إذا كان لا بد من تحديد وصف للحملة الانتخابية الأخيرة
فسيكون حتما "حملة الوعود ولغة الخشب"، الكل قدم وعودا بالتشغيل، ووعودا
بحل المشاكل، ووعودا بغد أفضل، حتى غدت تلك الكبسولات البليدة التي يطلقها
التلفزيون كل وقت وحين نوعا من التعذيب الممنهج للمشاهدين.
لم يكن الأمر دائما على هذا النحو، فقد لوحظ قبل شهر من
انطلاق الحملة الرسمية نوع من الدينامية الإيجابية التي اجتاحت وسائل الاتصال السمعي
البصري، واحتل السياسيون والمناضلون والمحللون والزعماء ورجال الإعلام بلاطوهات
التلفزيون من أجل التحليل والسجال تارة، ومقارعة الأفكار والبوليميك تارة أخرى.
على أي حال، كان هناك نقاش يحمى وطيسه في بعض الأحيان
ويخلق نوعا من التدافع الإيجابي، وبالتالي يولد فرجة تلفزيونية هي أساس الإنتاج السمعي البصري.
أكثر من هذا، طالبت بعض الأحزاب السياسية والقنوات التلفزيونية العمومية بإعادة النظر في
طريقة تقديم وصلات الحملة الانتخابية في الإعلام العمومي بدعوى أنها تشكل أحد أهم
أسباب نفور المشاهدين والعزوف الانتخابي.
وعبرت بعض هذه الأحزاب السياسية
والقنوات عن موقفها خلال اجتماع ضم وزير الاتصال، خالد الناصري، وممثلي الأحزاب
السياسية والقنوات التلفزيونية من أجل تدبير ولوج الأحزاب للإعلام العمومي خلال
الحملة الرسمية، إلا أن هذه المطالب والنوايا الحسنة سرعان ما تراجعت لتترك المكان
للخطاب الخشبي وإطلاق الكلام على عواهنه وأصبحت الأحزاب السياسية وممثلوها يعملون
بمنطق "جيب يا فم وكول".
المغزى من كل هذا، هو أن الأحزاب
السياسية أبانت عن انتهازية كبيرة في تعاملها مع وسائل الاتصال السمعي البصري،
وأظهرت أن الهدف من كل ذلك اللغط الإعلامي ليس هو تمكين المواطنين من تكوين آرائهم السياسية بكل حرية وموضوعية، بل عرض أناها
المتضخمة بشكل رديء شكلا ومضمونا.
لقد ساهمت الترسانة القانونية والقرارات التنظيمية التي
سنتها الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري بالمناسبة، في تأطير تنشيط الفترة الانتخابية تلفزيونيا وإذاعيا من
خلال اعتمادها فترة ما قبل الحملة الانتخابية التي امتدت ثلاثين يوما، من أجل فتح
الباب أمام جميع الأحزاب السياسية في برامج للنقاش، لتبدأ بعد ذلك فترة الحملة
الرسمية التي امتدت 13 يوما قبل يوم الاقتراع والمؤطرة بقرار وزاري مشترك
(الداخلية، والاتصال والعدل). كما سجل التقرير الذي قدمته الهيأة أخيرا حول
النتائج الأولية المتعلقة بولوج الأحزاب السياسية إلى وسائل الاتصال السمعي البصري
خلال فترة ما قبل
الحملة الانتخابية حصيلة
إيجابية لدينامية مازالت في المهد، ونجاحا نسبيا للمرحلة الأولى التي شهدت حراكا
غير مسبوق على القنوات العمومية والمحطات الإذاعية الخاصة.
في المقابل، كانت مرحلة الحملة الرسمية محبطة، فحلول زمن
الكبسولات المقززة منح الأحزاب السياسية فرصة قراءة خطبها
"الأركيولوجية"، وبرامجها المتحجرة على المشاهدين بطريقة لم تعد مقبولة
ولا تتماشى مع روح الإصلاح والتغيير التي يعرفها المغرب.
إن الجميع يتناسى في "اللحظات الحاسمة" أن
التلفزيون أولا وقبل كل شيء "ترفيه وفرجة"، إذ لابد للبرامج السياسية من
ضمان المستوى الأدنى من التراشق بالأفكار وتبادل الرأي لخلق متعة المشاهدة من خلال
ضمان قوة المضمون المناقش التي تفترض التوقف عن الخطابات المتحجرة والمسايرة
الوديعة، حتى لا نقول المتواطئة، التي تميز أداء بعض منشطي البرامج الحوارية، وفتح
نقاشات حول مواضيع حرجة جدا في مجالات سياسية واجتماعية وثقافية.
جمال الخنوسي