حاورته : بديعة الراضي
قال
الباحث الأنتروبولوجي عبد الله حمودي إنه لا يسمي حزب العدالة والتنمية
والتنظيمات المجاورة باسم إسلاميين، لأن الاسلام دين الشعب قاطبة ولا يمكن
لأي طرف أن يحتكره. وأنه يفضل أن يطلق عنهم اسم الدعويين، وأن في هذه
الدعوة دعاية قوية. فهي في الحقيقة دعوة- دعاية. مشيرا إلى أن التنظيمات
الدعوية، والتي هي العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح وبقايا منظمة عبد
الكريم مطيع المحظورة، وجماعات أخرى لا يسميهم إسلامويين لأن في ذلك قدح
يريد أن يتجنبه. وأضاف الحمودي أن موضوع الحرية سيبقى هو الموضوع الأساس
الذي ستحتدم الاختلافات حوله في المستقبل. وأن الشرائح الاجتماعية التي
تتشبث بتوسيع الحريات الى حرية المعتقد وحرية التصرف سوف لا تتنازل عن هذين
المطلبين مهما كان وزن الدعوية والدعويين، ومهما كان الترهيب بالعنف من
طرف المتطرفين.{ الاستاذ عبد الله حمودي نلتقي معكم اليوم بعد حراك عرفه العالم العربي ، ومن منطلق موقعكم الدقيق في تفكيك وتحليل الأنساق الاجتماعية العربية ، نريد أن تقربنا من هذا الحراك وأفق انتظار الشعوب من ذلك من خلال قراءتكم للوضع بصفة عامة؟ >> هناك معطى جديد ديموغرافي، نتج عنه تغيير واضح في الأجيال، ووضع دقيق أصبحت المؤسسات العربية عاجزة عن مسايرته. إنه تغيير ثقافي وسيكولوجي عميق لدى هذه الأجيال الجديدة. وخطورة الموقف تكمن في تزامن ذلك التحول مع أزمة خطيرة في المعايير الاجتماعية والأخلاقية، ومع انحطاط الممارسة السياسية. هذه الأجيال الجديدة تعمل جاهدة في ابتكار ثقافة جديدة نابعة من مساءلة الهوية. وفي الوقت نفسه من الانفتاح على عوالم أخرى. وهذا واقع لا مفر منه ، نتج عنه تفكيك العلاقة مع الحاكم بصفة عامة والعلاقة مع الخطاطة السلطوية بصفة خاصة.وكنت قد أشرت في خاتمة كتابي الشيخ والمريد إلى أن الشباب لم يعد يقبل بالوضع كما هو عليه " . ومنذ أن نشر الكتاب قبل 15سنة، رددت أن شبابنا مختلف جذريا علينا. ذلك على مستويات عدة سواء الأسروية أو التعليمية أو في العلاقة مع رجل السلطة أو على مستوى التصرفات في الشارع و الفضاءات العمومية . ظهرت هناك عقلية مغايرة لعقلية الستينات والسبعينات . ربما لا نولي لذلك انتباها كافيا، لكن الواضح هو أننا في الحقيقة نلاحظ ولادة امرأة ورجل جديدين، بتركيبة غير مسبوقة جسميا ونفسيا تختلف جذريا عن الأجيال السابقة. لقد تغيرت كل المعطيات الثقافية وأصبحت صورة الحاكم والمحكوم مغايرة، وتجذرت هذه الأمور في المغرب عندما نشرت حقائق عن سنوات الرصاص، كاشفة عن الخروقات الجسيمة لحقوق الانسان وعن والقمع الذي ساد تلك المرحلة. واليوم نشهد تحولا اجتماعيا كبيرا، تجاوز التسيير القديم للساسة. { هناك حراك وقع بجيل له وسائط تواصلية متقدمة، يشتغل على فضاءات مغايرة، مطالبا بالديمقراطية والحرية والعدالة. لكن نجد أن طرفا تبنى ذلك بلغة تكاد تهجر الجوانب والأهداف التي دفعت الى الحراك من أجل التغيير نحو لغة الدين وأقصد هنا الحركات الاسلامية؟ >> طبعا هذا الذي حصل. وأنا أتفق مع هذا الطرح. ولكن أود أن أشير هنا الى شيئين: الأول أن الحركات الدعوية والتي عادة تنعث "بالاسلامية" هي في صميمها من تلك التحولات التي سبق وأن أشرت إليها. وهذا ينطبق على جميع المجتمعات العربية. ففي مصر هناك جماعة الإخوان المصرين التي جددت أطرها، وهناك الشرائح الشبابية الأخرى التي خرجت الى الشارع. والملاحظ هو أن المظاهرات نادت بالديمقراطة والتحرر والكرامة. فنفس الجيل تحرك إذن في تنظيمات اختلفت مبادؤها، فتداخل فيها الديني وغير الديني.ولكن الظاهرة الأهم اليوم وفي كل مكان هي قبول الاحتكام الى المساطر الديمقراطية. أي القطيعة مع الأنظمة الاستبدادية والسلطوية. الشيء الثاني هو أن مطالب تلك الأجيال واحدة : تتلخص في الكرامة والحرية و العدالة. والاختلاف يكمن في كيف نبني مؤسسات قصد تحقيق هذه المطالب. فالشعار الذي رفع ضد الديكتاتورية واحد لكن السؤال هو: كيف نبني نظاما عادلا؟ وهنا يحصل الاختلاف. وأما المطالب الأخرى فهي أيضا واحدة، كالتشغيل، والمطالبة بالعدل الدولي فيما يخص قضايا الأمة، لكي يكون للشعوب العربية كرامتها ووزنها التاريخي. و لهذا فإن الأسس الفلسفية تبقى متباعدة في إعادة البناء ، لكن المطالب متقاربة. سوف يبقى موضوع الحرية هو الموضوع الأساس الذي ستحتدم الاختلافات حوله في المستقبل. والصراعات التي نحن بصددها ستتمحور حول هذه القضية. وأظن أن الشرائح الاجتماعية التي تتشبث بتوسيع الحريات الى حرية المعتقد وحرية التصرف سوف لا تتنازل عن هذين المطلبين مهما كان وزن الدعوية و الدعويين، ومهما كان الترهيب بالعنف من طرف المتطرفين. إن الأساسي اليوم هو تلك القدرة في فتح المجال الديمقراطي، وقد لاحظنا ذلك بشكل ملموس في تونس، حيث أنه لأول مرة يتوجه الشعب التونسي بحرية وشفافية الى صناديق الاقتراع ويصوت نصف الشعب لليبراليين، في حين يتوجه النصف الآخر الى التصويت على الدعويين. إ،ي أعتبر ذلك واقعا جديدا. وهذا الواقع الجديد هو أن القوى الشعبية صارت تعبر بالجهر والشفافية عن اختياراتها. فهناك قوى تدافع عن نظرة خاصة للإسلام واعتماد تلك النظرة في بناء المؤسسات السياسية، وهناك قوى أخرى تعبر علانية عن رفضها لذلك المشروع, فلأول مرة يحصل ذلك الصراع علانية. وتتجلى هذه الظاهرة بقوة في تونس، و تعم كذلك جميع الأقطار العربية. وسياسيا يمكن القول أن المعايير التي يستعملها الليبراليون وكل المؤمنين بالديمقراطية وأنا واحد منهم تتمثل في التقنين التمييزي بين الدين و السياسية.هذه المرحلة التي فتحت في تونس هي مرحلة الحسم والدخول في مرحلة الديمقراطية وتنزيل ذلك التمييز على أرض الواقع. فكون الأحزاب التونسية التي تسمى بالإسلامية جاءت بأغلبية طفيفة، وكون الأحزاب الليبرالية في نفس الساحة جاءت بنسبة 40 الى 45 في المائة. فهذا يفتح صفحة غير مسبوقة في العالم العربي ذلك أن ما يقرب من نصف الشعب عبر صراحة عن رفضه للسياسة الدعوية، علما أن ذلك ينطبق بامتياز على الساحة الليبية . والأحداث الجارية في مصر تؤشر عن فرز توافقات من شأنها أن تقيم توازنا جديدا بين القوى في بناء الديمقراطية. وعلى كل حال, فإن الممارسة الديمقراطية تلزم احترام صناديق الاقتراع : فإن فرزت في مرحلة ما أغلبية دعوية فلا يمكن هذه الأغلبية اضطهاد الاقليات لأن هذه الأخيرة تمثل قوى مؤثرة. وإذا فرزت في مرحلة أخرى أغلبية ليبرالية، فبنفس المنطق يتعين آنذاك احترام الأقليات الدعوية. { مقاطعة..مادمت تتحدث عن تونس فحسب مسحنا الاعلامي للساحة التونسية، نجد تونس تعيش أزمة كبيرة سياسية في التداخل بين سلطة رئيس البلد التي يمثلها المرزوقي في حزب التكتل ورئيس الحكومة الذي يمثل النهضة، وهذا الصراع أدى الى أزمة خانقة في البلد عززها غياب الوثيقة الدستورية، وبناء عليه تحول المجلس التأسيسي الذي أحدث للإعداد للوثيقة الدستورية الى مجلس متحكم في السير العادي للسلطتين التنفيذية والتشريعية، فهناك أزمة بالفعل سياسية وثقافية ؟ >> أتفق معك على أن هناك أزمة، والأزمة مفتوحة الآن . وأنا لا أقول أننا الآن في زمن ديمقراطي نقي و مصقول ومؤصل أو أن لدينا مؤشرات أنه زمن يسير إلى الأمام.. لا أقول بهذا. فالأزمة اليوم هي أزمة مفتوحة، فيها صراع علني لقوى اجتماعية. والجديد أن كل قوة تعبر عن اختياراتها بدون رقابة ولا تستر وهذا ليس راجعا الى القوى الدعوية، بل هو راجع بالأساس الى الحراك الشعبي الذي تمخض عنه هذا المعطى الجديد، أي فتح الصفحة الأولى في الممارسة الديمقراطية. كما أنني لا أقول أن لنا المؤشرات القوية بأن الأمر سينجح، بل أقول أنه لأول مرة تفتح هذه الصفحة.. { إذن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ؟ >> طبعا الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، إلا احتمال واحد, فأنا لا أظن أن الشعوب ستسمح بالعودة الى وضعية الممارسة الديكتاتورية كوضعية مبارك و بنعلي, ولهذا فإن أي نظام من أي نوع كان لن يستطيع اليوم قمع الناس أو الحركات الاجتماعية والسياسية، وأكرر لا أظن أننا سنرجع الى ذلك. { ولكن الظواهر الاجتماعية، أستاذ حمودي، تثبت غير ذلك ,حيث أننا بدأنا نرى في تونس لجنا يكونها الإسلاميون النهضويون بالأساس واحتماء بوزراء في الحكومة من حزب النهضة يقومون بأعمال يقولون عنها أنها تحفظ الأخلاق. وهي ممارسات تقع خارج مؤسسات الدولة لفرض الشريعة الاسلامية بالعنف والقوة، الشيء الذي حدث بالفعل بمعرض للفن التشكيلي ووقع خلال ذلك ضحايا مدنيون، نفس الشيء يحدث في ساحات أخرى عربية؟ >> أتفق معك, لكني أفضل أن أرى ذلك من جانب الصراع والأخذ والرد والإنتصارات و الإنهزامات والكر والفر،وفتح الباب من جديد للذين يرفضون التحكم فيهم بتأويلهم الخاص للدين، ليقولوا ذلك علانية. والعكس صحيح، وهناك صدام وصراع. طبعا ممكن أن يتعثر المسار وممكن أن يكون هناك تراجع في بعض الميادين ولكن يظهر لي أن مرحلة حاسمة فتحت، فيها الديناميكية الاجتماعية والسياسية وكذلك ديناميكية نقاش الأفكار علانية بما فيها الأفكار الحساسة . إن هذه المرحلة لن تهم الأقطار المشار إليها وحدها ، فأنت ترين ما يحدث في سوريا، وربما يتمخض عن ذلك ما أشرت إليه، ولكن الناس تتقاتل من أجل الحرية والكرامة وما سيتمخض عن ذلك في جميع الأحوال سيكون شيئا جديدا. والدور آت على دول عربية أخرى في القريب..,وأظن أنه لا مجتمع عربي في منآى عن ذلك. { مقاطعة: بما في ذلك المغرب؟ >> نعم بما في ذلك الساحة المغربية، فالحراك له خصائصه في كل بلد بما في ذلك المغرب، ولكن هذا الأخير لا ينفصل عن الدينامية التي أشرت اليها ؟ { نعم في هذا الاطار أريد أن أوجه سؤالي، فلقد عرف المغرب حراكا ساهمت في مساره حركة 20 فبراير، وجاء بعد ذلك خطاب مارس الذي نتج عنه دستور 2011 ، وترتب عن ذلك انتخابات بوأت الاسلاميين رئاسة الحكومة. من هذا المنطلق أريد أن أدقق معك في التساؤل حول المرحلة باعتبارك من المثقفين القلائل المرتبطين بالميدان والمنظرين له بعد تفكيك نسقه من الداخل بالمعرفة عن قرب لعقلية الناس ومستوى تفكيرهم. كيف تقرأ هذا التسلسل ؟ >> لايمكن أن نقول عن حكومة بنكيران أنها حكومة دعوية أو إسلامية بالنعث الشائع، بل هي حكومة تحالف. { مقاطعة : حكومة تحالف برأس إسلامي.. >> نعم برأس دعوي, ولكن الأصح هو انها حكومة يترأسها حزب ليست له أغلبية مطلقة في الأصوات ولهذا فهو مجبور على التحالف، والشيء الثاني الذي أود الإشارة إليه أن حزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي قبل كل شيء ، يتبنى نظريات وسياسات يدافع عنها باسم الإسلام. فهناك مواقف قريبة من مواقف العدالة والتنمية وهي الأخرى تدافع عن مواقفها باسم الدين. ولا أسمي العدالة والتنمية والتنظيمات المجاورة باسم إسلاميين ,لأن الإسلام دين الشعب قاطبة، ولا يمكن لأي طرف أن يحتكره, أفضل أن أطلق عنهم اسم الدعويين، ذلك لأنهم يتصدرون له ، والى الاسلام، وأن في هذه الدعوة دعاية قوية.فهي في الحقيقة دعوة- دعاية.ومن التنظيمات الدعوية العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح وبقايا منظمة عبد الكريم مطيع المحظورة ، وجماعات أخرى.ولا أسميهم إسلامويين لأن في ذلك قدح أريد أن أتجنبه، وأما من منظور الدعاية فلا تختلف تلك التيارات عن التيارات الأخرى لكون هدف الدعاية هو الوصول الى الحكم. وأغراض ذلك الوصول لا يمكن حصرها في الأهداف الدينية والأخلاقية التي يجهر بها أصحاب الدعوة الى الله، وهي بالأساس أغراض سياسية. { لماذا؟ >> إذا نظرنا في اشتغالهم على مستوى التواصل السمعي البصري وكذلك التواصل الشخصي، نجده عصريا وحداثيا أو بعد الحداثي.كما نجد ذلك في خطاباتهم واستعمالهم للصورة وتسويقها على نطاق واسع, يقولون عنها أنها دعوة للإسلام ولكنها دعوة ودعاية، لأنهم بصريح العبارة يستعملون الوسائل الجديدة في نظم الدعاية، وعندما توظف هذه الاخيرة ضمن هذا المعطى فإننا لا نعرف أين تنتهي الدعاية واين يبدأ الدين، للخلط القائم في هذا المزج، وهذه الدعاية هي شيء يتقاسمونه مع منظمات أخرى.. { هل تريد أن تقول بأن هناك استغلالا للدين؟ >> لا أقول باستغلال الدين, بل أقول دعوة فيها دعاية أي أن هناك اختلاطا و خلطا . فمثلا إذا رجعت الى صورة الريسوني, فأنت تلاحظين كيف يكون هندامه وطريقة جلوسه على الكرسي وأشياء أخرى متعلقة بهذا الأمر، ويتضح من خلال ذلك صورة مركبة تعطي إيحاء لمتتبعيه، واعتبر ذلك أمورا جديدة مقتبسة من وسائل الدعاية وسيكولوجيتها ووسائل أخرى متقدمة حداثية، والتي هي وسائل تستعمل ليس فقط عند أصحاب الدعوة-الدعاية، بل تستعمل ايضا في عالم التسويق المتطور.ولهذا فأنا أسمي هؤلاء دعويين . ورغم ادعاءاتهم فيما يخص الأصالة، فإن تقنيات تكييف المضمون الديني والشخصية الدينية عندهم هي في الحقيقة شيء دخيل، وهي إذن من الصميم، تلتصق بالذات ولا ينفع معها لباس الجلباب وإطلاق اللحية. وأعود الى سؤالك، انت قلت بأن هناك حراكا تبعه خطاب 9 مارس وجاء بعد ذلك الدستور ومن بعده الانتخابات التي بوأت الدعويين المقعد الأول،بأغلبية ليست مطلقة كما أشرت، والدستور أعطاهم الحق في رئاسة الحكومة وتكوين أعضائها. { مقاطعة: لكن السؤال هو كيف وصل هؤلاء الإسلاميون, أو حسب تعبيرك الدعويون, الى تبوء المقعد الأول. هل هذا يعني أن المجتمع المغربي هو دعوي لكي لا أقول إسلامي, أريد أن أقف معك بدقة الباحث القريب من المجتمع والمتتبع لتفاصيله لتفكيك الشفرة. أم أن الأمر يتعلق كما أشرت في إحدى محاضراتك الى اختفاء دور الحداثيين في العلاقة مع المجتمع؟ >> هذا سؤال وجيه، أولا أريد أن أجيبك عن سؤال هل الشعب المغربي شعب دعوي؟ والجواب بشكل قطعي "لا ". وأقول أن في المغرب تيار دعوي، والمغرب مسلم في أغلبيته، لكن أنماط العيش فيه مختلفة، وكذلك التجربة والممارسة الدينيتين. وأنت تلاحظين أن في الشعب المغربي من يقول أنا مسلم, لكنه لا يؤدي فرائض الاسلام وخاصة الصلاة و الزكاة، زد على ذلك أنه ليس في المغرب مطاوعة لإرغام الناس على تأدية الصلاة والزكاة رغما عنهم، ولهذا أقول أن هناك تيارا دعويا يدعو الى سياسات باسم تأويل خاص للإسلام وهذه السياسات يمكن أن تتجاوب مع تطلعات الناس، والشعب المغربي يتطلع الى العدل لا محالة. وهذا التطلع ليس له ارتباط ضروري بالدعوية. { مقاطعة : وكل الأحزاب دعت الى العدل في برامجها الانتخابية..ما الفرق إذن ؟ >> في اللغة وفي تنظيم نص الدعوة الى العدل والتنمية، في برنامج الدعويين، والتي ليست هي دعوة الاشتراكيين أو الليبراليين أو الشيوعيين.. { إذن فيها توظيف الدين أو استغلاله كما أشرت ..؟ >> أنا أقول، أن مفهوم العدل مرتبط بالدين. ولكن لا العدل و لا الدين ينحصران في ذلك التأويل وهما أكبر من ذلك. وأقول أيضا أنه لا عدل بدون حرية، ومعضلة الدعويين هي أنه ليس لهم مفهوم واضح للحرية الشخصية يذكر، ماعدا تطويقها بحيثيات هي في الحقيقة نفي لها، ومن هذا المنظور فإن الشطط يسكن عدلهم لا محالة. لقد قال هؤلاء للناس : " من يستحق شيئا سيأخذه" ودعوا الى العدل ضد المحسوبية واختلاس الأموال العامة، وهذا شيء محمود نتمناه، ويمكن أن تتبناه أحزاب أخرى ليبرالية واشتراكية. لكن مع الأسف لا تولي هذه الاحزاب الاهتمام الكافي للمفهوم العملي للعدل. ولهذا اتجه الشعب الى من يرجو فيه توجها عمليا للعدل. وبما أن الدعويين يقولون إنهم سيهتمون بهذه الأمور العملية، فهذا هو ما يفسر توجه الناس إليهم ، لكن هذا ليس حجة أن الشعب المغربي دعوي. { طيب إذا سرنا في طرحك أستاذ عبد الله حمودي، وقلنا إن الناس بحثت عن العدل في البرامج الانتخابية، ووجدت ذلك في برنامج حزب لم يدر الشأن العام من قبل.أنا أريد أن أقف معك عند هذه النقطة بالذات, فبعد أن بوأ الشعب حكومة بنكيران مراكز القرار،هل مورس هذا العدل الذي أشرت إليه والذي هو أفق انتظار المغاربة, والحال أن حكومة بنكيران في شهورها الاولى تعاملت بشكل غير عادل مع الطبقات الفقيرة على الخصوص بحل مشاكل اقتصادية يواجهها المغرب على حساب جيوب المحتاجين، في حين لم توافق على قانون فرض الضريبة على الثروة الذي تقدمت به المعارضة أمام البرلمان، ناهيك على الغلاء الذي مس "قفة " المغاربة بناء على الزيادة في سعر المحروقات والتهديد برفع اليد على صندوق المقاصة، فأي عدل دعوي تتحدث عنه أستاذ حمودي والذي يستغفل شعبا باسم العدالة الإنتخابوية؟ >> هذا السؤال صعب جدا ,فعندما أناقش مع الناس في مناطق متعددة، أقول عينات من الناس وليس الكل، فهم يقولون لي :إذا كان هناك ارتفاع للبترول في الاسواق العالمية فإن الزيادة لابد منها، ولكن حجم الزيادة فيه غلط. ويقولون لي أيضا أن الأساس بالنسبة اليهم، هو الشغل للتغلب على الزيادة في الأسعار والغلاء .وهذا هو العدل بالنسبة لهم.وهذه الفئات التي تفكر بهذه الطريقة هي فئات شعبية عادية. { والشغل غير موجود لأنه ضمن هذه المنظومة؟ >> فعلا، والشغل غير متوفر، وحين أقول لهم هل هؤلاء الدعويون سيجدون لكم الشغل، يردون بالقول:" نحن لا نعرف بعد". تم أسألهم: هل صوتوا عليهم؟ فيجيبون بنعم. ويضيفون: "لأننا نتمنى أن تكون هذه الحكومة قادرة على حل مشاكلنا، بعدما استعصى الأمر على الحكومات السابقة". وقالوا، لقد قالت لنا هذه الحكومة " من يستحق شيئا سيأخذه وهذا هو العدل ". واكتشفت من خلال مناقشاتي مع الناس أن الأمر لا يتعلق باللحية أو بالقول بما أن هؤلاء مسلمين وسيحققون العدالة الاجتماعية، بل أن الامر يتعلق بمشاكل اجتماعية معيشية يتطلع الشعب الى وجود حل لها. { اذا قلنا بأن الشعب المغربي مسلما وليس دعويا بلغتك أستاذ حمودي. ورجعنا الى أربعة عقود خلت نجد بأن المغرب ورث عن الاستعمار الدولة الحديثة، والذي وقع ان الدولة نفسها وبإرادتها السياسية توجهت الى حماية التقليدانية مع تهميش الحداثة وضرب آلياتها في التعليم والفكر والفلسفة وبتحجيم فضاءات الاشتغال, لذلك بالمقابل قامت بمأسسة فضاءات التقليد. ومن القراءات التي قدمت اليوم أن المغرب وصل الى هذا النفق التقليداني نتيجة هذه الأخطاء التاريخية، ما هي قراءتك كباحث انثربولوجي من خلال تفكيكك لهذا المسار؟ >> أتفق مع هذه القراءة، فهذه السياسة أعطت الأهمية للتعليم الاصلي وحذفت الفلسفة تقريبا من الجامعات وإعطاء الأهمية لما يسمى بالفكر الإسلامي وأهملت علم الاجتماع ولم تعط لا أولوية ولا إمكانيات لذلك. ومعروف أن الحكم أراد أن يخلق تياره الإسلامي لمواجهة القوى الديمقراطية التي كان يعتبرها شوكة في حلقه. فهذا التوجه التقليداني كان بالفعل مدفوعا من طرف الدولة في إطار استراتيجي محكم في جميع عناصر الاشتغال من التعليم الى التربية الى تفعيل مؤسسات ضد التوجه العقلاني الليبرالي التقدمي الحداثي. لكن عمليا هل أصبح الشعب متزمتا؟ هل الشعب لا ينصت إلا للفقهاء بشكل أعمى؟ هل أصبح الشعب تقليدانيا في كل شيء؟ لا أظن ذلك، فعندما أناقش الناس الآن ? وأنا اكتب في الموضوع الآن- ولقد حضرت مثلا نقاشات حول المواسم. والكثير يقول : "هذه المواسم التي يتدخل فيها المخزن نحن لا نريدها " رغم أن المخزن يقول أن هذه تقاليد إسلامية مغربية .ثم هناك من يقول: "أن في هذا بوثنية" و التيارات الدعوية ممن ينشر هذا الحكم . كما أن هناك من يقول: " أريد الموسم لأنه مصدر رزق بالنسبة لي، ومصدر الفرح والمرح " .... لهذا فإنه رغم التوجه التقليداني الذي تشيرين إليه وأنا أتفق معك، فعمليا الناس ليسوا تقليدانيين في شيء، لأن الناس لهم مشاكل عملية يتوجهون الى حلها.وأعطيك مثالا على ذلك: فكم من الأسر تريد فرض الحجاب والصلاة على بناتها وأبنائها و لكنهم يجدون أنفسهم أمام رفض صارم من هؤلاء الفتيات, علما أن الكل يؤمن بالإسلام . وهذا يعني أن في المغرب أراء مختلفة في أمور الدين. فهناك تحولات كبيرة وقعت في المجتمع المغربي. { طيب أستاذ عبد الله حمودي، نحن معك أن للمغرب خصوصيته. وهناك قراءات تقول أن صعود نجم الإسلاميين أو الدعويين جاء نتيجة تداعيات الربيع العربي على المنطقة، ورئيس الحكومة نفسه قال في الجلسة الشهرية الدستورية أمام البرلمان أنه أول رئيس للحكومة المغربية جاء به الربيع العربي, فما هي قراءتك ؟ >> ممكن أن أتقبل أن هذه الحكومة جاء بها الربيع العربي، ولكن مع تقديم ملاحظات تبين معنى جملة "جاء بها الربيع العربي ". أولا, فالربيع كما أشرت جاءت به شرائح مختلفة من المجتمع، ثانيا فرئيس الحكومة ومعه حزب العدالة والتنمية لم يشاركوا في الحراك، وبنكيران أعلن عن ذلك صراحة. فالحراك - رغم أنه أخاف النظام- فالمعروف أن أغلبية الشعب لم تشارك فيه. كانت هناك شرائح متعددة تتظاهر وأخرى كانت تتعاطف, لكنها لم تساهم.وأحسسنا أن الناس كانت تتردد. لكن لو دام الأمر لخرجت الناس للمشاركة بأعداد , لهذا أقول أن خطاب 9 مارس جاء في وقته. ولكن الهزة كانت قوية وإخمادها ليس إلا إخمادا مؤقتا. والتيار كان قويا والأحزاب التي استغلته كانت هي الأحزاب المنظمة ذات الأرضيات القريبة من انشغالات الشعب. وهذه الأرضيات إن هي اقتربت من الإنشغالات الشعبية كما هو الحال بالنسبة للعدالة والتنمية, فإن ذلك لا يعني أن هذا الحزب يمتلك فعليا الحلول الناجعة للمشاكل المطروحة. من هذا المنطلق وأمام عدم توفر الاحزاب الليبرالية و الحداثية على هذا الشرط ، ناهيك عن انخراطها في إدارة الشأن العام وابتعادها عن ثقافة القرب الاجتماعي، جعلت الفرصة مواتية للحزب الدعوي. وبكل صراحة وأنا ليبرالي أقول ان اليبراليين ليس لهم نفس روابط التواصل الاجتماعي التي يمتلكها الدعويون ويطبقونها في الأحياء والقرى والفضاءات المهمشة، بما في ذلك آليات التكافل اليومي وهم يملكون منظمات لتسريب ذلك. { ولكن من أين يحصلون على الأموال لتمويل هذا العمل الذي يحتاج الى لوجستيك مالي سنوي ؟ >> لا أعرف ولكن أعرف أنه في جميع البلدان الاسلامية من باكستان الى المغرب هناك تدفق للأموال الخليجية، من منظمات وهابية المذهب تعتبر ممارستها للإسلام هي التي ينبغي أن تسود أقطارا أخرى, ومعروف أنها تمول مشاريع اقتصادية بسيطة لأناس يكونون فيما بعد نخبهم الدعوية. وما أريد أن أشير اليه أن أحزابنا الليبرالية و الحداثية في خطاباتها تظهر وكأنها تخاف من الإسلام، ومثلا عندما أثير نقاش العلاقات الجنسية لم نسمع ردودا واضحة في ذلك. ولم نسمع أحدا يقول أني أريد من ابني وابنتي في مرحلة معينة من حياتهم أن يتعرفوا على الجنس الآخر. هناك فترة في حياة بناتنا وأبنائنا يفشل قانون الزنا في تدبيرها، وهي الفترة الأصعب التي يحدث فيها الهروب الى البغاء ويحدث الاغتصاب والضغط..إلخ . يجب أن يتحدث الليبراليون لطرح الأمر للنقاش. { طيب مادمت ذهبت بنا الى نقاش حول الصمت الذي يلتزم به الليبراليون إزاء قضايا هامة في الحريات الفردية، أستحضر هنا الدرس الذي ألقاه وزير الأوقاف أحمد توفيق والذي يعني الحداثيين و الإسلاميين, الشيء الذي ترتب عنه صدور بيان من جماعة العدل والإحسان تدافع عن توجهها, في حين قوبل بصمت من الحداثيين، ماهو تعليقك؟ >> هذا مشكل وأنا أتفق معك. وأريد أن أوضح أشياء في ما يخص الدرس الذي ألقاه الوزير أحمد التوفيق. نجد في خطابه أشياء ليست مثبتة بالحجة،لا في التقليد الإسلامي ولا في التاريخ، فتشبيه المظلة بالشجرة، أعتبره ساذجا وخاطئا. فالمظلة كان استعمالها من طرف ملكيات قديمة، مثلا في بابل، وهي عادة ورثها المغرب من أزمنة ونظم أخرى. فالوزير في هذه النقطة فقد التحري المفروض في المؤرخ، ولو تحدث كمؤرخ له إلمام بالأمر لما شبه المظلة بشجرة بيعة الرضوان. فهناك شيء واحد كان يشبه بيعة الرضوان تحت الشجرة ،وكان مقصودا،هو بيعة الأمير عبد القادر، عندما بايعته القبائل للدفاع عن الاسلام وحوزة البلاد في الجزائر وعندما توغلت فرنسا في هذا البلد فبايعوه تحت شجرة، وكان ظاهرا أنهم يتبركون بتقليد معين . ثانيا يقول الوزير أن البيعة باشرها المغاربة منذ عهد الأدارسة، وطبعا البيعة كانت في عهد الأدراسة ومن بعدهم، ولكن كان على الوزير ان يفسر:كيف حدثت بيعة الرضوان وكيف كانت البيعة تحدث في المغرب. إذا قارنا بين البيعتين, فإننا نجد الفوارق القوية بينهما. فبيعة الرضوان قام بها أناس التحقوا بالنبي لأنهم كلهم آمنوا بدعوته، أما الذين لم يؤمنوا بدعوته، فقد ظلوا في مكة ولم تكن بقدرة أحد إرغامهم على الالتحاق و للقيام بالبيعة. نحن نعرف أن في البيعات الملكية كان هناك الأخذ والرد والإكراه والتهميش،وكانت هناك طرق لاختيار أهل الحل العقد. فلا يمكن أن تشبه بيعة تدخل فيها عوامل سياسية وعامل الاخذ والرد والإكراه ببيعة من طرف أناس آمنوا بالنبي وتبعوه.هذا أمر مختلف عن بيعة تعطى لأحد أبناء الملوك بعد وفاة الملك. فليس لنا مؤشر بأن كل الذين يأتون لبيعة ملكية قد يقومون بذلك على طواعية و بإرادتهم. فمع الأسف, نحن بين خطابات مختزلة ، كخطاب وزير الاوقاف أحمد توفيق، وبين خطابات أخرى من طرف الفقهاء دافعوا عن درس الوزير بحجج غير مقبولة. فالفقيه الذي دافع عن الدرس وهو الأستاذ كديرة، يقول مثلا أنه متيقن أن أحمد توفيق مؤرخ وعالم بكل ما يقول حول المظلة .فكيف يجرؤ الفقيه على الشهادة بأن الوزير متمكن من معلوماته مع أن هذا الفقيه لا تتوفر عنده المعرفة الكافية بالتاريخ ؟ وأظن أن الصواب هو أن المؤرخ وحده يكون مؤهلا للحكم على المؤرخ وليس الفقيه، لأن الفقيه ليست له بالضرورة دراية بتاريخ المظلة. { وماهي قراءتكم لبيان جماعة العدل والإحسان في الموضوع؟ >> رد الجماعة، هو رد فيه حقائق كما فيه أشياء لا يمكن قبولها مثلا حين يقولون أن من بايعوا الرسول بايعوه على رضا فنحن متفقون، لكن حينما يقولون أنها كانت بشورى فهذا أمر خاطئ ولا يقبل. فهذه بيعة آتية من إيمان مشترك بالرسالة وبالرسول، لم تحصل عن شورى بالمعنى الذي تطور حين طرحت مسألة الخليفة الأول والخلفاء الذين أتوا من بعده . إذن ما معنى الشورى في هذا المجال؟ والجواب أنه ليس لها ذلك المعنى الذي أشرت له أعلاه, فهؤلاء ذهبوا لمبايعة النبي عن اقتناع.ومن لم يرد بقي في مكة.وليس هناك شورى. إننا اليوم أمام فقهاء يردون ويتفقهون في التاريخ وهم لا يفقهون فيه الكثير من جهة، وأمام مفكرين دعويين يجازفون بكلمات كالشورى من جهة أخرى. { في هذا الإطار وفي محاضرة ألقيتها بالرباط, سبق وأن قلت أنك تحبذ الحوار مع العدل والإحسان, لكن بناء على الشروط التالية، التي بلورتها كأسئلة تقول فيها، هل الخلافة واردة اليوم، مامعنى الدولة المدنية، هل يمكن أن نتفق على حرية المعتقد وبأي طريقة، هل يمكن أن نتجنب تسييس الدين وبأي طريقة؟ فهل تعتبر هذه الأسئلة هي أرضية للحوار مع العدل و الاحسان وكيف تطرح هذه الأرضية اليوم في إطار المعطيات الحالية ؟ >> نعم هذه تساؤلاتي وهذا طرحي، ولكن لم يكن لذلك صدى حسب علمي، وأنا أحبذ الحوار. وعندما أطرح سؤال الخلافة للمناقشة, فإن أطروحتي في هذا الجانب،تعتبر الخلافة انقرضت بلا رجعة. وأطروحتي الثانية في نفس المنحى ردا على قولهم أن الحكم كان شوريا إسلاميا، فلابد أن نتفق على مفهوم الشورى. وفي هذا الجانب أقول أننا لا نعرف الطرق التي أتبعت في الشورى، سواء في مبايعة أبي بكر أو مبايعة عمر أو عثمان. وحتى إن كان ذلك شورى بينهم فنحن لا ندري طرق استعمالها وتدبيرها، لكي نقنع الناس بذلك، كما نعرف أن خلافات ظهرت في عهد عثمان وربما قبلهن ونتج عن ذلك اقتتال وتصفيات جسدية. فما هي الشورى ؟ نقول لم تكن الشورى فردية، وكان الناس يتشاورون مع الوجهاء و مع زعماء العشائر،لكن اليوم أصبح للفرد القوة على التفكير وعلى إبداء رأيه كفرد.والانتخابات هي الميدان الذي يمارس فيه الفرد تشاوره. ومن هذا المنطلق ممكن أن نستحضر مفهوم التشاور الاسلامي القديم ونقول أنه ينقصه التشاور الفردي الذي لامناص منه اليوم. وإن نقر أنه كان هناك تشاور بنوع ما في أمر تعيين الخليفة، فالمعروف أن الخليفة كان يعين لمدى الحياة، اللهم ان حدث عارض. وأما اليوم فالتشاور الفردي يقترن بمبدأ انتخاب الحاكم لمدة محددة دستوريا وليس لمدى الحياة. وذلك يضمن التناوب على كرسي الحكم بوسيلة الانتخاب, اللهم إن همت جماعة العدل و الاحسان بفرض حاكم علينا لمدى الحياة وفي حلة الخلافة المتجددة. وبالنسبة لنا في المغرب, فالمسطرة الديمقراطية للانتخاب على كرسي الحكم لمدة معينة هي مسطرة صالحة لانتخاب رئيس حكومة في ظل ملكية برلمانية حقيقة. والاحتفاظ بالبيعة للملك شيء لازم لضمان الاستمرارية و الاستقرار لكن مع الفصل الضروري للسلط، وفي هذه الحالة تسند الأمور السياسية مع السلط الخاصة بها لرئيس الحكومة ليبقى في يد الملك سلط السيادة والسهر على الأمور الدينية. فإذا كانت جماعة العدل والاحسان تقبل بفتح النقاش على هذا المستوى فنحن نود أن نفتح ذلك، ولكن مع الأسف هم لا يوضحون أفكارهم وغالبا ما يركزون على " خلافة " و " شورى إيمانية " غير واضحة المعالم. { قلت في أحد الأسبوعيات المغربية بتاريخ 27 يوليوز 2011، أن الملكية في المغرب ليست ملكا للملك وحده، وإنما هي ملك للمغاربة جميعهم. وإذن، فبإمكان المغاربة أن يعيدوا النظر فيها، في كيفية تصورها، وإعادة تركيبها كمركز يجمع الناس. وأضفت بالقول:لذلك فلا يمكن أن يستعمل الارتباط الوجداني للمغاربة بالملكية لفرض ترتيبها بحسب نخبة محدودة، ولأن الملكية ملك للمغاربة، فمن حقهم مثلا أن يطالبوا بأن تبتعد عن الاقتصاد وبأن تحمي القيم الإسلامية بالهداية فقط وتبتعد عن تسييسها، وألا تستعمل المساجد والأئمة في الشأن السياسي أو الدعاية السياسية. نريد أن نجدد معك السؤال في إطار دفاعك عن الملكية البرلمانية وتصورك لذلك بعد دستور 2011 ؟ >> لا أظن أننا وصلنا الى مرحلة الملكية البرلمانية، وعندما نكون قد وصلنا الى ذلك فستكون لنا ملكية تسود ولا تحكم وتمثل التراث كما تمثل تشبث المغاربة برؤيتهم للحياة والتي هي رؤية منبثقة من الاسلام، وبما أن الملكية تمثل ذلك فهي تحمي بصورة أو بأخرى تلك المبادئ، بالهداية كما قلت. { تتكلف بإمارة المؤمنين؟ >> نوع من إمارة المؤمنين، التي لا تتحكم في الشؤون الدنيوية.وأقصد الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، والتي تكون من مهام رئيس الحكومة وأغلبيته.كما هي من تخصص البرلمان كسلطة تشريعية تضع القوانين وتصوت عليها، وحين يوقع عليها رئيس الحكومة ترفع الى الملك لوضع الصك. { مقاطعة : الدستور أعطى لرئاسة الحكومة هذا الحق ، لكن العيب يبقى في التدبير،لأن على الحكومة أن تهيئ قوانينها لتفعيل الدستور، والأمر لا علاقة له بالملك . >> ولكن عندما يكون القانون ويدرس في البرلمان وتصوت عليه الأغلبية، يبقى مع ذلك للملك سلطة القرار في آخر المطاف، لأن الدستور الجديد لا يختلف في هذه النقطة عن الدساتير السابقة. { أنا أحمل المسؤولية لرئيس الحكومة فله كامل الصلاحيات لتمرير ذلك. فالدستور متقدم جدا وكفيل بمأسسة الحياة السياسية المغربية. >> وجوابي على هذا الطرح يأتي مرتبطا بمفهوم الملكية البرلمانية كما وضحت ذلك. { شكرا لك أستاذ عبد الله حمودي على كل هذا العطاء من فكرك ووقتك لجريدة الاتحاد الاشتراكي. >> وشكرا لكم على الإستضافة. | ||
8/17/2012
|