شهرة الكذاب تتخطى الحدود الجغرافية ولا تعترف بسلطة الزمن
الكذابون شريحة محظوظة، إنهم الوحيدون الذين يتمتعون بعيد على المستوى العالمي، يحتفون به في القارات الخمس كل فاتح أبريل.
أما الصادقون والصادقات فكائنات نمطية لا يكترث بوجودها أحد، كائنات بلا عيد، بلا مجد، وحتى وإن كان "حبل الكذب قصير" فإن شهرة الكذاب تتخطى الحدود الجغرافية ولا تعترف بسلطة الزمن، بل منهم من خلده تاريخ المسلمين وخصص له حيزا كبيرا مثل "مسيلمة الكذاب".
الاسم الحقيقي لرمز "الزفوط" هذا هو "مسلمة بن حبيب"، من قبيلة بني حنيفة، ويقال إن اسمه مسلمة وأن المؤرخين المسلمين يذكرونه باسم مسيلمة احتقارا له.
ومسيلمة دجال كبير أطلق على نفسه اسم "الرحمان"، ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحاول أن يبدي معجزات لأتباعه مثل تلك التي يتميز بها الأنبياء والرسل، فسقى نخلة بماء وضوئه فيبست، ولمس رأس طفل ليشفيه فأصبح أقرع، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فأصيب بالعمى (!).
وعندما ادعى "مسيلمة الكذاب" النبوة قال له أتباعه: "إن محمدا يقرأ قرآنا يأتيه من السماء فاقرأ علينا شيئا مما يأتيك من السماء"، فقال لهم: "يا ضفدع يا ضفدعين .. نقي ما تَنقين .. نصفك في الماء ونصفك في الطين"، فتقزز أتباعه مما سمعوا وعلموا أنه ليس وحي سماء بل هذيان معتوه، وانبرى له من بينهم أحد الأعراب قائلا: "والله إني لأعلم أنك كذَاب، وأعلم أن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر".
ولأن الكذاب لا يستريح إلا بوجود كذابة أكبر منه، فقد تزوج صاحبنا، لعنة الله عليه، من امرأة تدعى "سجاح" ادعت النبوة بدورها وأنجبا كذبات صغيرة.
لكن من أين أتى هذا العيد العجيب؟ وما هي جذور احتفالنا والتزامنا بطقوسه "الزفوطية"؟
يحكى أنه في فرنسا، سنة 1564 قرر الملك شارل التاسع تغيير تاريخ بداية السنة من فاتح أبريل إلى فاتح يناير. وهكذا عندما وصل فاتح يناير احتفل الناس ببداية السنة بشكل عادي، وتبادلوا الهدايا، لكن مع حلول فاتح أبريل الذي كان في وقت سابق بداية للسنة، تبادل بعض المرحين وذوي حس الفكاهة "هدايا وهمية" بلا قيمة، وقام بعضهم بمجموعة من المقالب أصبحت في ما بعد طقسا سنويا.
ويحتفظ التاريخ بالعديد من "كذبات أبريل" الشهيرة التي قامت بها أرقى وسائل الإعلام وأكثرها شهرة وصرامة، وأطلقت العنان لمخيلتها، ففي سنة 1923 مثلا، أعلنت الإذاعة العمومية الأمريكية أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريشارد نيكسون سيتقدم للانتخابات الرئاسية مجددا، وستحمل حملته الدعائية شعار "مانعاودش" في إشارة واضحة إلى فضيحة "واترغيت" التي أطاحت به ودفعته إلى تقديم استقالته في غشت 1974.
وفي سنة 1999 أعلنت الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن النشيد الوطني البريطاني الشهير "ليحفظ الله الملكة"، سيتم تغييره بنشيد آخر باللغة الألمانية، فحاصرت هاتف الإذاعة مكالمات المستمعين يحتجون على هذا التغيير الفضيحة.
أما في سنة 2000 فقد تشجعت إحدى المجلات المختصة في الرياضة وأعلنت إلى ملايين البرتغاليين أن الاتحاد الأوربي لكرة القدم، سحب من بلدهم تنظيم "الأورو 2004 لأسباب مجهولة" وهو ما شكل صدمة كبيرة للبرتغاليين.
أما في كندا فقد أعلن موقع على شبكة الانترنيت أن وزير المالية الكندي "بول مارتن" أعفي من مهامه، وهو ما أفقد الدولار الكندي الكثير من قيمته أمام الدولار الأمريكي.
فاتح أبريل إذن هو عيد كل الكذابين والكذابات، من رجل الشارع و"مولات الدار" إلى نساء الصفوة ورجال السياسة الذين يفتحون أفواههم بالخاوية والعامرة، ومع اقتراب الانتخابات وحمى الأصوات، سيطلقون العنان لألسنتهم من الآن وإلى غاية يوم الاقتراع، سيسيرون فوق الماء، وسيبنون للجميع قصورا من الرمال... "غير جيب يا فم وكول".
عيد سعيد إذن، وكل فاتح أبريل وأنتم بألف خير!
جمال الخنوسي
الكذابون شريحة محظوظة، إنهم الوحيدون الذين يتمتعون بعيد على المستوى العالمي، يحتفون به في القارات الخمس كل فاتح أبريل.
أما الصادقون والصادقات فكائنات نمطية لا يكترث بوجودها أحد، كائنات بلا عيد، بلا مجد، وحتى وإن كان "حبل الكذب قصير" فإن شهرة الكذاب تتخطى الحدود الجغرافية ولا تعترف بسلطة الزمن، بل منهم من خلده تاريخ المسلمين وخصص له حيزا كبيرا مثل "مسيلمة الكذاب".
الاسم الحقيقي لرمز "الزفوط" هذا هو "مسلمة بن حبيب"، من قبيلة بني حنيفة، ويقال إن اسمه مسلمة وأن المؤرخين المسلمين يذكرونه باسم مسيلمة احتقارا له.
ومسيلمة دجال كبير أطلق على نفسه اسم "الرحمان"، ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحاول أن يبدي معجزات لأتباعه مثل تلك التي يتميز بها الأنبياء والرسل، فسقى نخلة بماء وضوئه فيبست، ولمس رأس طفل ليشفيه فأصبح أقرع، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فأصيب بالعمى (!).
وعندما ادعى "مسيلمة الكذاب" النبوة قال له أتباعه: "إن محمدا يقرأ قرآنا يأتيه من السماء فاقرأ علينا شيئا مما يأتيك من السماء"، فقال لهم: "يا ضفدع يا ضفدعين .. نقي ما تَنقين .. نصفك في الماء ونصفك في الطين"، فتقزز أتباعه مما سمعوا وعلموا أنه ليس وحي سماء بل هذيان معتوه، وانبرى له من بينهم أحد الأعراب قائلا: "والله إني لأعلم أنك كذَاب، وأعلم أن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر".
ولأن الكذاب لا يستريح إلا بوجود كذابة أكبر منه، فقد تزوج صاحبنا، لعنة الله عليه، من امرأة تدعى "سجاح" ادعت النبوة بدورها وأنجبا كذبات صغيرة.
لكن من أين أتى هذا العيد العجيب؟ وما هي جذور احتفالنا والتزامنا بطقوسه "الزفوطية"؟
يحكى أنه في فرنسا، سنة 1564 قرر الملك شارل التاسع تغيير تاريخ بداية السنة من فاتح أبريل إلى فاتح يناير. وهكذا عندما وصل فاتح يناير احتفل الناس ببداية السنة بشكل عادي، وتبادلوا الهدايا، لكن مع حلول فاتح أبريل الذي كان في وقت سابق بداية للسنة، تبادل بعض المرحين وذوي حس الفكاهة "هدايا وهمية" بلا قيمة، وقام بعضهم بمجموعة من المقالب أصبحت في ما بعد طقسا سنويا.
ويحتفظ التاريخ بالعديد من "كذبات أبريل" الشهيرة التي قامت بها أرقى وسائل الإعلام وأكثرها شهرة وصرامة، وأطلقت العنان لمخيلتها، ففي سنة 1923 مثلا، أعلنت الإذاعة العمومية الأمريكية أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريشارد نيكسون سيتقدم للانتخابات الرئاسية مجددا، وستحمل حملته الدعائية شعار "مانعاودش" في إشارة واضحة إلى فضيحة "واترغيت" التي أطاحت به ودفعته إلى تقديم استقالته في غشت 1974.
وفي سنة 1999 أعلنت الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن النشيد الوطني البريطاني الشهير "ليحفظ الله الملكة"، سيتم تغييره بنشيد آخر باللغة الألمانية، فحاصرت هاتف الإذاعة مكالمات المستمعين يحتجون على هذا التغيير الفضيحة.
أما في سنة 2000 فقد تشجعت إحدى المجلات المختصة في الرياضة وأعلنت إلى ملايين البرتغاليين أن الاتحاد الأوربي لكرة القدم، سحب من بلدهم تنظيم "الأورو 2004 لأسباب مجهولة" وهو ما شكل صدمة كبيرة للبرتغاليين.
أما في كندا فقد أعلن موقع على شبكة الانترنيت أن وزير المالية الكندي "بول مارتن" أعفي من مهامه، وهو ما أفقد الدولار الكندي الكثير من قيمته أمام الدولار الأمريكي.
فاتح أبريل إذن هو عيد كل الكذابين والكذابات، من رجل الشارع و"مولات الدار" إلى نساء الصفوة ورجال السياسة الذين يفتحون أفواههم بالخاوية والعامرة، ومع اقتراب الانتخابات وحمى الأصوات، سيطلقون العنان لألسنتهم من الآن وإلى غاية يوم الاقتراع، سيسيرون فوق الماء، وسيبنون للجميع قصورا من الرمال... "غير جيب يا فم وكول".
عيد سعيد إذن، وكل فاتح أبريل وأنتم بألف خير!
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق