قبل أن تمر عشرة أيام من البرمجة التلفزيونية الرمضانية، تبين بما لا يدع مكانا للشك أن التلفزيون المغربي أضاع فرصة تاريخية هذه السنة، على غرار سابقاتها، من أجل إثبات وجوده حتى لا نتحدث عن أي تميز أو تألق.
لقد كانت هذه السنة فرصة لن تعوض على المستويين الخارجي والداخلي:
فقد عاش العالم العربي هذه السنة مرحلة استثنائية، خصوصا داخل بلدان عرفت بأنها رائدة في مجال التلفزيون، وتستفرد كل سنة بملايين المشاهدين في المغرب والعالم العربي، على رأسها بلدان طلائعيان في مجال الدراما هما مصر وسوريا، إذ عرفت مصر أحداثا قلبت تاريخ البلاد، في وقت مازالت تعيش سوريا مذبحة مفتوحة على الهواء الطلق. كل هذا جعل الإنتاجات الرمضانية التي كانت تشكل تسونامي قاهرا يرسله بلدان لهما تقاليد تلفزيونية عريقة مقابل أخرى مستهلكة بنهم شديد، تخبو وتخفت.
وبالنظر إلى ظروف ما سمي "الربيع العربي" كانت المنافسة المصرية السورية هذه السنة أقل حدة بكثير وإنتاجاتها أقل جودة مما كان عليه الأمر في سنوات سابقة. وفي الوقت الذي كان من المرجح أن يقوم التلفزيون المغربي ب"نهضة" يستغل فيها فراغ الساحة وانخفاض حدة المنافسة، نام على "الجنب الذي يريحه" وغط في سبات عميق.
على المستوى الداخلي، لم يستفد التلفزيون المغربي من الحراك السياسي الداخلي الذي انطلق مع 20 فبراير. ولمس الجميع أن المغرب يعيش مرحلة تأهيل على المستوى السياسي والاجتماعي والإعلامي أيضا، فظهر أناس على الشاشات الصغيرة لم يكونوا يحلمون الظهور في التلفزيون يوما، وقالوا كلاما لم يعبروا عنه حتى في أكثر أحلامهم شجاعة.
كان من المنتظر إذن أن يواكب التلفزيون كل هذا، ويمنح المغرب الجديد في أفكاره ودستوره وآماله ... برمجة رمضانية تساير الحراك الإيجابي، ويكون بالتالي مرآة لما يجري، لكنه أخلف الموعد وسار في طريق الضلال كعادته.
إن المغرب الذي اكتشفه المشاهدون على الشاشة خلال حملة التصويت على الدستور ليس هو المغرب الذي يعكسه التلفزيون الذي انحصر في غياهب التيمات التقليدية ذاتها كالسحر والشعوذة والطلاق وتعدد الزوجات والعروبي والمديني...
إن المسؤولية يتقاسمها الجميع، انطلاقا من منفذ الإنتاج إلى الوزارة الوصية، مرورا بدواليب الإنتاج إياها. فقد كان حريا بالتلفزيون أن ينتقل مثلا إلى مستوى آخر من الفكاهة ويقتحم مجالات الضحك المحظورة ونتحول من فكاهة العاهات وضحك "الخضارة" (مع اعتذارنا لأصحاب هذه المهنة النبيلة) إلى التفاعل مع تيمات المعيش اليومي والقضايا الآنية التي أصبح يسمح بها التحول والهوامش الجديدة التي كانت قبل مدة مناطق محظورة (كما هو الحال في سلسلة "طاش ما طاش" السعودية، ياحسرة !).
المستفيد الكبير من الحراك العربي وتأثيره على الإنتاج الدرامي من جهة، وعقمنا الإبداعي وفشلنا في مسايرة العصر من جهة أخرى، هو الدراما الخليجية التي استغلت "الاستقرار" الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تعرفه دول الخليج، وقدمت إنتاجات ضخمة ودراما بشراكات مع دول أخرى (مسلسل كويتي بممثلين من المغرب ومصر وسوريا مثلا).
لقد أكد صناع الفرجة التلفزيونية أن التلفزيون لا يلتهم الحياة بل يزينها وينيرها ويغنيها، لكنه لسوء الحظ تحول عندنا إلى مدفع للصور المقززة ورشاش من الرداءة المقرفة وقنابل مسيلة للدموع والغثيان. لنقول في الختام كما قال العملاق جون لوك غودار، "عندما نذهب إلى السينما نرفع رؤوسنا، وعندما نشاهد التلفزيون نطأطئها".
إننا لا نطأطئ الرؤوس يا سيدي فحسب، بل نغرقها في الوحل وأشياء أخرى.
جمال الخنوسي