نفى وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، الحسم في صيغة نهائية
لمشروع إنشاء المجلس الوطني للصحافة، وقال في اتصال مع "الصباح" إن الحوار مازال مستمرا مع المهنيين من أجل تدقيق
المشروع النهائي، معترفا بوجود خلافات، "أنا لا أحب أن أسميها نقطا خلافية بل
محاور للنقاش".
وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية وجهت رسالة
شديدة اللهجة في سابع مارس الجاري إلى وزير الاتصال انتقدت فيها تعامل الخلفي مع
مشروع إنشاء المجلس. وجاء في مضمون الرسالة، "الآن نجد أنفسنا أمام وضعية
تتميز بمفارقة تتمثل في أنه في الوقت الذي ينص فيه الدستور على حق المهنيين في
تنظيم أنفسهم بكيفية ديمقراطية ومستقلة، ويمنع على السلطات العمومية أن تتدخل في
هذا الشأن، باستثناء "التشجيع"، أصبحنا أمام وضع يزداد فيه تدخل وتحكم
وزارة الاتصال في هذا المشروع، مقابل التوجه، عمليا، إلى التشكيك في تمثيليتنا
وشرعيتنا".
وعبر مصطفى الخلفي عن رغبته في إنشاء هيأة مستقلة
ديمقراطية قائلا، "أخذنا مشروع 2007 وأجرينا مجموعة لقاءات أسفرت عن الاتفاق
حول مجموعة من المقتضيات... ومازالت هناك نقط يستمر حولها الحوار مع الهيآت
النقابية حتى يحظى المشروع بقبول جميع الأطراف".
وأشار وزير الاتصال إلى أنه بعث ردا على الرسالة
المذكورة للنقابة أكد فيها ضرورة الحوار وأن مضمون الرسالة قيد الدراسة.
وفي السياق ذاته، أكد
يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في اتصال مع
"الصباح"، أن فلسفة المجالس المنظمة لمهنة الصحافة مبنية على التسيير
الذاتي للمهنة وليس تابعا لجهة رسمية. "التجارب العالمية كلها تسير في هذا
السياق، والدستور كرس هذه الفكرة ويتحدث عن أن الصحافيين والمهنيين ينظمون أنفسهم
والحكومة تشجع".
ويضيف مجاهد، "والواقع
أن مشروع المجلس الوطني أصبح من خلال المقاربة المتبعة اليوم كأنه مشروع حكومي"،
مهددا، "أن الدستور هو الفيصل بيننا.. وكل تجاوز من الحكومة سيجعلنا نصعد احتجاجاتنا.
ولن نسمح للحكومة بالتصرف في ملف أخلاقيات المهنة، وسنقوم بحملة وطنية ودولية في
هذا الاتجاه.. لأن هذا مجلس للصحافيين ويهم الصحافيين ولا دخل للحكومة فيه".
وأكد مجاهد أن رئيس
الحكومة عبد الإله بنكيران استقبله رفقة نائبه عبد الله البقالي، ورئيس الفيدرالية المغربية لناشري
الصحف، نور الدين مفتاح، وعبر لهم عن تفهمه
لموقفهم خلال لقاء وصفه ب"الإيجابي".
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن رئيس
الحكومة عبد الإله بنكيران انتقد خلال استقباله للثلاثي المذكور علانية طريقة
تدبير وزير الاتصال، مصطفى الخلفي لمشروع دفاتر تحملات القنوات العمومية، وعبر عن
استعداده لتلقي اقتراحات الطرفين بخصوص المجلس الأعلى للصحافة.
وعبرت المصادر ذاتها عن تخوفها من إرسال
وزير الاتصال مشروع إنشاء المجلس الوطني للصحافة إلى الأمانة العامة للحكومة دون
عقد اجتماع مع النقابات المهنية يعرض فيه وثيقة المشروع النهائية، وهي المقاربة
ذاتها التي اعتمدها خلال إعداد دفاتر تحملات القنوات العمومية، وأحدثت زلزالا
سياسيا ومجتمعيا ومهنيا انتهى بتحكيم ملكي تبعه سقوط ضحايا وتجميد دفاتر التحملات
واستمرار العمل بالسابقة.
وفي سياق متصل جاء في المذكرة التي
بعثتها النقابة إلى وزير الاتصال، "إننا نرفض أن يتحول "الجسم
الصحافي" إلى هيأة، بطريقة مغلفة، على غرار هيأة المحامين وغيرها من الهيآت
المنظمة بالقانون، لأن التنظيمات الديمقراطية لنقابات الصحافيين عبر العالم ترفض
ذلك، كما نرفضه بدورنا.
إننا نستغرب من مقترحكم الذي يطرح
مسألة المراقبة القضائية لانتخابات المهنيين، مما قد يوحي بأن هناك أزمة ديمقراطية
أو ثقة في نزاهتنا. وهو أمر تعلمون أنه غير قائم وغير مطروح من أي جهة مدنية أو
رسمية قبلكم.
ونذكر أن الأحزاب السياسية والنقابات
والمنظمات لا تخضع لهذه المراقبة القضائية في انتخابات ممثليها وهيآتها. ومن هذه
الأحزاب من يعين وزراءه في الحكومة، كما يمنح التزكيات للمرشحين في الانتخابات
البرلمانية والبلدية وغيرها، وينصب أعضاءه في المجالس الوطنية المختلفة... كما أن
تنصيب العديد من المجالس الكبرى والهامة في بلدنا لم يخضع لهذه المقتضيات التي
تقترحونها، علما أننا لا نعتقد أن المجالس المنصوص عليها في الدستور الجديد ستخضع
لهذه المسطرة. إن المهنيين، خاصة الصحافيين،
باعتبارهم المعنيين الرئيسيين بأخلاقيات المهنة سيكونون، حسب مقترحكم، مجبرين على
المرور عبر انتخابات بمراقبة قضائية، بينما الفئات الأخرى في المجلس لن تخضع للمقتضيات
نفسها.
إن تخويل المجلس الوطني للصحافة
صلاحيات التدخل المباشر أو غير المباشر في مسألة دعم الصحافة قد يحرف هذه الهيأة
عن أهدافها، التي يجب أن تنحصر في الأخلاقيات أساسا، ثم منح البطاقة المهنية كأمر ثانوي.
أما الصلاحيات الأخرى فإنها تظل استشارية، حسب رأينا.
إننا نستحضر في ملاحظاتنا مختلف
التجارب الناجحة والديمقراطية في العالم لمجالس وهيآت أخلاقيات الصحافة، والتي لا
تقبل أي تدخل في سيرورتها، سواء في تأسيسها أو وضع قوانين لها أو تشكيلتها أو غير
ذلك من التدخلات من أي جهة خارجها، خاصة إذا كانت حكومية، لأن هذا يضرب مصداقيتها".
جمال الخنوسي