المراكشيون غاضبون .. غاضبون من كل شيء: من الغلاء، ومن الفساد، ومن المنتخبين، ومن الأزمة العالمية، ومن تراجع السياحة، ومن البرامج التي تسطر ولا تنفذ، ومن بعض الصحافة الفرنسية التي يحملونها مسؤولية قسط كبير من أزمتهم.
فمعركة مدينة مراكش، الوجهة السياحية البراقة، معركة صورة أيضا، صورة المدينة التي تعدى إشعاعها حدود البلاد، وغدت وجهة مميزة للنجوم والمشاهير حول العالم، وأصبح موضة امتلاك رياض بها ورمزا من رموز الثراء. لكن وجه الحمراء لم يكن دائما مشرقا كوجه فتيات الإشهار، فحادث التفجير الإرهابي لمقهى أركانة في شهر أبريل الماضي الذي خلف وراءه 17 قتيلا وعشرات الجرحى وملايين المصدومين من مظاهر الرعب والخراب، أصاب وجه مراكش بجراح غائرة لكنها وب"البركة" تمكنت من النهوض منها كما يقول المراكشيون. المختصون بدورهم يقولون إن "البركة" غير كافية، وأن حادث أركانة لم يكن له بالغ تأثير على مراكش وصورتها كوجه سياحية مميزة، قبل أن يضيفوا أن الزيارة التي قام بها الملك للمدينة ولمكان الحادث الإرهابي كان بلسما ساهم كثيرا في إنقاذها من سكتة قلبية سياحية محققة كتلك التي شهدتها المدينة الحمراء سنة 1991 مع بداية حرب الخليج.
ويضيف الخبراء أن الشفافية التي طبعت التحقيقات وسرعة أداء مصالح الأمن ساهمتا بدورهما في إعادة الثقة إلى المدينة وإلى المغرب عموما.
إلا أن الطعنة المميتة جاءت من فرنسا مع قضية "لوك فيري" الذي شغل منصب وزير التربية الوطنية ببلده ما بين 2002 و2004، إذ اتهم في حوار تلفزيوني وزيرا فرنسيا سابقا، لم يذكر اسمه، بأنه ضبط وهو يغتصب قاصرين بمراكش خلال ليلة منظمة خصيصا لممارسة الجنس الجماعي. وأشار فيري إلى أن مسؤولين على أعلى مستوى في هرم السلطة ابتداء من الوزير الأول الفرنسي كانوا شهودا على الوقائع، وجرى التدخل لطمس الجريمة بعد إخبار القنصل الفرنسي بمراكش للسفير بالرباط الذي أخبر بدوره المسؤولين في باريس. انتشرت الفضيحة كالنار في الهشيم، وأصابت شظايا المدينة.
قضية فيري وتأثيراتها على صورة مراكش ظهرت في الإحصاءات والأرقام الرسمية التي يتداولها المهنيون: فبين شهر يناير ونهاية شتنبر الماضي بلغ عدد الوافدين إلى مراكش مليونا و200 ألف زائر وبلغ عدد الليالي 3 ملايين و900 ألف ليلة مبيت أي بنسبة ملء بجميع الفنادق بلغت 46 في المائة. وفي وقت تحسنت فيه نسبة السياح الوافدين من انجلترا ب20 في المائة وتحسنت نسبة الوافدين من البلدان الاسكندنافية بنسبة 36 في المائة وتحسنت نسبة السياحة الداخلية بنسبة 17 في المائة، تراجعت نسبة الوافدين الفرنسيين بنسبة 35 في المائة، كما تراجعت نسبة سياحة المؤتمرات بنسبة 50 في المائة.
الصورة ليست بكل هذه السوداوية يقول خبير سياحي، إذ هناك الكثير من النقط الجاذبة في المدينة التي جعلتها حديثا للصحافة الأجنبية التي تسلط عليها الضوء بشكل مشرق وفعال. ويقول الخبير إن وجود امرأة عمدة بالمدينة جعلها موضوعا وحدثا مميزا أعطاها نفحة خاصة. كما أن اختيار المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس كان، الذي اتهم في الولايات المتحدة الأمريكية باغتصاب عاملة بفندق، لمدينة مراكش لقضاء فترة النقاهة والراحة، دفع وسائل الإعلام الفرنسية إلى تسليط الضوء على المدينة.
ويقول الخبير السياحي، "دومينيك ستروس كان ليس هو لوك فيري، فللأول كاريزما خاصة جعلت الصحافة الفرنسية تتهافت لمعرفة بيته المراكشي الذي يقع في حي سيدي ميمون. وتمكن من جذب ضيوف من أعلى مستوى إلى مراكش دون أن ننسى أنه اقتنى مجموعة خاصة من اللوحات التشكيلية لفنانين مغاربة من أجل مساعدتهم وفتح الباب أمامهم". تم يضيف، "على الفرنسيين أن يدعوا مراكش في "التيقار" وينشروا غسيلهم الوسخ في باريس ونيس وسانتروبي".
من يزور مراكش يعرف جيدا أن كنوزها ليست في فنادقها ولا سرها في مآثرها المنتشرة، بل الكنز الحقيقي في المدينة الحمراء يكمن في "البهجة": بهجة ناسها وحبهم للحياة.. البهجة المراكشية التي يجب الحفاظ عليها لأنها فصيلة مهددة بالانقراض.
جمال الخنوسي (موفد الصباح إلى مراكش).