حوار ساخن في قلب اليسار الفرنسي :
فورست : اليسار الذي أومن به لا يمكن أن يتحد مع القرضاوي لتغيير العالم !
بيرغات : نضال المرأة يستعمل كوسيلة لشرعنة المجموعات المهيمنة في فرنسا و العالم الإسلامي.
في الوقت الذي تعبر كارولين فوريست عن خوفها من جاذبية و إغراء تمارسه "دكتاتورية الشريعة"، يهاب فرنسوا بيرغا الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي من الانحراف التبسيطي و الرفض النهائي و المطلق للإسلام. مجلة "الإكسبريس" الفرنسية أخذت علي عاتقها مسؤولية لقاء "الإخوة الأعداء" في حوار ساخن.
صعود التيارات الإسلامية يقسم اليسار الفرنسي إلى شطرين. جانب نجد فيه من يصرون على احترام الحق في الاختلاف. و الجانب الآخر نجد فيه من ينادي بالحيطة و الحذر أمام الخطر المحذق و الانحراف الذي يمكن أن يعرفه التطرف الديني و هذا ما عبرت عنه كارولين فوريست المختصة في قضايا الأصولية و التطرف و نشرت كتابا تحت عنوان : la tentation obscurantiste ضمن منشورات grasset حيث تقول :" يوجد برفقتنا الآن في اليسار الفرنسي "زملاء" يعتقدون بسيادة "الشريعة " كما اعتقدوا من قبل بسيادة البروليتاريا أو الطبقة العاملة". و يرد فرنسوا بيرغات المختص في علم السياسة و الذي عاش 18 سنة في أرض الإسلام "هذه مجرد استيهامات !" و يضيف في كتابه l'islamisme a l'heure d'al-quaida : "ببنائنا للجدران في كل مكان بدل الجسور فإننا نسرع وتيرة التطرف التي تهددنا".
بين فورست و بيرغات لن يكون الحوار إلا شرسا و عنيفا:
* المجلة : إنكما تنتميان معا لليسار الفرنسي . هل يعتقد كل منكما أن محاوره يساري أيضا؟
** بيرغات : لقد كان و مازال ولائي دائما لليسار و أصوت لصالحه في الانتخابات و لا أحتكر هذا الانتماء.
*** فورست : أنا أيضا أعبر عن ولائي التام لليسار و أعتبر أن موضوع التطرف اليوم قضية جوهرية تقسمنا. يظن البعض منا أن الأصوليين الإسلاميين ديمقراطيون بدعوى التصدي و مقاومة الامبريالية الغربية و الاستعمار الاسرائيلي أو ديكتاتورية بعض الأنظمة في المغرب العربي . إنهم يرون أن الإخوان المسلمين تيار ديمقراطي أو حتى تحرري لدرجة تجعلهم ينعتوننا ب"فوبيا الإسلام" أو أشخاص باعوا نفسهم ل"شارون".
** بيرغات : أنا مثلك أناضل منذ زمن بعيد من أجل أن تكسب المرأة الاستقلال داخل المحيط العائلي و تقوية وجودها واختراق المجال السياسي و العملي في العالم الاسلامي و عندنا نحن أيضا. لكن بالمقابل أنتقد طرقكم ، إنك تذكريني بتسليمة ناصرين..
*** فورست : هذا إطراء جميل ..
** بيرغات : في زيارة لها بباريس سنة 1994 قالت أمام نوتردام :"اسمحوا لي أن أدير ظهري لرمز قرون عديدة من الظلامية الدينية التي عانت منها النساء" لقد همشت تسليمة ناصرين نفسها بنفسها داخل التيارات النسوية في بلدها، لأنه لا يمكن أن نحرك مجتمعا و نغيره و نطلب منه ثمنا باهظا كمسح نوتردام من الخارطة ..
*** فورست : أنا لم أسع قط لتحطيم نوتردام ! أظن أن خلافنا يكمن في تعريف ماهي النسائية و ما هي الأصولية . بالنسبة لي المصطلح الأخير يحدد حركة سياسية تستغل الدين من أجل خنق الحريات . و في كتاباتكم و كتابات العديد من المثقفين اليساريين أكتشف نوعا من التسامح و المجاملة أو حتى الانبهار بتيار رجعي، قاتل للحريات و يدافع عن قيم توتاليتارية ضدا على التقدمية.
* المجلة : هل تعطون نفس المعنى للإسلاموية؟
** بيرغات : سنكون متفقين إذا كنت تتحدثين عن السلفية كشق طائفي في التيار الإسلامي و ليس الإسلام في شموليته. و أنت تخلطين في تعريفك للإسلاموية و تدمجين فيها حتى زميلي المثقف طارق رمضان الذي يتوخى فقط الحديث بالإسلام أي استعمال مصطلحات و مفاهيم إسلامية للتعبير عن وجوده و احترامه.
* المجلة : هل اليسار يمهد الطريق للإسلامويين ؟
** بيرغات : نعم أظن ذلك. هذا اليسار يقف في وجه جيل يريد أن يساهم في تطور التاريخ باستعمال خطوة و قاموس مختلف، ملوحا بفيتو لا يقبل النقاش. و أنت "الناطقة الرسمية" باسم هذه الشريحة من اليسار. أنت ترفضين أن النساء المسلمات يمكن أن يتطورن و يحسن من وضعهن باستعمال ينابيع ثقافتهن الخاصة.
*** فورست : لنتحدث عن هذه النسائية الإسلامية التي تجدها أحسن من نسائيتي العلمانية . باعتماد التعريف الذي يعطيها إياه طارق رمضان ، يجب أن تتحمل المرأة المناصب التي تتلاءم و "طبيعتها" . بشرط أن لا يعرقل ذلك دورها داخل العائلة الأبيسية و بطبيعة الحال أن تتحجب كي لا تثير الرجال أهذه هي حرية المرأة لديك!!
* المجلة : أين يكمن إذن الانشقاق داخل اليسار؟
*** فورست : إننا نحلم جميعا بالديمقراطية و العدالة و المساواة. نحن متفقون حول ضرورة موازنة علاقات الشمال-جنوب ضدا على الاستعمار و نقد السياسة الإسرائيلية و الأمريكية. و لكني أقف في وجه الذين اختزلوا مفهوم العالم الثالث و تساهلوا مع كل ما هو آت من الجنوب مهما كان معاديا للسامية أو يتسم بعنصرية جنسية . يكفيه أن يقف في وجه بلد اسمه أمريكا و رئيس اسمه بوش. أنا ضد الأمبريالية و ضد الاستعمار لكني لا أقبل بتاتا التحالف مع تيارات الاسلام التوتاليتاري الذي يشن الحرب على الإسلام العلماني باسم الأفكار الكبرى التي أومن بها.
** بيرغات : أنا أقر أن أغلبية الإسلاميين ، وراء الحجاب الذي يحددون به هويتهم ، إنما يطالبون بحقوق ذات سمة كونية في الاقتصاد كما في السياسة. و تعريفكم للإسلاموية لا يخص إلا الطائفة السلفية التي ترفض العصرنة تحت غطاء فقدان الهوية . هذا واقع و موجود ، وأنا أندد به و أحاربه مثلكم.
*** فورست : إن ما تسمونه في كتابكم "إعادة الأسلمة" و "التحدث بالإسلام" أسميه أنا "الحديث التيوقراطي". لنأخذ مثال الجزائر، في كل كتاباتكم ساندتم الجبهة الإسلامية للإنقاذ و المذابح بالنسبة لكم كلها من صنيع الجيش و الحكومة. أما الإسلاميون فهم حملان وديعة و مسالمة ننتظر وصولها للسلطة حتى يتذوق الجنوب طعم الديمقراطية.
** بيرغات : أريد أن أحسم معك الآن و هنا في موضوع يعبر عن حربائية مبادئك الإنسانية ، ويبرز "مدى محاربتك" للتوتاليتارية! هل يوجد نوعان من الضحايا؟ نوعان من التوتاليتارية؟ كيف يمكن أن ننكر الدور الأساسي الذي لعبه الجيش الجزائري في مذابح أسندت للإسلاميين؟ كيف نقلل من قيمة مطالبة عائلات آلاف المختطفين من طرف الجيش؟
*** فورست : أنا أيضا أنتقد أساليب الجيش الجزائري لكن المجهود الذي تبدله أنت من أجل تجريمه يكون دائما الهدف منه تبرئة الأصوليين من جرائمهم ، لتقول فيما بعد إنهم يمثلون الطريق نحو المستقبل.
** بيرغات : لقت قلت دائما أن مسار الديمقراطية بطيء و شاق و معقد و لا يمكن أن نسير فيه إلا مع القوى السياسية الحقيقية ! لا يمكن أن نقصي بالعنف 60 أو 80 بالمئة من الشعوب بدعوى أنها لا تبدو جذابة ! و منذ سنة 1990 قدمنا للآخر خطابا مفاده أن الانتخابات ليست الطريق الأمثل للتناوب السياسي. و هكذا غذينا التطرف الذي ولد "جيل القاعدة".
* المجلة : نعود إلى فرنسا... عندما ينتفض جزء من اليسار ضد قانون الحجاب أو يساند تخصيص مدة زمنية محددة للنساء في المسابح ألا يلعب هذا الجزء لعبة المتطرفين الإسلاميين؟
** بيرغات : أنا لا أنكر ضرورة اللجوء إلى القانون من أجل الوقوف و التصدي لمن يقول : "لا أريد أن تمارس ابنتي الرياضة أو تدرس العلوم الطبيعية". أنا ضد حجاب يمنع الرؤية و السمع و الجري في ساحة المدرسة. و الحجاب نفسه لا يشكل لي أدنى مشكل إذا كان مسايرا لروح و قيم التربية. في الأمور الأخرى يمكن أن نطرح جميع وجهات النظر . هل تكون الرشاشات (الدوشات) في المسابح مختلطة؟ أنا لا أملك إجابة حاسمة و قاطعة..
*** فورست : لقد وجدت النقاش حول الرموز الدينية في المدارس العمومية جد هام. قناعتي هي أن نسن قانونا يحمي الفتاة التي لا تريد وضع الحجاب و تتحمل الضغوط. المسألة التي أثارتني أكثر هي اتحاد مجموعة من المثقفين و المناضلين مع جمعيات أصولية في رفضها القاطع للقانون الذي تحدثنا عنه. و نعتوا كل العلمانيين و المدافعين عن قضايا المرأة بفوبيا الإسلام. في حركة "المدرسة للجميع" نجد تنظيمات يسارية كالمراب Mrap و عصبة حقوق الإنسان بجانب جمعيات مقربة لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا . فيما يخص جمعية "الشباب المسلم في فرنسا" مثلا يظن زعيمها وقائدها المميز حسن لقوينس أن محرقة اليهود ماهي إلا مؤامرة لهتر و اليهود من أجل اغتصاب فلسطين. هل هذه جمعيات تقدمية يمكن أن نناضل معها اليد في اليد؟ اعتقادي الراسخ هو : لا
.
* المجلة : أليست هناك تحالفات خطرة ؟
بيرغات : رد فعلك اتجاه جيل تسمينه "أصولي" يذكرني برد فعل المجتمع الفرنسي في سنة 1950 تجاه ما كنا نسميهم جميعا "fellagas" . في ذلك الحين كانت زوجة الكولونيل "ماسي" تقول إن وصول جبهة التحرير الوطني في الجزائر للسلطة معناه إعلان نهاية حقوق المرأة . و أصبح الحديث المزدوج "للإرهابيين" محل شك و ريبة . و الآن بين المناهضين للعولمة و طارق رمضان مازال التعاون بعيدا، فالاحتقان و التنافر مازال واردا خصوصا في مسألة الجنس المثلية، بالرغم من التقارب الملحوظ في وجهات النظر.
*** فورست : هذا هو صلب الموضوع : هل يمكن أن نتحدث عن "احتقان و تنافر" في قضايا تبدو لك صغيرة كمساواة الرجل و المرأة والأقليات الجنسية والحريات الشخصية ؟ أنا لا أفهم كيف أن بعض المناضلين و المثقفين يتساهلون في مثل هذه الأمور مع الأصوليين الإسلاميين ، في حين هم حازمون فيها مع الأصوليين المسيحيين. إن التيارات التي تتغذى بفكر الإخوان المسلمين و تدافع عن إسلام رجعي و أصولي لا مكان لها داخل التيار المناهض للعولمة.
* المجلة : نذكر هنا بما سمي "نداء أهالي الجمهورية" الذي صدر في 18 يناير 2005 و الذي يندد بالتمييز الذي يعاني منه الفرنسيون المنحدرون من الهجرة. هذا البيان جمع هو أيضا بين جمعيات إسلامية و منظمات يسارية..
*** فورست : لو كان البيان يندد بالعنصرية المنتشرة في بلادنا بشكل مخجل ضد العرب لوقعنا عليه جميعا لكن نص البيان لم يشر لهذا بتاتا، بل وصف المساندين لقانون منع الرموز الدينية داخل المدارس العمومية بالمساندين لشكل جديد من العنصرية !
** بيرغات : "نداء أهالي الجمهورية" يذكر فقط بأن هناك بقايا للفكر الاستعماري الموروث من الحقبة القديمة في فرنسا. و الاحتراق الذي تعرفه هوامش المدن الكبرى ما هو إلا غياب للتمثيلية ووجه لعنصرية جمهورية استعمارية كانت فيما قبل تعتقد أنها ستنشر "الحضارة" ل"أهالي" المستعمرات في الجزائر و إفريقيا و الهند الصينية. وكما هو الحال في الحقبة الاستعمارية ، فإن نضال المرأة يستعمل كوسيلة لشرعنة المجموعات المهيمنة لا في فرنسا فحسب بل في العالم الإسلامي برمته. أنت كذلك تساهمين في تجريم كل من يحاول النضال وفق سيرورات للمقاومة ، فقط لأنه يستعمل لغة الثقافة الإسلامية، و تقولون لهم : "إنكم تنتفضون ضد الاحتلال الإسرائيلي لكن تنورات نسائكم طويلة جدا أنتم لستم متحضرين حتى تكون لكم الشرعية!!".
في فرنسا تصفون أي مسلم بالتيوقراطي ، و أنا أتحداكم أن تجدوا عنصرا واحدا في جمعية يرفض الانخراط ضمنيا في الفكر العلماني.
*** فورست : إنك تصنع من وجهة نظري كاريكاتورا حتى تتهرب من الإجابة على السؤال الذي أطرح : هل يمكن أن نتوخى عالما أفضل مع حركات تتسم بالعنصرية الجنسية وفوبيا الشذود الجنسي ؟ لا تنسى أن زعيم UOIF و "تجمع المسلمين في فرنسا" و "المدرسة للجميع" و "الشباب المسلم" التي تنضوي تحتها جمعية "أهالي الجمهورية" شخص اسمه يوسف القرضاوي . و هذا الرجل لا يحمل إسلاما متسامحا بالمرة. السؤال الوحيد الذي يطرحه على نفسه في قضية الجنس مثليين هو من سيحرق أولا الفاعل أم المفعول به ؟
اليسار الذي أومن به لا يمكن أن يتحد مع مثل هذا الرجل لتغيير العالم !
** بيرغات : لا أنكر أنه من الممكن أن نجد بقايا للطائفية و الميل الرجالي المحافظ عند بعض الإخوان المسلمين . لنبحث بنفس الدقة في تاريخ البرلمانيين اليمينيين و حتى اليساريين الفرنسيين و سنجد مفاجآت كثيرة ...
*** فورست : المسلمون الذين أعمل معهم هم الذين يناضلون من أجل الكف عن تشويه الإسلام و استعماله كرهينة في يد طارق رمضان و تنظيم القاعدة أو حتى نيكولا ساركوزي ، الذي يفضل بناء المساجد بدل ملاعب الكرة في هوامش المدن الفرنسية الكبرى. أظن أن الروابط و العلاقات الاجتماعية محتاجة أكثر لأقل ما يمكن من البوليس crs و الأئمة المتطرفين ..
** بيرغات : هناك سلاح فعال ضد الاحتقانات التي يعرفها المجتمع الفرنسي و ضد الإرهاب اسمها التوزيع: توزيع الخيرات الاقتصادية و المالية و توزيع السلطة السياسية.
*** فورست : في هذه النقطة نحن متفقان بالرغم من أني أرى أحسن من "التوزيع"، و هو ضمان فرص متساوية لجميع الفرنسيين مهما كانت أصولهم و ديانتهم.
إعداد : جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق