نجيب محفوظ يثير حفيظة الأدباء
و النقاد يردون عليه :
- محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان
خلف موقف الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ زوبعة كبيرة داخل أوساط المبدعين و الكتاب العرب. و قد كان نجيب محفوظ قد سن شرطين لنشر روايته "أولاد حارتنا" في مصر، وهما كما يقول أحد أبرز المقربين من محفوظ الروائي يوسف القعيد لوكالة فرانس برس : أن يوافق الأزهر على نشر الرواية، وثانيا أن يكتب أحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين مقدمة لروايته. وأشار إلى اعتقاده بأن مطالبة محفوظ بهذين الشرطين تعود الى محاولة تبرئة ساحته من الموقف الذي أثاره علماء الأزهر في شهر شتنبر من عام 1959 عند بدء نشر الرواية في صحيفة الأهرام على مدار ثلاثة أشهر ومطالبتهم بوقف نشر الرواية وعدم نشرها في كتاب. واعتبر الأزهر في حينه أن الرواية التي نشرت في بيروت قبل أكثر من 46 عاما تتعرض للذات الإلاهية وللأنبياء. واعتبر المناهضون للرواية أن لها طبيعة مختلفة حيث تتخذ من الرسل أدم وموسى وعيسى ومحمد، وغيرهم من الأنبياء أبطالا لها في رمزية روائية تتضح لأي قارئ. كما أن البعض اعتبر شخصية "جبل" هي رمز لله . والمفارقة الغريبة أن الرواية إلى الآن لم تصادر بشكل رسمي، وعقب نشرها تقدم الشيخ محمد الغزالي بتقرير إلى رئاسة الجمهورية يطلب فيه منع الرواية من النشر ، وكرر الشيخ الغزالي ذلك في الصفحة الأدبية لجريدة الأخبار. ثم توالت حملات التكفير على الرواية وقادها الشيخ عبد الحميد كشك حتى جاء عام 1994، وأفتى الشيخ عمر عبد الرحمن لجريدة الأنباء الكويتية بكفر وإلحاد نجيب محفوظ وصرح قائلا : "لو أن الحكم بالقتل نفذ في نجيب محفوظ حين كتب، لكان ذلك بمثابة درس بليغ لسلمان رشدي..".. كما تبنت أجهزة الأمن المصرية موقف معاد للرواية ولكن على أساس مغاير واتهمت فيه محفوظ بالقدح بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأعضاء قيادة مجلس الثورة آنذاك. واستمر نشر الرواية رغم ذلك بشكل يومي في الأهرام بدعم من رئيس مجلس إدارتها في حينه محمد حسنين هيكل بعد أن رفض ادعاءات كلا الطرفين(الأزهر و السلطة) وشرح الموقف الأدبي للرواية لعبد الناصر.
وكانت دار الهلال المصرية قررت طبع نسخة شعبية من الرواية لنشرها الشهر الماضي احتفاء منها بالذكرى الرابعة والتسعين لميلاد محفوظ و بعد 47 عاما على منعها بقرار من الأزهر حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، إلا أن محفوظ عارض نشر الرواية لأنه باع حق امتيازها لمكتبة الشروق التي يملكها رئيس اتحاد الناشرين العرب ابراهيم المعلم.
وقال عدة مثقفين من بينهم الروائي جمال الغيطاني في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إنه ليس من حق دار الهلال أن تقوم بطبع كتاب بدون موافقة صاحبه، وليس لها حق الاعتداء على حقوق مؤلف باع كتابه إلى جهة أخرى لتولي نشره بحسب قول الغيطاني. إلا أنهم اتفقوا ومن بينهم المقربون من محفوظ "أن مطالبة نجيب محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الابداع بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا وأن وضعية الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة إلا بناء على طلب من جهة ما" كما أكد القعيد. وأضاف : "أن المؤلف نفسه بهذه الطريقة يبحث عن رقيب ديني على إبداعه بما يخالف أسس الابداع". ويضيف القعيد: التقرير الخاص بمصادرة الرواية قد كتبه وقتها أعضاء لجنة من الازهر ممثلة في أحمد حسن الباقوري ومحمد ابو زهرة ومحمد الغزالي ولم يعلنوا ذلك إلا من خلال ندوة عقدتها مجلة روزاليوسف.
ويؤكد القعيد أن هذه الاشكالية حول الرواية ربما تمثل الاختبار الحقيقي لنوايا الإخوان المسلمين حاليا ومن الممكن أن يلتزموا الصمت كما تعاملوا مع مواقف أخرى .
و تصف الناقدة اللبنانية جمانة حداد في مقال لها بجريدة النهار اللبنانية تحت عنوان "حتى أنت يا نجيب" موقف الكاتب بالاقتراح "الرجعي ، المخزي و المهين" و اعتبرته صادرا عن كاتب "غير عادي، و له مكانة كبيرة و متميزة داخل الحقل الأدبي العربي. و خاطبت الكاتب ساخرة ." ولو يا أستاذ نجيب! شو بقي من العمر أكثر مما مضى – أطال الله بعمرك - كي تأخذك الخشية إلى هذا الحد، فتطلب إذناً مسبقاً بنشر كتاب لك، هو هذا الكتاب بالذات، الذي صدرت طبعته الأولى قبل 47 عاماً في بيروت، ونال ما ناله من اهتمام واحترام وتقدير في دنيا العرب كلها؟! و تضيف جمانة أن موقفها الذي يشاركها فيه مجموعة كبيرة من الأدباء و النقاد العرب ليس انتقاصا من قيمة الأزهر بل هو تبخيس لقيمة الأدب الذي له الحق الوحيد و الأوحد في تقرير مصير كتاب. و تعاتب نجيب محفوظ في قسوة :"الكاتب الكبير، وحتى الصغير، يا أستاذ نجيب، لا يطلب الإذن من أحد لنشر كتابه. أنتَ علّمتنا ذلك، وعلّمتنا أن القيمة الأدبية والإنسانية للكتاب، هي الغربال الوحيد الذي نغربل به الصفحات. وأنت علّمتنا أن الكاتب هو الذي يكتب، وهو الذي يحذف، وهو الذي يضيف، وهو الذي يقرر ما يطيب له أن يقرر، وما يصلح للنشر وما لا يصلح، زيادةً أو نقصاناً. أما المرجعيات الدينية ورجال الدين فلا. لأن دورها يقتصر على شؤون الدين والعبادة، وهذا لا يشمل النظر في الأعمال الأدبية، تقويماً وتدخلاً نقدياً ورقابياً. وما نقوله عن المقامات الدينية، مؤسسات وأشخاصاً، ينطبق أيضاً على هيئات الرقابة كلها، وعلى الأمن العام ومؤسسات الدولة بلا استثناء. مئة عام كانت كافية تماماً، لنتعلم ماذا فعلت الرقابة بعالمنا العربي، وبحرياته، وبآدابه، وبفلسفاته، وبأفكاره، وبثقافاته، وبصحافته، وبفنونه المختلفة. وماذا فعلت بالأحرار والأدباء والفلاسفة والمفكرين والمثقفين والصحافيين والفنانين! سامحك الله يا نجيب محفوظ، وليس عندنا ما نقوله لك سوى هذه العبارة الشكسبيرية المحرّفة: حتى أنتَ يا نجيب؟!"
و من جهته قال الروائي محمد البساطي لوكالة فرانس برس : "رغم أن هذا الشأن خاص بمحفوظ، إلا أنني لو كنت مكانه لما أوليت أي اهتمام بموقف الأزهر، فأنا كاتب وصاحب رأي وموضوع وفكر وقضيتي أن أوصل ذلك للناس بعيدا عن أية تهديدات". ودعا البساطي إلى وضع حد لسلطة الأزهر وفكر الأزهر الذي أحيانا يكون متخلفا، "وهنا دور الكاتب المهم وهذا ما يدفعني لعدم الموافقة على موقف نجيب محفوظ الذي ربما لديه أسبابه الخاصة بعد الاعتداء عليه، وربما كعادته لا يريد أن يغضب أحدا".
أما الروائي عزت القمحاوي فاعتبر أن نجيب محفوظ في موقفه هذا وكأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به ألا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للأزهر للوصاية على الأدب من خارج القانون والدستور. وأشار الى أن موقف محفوظ هو جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا كانت هذه السلطة. وأكد أن شخصية الكاتب الحائز جائزة نوبل عام 1988 لم تكن من الشخصيات صاحبة الموقف أو النشاط العام المساند لحرية الإبداع أو للحريات عموما رغم ما يتمتع به منذ وقت مبكر من حصانة الشهرة التي توجت بنوبل. و أضاف القمحاوي: "أنا أعتبر أن محفوظ لم يقف موقفا وهو في كامل صحته وأصغر سنا في لحظات كان المجتمع في أشد الحاجة إليه لرفع صوته المساند، لكنه لم يفعل".
و ربما هذا ما دفع الناقد المعروف غالي شكري للقول واصفا الموقف السياسي لنجيب محفوظ قياسا على المقارنة بين آرائه التي قالها بعيدا عن الفن الروائي وتلك التي ضمنها إبداعاته الأدبية الرائعة بقوله: "محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان"
و يقول وائل عبد الفتاح عن علاقة محفوظ بروايته "أولاد حارتنا" في مقال بجريدة المستقبل :" توقف نجيب محفوظ عن الدفاع عن الرواية.. لأنه كما قال عابرا في أحد حواراته أن: "المقصود من الرواية هو تصور ماذا سيفعل الأنبياء لو نزلوا حارتنا.. من هنا بدأت كتابة روايتي الكبيرة "أولاد حارتنا"... وهي التي تصور الصراع بين الأنبياء والفتوات.. كنت اسأل رجال الثورة هل تريدون السير في طريق الأنبياء أم الفتوات؟ فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعي الذي كان قائماً وهنا يكون "عرفة" هو رمز العلم.. الذي كانت الفلسفات الحديثة تقدمه في الخمسينات على أنه "الدين الجديد".. وهو يتصارع حسب خريطة الرموز مع الأبطال الآخرين.." وهذا ما يجعل محفوظ وهو ينحاز إليه يضيف إلى قدراته ميزة أخرى وهو الجمع بين العلم والإيمان..وبين التعرف على العلم الحديث والمعرفة بخبرات العطار القديم.. عرفة حسب بناء الرواية كان أقرب "أنبياء حارتنا" بالنسبة لنجيب محفوظ.. لكنه يتركه لحكم الرقابة.. وكأنه لا يريد أن يورط نفسه في معاندة المؤسسة التقليدية." ويعزي وائل عبد الفتاح هذا الموقف إلى الطبيعة المسالمة، المطمئنة، المتآلفة مع نظام الحياة في مصر،" لصاحب الإبتسامة الدائمة والبدلة البسيطة"
.
و خصصت جريدة "نهضة مصر" ملفا عن ما اعتبرته معركة كبيرة أعطت فيه الكلمة للعديد من النقاد و المهتمين حيث تساءلت فريدة النقاش رئيس تحرير مجلة "أدب ونقد" عن عدم طباعة الرواية في مصر، فقالت: لماذا لا نقوم بطباعة الرواية خاصة أنها تطبع وتباع في كل العالم العربي منذ 30 عاماً ويشتريها المصريون بكثافة خاصة طبعة بيروت. وتؤكد فريدة النقاش على أن الشعر بمعزل عن الدين كما قال العالم الفقيه الجرجاني، فهذا ميدان وذاك ميدان ولا يجوز التدخل في شأن الآخر.
وتعترض فريدة النقاش على الشروط التي وضعها أديب نوبل وقالت: ما يختص بموافقة الأزهر يعود بالرواية العربية الى الوراء، كما أنه يخطئ في حق حرية الفكر والتعبير عندما يطلب من الدكتور أحمد كمال أبو المجد كتابة مقدمة للرواية، فمع احترامي وتقديري الكامل لشخصية د. أبو المجد إلا أن الرواية عمل أدبي بحت. وأعربت فريدة النقاش عن تساؤلها وقالت: حتى لو تمت موافقة الأزهر، فإننا بذلك نرسي تقاليد نهاجمها منذ القدم، فامتداد رقابة الأزهر للأعمال الأدبية كارثة كبيرة لأنه يعمل مقاييس وآليات الدين الذي هو إلاهي ومطلق في تقييم عمل هو بطبيعته عمل بشري قابل للنقد.
كما قدمت الجريدة تصورا قاسيا لكل من المفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين و عبدالعظيم المطعني الاستاذ بجامعة الازهر حيث يرى الأول أن الحكم على هذه الرواية لن يتغير لما تتناوله من جرأة على المستوى الديني وما تتضمنه من رمز إلى المقدسات لا يليق بمسلم. ويضيف شاهين : إنها قد تأتي من خيال إنسان عاش في الجبل أو الصحراء أو إنسان لا علاقة له بأفكار دينية. ويؤكد شاهين أنه لا داعي لنشر الرواية إلا إذا أردنا أن نثير حول نجيب محفوظ مجموعة من المناقشات ليعود ذكره علي ألسنة الناس من جديد ويشتهر أكثر مما اشتهر وينال أكثر مما ناله على مستوي الوسط الصحفي والإعلامي!.
أما المطعني فقد أكد أن الأزهر لن يوافق على نشر هذه الرواية حتى ولو بعد مائة عام لأن الرواية ما هي إلا نقد للتاريخ النبوي كله وإعلاء لشأن الحضارة الغربية الحديثة . وكان المطعني قد أورد ردا على الرواية في كتاب من 200 صفحة بعنوان "الرموز المختارة لكبار أولاد الحارة".
و كان محفوظ قد توقف نسبيا عن الكتابة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال على أيدي متطرفين إسلاميين عام 1994، استجابة لحملة التكفير، حيث أصيب بتهتك في عضلات الرقبة كاد يودي بحياته. والمعروف أن "أولاد حارتنا" برغم مصادرتها موجودة في كل مكان وتباع في المكتبات بمصر ولها موقع على الانترنت يمكن قراءتها عليه كاملة هوwww.awlad.20fr.com والقضية الحقيقية تتمثل في السماح رسميا بنشر القصة وتداولها.
جمال الخنوسي
و النقاد يردون عليه :
- محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان
خلف موقف الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ زوبعة كبيرة داخل أوساط المبدعين و الكتاب العرب. و قد كان نجيب محفوظ قد سن شرطين لنشر روايته "أولاد حارتنا" في مصر، وهما كما يقول أحد أبرز المقربين من محفوظ الروائي يوسف القعيد لوكالة فرانس برس : أن يوافق الأزهر على نشر الرواية، وثانيا أن يكتب أحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين مقدمة لروايته. وأشار إلى اعتقاده بأن مطالبة محفوظ بهذين الشرطين تعود الى محاولة تبرئة ساحته من الموقف الذي أثاره علماء الأزهر في شهر شتنبر من عام 1959 عند بدء نشر الرواية في صحيفة الأهرام على مدار ثلاثة أشهر ومطالبتهم بوقف نشر الرواية وعدم نشرها في كتاب. واعتبر الأزهر في حينه أن الرواية التي نشرت في بيروت قبل أكثر من 46 عاما تتعرض للذات الإلاهية وللأنبياء. واعتبر المناهضون للرواية أن لها طبيعة مختلفة حيث تتخذ من الرسل أدم وموسى وعيسى ومحمد، وغيرهم من الأنبياء أبطالا لها في رمزية روائية تتضح لأي قارئ. كما أن البعض اعتبر شخصية "جبل" هي رمز لله . والمفارقة الغريبة أن الرواية إلى الآن لم تصادر بشكل رسمي، وعقب نشرها تقدم الشيخ محمد الغزالي بتقرير إلى رئاسة الجمهورية يطلب فيه منع الرواية من النشر ، وكرر الشيخ الغزالي ذلك في الصفحة الأدبية لجريدة الأخبار. ثم توالت حملات التكفير على الرواية وقادها الشيخ عبد الحميد كشك حتى جاء عام 1994، وأفتى الشيخ عمر عبد الرحمن لجريدة الأنباء الكويتية بكفر وإلحاد نجيب محفوظ وصرح قائلا : "لو أن الحكم بالقتل نفذ في نجيب محفوظ حين كتب، لكان ذلك بمثابة درس بليغ لسلمان رشدي..".. كما تبنت أجهزة الأمن المصرية موقف معاد للرواية ولكن على أساس مغاير واتهمت فيه محفوظ بالقدح بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأعضاء قيادة مجلس الثورة آنذاك. واستمر نشر الرواية رغم ذلك بشكل يومي في الأهرام بدعم من رئيس مجلس إدارتها في حينه محمد حسنين هيكل بعد أن رفض ادعاءات كلا الطرفين(الأزهر و السلطة) وشرح الموقف الأدبي للرواية لعبد الناصر.
وكانت دار الهلال المصرية قررت طبع نسخة شعبية من الرواية لنشرها الشهر الماضي احتفاء منها بالذكرى الرابعة والتسعين لميلاد محفوظ و بعد 47 عاما على منعها بقرار من الأزهر حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، إلا أن محفوظ عارض نشر الرواية لأنه باع حق امتيازها لمكتبة الشروق التي يملكها رئيس اتحاد الناشرين العرب ابراهيم المعلم.
وقال عدة مثقفين من بينهم الروائي جمال الغيطاني في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إنه ليس من حق دار الهلال أن تقوم بطبع كتاب بدون موافقة صاحبه، وليس لها حق الاعتداء على حقوق مؤلف باع كتابه إلى جهة أخرى لتولي نشره بحسب قول الغيطاني. إلا أنهم اتفقوا ومن بينهم المقربون من محفوظ "أن مطالبة نجيب محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الابداع بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا وأن وضعية الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة إلا بناء على طلب من جهة ما" كما أكد القعيد. وأضاف : "أن المؤلف نفسه بهذه الطريقة يبحث عن رقيب ديني على إبداعه بما يخالف أسس الابداع". ويضيف القعيد: التقرير الخاص بمصادرة الرواية قد كتبه وقتها أعضاء لجنة من الازهر ممثلة في أحمد حسن الباقوري ومحمد ابو زهرة ومحمد الغزالي ولم يعلنوا ذلك إلا من خلال ندوة عقدتها مجلة روزاليوسف.
ويؤكد القعيد أن هذه الاشكالية حول الرواية ربما تمثل الاختبار الحقيقي لنوايا الإخوان المسلمين حاليا ومن الممكن أن يلتزموا الصمت كما تعاملوا مع مواقف أخرى .
و تصف الناقدة اللبنانية جمانة حداد في مقال لها بجريدة النهار اللبنانية تحت عنوان "حتى أنت يا نجيب" موقف الكاتب بالاقتراح "الرجعي ، المخزي و المهين" و اعتبرته صادرا عن كاتب "غير عادي، و له مكانة كبيرة و متميزة داخل الحقل الأدبي العربي. و خاطبت الكاتب ساخرة ." ولو يا أستاذ نجيب! شو بقي من العمر أكثر مما مضى – أطال الله بعمرك - كي تأخذك الخشية إلى هذا الحد، فتطلب إذناً مسبقاً بنشر كتاب لك، هو هذا الكتاب بالذات، الذي صدرت طبعته الأولى قبل 47 عاماً في بيروت، ونال ما ناله من اهتمام واحترام وتقدير في دنيا العرب كلها؟! و تضيف جمانة أن موقفها الذي يشاركها فيه مجموعة كبيرة من الأدباء و النقاد العرب ليس انتقاصا من قيمة الأزهر بل هو تبخيس لقيمة الأدب الذي له الحق الوحيد و الأوحد في تقرير مصير كتاب. و تعاتب نجيب محفوظ في قسوة :"الكاتب الكبير، وحتى الصغير، يا أستاذ نجيب، لا يطلب الإذن من أحد لنشر كتابه. أنتَ علّمتنا ذلك، وعلّمتنا أن القيمة الأدبية والإنسانية للكتاب، هي الغربال الوحيد الذي نغربل به الصفحات. وأنت علّمتنا أن الكاتب هو الذي يكتب، وهو الذي يحذف، وهو الذي يضيف، وهو الذي يقرر ما يطيب له أن يقرر، وما يصلح للنشر وما لا يصلح، زيادةً أو نقصاناً. أما المرجعيات الدينية ورجال الدين فلا. لأن دورها يقتصر على شؤون الدين والعبادة، وهذا لا يشمل النظر في الأعمال الأدبية، تقويماً وتدخلاً نقدياً ورقابياً. وما نقوله عن المقامات الدينية، مؤسسات وأشخاصاً، ينطبق أيضاً على هيئات الرقابة كلها، وعلى الأمن العام ومؤسسات الدولة بلا استثناء. مئة عام كانت كافية تماماً، لنتعلم ماذا فعلت الرقابة بعالمنا العربي، وبحرياته، وبآدابه، وبفلسفاته، وبأفكاره، وبثقافاته، وبصحافته، وبفنونه المختلفة. وماذا فعلت بالأحرار والأدباء والفلاسفة والمفكرين والمثقفين والصحافيين والفنانين! سامحك الله يا نجيب محفوظ، وليس عندنا ما نقوله لك سوى هذه العبارة الشكسبيرية المحرّفة: حتى أنتَ يا نجيب؟!"
و من جهته قال الروائي محمد البساطي لوكالة فرانس برس : "رغم أن هذا الشأن خاص بمحفوظ، إلا أنني لو كنت مكانه لما أوليت أي اهتمام بموقف الأزهر، فأنا كاتب وصاحب رأي وموضوع وفكر وقضيتي أن أوصل ذلك للناس بعيدا عن أية تهديدات". ودعا البساطي إلى وضع حد لسلطة الأزهر وفكر الأزهر الذي أحيانا يكون متخلفا، "وهنا دور الكاتب المهم وهذا ما يدفعني لعدم الموافقة على موقف نجيب محفوظ الذي ربما لديه أسبابه الخاصة بعد الاعتداء عليه، وربما كعادته لا يريد أن يغضب أحدا".
أما الروائي عزت القمحاوي فاعتبر أن نجيب محفوظ في موقفه هذا وكأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به ألا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للأزهر للوصاية على الأدب من خارج القانون والدستور. وأشار الى أن موقف محفوظ هو جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا كانت هذه السلطة. وأكد أن شخصية الكاتب الحائز جائزة نوبل عام 1988 لم تكن من الشخصيات صاحبة الموقف أو النشاط العام المساند لحرية الإبداع أو للحريات عموما رغم ما يتمتع به منذ وقت مبكر من حصانة الشهرة التي توجت بنوبل. و أضاف القمحاوي: "أنا أعتبر أن محفوظ لم يقف موقفا وهو في كامل صحته وأصغر سنا في لحظات كان المجتمع في أشد الحاجة إليه لرفع صوته المساند، لكنه لم يفعل".
و ربما هذا ما دفع الناقد المعروف غالي شكري للقول واصفا الموقف السياسي لنجيب محفوظ قياسا على المقارنة بين آرائه التي قالها بعيدا عن الفن الروائي وتلك التي ضمنها إبداعاته الأدبية الرائعة بقوله: "محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان"
و يقول وائل عبد الفتاح عن علاقة محفوظ بروايته "أولاد حارتنا" في مقال بجريدة المستقبل :" توقف نجيب محفوظ عن الدفاع عن الرواية.. لأنه كما قال عابرا في أحد حواراته أن: "المقصود من الرواية هو تصور ماذا سيفعل الأنبياء لو نزلوا حارتنا.. من هنا بدأت كتابة روايتي الكبيرة "أولاد حارتنا"... وهي التي تصور الصراع بين الأنبياء والفتوات.. كنت اسأل رجال الثورة هل تريدون السير في طريق الأنبياء أم الفتوات؟ فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعي الذي كان قائماً وهنا يكون "عرفة" هو رمز العلم.. الذي كانت الفلسفات الحديثة تقدمه في الخمسينات على أنه "الدين الجديد".. وهو يتصارع حسب خريطة الرموز مع الأبطال الآخرين.." وهذا ما يجعل محفوظ وهو ينحاز إليه يضيف إلى قدراته ميزة أخرى وهو الجمع بين العلم والإيمان..وبين التعرف على العلم الحديث والمعرفة بخبرات العطار القديم.. عرفة حسب بناء الرواية كان أقرب "أنبياء حارتنا" بالنسبة لنجيب محفوظ.. لكنه يتركه لحكم الرقابة.. وكأنه لا يريد أن يورط نفسه في معاندة المؤسسة التقليدية." ويعزي وائل عبد الفتاح هذا الموقف إلى الطبيعة المسالمة، المطمئنة، المتآلفة مع نظام الحياة في مصر،" لصاحب الإبتسامة الدائمة والبدلة البسيطة"
.
و خصصت جريدة "نهضة مصر" ملفا عن ما اعتبرته معركة كبيرة أعطت فيه الكلمة للعديد من النقاد و المهتمين حيث تساءلت فريدة النقاش رئيس تحرير مجلة "أدب ونقد" عن عدم طباعة الرواية في مصر، فقالت: لماذا لا نقوم بطباعة الرواية خاصة أنها تطبع وتباع في كل العالم العربي منذ 30 عاماً ويشتريها المصريون بكثافة خاصة طبعة بيروت. وتؤكد فريدة النقاش على أن الشعر بمعزل عن الدين كما قال العالم الفقيه الجرجاني، فهذا ميدان وذاك ميدان ولا يجوز التدخل في شأن الآخر.
وتعترض فريدة النقاش على الشروط التي وضعها أديب نوبل وقالت: ما يختص بموافقة الأزهر يعود بالرواية العربية الى الوراء، كما أنه يخطئ في حق حرية الفكر والتعبير عندما يطلب من الدكتور أحمد كمال أبو المجد كتابة مقدمة للرواية، فمع احترامي وتقديري الكامل لشخصية د. أبو المجد إلا أن الرواية عمل أدبي بحت. وأعربت فريدة النقاش عن تساؤلها وقالت: حتى لو تمت موافقة الأزهر، فإننا بذلك نرسي تقاليد نهاجمها منذ القدم، فامتداد رقابة الأزهر للأعمال الأدبية كارثة كبيرة لأنه يعمل مقاييس وآليات الدين الذي هو إلاهي ومطلق في تقييم عمل هو بطبيعته عمل بشري قابل للنقد.
كما قدمت الجريدة تصورا قاسيا لكل من المفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين و عبدالعظيم المطعني الاستاذ بجامعة الازهر حيث يرى الأول أن الحكم على هذه الرواية لن يتغير لما تتناوله من جرأة على المستوى الديني وما تتضمنه من رمز إلى المقدسات لا يليق بمسلم. ويضيف شاهين : إنها قد تأتي من خيال إنسان عاش في الجبل أو الصحراء أو إنسان لا علاقة له بأفكار دينية. ويؤكد شاهين أنه لا داعي لنشر الرواية إلا إذا أردنا أن نثير حول نجيب محفوظ مجموعة من المناقشات ليعود ذكره علي ألسنة الناس من جديد ويشتهر أكثر مما اشتهر وينال أكثر مما ناله على مستوي الوسط الصحفي والإعلامي!.
أما المطعني فقد أكد أن الأزهر لن يوافق على نشر هذه الرواية حتى ولو بعد مائة عام لأن الرواية ما هي إلا نقد للتاريخ النبوي كله وإعلاء لشأن الحضارة الغربية الحديثة . وكان المطعني قد أورد ردا على الرواية في كتاب من 200 صفحة بعنوان "الرموز المختارة لكبار أولاد الحارة".
و كان محفوظ قد توقف نسبيا عن الكتابة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال على أيدي متطرفين إسلاميين عام 1994، استجابة لحملة التكفير، حيث أصيب بتهتك في عضلات الرقبة كاد يودي بحياته. والمعروف أن "أولاد حارتنا" برغم مصادرتها موجودة في كل مكان وتباع في المكتبات بمصر ولها موقع على الانترنت يمكن قراءتها عليه كاملة هوwww.awlad.20fr.com والقضية الحقيقية تتمثل في السماح رسميا بنشر القصة وتداولها.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق