نتفق جميعا على ضرورة إطلاق حوار بين الصحافة والدولة مهما كانت تغليفاته ومسمياته، أو المكان الذي سيقام فيه. إلا أنه بالنسبة إلينا حوار سابق لأوانه خرج قيصريا ومشوها، لأن الصحافة، على الأقل في الحقبة الحالية، في حاجة إلى الحديث إلى نفسها وإطلاق جدل مع ذاتها وبدء حوار صحافة صحافة، قبل أن تناقش أي طرف من الأطراف الأخرى.
فهذا المجتمع الذي نناقش أو الدولة التي نريد أن نجلس معها على طاولة الحوار ندا للند، تريد مخاطبا حقيقيا صلبا وموحد الصفوف، في حين أن واقع الحال يقول غير ذلك. فالنقابة الوطنية للصحافة لم تعد ممثلة لجميع أطراف الجسم الصحافي، والناشرون مقسمون، والصحافيون يتبادلون السب والقذف. إذ أن ما نشهده أخيرا من معارك ضارية وسط عرين صاحبة الجلالة خصوصية مغربية محضة: الصحافيون يتراشقون بالسكاكين، ويتبادلون الطعنات والسباب في مواجهة سادية عجيبة. فعن أية وحدة صفوف سنتحدث وأي مواقف موحدة سنتخذ في ظل المصالح المتباينة والمتفرقة بل المتناقضة في بعض الأحيان؟!
إننا هنا بصدد تضييع موعد حقيقي لأن الحوار مع الدولة أو مع المجتمع مرحلة مصيرية في تاريخ الصحافة المغربية، ولا يمكن القبول بدخولها على هذا النحو: أقلام مكسورة وأفكار مشتتة وسمعة في الحضيض.
أكثر من هذا، يشير الكثيرون إلى أن مشكلة الصحافة مشكل أخلاقيات مهنة بالأساس. إلا أن هذه الأخلاقيات لا يمكن أن يجدها الصحافيون في أي مكان آخر غير بيتهم الداخلي، لا في حضن المجتمع ولا في أحضان الدولة، لأننا لن نعيد اختراع العجلة، كما يقال، فأخلاقيات المهنة لا يمكن وضعها أو الحسم فيها إلا من طرف المهنيين أنفسهم ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ننتظر من "السياسي" إملاء نظرته لما هو صحافي. لماذا؟
لأن السياسي محتاج إلى الصحافة ولا يمكنه العيش أو الاستمرار بدونها، إلا أنه يذبحها في أول فرصة تقدم إليه لانتقادها. فالسياسي انتهازي مع الصحافي، ويطلب في الآن ذاته أن يكون الصحافي مهنيا مع السياسي. وبعض التدخلات التي شهدتها قبة البرلمان خلال الجلسة الافتتاحية للحوار خير دليل على ذلك. فهل هذا السياسي مؤهل أصلا للحديث عن أخلاقيات المهنة داخل الصحافة في الوقت الذي يشتعل بدوره داخل حقل سياسي يفتقد لكثير من الأخلاقيات؟!
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق