقدات" هذه الجهات ولاحظت أن ثمن "لي بانان" تراجع من 10 إلى
8 دراهم؟!
ماذا يعني نقل القنوات العمومية للوجه السمح لرئيس الحكومة
ويستبد بشاشاتها استبدادا ليبشر الأرامل والمطلقات (مع احترامنا لهذه الشريحة
الاجتماعية) بجنات عدن؟ ماذا يعني نقل التلفزيون للقاء خاص فيه من الفرجة والحولقة
والبسملة أكثر من الحلول لقفة المغاربة؟
سيمل المواطنون حتما من "الفراجة" والهزل، وسيطالبون
بحلول عملية وواقعية غدا أو بعد غد، وحينها لن تنفع ربطات عنق باب الحد، وقفشات
جامع لفنا، وبترول دكالة أو"لي بانان" سوس.