يشكل إعلان الملكية الثانية الحدث الأبرز في الذكرى السنوية لتولي الملك محمد السادس سدة الحكم. شمعة جديدة توقظها المؤسسة الملكية هذه السنة بسلسلة من الإصلاحات انطلقت قبل إثنا عشرة سنة، ومضت بالمغرب نحو أفق جديد، أخرجته من النفق المظلم وأعادت إلى المغاربة كثيرا من الأمل، الذي تلمسوا بصيصه فقط في الأيام الأخيرة لحياة الملك الراحل الحسن الثاني.
هي لحظة للتأمل أكثر منها مناسبة لحشد الأشعار والتكسب بها، كما اعتادوا أن يفعلوا في الزمن القريب، فاللحظة اليوم، جعل منها الملك محمد السادس، موعدا لتقييم السياسات العمومية في الميادين الاجتماعية، ولحظة لتجديد ثورة البناء والعهد والولاء بين الملك والشعب.
لقد طوى المغرب السنة الجديدة، من ذكرى العرش، بإعلان إصلاحات سياسية ودستورية، جعلت المغرب يرتقي إلى مصاف الدول الديمقراطي، ويؤسس لحظة تتويج جديد في موعده مع التاريخ، إصلاحات جعلت من المغرب "براديكم" سياسي فعلي، لا يقبل التشبيه، لأنه الاستثناء المغربي الذي يكرس حقيقة واحدة مفادها، أن الملكية في المغرب مجددة فعلا، ولا تهاب رياح التغيير لأنها تقود هذا التغيير بنفسها، ولنا في التاريخ القريب نماذج حية من هذه الثورات التي ظلت الملكية بالمغرب جوهرها بل أحيانا محركها الأساسي.
لم يترك الملك، منذ توليه العرش، صفحة واحدة تطوى داخل السجل الكبير لتاريخ المغرب، وذلك حتى لا تبقى هذه الصفحة بدون قراءة وسط الكتاب، ونضطر حينها إلى العودة كل مرة لتقليبها أو تأويلها بما يرضي بعض النفوس المريضة، ويعتقل مستقبل البلاد بين هذه حسابات الضيقة. لقد اختار الملك محمد السادس، الخيار الأصعب، بكل جرأة وشجاعة يقل نظيرها في بلاد عربية وغربية أخرى، لم تخرج من ويلات زمن الرصاص إلى اليوم، وكان اختيار الإنصاف والمصالحة بداية الطريق نحو تكريس المزيد من الحريات والحقوق الأساسية، ومصالحة بعض المغاربة مع وطنهم الذي قسى عليهم في لحظة اختلاف تحول، بفعل فاعل، إلى خلاف. كانت هذه واحدة من الدروس التي أعطاها المغاربة للعالم، خلال العشرية المنصرمة، بوعيهم وقدرتهم على الصفح، في حين ما زالت بعض الشعوب تجتر مآسي لم تحوها لحظات الانتقال...
إن غمرة الاحتفاء بإثني عشر سنة من حكم الملك محمد السادس، لا يجب أن لا ينسينا أن لنا تجربة فريدة يجب أن نحافظ عليها، وأن استثناءنا المغربي لا يقبل التقويض، وأن الوطن مثل المبنيان المرصوص كل لا يتجزأ، وأن أجمل اللحظات تلك التي لم نعشها بعد...