" الراقد " الذي أيقظ السينما المغربية
هكذا تحدثت ياسمين قصاري .. في حوار مفتوح مع جريدة " صوت الناس " :
- لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي
- الطفل " الراقد" هو رمز للرغبة الجنسية المؤجلة
- الإنسان متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.
ياسمين قصاري أفلامها تشبهها ، هادئة ، خجولة ، متزنة ، كلامها فيه عمق و حكمة رغم حداثة سنها . تتحدث عن " تاركوفسكي " كما تتحدث عن " نيتشه " . حصل فيلمها الأخير " الراقد " حتى الآن على 23 جائزة في مهرجانات عالمية . ولدت المخرجة المغربية سنة 1972 بمدينة جرادة . أخذها والدها إلى فرنسا و عمرها لم يتجاوز 12 سنة لحبها و تعلقها به . أكملت دراستها في مؤسسة باريسية . و تعلمت العربية في " معهد العالم العربي " . بعدها درست سنتين في كلية الطب . عندما أخذت هذا الاتجاه لم يكن في الحقيقة اختيارا بل " نصيحة " من والدها الذي أرادها أن تكون محامية أو طبيبة أو مهندسة . أحست ياسمين بالملل لأن ميلها كان للفن و الشعر و الفلسفة . بالصدفة قرأت في مجلة عن مدرسة للسينما فذهبت لمسؤول التوجيه في الجامعة و عرضت عليه الأمر . و أمام دهشتها تحمس و شجعها . في البداية كانت تريد الذهاب لدراسة السينما في روسيا أو أي بلد آخر من أوربا الشرقية لأنها معجبة بمخرجين تكونوا هناك أمثال " فاجدا " و " تاركوفسكي " لكنها قبلت في المدرسة البلجيكية للفيلم ببروكسيل INSAS لأن تكونها في الطب لم يكن يسمح بأكثر من ذلك . بحثت طويلا عن شغل بموازاة دراستها فنصحها زملاؤها بالذهاب عند المنتج السينمائي " جون جاك أوندريا " الذى كان يبحث عن مساعدة . اشتغلت معه كمتدربة ثم مساعدة و شريكة في المؤسسة التي يمتلكها . و هذا ما خول لها إنجاز أفلامها . سنة 1994 فيلم le feutre noir ، سنة 1995 فيلم chiens errants سنة 2000 فيلم linda et nadia كأفلام قصيرة و سنة 2002 قدمت الفيلم الوثائقي حول حياة المهجرين quand les hommes pleurent ثم سنة 2004 أول فيلم طويل لها " الراقد " الذي واجهت فيه عدة صعوبات في تمويله ، البعض يصدها في لباقة " موضوعك صعب ! " ثم بدأ الحديث عن اللغة " فيلمكك باللغة العربية صعب جدا جدا " أو " لقد أنتجنا الكثير من أمثال فيلمك " و كأنها تبيع الفساتين !! و مع تطور الأمور أصبحت تسمع أقسي من هذا " أنت لا تهمينا كمؤلفة و لا تهمينا أكثر كعربية ! ماذا سيفيدنا موضوعك ؟ و ماذا ستقدم لنا معاناتكم ؟ " لسوء الحظ ، كما اعتادت ياسمين أن تقول ، فمثل هؤلاء الوسطاء الذين يحددون للجمهور ما يشاهد أو لا يشاهد .
سيعرض " الراقد " في القاعات الفرنسية بشكل رسمي انطلاقا من 28 دجنبر 2005 و في المغرب في شهر مارس أو أبريل 2006 ، وهو من بطولة رشيدة براكني(حليمة) و مونية عصفور (زينب) و يحكي قصة زوجة ترى عريسها يرحل عنها متوجها لإسبانيا صبيحة ليلة الزواج قصد تحسين ظروف العيش وتجاوز قهر الطبيعة التي يعيشون فيها . بعد أسابيع تكتشف زينب أنها حامل . في انتظار رجوع الزوج "ستنيم" الجنين في بطنها لكن الزوج لم يظهر له أثر فبدأت تفقد الأمل في عودته.
و لمن لا يعرف أسطورة " الراقد " فإنها ذات بعدين : الأول هو الحديث عن الراقد بصفته جنينا " نائما " داخل بطن أمه مدة سنوات طويلة يمكنه أن يستيقظ لاحقا حتى بعد موت الأب أو غيابه !! و قد اعترف الفقهاء المسلمون به و تبنته جميع الفرق الدينية و ربطت نسبه بالأب و جعلت الحمل يمكن أن يدوم أكثر من سنتين . و بالتالي لم تحاكم النساء و لم ترجم على زنى كما أن الأطفال لم ينعتوا باللقطاء و لا " أولاد الحرام " . إلا أنه مع دخول الاستعمار و التطور العلمي تدارك العلماء المسلمون الأمر و حددوا مدة الحمل في 9 أشهر لتظهر المآسي التي نعرفها جميعا . لقد كان حلا لبقا لتجاوز تناقضات اجتماعية بعقلانية و حيلة و تبصر .
المستوى الثاني هو فعل متعمد حيث تقوم الأم بتنويم الجنين بمساعدة "فقيه" لموعد لاحق وبعلم جميع الأطراف في انتظار الوقت المناسب لإيقاظه. نمو الطفل يتوقف فنقول أنه رقد أو نام و يمكن أن يكمل سيرورته لاحقا في " الوقت المناسب". اقتبست ياسمين أسطورة ما يسمى ب "الراقد" لاستعمالها في الفيلم و استخدامها كرمز للرغبة و اللذة حيث لا تهم القراءة السوسيولوجية أو الأنثربولوجية للفيلم بقدر ما تهم القيمة البلاغية والرمزية.
إلتقيناها في طنجة حيث فازت بالجائزة الكبرى للفيلم و أجرينا معها الحوار التالي :
* هل يمكن اعتبارك محظوظة لأنك اشتغلت مع منتج كجون جاك أوندريا ؟
** أنا لا أعتبر نفسي محظوظة لأن اشتغالي مع جون جاك ليس خبطة حظ بل اختيار . كان لدي عروض من منتجين أمريكيين وفرنسيين . وضعت على نفسي السؤال التالي : ماذا سيقدم لي كل منهم وماذا سيطلبون مني ؟ ومن منهم سيحفزني على الإشتغال أكثر وتقديم الأفضل . جون جاك أندريا له خاصية نالت إعجابي . فعندما أطرح فكرة ما فإنه دائما معي في نفس الخط ويشاركني نفس الرؤية. يبقى دائما أنه أستاذي وتعلمت منه الكثير وما زلت . يدفعني إلى السير بها إلى أبعد حد. إنه يحترم اختياراتي أيضا فعندما أقول له هذا يجوز وهذا لا يجوز أو صحيح وخطأ، فإنه يحترم نظرتي للأمور ويقدر توجهاتي ولهذا نتعايش معا لأن كلا منا يحترم الآخر بالرغم من المشاكل المادية التي واجهتنا. كان من الممكن لي أن أختار منتجا فرنسيا أو أمريكيا يحقق لي تمويلا لا محدود للفيلم، لكنه في المقابل سيفرض علي توجهات ربما لن أرضاها. ويجعلني أغير خيارات ولدت داخلي. هذا ما يخلق الاختلاف بين جون جاك وغيره.
*سأكون صادقا معك، لقد حضرت مناقشات فيلمك وأحسست وكأنكم تناقشون فيلما غير الفيلم الذي شاهدت ؟
** صحيح لاحظنا ذلك نحن أيضا، الكل يجتمع ليس لمناقشة الفيلم بل ليجعلونا فريسة لهم.
* "يجعلونا" من أنتم ؟
** أنا وليلى المراكشي واسماعيل فاروخي نحن من يعتبرونا "دياسبورا" ( شتات ) وسمونا كذلك " سينما المهاجرين " وكأننا " كائنات من عالم آخر". كانت الأسئلة كثيرة وتعرضنا للهجوم وعوض أن نجيب على الأسئلة كنا نفكر فقط في رد الهجوم والدفاع عن أنفسنا وكأننا في قفص الإتهام. لو كنا في نقاش هادئ وبعيد عن "البوليميك" سنتحدث فعلا عن الفيلم . و آنذاك لن نتحدث عن ياسمين قصاري لأن الأمر لا يعنيني كشخص. فعندما يحب الجمهور الفيلم يتحرر عنك ولا يعود يربطك به شيء . لقد أصبح " موضوعا للرغبة " يمثلني ويمثلك ويمثلنا جميعا. والحملة الشعواء التي اكتشفتها هنا حول تحديد ما هو مغربي وما هو غير مغربي يقودها محترفون في الهجوم يمكنهم حتى نزع جنسيتك و حرمانك من هويتك وهذا هو الوضع الذي وقعت فيه ليلى المراكشي . وضع في الحقيقة لا تحسد عليه على الإطلاق (تضحك) لقد راقني كثيرا عرض فيلم "ماروك" لمشاكل مغربية كمشكلة الهوس البوليسي الذي أبدعت ليلى في إبرازه ، والتفتيش والسؤال الذي يلاحق الجميع : من تكون؟ من يرافقك ؟ ما علاقتها بك ؟ وغير ذلك. و نحن المغاربة نضطر للتبرير. هذه حقيقة لا تغيب على أحد ولا يجب إنكارها و حتى لحظة مناقشة الفيلم أجبرت على الرد على الخزعبلات والترهات بدل الحديث عن الشكل واللغة السينمائية عندما نتحدث عن الشكل فإننا نتقدم . إن سينمانا فعلا مهترئة. يجب أن نتقدم ، أن نتطور، السينما أصبح لها معنى عالمي . ربما غدا سنجد إنجليزيا يتحدث عن هموم المغرب أحسن مني ومنك. الفنان ملك عندما يكون صادقا يمكن أن يصنع من الفحم ذهبا ، مهما يكن المكان الذي ينتمي إليه.
* ما الذي كنت تودين قوله بالضبط ؟
** كنت أتمنى أن أحدث الناس هنا عن الميتافيزيقا ، عن الفلسفة ، وعوض ذلك نحن غارقون في البوليميك والمزايدات الفارغة والشعبوية والصراعات و الدعاية السياسية. لا يناقشنا أحد عن لغتنا السينمائية بل يكتفون بالقول : " أنتم تنشرون العري لأنكم تعيشون في أوربا ". نعم نحن نعيش في أوربا وهذا حقنا ، لكن أذكركم أن والدي عندما رحل إلى بلجيكا كان مرغما على ذلك وذهب للبحث عن لقمة العيش. لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي. أنا أحب المغرب وأهواه ، إنه داخلي وفي أعماق أعماقي وأحب بلجيكا أيضا ولا تناقض في الأمر. يقال لي دوما أنت مغربية تصنعين أفلاما في بلجيكا أو بلجيكية تصنع أفلاما في المغرب ! أنا أظن أننا - أعني " الدياسبورا " التي تحدثت عنها من قبل - كزهور مهجنة فعندما تخلط نوعين من الورود ستعطيك زهرة من صنف ثالث ولا يمكنك إذاك إقصاء لا الأولى و لا الثانية . و نحن كذلك في داخلنا هذا الاختلاف والتناقض المتعايش . في داخلي بلجيكا وفي داخلي المغرب. ولست مستعدة للتخلي عن أي حق من حقوقي، لاحظ في فرنسا أحرقوا السيارات كتعبير عن أزمة هوية . يجب ترسيخ هويتنا .. الهوية المختلفة التي تحتوي على تعايش عالمين يكونان كياننا. الإنتماء لثقافتين اثنتين يجعل منا أفرادا أكثر غنى ممن ينتمي لثقافة واحدة، أنا أعرف أننا نعيش في عالم يسير نحو عولمة تريد توحيدنا ومسح ثقافتنا وهويتنا ، لكن الأمر الذي أتحدث عنه مختلف . نحن لسنا أمام حالة ثقافة ضد ثقافة بل تعايش ثقافتين داخل كيان واحد. أنا حزينة لأني لم أتحدث مع الناس حول مواضيع مختلفة كالتي نتحدث عنها الآن ، و بدل ذلك سرنا في نقاشات عقيمة وصراع ديكة. أنظر إلى المغرب ، هناك ثقافات متعددة وأجناس ولغات مختلفة وأناس يجب تهذيبهم وتوعيتهم، إنني أسمع كلمات عن السود و "الملونين" وألقاب ينعتون بها أناسا بشرتهم مختلفة . في أوربا يمكن أن يقودهم مثل هذا الكلام للسجن. لا أتحدث عن المغرب فحسب ، بل حتى في فرنسا يمكن أن تجد مثل هذه النماذج. المشكل هو أن الأغلبية تسير في الطريق السيء و دور النخبة هو التفكير في التهذيب والتغيير. إن الأمر ليس خاصية مرتبطة بنا ، فكما يقول المثل العربي من " جال عرف حق الرجال " أنا سافرت كثيرا، و وصلت إلى أن الكل متشابه، الإنسان هو هو متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.. كل الشعوب تشتكي من هذا المرض لكن هناك أخرى اكتشفت روح المدنية أما نحن فلم نصل لهذا المستوى بعد لم نعرفه حتى الآن. ولم يجد طريقه حتى لطبقتنا المثقفة، إذا كانت السفاهة متفشية في أرجائها أدعك تتصور الحال عند العامة. ربما هناك أشخاص متميزون يلزمون الصمت لكن أظن الشجاعة أيضا يجب أن تكون إحدى صفات النخبة.
* أين تتجلى شجاعة ياسمين قصاري ؟
** سأجيبك بقولة لنيتشه، في الحقيقة أنا أحب فلسفته ومعجبة به إنه يتميز بفكر طلائعي وله رؤية مستقبلية خارقة يقول : "عندما نأخذ طريقنا الخاص فإننا لا نصادف فيها أحدا " في حديثه عن التفرد ، تفرد المبدع و الفنان الذي كلما تعرض للهجوم والانتقاد كلما تأكد أنك في الطريق السليم .
* هل تعنين أن ياسمين تحلق خارج السرب ؟
** هذا أمر يفزع الكثيرين، الناس ترتاح في السكون وتخاف التغيير. لكن المثل يقول : أفكار اليوم هي ثورات الأمس . يجب المجازفة في اتجاه التغيير . ومن أجل ذلك على المبدع أن يتسم بالصدق .
* نعود للحديث عن فيلمك. إني أرى أنه يتمحور حول موضوعين أساسين : الوحدة والجنس. وتوفقت في الحديث عن الإثنين حيث أننا عانينا من وحدة شخصيات الفيلم وفي نفس الوقت حدثتنا عن مشكلة جنسية في "حشمة" و لباقة جعلت المتلقي يتقبلها خلافا لتجارب أخرى لا داعي لذكرها.
** ما طرحته في الفيلم أمر واقع ويكفي النظر حولنا . كيف يعقل أن يرحل رجل عن امرأة عاش معها مدة طويلة ونام بجانبها كل ليلة على السرير وربما لهم أطفال. وفي لمح البصر يرحل وتجد نفسها وحيدة، البيت فارغ و السرير واسع. حرمان على كل المستويات. تطرح الأسئلة على نفسها وعلى النساء الأخريات بحثا عن جواب أو حل . النساء في فيلمي تتكلمن بلغة خاصة فكما تتيه "حليمة" مع صاحب معصرة "الزيتون" وتبحث عن حريتها في الطلاق . في المقابل لغة "زينب" تتجلى في الطفل " الراقد" والرغبة المؤجلة . إن الراقد رغبة جنسية أيضا. الفيلم يتحدث فعلا عن النساء ، وقبل أن أقدم "الراقد" قدمت فيلما عن الرجال اسمه "عندما يبكي الرجال" وحتى في الفيلم الذي نتحدث عنه فالرجل حاضر بشكل كبير حاضر بقوة غيابه.
* لقد قال لنا منتجك " جون جاك أندريا " أنك حذفت بعض المقاطع من الفيلم الوثائقي " عندما يبكي الرجال " ما هو السبب ؟
** نعم المقاطع صورت في بورديل للعاهرات و لم أكن أريد أن يرى النساء أزواجهم هناك احتراما لهم جميعا . علينا أن نفرغ عقولنا من أي آراء مسبقة. الرجال لا يعيشون في أوربا في بحبوبة كما يتصور لنا . نفس المعاناة النسائية هي أيضا رجالية. فيلمي يتحدث عن معاناة الإنسان بمفهومه الواسع .
* لقد عرضت في فيلمك شخصيتين نسائيتين الأولى رمز للمرأة المستكينة التي ترضى بقدرها. والثانية نموذج للمرأة الثائرة التي تسعى للتحرر من القيود وأخذ زمام أمورها بيديها. هل يمكن اعتبار هذين النموذجين يصوران حالة المرأة الآن وحالتها كما تريدينها أن تكون ؟
** من قامت بدور المرأة المتمردة أو "حليمة" هي رشيدة براكني وأداؤها في غاية النضج إنها ممثلة فرنسية من أصل جزائري . إنها نجمة في فرنسا وتعمل بحيوية كبيرة. بالنسبة لي المرأتان متكاملتان ، "حليمة" امرأة تعيش فيما هو آني ولا تؤجل أي شيء . آنية في حبها، في عشقها و في رغابتها. أما الأخرى فهي تعيش في التأجيل والأمل في ما سيأتي أو لا يأتي. وأنا محتاجة لهما معا، يجب أن تتمرد الأولى حتى تفقه الثانية أن الأمور ليست على ما يرام.
* لقد شدت "حليمة" كثيرا الجمهور.
** (مقاطعة) أكيد لأنها مثال لما نريد أن نكون جميعا ولا نستطيع أن نكونه . إنها داخلنا جميعا والسؤال يبقى هل ستظهر وتبرز على الواجهة أم سنخنقها داخلنا للأبد. عندما وضعت هذين النموذجين السلبي و الإيجابي الجمهور لا يحس نفسه أنه أعتدي عليه أو هوجم عكس أفلام أخرى كان تناولها عنيفا و مباشرا فرفضها الجمهور لأنه هوجم .
* صحيح معاجتك لموضوع الجنس كانت لبقة
** أريد أن أوضح شيئا : الطرح الديني منطقي حينما يقول : زوجوا أبناءكم في سن 13 أو 14 سنة ، الآن هذا الأمر مستحيل و حتى في الثلاثين من العمر الكثيرون ليس لهم عمل و بالتالي دخل ! يجب أن ترى فيما بعد نساء في 30 أو35 من العمر خصوصا عندما يأتون لأوربا و يحاولن ممارسة " حقهن الطبيعي " أقول لك أن الأمر ليس هينا بالمرة !! إنهن يصبحن غير قابلات للاختراق على كل المستويات !! و هذا موضوع فيلمي القادم . الإسلام منذ 14 قرنا قدم حلولا و دعانا للذة و المتعة . طبعا في إطار معين ، و لكنه اعترف بحياة الفرد الجنسية. الآن لا يمكن تحقيق هذا الإطار . ما هو الحل ؟ ماذا يقدم فقهاؤنا لنا الآن ؟ اجتهدوا اجتهدوا .. نريد حلا . كيف تكون حالة امرأة في الثلاثين ما زالت تنظرت كل هذا الوقت من أجل تذوق اللذة الجنسية ! ستعاني بمرارة و تصبح لا محالة مصابة بانفصام الشخصية . و نخلق بالتالي مجتمعا للنفاق و التكتم ..
* هل يمكن أن تحدثينا أكثر عن فيلمك القادم ؟
** ( ضاحكة ) هذا سر . لدي أفكار كثيرة ، ربما سيكون موضوعه حول الجنس و كما تعلم فإن النضج يزداد مع كل فيلم أنجزه . سيصور في نواحي جرادة لأني أعشق هذا المكان حتى الوادي الذي يظهر في فيلم " الراقد " كثيرا ما أمضيت فيه الإجازة مع أسرتي .
* كيف يمكن أن تتعامل السينما مع الجنس خصوصا السينما المغربية. هل يمكن أن تكون الجرأة في صالح السينما أم ضدها ؟
** الجنس في السينما له مستويان : الجنس كموضوع صالح للتناول والجنس كفعل مرئي أو فرجة. الحديث عن الجنس كفلسفة كعلاقة بين كائنين كإشكالية سيجد حتما آذانا صاغية. بينما في المستوى الثاني المسألة عالمية ، ففي الفيلم الأمريكي الكل ينتظر متى تصل لقطة القبلة بين البطل والبطلة . فكرتي الحقيقية الخالية من أي شعور بالخوف هي أنه لا يجب التهجم على ما يعتقده الآخر ويؤمن به. أنا أجادل و لا أهاجم . إنه من غير اللائق أن تقف أمام الناس وتقول لهم عن الخطأ و الصواب و تهاجم ما آمنوا به واعتقدوه منذ مئات السنين. الناس يتطورون بفعل داخلي .
* هل يمكن الحديث عن سينما نسوية مع ظهور ياسمين قصارى ليلى مراكشي و ليلى التريكي...؟
** لقد طرح علي نفس السؤال صحفي من الشيلي . في الواقع، الوجود الرجالي في السينما أكثر من الوجود النسائي، هذا أمر واقع ويمكن ملاحظته بسهولة. هناك أسماء نسوية أصادفها في المهرجانات العالمية وهذا شيء جديد وممتاز و غنى لنا جميعا و للسينما المغربية. بالإضافة إلى ذلك هناك بصمة نسوية متميزة ، حس مرهف لصيق بالمرأة. لكن عندما يصل المبدع إلى مستوى من العبقرية يمكنك إزالة اسم المخرج ولن تستطيع أن تميز بين عمل المرأة أو الرجل. الموهبة الحقة لا جنس لها. يمكن أن تنزع اسم "برغمان" من الجنيريك فيخيل لك أنه عمل نسائي . لم يصور أحد النساء كما صورها "برغمان". إن الإبداع يوصلك إلى درجة روحية و صوفية بلا جنس .
* بمن تأثرت ياسمين قصاري سينمائيا ؟
** أحب كثيرا " تاركوفسكي " لكن أي محاولة لمقارنتي به سأكون فيها خاسرة لا محالة . إنه أستاذي . يجب التمييز بين السينما التي أحب و السينما التي أقدم . أنا أقدم السينما بشكل غريزي مثلما ألبس، آكل، أمشي و أبتسم . لا أحاول إقحام تأثيرات خارجية لأن هذا أمر خطير. هذا هو الطريق الذي اخترت . إذا نجحت فالأمر جيد و إذا فشلت فسأغير مهنتي
* لقد صورت رحيل الزوج للضفة الأخرى و البنت الصغيرة التي تتبعه بشكل متميز ما السر في ذلك ؟
** إن الصغيرة التي تبكي رحيل الأب هي أنا في الحقيقة . لقد ذهب والدي لفرنسا قبل ولادتي و كان مع كل رحيل له أبكيه بنفس الحرقة ، لدرجة أنه أخدني معه لفرنسا دونا عن أي آحد آخر من إخوتي و كان يراجع معي دروسي و يعد لي الأكل و يغسل ملابسي . ذهبت و عمري 12 سنة ، بينما إخوتي كانوا ملزمين بالحصول على الباكلوريا أولا . إن علاقة البنت بأبيها متميزة جدا ، و أي صورة سلبية كانت أو إيجابية عن الرجل تأتي منها و الأب هو مصدرها. كنت أرى أبي رائعا و وسيما و كان كذلك بالفعل و مازال ( تضحك ) .
جمال الخنوسي
هكذا تحدثت ياسمين قصاري .. في حوار مفتوح مع جريدة " صوت الناس " :
- لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي
- الطفل " الراقد" هو رمز للرغبة الجنسية المؤجلة
- الإنسان متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.
ياسمين قصاري أفلامها تشبهها ، هادئة ، خجولة ، متزنة ، كلامها فيه عمق و حكمة رغم حداثة سنها . تتحدث عن " تاركوفسكي " كما تتحدث عن " نيتشه " . حصل فيلمها الأخير " الراقد " حتى الآن على 23 جائزة في مهرجانات عالمية . ولدت المخرجة المغربية سنة 1972 بمدينة جرادة . أخذها والدها إلى فرنسا و عمرها لم يتجاوز 12 سنة لحبها و تعلقها به . أكملت دراستها في مؤسسة باريسية . و تعلمت العربية في " معهد العالم العربي " . بعدها درست سنتين في كلية الطب . عندما أخذت هذا الاتجاه لم يكن في الحقيقة اختيارا بل " نصيحة " من والدها الذي أرادها أن تكون محامية أو طبيبة أو مهندسة . أحست ياسمين بالملل لأن ميلها كان للفن و الشعر و الفلسفة . بالصدفة قرأت في مجلة عن مدرسة للسينما فذهبت لمسؤول التوجيه في الجامعة و عرضت عليه الأمر . و أمام دهشتها تحمس و شجعها . في البداية كانت تريد الذهاب لدراسة السينما في روسيا أو أي بلد آخر من أوربا الشرقية لأنها معجبة بمخرجين تكونوا هناك أمثال " فاجدا " و " تاركوفسكي " لكنها قبلت في المدرسة البلجيكية للفيلم ببروكسيل INSAS لأن تكونها في الطب لم يكن يسمح بأكثر من ذلك . بحثت طويلا عن شغل بموازاة دراستها فنصحها زملاؤها بالذهاب عند المنتج السينمائي " جون جاك أوندريا " الذى كان يبحث عن مساعدة . اشتغلت معه كمتدربة ثم مساعدة و شريكة في المؤسسة التي يمتلكها . و هذا ما خول لها إنجاز أفلامها . سنة 1994 فيلم le feutre noir ، سنة 1995 فيلم chiens errants سنة 2000 فيلم linda et nadia كأفلام قصيرة و سنة 2002 قدمت الفيلم الوثائقي حول حياة المهجرين quand les hommes pleurent ثم سنة 2004 أول فيلم طويل لها " الراقد " الذي واجهت فيه عدة صعوبات في تمويله ، البعض يصدها في لباقة " موضوعك صعب ! " ثم بدأ الحديث عن اللغة " فيلمكك باللغة العربية صعب جدا جدا " أو " لقد أنتجنا الكثير من أمثال فيلمك " و كأنها تبيع الفساتين !! و مع تطور الأمور أصبحت تسمع أقسي من هذا " أنت لا تهمينا كمؤلفة و لا تهمينا أكثر كعربية ! ماذا سيفيدنا موضوعك ؟ و ماذا ستقدم لنا معاناتكم ؟ " لسوء الحظ ، كما اعتادت ياسمين أن تقول ، فمثل هؤلاء الوسطاء الذين يحددون للجمهور ما يشاهد أو لا يشاهد .
سيعرض " الراقد " في القاعات الفرنسية بشكل رسمي انطلاقا من 28 دجنبر 2005 و في المغرب في شهر مارس أو أبريل 2006 ، وهو من بطولة رشيدة براكني(حليمة) و مونية عصفور (زينب) و يحكي قصة زوجة ترى عريسها يرحل عنها متوجها لإسبانيا صبيحة ليلة الزواج قصد تحسين ظروف العيش وتجاوز قهر الطبيعة التي يعيشون فيها . بعد أسابيع تكتشف زينب أنها حامل . في انتظار رجوع الزوج "ستنيم" الجنين في بطنها لكن الزوج لم يظهر له أثر فبدأت تفقد الأمل في عودته.
و لمن لا يعرف أسطورة " الراقد " فإنها ذات بعدين : الأول هو الحديث عن الراقد بصفته جنينا " نائما " داخل بطن أمه مدة سنوات طويلة يمكنه أن يستيقظ لاحقا حتى بعد موت الأب أو غيابه !! و قد اعترف الفقهاء المسلمون به و تبنته جميع الفرق الدينية و ربطت نسبه بالأب و جعلت الحمل يمكن أن يدوم أكثر من سنتين . و بالتالي لم تحاكم النساء و لم ترجم على زنى كما أن الأطفال لم ينعتوا باللقطاء و لا " أولاد الحرام " . إلا أنه مع دخول الاستعمار و التطور العلمي تدارك العلماء المسلمون الأمر و حددوا مدة الحمل في 9 أشهر لتظهر المآسي التي نعرفها جميعا . لقد كان حلا لبقا لتجاوز تناقضات اجتماعية بعقلانية و حيلة و تبصر .
المستوى الثاني هو فعل متعمد حيث تقوم الأم بتنويم الجنين بمساعدة "فقيه" لموعد لاحق وبعلم جميع الأطراف في انتظار الوقت المناسب لإيقاظه. نمو الطفل يتوقف فنقول أنه رقد أو نام و يمكن أن يكمل سيرورته لاحقا في " الوقت المناسب". اقتبست ياسمين أسطورة ما يسمى ب "الراقد" لاستعمالها في الفيلم و استخدامها كرمز للرغبة و اللذة حيث لا تهم القراءة السوسيولوجية أو الأنثربولوجية للفيلم بقدر ما تهم القيمة البلاغية والرمزية.
إلتقيناها في طنجة حيث فازت بالجائزة الكبرى للفيلم و أجرينا معها الحوار التالي :
* هل يمكن اعتبارك محظوظة لأنك اشتغلت مع منتج كجون جاك أوندريا ؟
** أنا لا أعتبر نفسي محظوظة لأن اشتغالي مع جون جاك ليس خبطة حظ بل اختيار . كان لدي عروض من منتجين أمريكيين وفرنسيين . وضعت على نفسي السؤال التالي : ماذا سيقدم لي كل منهم وماذا سيطلبون مني ؟ ومن منهم سيحفزني على الإشتغال أكثر وتقديم الأفضل . جون جاك أندريا له خاصية نالت إعجابي . فعندما أطرح فكرة ما فإنه دائما معي في نفس الخط ويشاركني نفس الرؤية. يبقى دائما أنه أستاذي وتعلمت منه الكثير وما زلت . يدفعني إلى السير بها إلى أبعد حد. إنه يحترم اختياراتي أيضا فعندما أقول له هذا يجوز وهذا لا يجوز أو صحيح وخطأ، فإنه يحترم نظرتي للأمور ويقدر توجهاتي ولهذا نتعايش معا لأن كلا منا يحترم الآخر بالرغم من المشاكل المادية التي واجهتنا. كان من الممكن لي أن أختار منتجا فرنسيا أو أمريكيا يحقق لي تمويلا لا محدود للفيلم، لكنه في المقابل سيفرض علي توجهات ربما لن أرضاها. ويجعلني أغير خيارات ولدت داخلي. هذا ما يخلق الاختلاف بين جون جاك وغيره.
*سأكون صادقا معك، لقد حضرت مناقشات فيلمك وأحسست وكأنكم تناقشون فيلما غير الفيلم الذي شاهدت ؟
** صحيح لاحظنا ذلك نحن أيضا، الكل يجتمع ليس لمناقشة الفيلم بل ليجعلونا فريسة لهم.
* "يجعلونا" من أنتم ؟
** أنا وليلى المراكشي واسماعيل فاروخي نحن من يعتبرونا "دياسبورا" ( شتات ) وسمونا كذلك " سينما المهاجرين " وكأننا " كائنات من عالم آخر". كانت الأسئلة كثيرة وتعرضنا للهجوم وعوض أن نجيب على الأسئلة كنا نفكر فقط في رد الهجوم والدفاع عن أنفسنا وكأننا في قفص الإتهام. لو كنا في نقاش هادئ وبعيد عن "البوليميك" سنتحدث فعلا عن الفيلم . و آنذاك لن نتحدث عن ياسمين قصاري لأن الأمر لا يعنيني كشخص. فعندما يحب الجمهور الفيلم يتحرر عنك ولا يعود يربطك به شيء . لقد أصبح " موضوعا للرغبة " يمثلني ويمثلك ويمثلنا جميعا. والحملة الشعواء التي اكتشفتها هنا حول تحديد ما هو مغربي وما هو غير مغربي يقودها محترفون في الهجوم يمكنهم حتى نزع جنسيتك و حرمانك من هويتك وهذا هو الوضع الذي وقعت فيه ليلى المراكشي . وضع في الحقيقة لا تحسد عليه على الإطلاق (تضحك) لقد راقني كثيرا عرض فيلم "ماروك" لمشاكل مغربية كمشكلة الهوس البوليسي الذي أبدعت ليلى في إبرازه ، والتفتيش والسؤال الذي يلاحق الجميع : من تكون؟ من يرافقك ؟ ما علاقتها بك ؟ وغير ذلك. و نحن المغاربة نضطر للتبرير. هذه حقيقة لا تغيب على أحد ولا يجب إنكارها و حتى لحظة مناقشة الفيلم أجبرت على الرد على الخزعبلات والترهات بدل الحديث عن الشكل واللغة السينمائية عندما نتحدث عن الشكل فإننا نتقدم . إن سينمانا فعلا مهترئة. يجب أن نتقدم ، أن نتطور، السينما أصبح لها معنى عالمي . ربما غدا سنجد إنجليزيا يتحدث عن هموم المغرب أحسن مني ومنك. الفنان ملك عندما يكون صادقا يمكن أن يصنع من الفحم ذهبا ، مهما يكن المكان الذي ينتمي إليه.
* ما الذي كنت تودين قوله بالضبط ؟
** كنت أتمنى أن أحدث الناس هنا عن الميتافيزيقا ، عن الفلسفة ، وعوض ذلك نحن غارقون في البوليميك والمزايدات الفارغة والشعبوية والصراعات و الدعاية السياسية. لا يناقشنا أحد عن لغتنا السينمائية بل يكتفون بالقول : " أنتم تنشرون العري لأنكم تعيشون في أوربا ". نعم نحن نعيش في أوربا وهذا حقنا ، لكن أذكركم أن والدي عندما رحل إلى بلجيكا كان مرغما على ذلك وذهب للبحث عن لقمة العيش. لي الحق أن أكون بين العالمين، وهذا ما يصنع غناي. أنا أحب المغرب وأهواه ، إنه داخلي وفي أعماق أعماقي وأحب بلجيكا أيضا ولا تناقض في الأمر. يقال لي دوما أنت مغربية تصنعين أفلاما في بلجيكا أو بلجيكية تصنع أفلاما في المغرب ! أنا أظن أننا - أعني " الدياسبورا " التي تحدثت عنها من قبل - كزهور مهجنة فعندما تخلط نوعين من الورود ستعطيك زهرة من صنف ثالث ولا يمكنك إذاك إقصاء لا الأولى و لا الثانية . و نحن كذلك في داخلنا هذا الاختلاف والتناقض المتعايش . في داخلي بلجيكا وفي داخلي المغرب. ولست مستعدة للتخلي عن أي حق من حقوقي، لاحظ في فرنسا أحرقوا السيارات كتعبير عن أزمة هوية . يجب ترسيخ هويتنا .. الهوية المختلفة التي تحتوي على تعايش عالمين يكونان كياننا. الإنتماء لثقافتين اثنتين يجعل منا أفرادا أكثر غنى ممن ينتمي لثقافة واحدة، أنا أعرف أننا نعيش في عالم يسير نحو عولمة تريد توحيدنا ومسح ثقافتنا وهويتنا ، لكن الأمر الذي أتحدث عنه مختلف . نحن لسنا أمام حالة ثقافة ضد ثقافة بل تعايش ثقافتين داخل كيان واحد. أنا حزينة لأني لم أتحدث مع الناس حول مواضيع مختلفة كالتي نتحدث عنها الآن ، و بدل ذلك سرنا في نقاشات عقيمة وصراع ديكة. أنظر إلى المغرب ، هناك ثقافات متعددة وأجناس ولغات مختلفة وأناس يجب تهذيبهم وتوعيتهم، إنني أسمع كلمات عن السود و "الملونين" وألقاب ينعتون بها أناسا بشرتهم مختلفة . في أوربا يمكن أن يقودهم مثل هذا الكلام للسجن. لا أتحدث عن المغرب فحسب ، بل حتى في فرنسا يمكن أن تجد مثل هذه النماذج. المشكل هو أن الأغلبية تسير في الطريق السيء و دور النخبة هو التفكير في التهذيب والتغيير. إن الأمر ليس خاصية مرتبطة بنا ، فكما يقول المثل العربي من " جال عرف حق الرجال " أنا سافرت كثيرا، و وصلت إلى أن الكل متشابه، الإنسان هو هو متطابق حتى في قبحه و قدرته علىالإقصاء و العنصرية.. كل الشعوب تشتكي من هذا المرض لكن هناك أخرى اكتشفت روح المدنية أما نحن فلم نصل لهذا المستوى بعد لم نعرفه حتى الآن. ولم يجد طريقه حتى لطبقتنا المثقفة، إذا كانت السفاهة متفشية في أرجائها أدعك تتصور الحال عند العامة. ربما هناك أشخاص متميزون يلزمون الصمت لكن أظن الشجاعة أيضا يجب أن تكون إحدى صفات النخبة.
* أين تتجلى شجاعة ياسمين قصاري ؟
** سأجيبك بقولة لنيتشه، في الحقيقة أنا أحب فلسفته ومعجبة به إنه يتميز بفكر طلائعي وله رؤية مستقبلية خارقة يقول : "عندما نأخذ طريقنا الخاص فإننا لا نصادف فيها أحدا " في حديثه عن التفرد ، تفرد المبدع و الفنان الذي كلما تعرض للهجوم والانتقاد كلما تأكد أنك في الطريق السليم .
* هل تعنين أن ياسمين تحلق خارج السرب ؟
** هذا أمر يفزع الكثيرين، الناس ترتاح في السكون وتخاف التغيير. لكن المثل يقول : أفكار اليوم هي ثورات الأمس . يجب المجازفة في اتجاه التغيير . ومن أجل ذلك على المبدع أن يتسم بالصدق .
* نعود للحديث عن فيلمك. إني أرى أنه يتمحور حول موضوعين أساسين : الوحدة والجنس. وتوفقت في الحديث عن الإثنين حيث أننا عانينا من وحدة شخصيات الفيلم وفي نفس الوقت حدثتنا عن مشكلة جنسية في "حشمة" و لباقة جعلت المتلقي يتقبلها خلافا لتجارب أخرى لا داعي لذكرها.
** ما طرحته في الفيلم أمر واقع ويكفي النظر حولنا . كيف يعقل أن يرحل رجل عن امرأة عاش معها مدة طويلة ونام بجانبها كل ليلة على السرير وربما لهم أطفال. وفي لمح البصر يرحل وتجد نفسها وحيدة، البيت فارغ و السرير واسع. حرمان على كل المستويات. تطرح الأسئلة على نفسها وعلى النساء الأخريات بحثا عن جواب أو حل . النساء في فيلمي تتكلمن بلغة خاصة فكما تتيه "حليمة" مع صاحب معصرة "الزيتون" وتبحث عن حريتها في الطلاق . في المقابل لغة "زينب" تتجلى في الطفل " الراقد" والرغبة المؤجلة . إن الراقد رغبة جنسية أيضا. الفيلم يتحدث فعلا عن النساء ، وقبل أن أقدم "الراقد" قدمت فيلما عن الرجال اسمه "عندما يبكي الرجال" وحتى في الفيلم الذي نتحدث عنه فالرجل حاضر بشكل كبير حاضر بقوة غيابه.
* لقد قال لنا منتجك " جون جاك أندريا " أنك حذفت بعض المقاطع من الفيلم الوثائقي " عندما يبكي الرجال " ما هو السبب ؟
** نعم المقاطع صورت في بورديل للعاهرات و لم أكن أريد أن يرى النساء أزواجهم هناك احتراما لهم جميعا . علينا أن نفرغ عقولنا من أي آراء مسبقة. الرجال لا يعيشون في أوربا في بحبوبة كما يتصور لنا . نفس المعاناة النسائية هي أيضا رجالية. فيلمي يتحدث عن معاناة الإنسان بمفهومه الواسع .
* لقد عرضت في فيلمك شخصيتين نسائيتين الأولى رمز للمرأة المستكينة التي ترضى بقدرها. والثانية نموذج للمرأة الثائرة التي تسعى للتحرر من القيود وأخذ زمام أمورها بيديها. هل يمكن اعتبار هذين النموذجين يصوران حالة المرأة الآن وحالتها كما تريدينها أن تكون ؟
** من قامت بدور المرأة المتمردة أو "حليمة" هي رشيدة براكني وأداؤها في غاية النضج إنها ممثلة فرنسية من أصل جزائري . إنها نجمة في فرنسا وتعمل بحيوية كبيرة. بالنسبة لي المرأتان متكاملتان ، "حليمة" امرأة تعيش فيما هو آني ولا تؤجل أي شيء . آنية في حبها، في عشقها و في رغابتها. أما الأخرى فهي تعيش في التأجيل والأمل في ما سيأتي أو لا يأتي. وأنا محتاجة لهما معا، يجب أن تتمرد الأولى حتى تفقه الثانية أن الأمور ليست على ما يرام.
* لقد شدت "حليمة" كثيرا الجمهور.
** (مقاطعة) أكيد لأنها مثال لما نريد أن نكون جميعا ولا نستطيع أن نكونه . إنها داخلنا جميعا والسؤال يبقى هل ستظهر وتبرز على الواجهة أم سنخنقها داخلنا للأبد. عندما وضعت هذين النموذجين السلبي و الإيجابي الجمهور لا يحس نفسه أنه أعتدي عليه أو هوجم عكس أفلام أخرى كان تناولها عنيفا و مباشرا فرفضها الجمهور لأنه هوجم .
* صحيح معاجتك لموضوع الجنس كانت لبقة
** أريد أن أوضح شيئا : الطرح الديني منطقي حينما يقول : زوجوا أبناءكم في سن 13 أو 14 سنة ، الآن هذا الأمر مستحيل و حتى في الثلاثين من العمر الكثيرون ليس لهم عمل و بالتالي دخل ! يجب أن ترى فيما بعد نساء في 30 أو35 من العمر خصوصا عندما يأتون لأوربا و يحاولن ممارسة " حقهن الطبيعي " أقول لك أن الأمر ليس هينا بالمرة !! إنهن يصبحن غير قابلات للاختراق على كل المستويات !! و هذا موضوع فيلمي القادم . الإسلام منذ 14 قرنا قدم حلولا و دعانا للذة و المتعة . طبعا في إطار معين ، و لكنه اعترف بحياة الفرد الجنسية. الآن لا يمكن تحقيق هذا الإطار . ما هو الحل ؟ ماذا يقدم فقهاؤنا لنا الآن ؟ اجتهدوا اجتهدوا .. نريد حلا . كيف تكون حالة امرأة في الثلاثين ما زالت تنظرت كل هذا الوقت من أجل تذوق اللذة الجنسية ! ستعاني بمرارة و تصبح لا محالة مصابة بانفصام الشخصية . و نخلق بالتالي مجتمعا للنفاق و التكتم ..
* هل يمكن أن تحدثينا أكثر عن فيلمك القادم ؟
** ( ضاحكة ) هذا سر . لدي أفكار كثيرة ، ربما سيكون موضوعه حول الجنس و كما تعلم فإن النضج يزداد مع كل فيلم أنجزه . سيصور في نواحي جرادة لأني أعشق هذا المكان حتى الوادي الذي يظهر في فيلم " الراقد " كثيرا ما أمضيت فيه الإجازة مع أسرتي .
* كيف يمكن أن تتعامل السينما مع الجنس خصوصا السينما المغربية. هل يمكن أن تكون الجرأة في صالح السينما أم ضدها ؟
** الجنس في السينما له مستويان : الجنس كموضوع صالح للتناول والجنس كفعل مرئي أو فرجة. الحديث عن الجنس كفلسفة كعلاقة بين كائنين كإشكالية سيجد حتما آذانا صاغية. بينما في المستوى الثاني المسألة عالمية ، ففي الفيلم الأمريكي الكل ينتظر متى تصل لقطة القبلة بين البطل والبطلة . فكرتي الحقيقية الخالية من أي شعور بالخوف هي أنه لا يجب التهجم على ما يعتقده الآخر ويؤمن به. أنا أجادل و لا أهاجم . إنه من غير اللائق أن تقف أمام الناس وتقول لهم عن الخطأ و الصواب و تهاجم ما آمنوا به واعتقدوه منذ مئات السنين. الناس يتطورون بفعل داخلي .
* هل يمكن الحديث عن سينما نسوية مع ظهور ياسمين قصارى ليلى مراكشي و ليلى التريكي...؟
** لقد طرح علي نفس السؤال صحفي من الشيلي . في الواقع، الوجود الرجالي في السينما أكثر من الوجود النسائي، هذا أمر واقع ويمكن ملاحظته بسهولة. هناك أسماء نسوية أصادفها في المهرجانات العالمية وهذا شيء جديد وممتاز و غنى لنا جميعا و للسينما المغربية. بالإضافة إلى ذلك هناك بصمة نسوية متميزة ، حس مرهف لصيق بالمرأة. لكن عندما يصل المبدع إلى مستوى من العبقرية يمكنك إزالة اسم المخرج ولن تستطيع أن تميز بين عمل المرأة أو الرجل. الموهبة الحقة لا جنس لها. يمكن أن تنزع اسم "برغمان" من الجنيريك فيخيل لك أنه عمل نسائي . لم يصور أحد النساء كما صورها "برغمان". إن الإبداع يوصلك إلى درجة روحية و صوفية بلا جنس .
* بمن تأثرت ياسمين قصاري سينمائيا ؟
** أحب كثيرا " تاركوفسكي " لكن أي محاولة لمقارنتي به سأكون فيها خاسرة لا محالة . إنه أستاذي . يجب التمييز بين السينما التي أحب و السينما التي أقدم . أنا أقدم السينما بشكل غريزي مثلما ألبس، آكل، أمشي و أبتسم . لا أحاول إقحام تأثيرات خارجية لأن هذا أمر خطير. هذا هو الطريق الذي اخترت . إذا نجحت فالأمر جيد و إذا فشلت فسأغير مهنتي
* لقد صورت رحيل الزوج للضفة الأخرى و البنت الصغيرة التي تتبعه بشكل متميز ما السر في ذلك ؟
** إن الصغيرة التي تبكي رحيل الأب هي أنا في الحقيقة . لقد ذهب والدي لفرنسا قبل ولادتي و كان مع كل رحيل له أبكيه بنفس الحرقة ، لدرجة أنه أخدني معه لفرنسا دونا عن أي آحد آخر من إخوتي و كان يراجع معي دروسي و يعد لي الأكل و يغسل ملابسي . ذهبت و عمري 12 سنة ، بينما إخوتي كانوا ملزمين بالحصول على الباكلوريا أولا . إن علاقة البنت بأبيها متميزة جدا ، و أي صورة سلبية كانت أو إيجابية عن الرجل تأتي منها و الأب هو مصدرها. كنت أرى أبي رائعا و وسيما و كان كذلك بالفعل و مازال ( تضحك ) .
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق