ربما أصعب ما يمكن أن يكتبه الصحافي في مساره الطويل والشاق
هو مقالات التضامن والمآزرة التي يعنونها أبناء جلدتنا عادة ب"إلى الزميل
فلان في محنته"، فذاك تمرين يحمل إلى جانب التضامن الجميل الكثير من تعابير
الخوف والرهبة وقصر اليد أيضا.
لكن ما آلمني كثيرا وأنا أطالع جريدة "الأحداث
المغربية"، هو أن يصبح على زميلنا المختار لغزيوي، الذي عهدنا فيه المرح و"النزاهة"،
حماية جسدية بعد التهديد الأرعن الذي أطلقه المدعو نهاري في جلسة ملأت شبكات
التواصل الاجتماعي نعيقا. فحولت فقيها مفترضا حقق شهرة بحركاته الغريبة، وقفشاته
الهزلية، وصياحه الهيستيري، إلى عقاب ينشر الموت، ويتغذى بالحقد ويتلذذ بالكراهية.
وحتى نخفف من هول الصدمة، لنسمها "حراسة
لصيقة" على عاشق برصاوي كبير اسمه المختار، ولنستعمل بذلك لازمة مضحكة مرتبطة
بمعلقي التلفزيون الفاشلين، لكنها تحولت فجأة إلى رمز لمأساة حقيقية في بلد برمته،
إذ سنصبح فجأة، وبفعل رجل أخرق، نقدم بطاقتنا الوطنية، ونفصح لرجال أمن سريين
وعلنيين عن هويتنا للاقتراب من زميل ورجل بسيط مبتهج عودنا أن يكون "محفوفا"
بكل مظاهر حب الحياة.
لست وحدك عزيزي، والبلاء الذي حل اليوم له جذور قديمة
اكتوى العديدون بنارها، هل تذكر اللائحة إياها التي تضمت أسماء من أهدر دمهم كشف
عنها النقاب بعد أحداث 16 ماي الأرهابية؟
وأذكر ذات يوم توصلت فيه بفاكس يحمل من التهديد والوعيد
الشيء الكثير، افتتحه صاحبه أو أصحابه بالقول "لا سلام على عدو الإسلام"،
يمكنكم بعد هذه التحية المفعمة بالأحاسيس الجياشة أن تتصوروا بقية محتوى الرسالة.
الجريمة التي اقترفتها يداي الآثمة هي أني كتبت مقالا عن مدرسة خاصة في الدار البيضاء
تعد أيام الحيض للتلميذات وتمنع الحديث بين الجنسين وتحرم الاختلاط بين الأطفال.
كما أن المدرسة الطالبانية هاته تزظف فلولا من "البشمركة" يقمن باحتساب
أيام الحيض لكل "تاركة للصلاة" لتعرف متى تبدأ ومتى تنتهي، ومتى يحق
عليهن الصلاة كي لا يلعب الشيطان بعقولهن، ويتحججن بأعذار واهية. وكما للمعلمات دفتر تنقيط
خاص، فإن "للبشمركة" كنانيش يدون فيها تواريخ الحيض بتدقيق متناه وتعاقب
كل المتهاونات بصرامة كبيرة.
كتمت الأمر حينها، بل تسترت عليه لا لسبب إلا لحماية
والدتي (يرحمها الله) من شعور الخوف على سلامة فلذة كبدها. وبعدها بسنوات أصابني
من الشتائم والوعد والوعيد و"القتل والتنكيل و"الكريساج" والاغتصاب...
مرة أخرى لا سبب إلى لأني كتبت حكاية بسيطة عن قصة حب بين رجاوية وودادي تحولت إلى
فيلم كوميدي أثار حفيظة مجموعة من المهلوسين قبل أن يشاهدوه.
إننا نحصد اليوم نتاج سنوات من التضبيع والتكليخ ونفي
العقل، نتاج مدارس لا تفرخ سوى البلاهة والسذاجة وقتل كل حس نقدي. إننا نجني اليوم
ما زرعه بعض الملتحين الذين رددوا على أسماعنا لسنوات أسطوانة تحمل "الفقهاء
لمسؤوليتهم" في المجتمع، فأصبح لا يمضي علينا يوم دون أن نسمع فيه فتوى
استعمال الجزر، ومضاجعة المرأة الميتة، والطفلة ذات التسعة ربيعا، وحرمة استعمال
المنشطات، وهدر دم صحافي يخالفهم الرأي...
عجبا لحكومة أصابها الخرس فجأة بعد أن عرف عنها
عنترياتها ولسانها الطويل، وعجبا لحكومة تستأسد على الضعفاء وتبطش بمدخني
الشيشة وتتساهل مع دعاة الموت والمحرضين على القتل!
فلا تحزن زميلي العزيزي، فقد أهدروا دمك لأنك خفيف الدم،
وأرادوا ترهيبك لأنك شجاع، وقصدوا كسر قلمك لأنك مزعج... واصل شغبك الجميل فقد
وعدتنا بذلك، ونحن ننتظرك كل يوم "في الواجهة".
جمال الخنوسي