شبكة برامجها تضم جلسات الغياب وحلقات النقاش البيزنطي ونوبات الأسئلة المائعة
عندما تلقيت خبر عزم البرلمان المغربي إطلاق قناة تلفزيون خاصة بالمؤسسة التشريعية، تنقل نشاطاتها وتعكس حركيتها والنقاشات الدائرة داخلها، خطرت ببالي مباشرة صورة "ولد الفشوش"، ذلك الصبي الذي يبكي في المحلات التجارية والقيساريات وفي ممرات أسيما ومرجان، ويتمرغ أرضا، وينتحب ويصيح طالبا مبتغاه بكل ما أوتي من قوة على الزعيق والنعيق وهو "يحك اليدين والرجلين".البرلمانيون والبرلمانيات في المغرب أصابتهم النوبة ذاتها، وأعماهم الشعور بالغيرة والحسد من البرلمان في فرنسا، قدوتنا التاريخية والأزلية، فأرادوا بدورهم إطلاق قناة شبيهة ب"إل سي بي" التي تجمع الزعماء وتناقش القضايا المتنوعة.إن حالة برلمانيينا شبيهة بحال "غنو.. اللي شافتو بغات منو"، واليوم جاء دور "قناة البرلمان" التي كانت موضوع جلسة ساخنة وصاخبة تحت قبة "البيت الأحمر"، حيث ألح فيها نواب الشعب إلحاحا من أجل الوصول إلى مبتغاهم، بل دفعت الحماسة بعضهم إلى "تعنيف" وزير الاتصال، خالد الناصري، الذي وجد نفسه في مواجهة أهواء جماعة من "المفششين" الذين يطالبون بقناة تلفزيونية يظهرون فيها صباح مساء بسحناتهم الودودة ويرددون خطبتهم العصماء ويتبادلون فيها الأسئلة والأجوبة إياها.بعض العاقلين داخل المؤسسة التشريعية يرون في مشروع إطلاق قناة تلفزيونية خاصة بالبرلمان خطوة غير محسوبة، فمن الأحسن، بالنسبة إلى هؤلاء، أن تبقى العيوب خفية بين الأسوار، ولا داعي إلى كشف المستور لعيون الكاميرات. وقاسوا النقاش حول قناة خاصة اليوم بالنقاش إياه، الذي أطلقه في وقت سابق، نواب الشعب عندما دعا أحد النبهاء منهم إلى ضرورة التشويش على القنوات الفضائية في بداية ظهور الصحون الفضائية من أجل منع المغاربة من التقاط القنوات التلفزيونية التي يستقبلون بواسطتها المتعة والفرجة المفقودة! ليسمح لنا البرلمانيون النبهاء أن نطرح عليهم بعض الأسئلة الكتابية، شبيهة بتلك التي اعتادوا صياغتها، ونسألهم في البداية عن "أسباب النزول" في قضية إطلاق هذه القناة وما الدوافع التي تجعل بلدا اسمه المغرب يمنح برلمانه العظيم قناة خاصة به؟ وأي منتوج سيقدم للمشاهدين الكرام؟ وهل ستشنف الآذان بجلسات الغياب والنقاش البيزنطي والأسئلة المائعة؟ وما هي نسب المشاهدة التي ستحققها هذه القناة؟ في وقت تعتبر فيه جلسات البرلمان الأقل مشاهدة والأقل تتبعا، بل هي وقت ميت وعبء على القناة الأولى وشر لابد منه.يجب أن يعي نوابنا المحترمون أن منطق السياسي هو تسويق صورته أو برنامجه أي المنفعة المباشرة، فيما منطق التلفزيون هو الفرجة، فأي فرجة سيقدم البرلمان وأي منتوج رديء سنسوق؟! هل سنصنع "كيطو" سياسيا من خلال قناة البرلمان يخاطب فيها السياسي نفسه بعد أن حرصت الدولة في وقت سابق أن لا تجعل قناة "تمزيغت" "كيطو" للثقافة الأمازيغية؟ أي مصداقية ستمتلك هذه المحطة التلفزيونية في ظل غياب مصداقية سياسية ونقاش حقيقي؟وفي الأخير سؤال كتابي لا ننتظر عنه جوابا: هل تفكر القناة في شراء "مسلسلات" البرلمان التركي ومئات الحلقات من البرلمان المكسيكي من أجل تأثيث فراغ شبكة برامجها؟
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق