الرواية الجديدة لفرنسوا فيارغانز الحائز على جائزة غونوكور
"ثلاثة أيام في بيت أمي"
ردا عن من يتهمونه بقلة النشر والكتابة عادة باغث فرنسوا فيارغانز الأوساط الأدبية بإصدار روايتين في نفس الوقت: أول رواية كتبها وآخر عمل له. أمر لا يقدم عليه سوى كاتب "مجنون" مثله. فعن سن يناهز 64 سنة يصدر فيارغانر أول عمل له من الجانب الكرونولوجي، وهو ما يقوم به الناشرون تجاه أدباء متوفين لكن فيارغانز أصر على القيام بذلك في حياته وإعادة صياغة ما قدمه تحت عنوان "سالومي" التي كتبها بين غشت 1968 ويونيو 1969. أي أربع سنوات قبل روايته التي اعتبرت من قبل أول أعماله والتي تحمل اسم "Le pitre". "سالومي" اعتبرتها جريدة ليبراسيون الفرنسية عصارة علاقة "فيارغانز" بالنساء وقاموسا يجمع تجاربه واستيهاماته وارتباطاته بالجنس الآخر. والتي يقول عنها بكل وضوح في رواياته "ثلاثة أيام في بيت أمي" كل ما أطلبه من النساء اللائي ألتقي بهن هو منحي الرغبة في الكتابة".
وكما النساء حاضرات في رواية "سالومي" فهي أيضا نور العمل الآخر" ثلاثة أيام في بيت أمي" إنه ليست كتابا عن أمه تحديدا، بل هو احتفاء بكل النساء. رواية تنسج خيوطها أم الكاتب الحاضرة الغائبة دوما، ويغذي تناغمها حس الكاتب الأدبي وطرافة طريقته في التعبير. إنه سفر في السينما والموسيقى واللغة اللاتينية والديانة البودية... وغيرها من المواضيع التي ربما لا تهم القارئ في شيء، لكن الكاتب بلباقته يجعلك تنجذب نحوها لننصت لصوته وحكيه المتميز الذي يجعل من الحدث التافه رائعة أدبية.
فحينا يسخر الكاتب من الموت: "لماذا تتوقف الحياة، قبل الجنازة، الدفن الذي يعتبر من لحظات المجد القليلة التي يمكن أن يعيشها الإنسان". وثارة أخرى من الزواج: "إن العلاقة بين الرجل والمرأة بعد سنوات الزواج تصبح كالزربية البالية المهترئة ويصبح الشريكان كالضيوف الثقال الظل كل منهما ينتظر رحيل الآخر".
ولد فرانسوا فيارغانز في إيتريك ببلجيكا سنة 1941 ، ثم ذهب إلى باريس في سن السابعة عشر، حيث درس السينما والأدب. وأصدر كتابه الأول "Le pitre" عن دار غاليمار سنة 1973 ،وبعد 32 سنة من بدايته يحصل على جائزة غونكور أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية عن عمله "ثلاثة أيام في بيت أمي". الرواية المهووسة بحضور الأم. أم يتمنى الكاتب قضاء ثلاثة أيام بصحبتها بعد أن فشلت علاقته مع النساء اللواتي كان له معهن روابط مهزوزة. وعندما "يرغم" على زيارة أمه بعد أن أمضت ليلتين في العراء بحديقة بيتها وانهيارها المفاجئ يقول: "وأخيرا سأعيش الثلاثة أيام تلك، في بيتها وبدونها". وبالرغم من العنف الذي يصور به سقوط أمه وانكسار عظامها فإنه يجعل الأيام التي أمضتها في الهواء الطلق والتي تعتبر طريقها نحو الخلاص الأبدي ونهايتها المحتومة، لحظات للسعادة "الليلتان اللتان أمضيتهما في الحديقة لا أعرف كيف أصفهما لك.. في تعاستي كان ذلك مثيرا لقد عاينت مرتيين شروق الشمس و سمعت جميع الأحاديث ودقات النواقيس. ناديت طالبة النجدة بيد أن الحيوانات هي وحدها من كانت تسمعني ... عندما رن الهاتف أدركت أنهم أبنائي لكني كنت عاجزة على النهوض و السعي لأخذ السماعة".
وحول فكرة الرواية يصرح فيارغانز لصحيفة الاكسبريس الفرنسية أنها انطلقت منذ سنة 1974 عندما سافر صحبة أمه إلى روما، . وبعد ظهور كتابه "فرانز وفرانسوا" سنة 1997 الذي يحكي فيه عن أبيه، لاحقته الصحافة حول المشروع الذي يشتغل عليه في ذلك الوقت، فأخرج أوراقه القديمة والتي عمل من خلالها على صياغة رواية تدور حول رجل في الخمسين من عمره يزور أمه من أجل تمضية العطلة بصحبتها. وببحثه في الأغراض القديمة سيسافر في نوع من الفلاش باك بين الماضي والحاضر والمستقبل. "القراء كانوا ينتظرون كتابا حول أمى وأنا في ذهني كتاب من نوع آخر".
وفي الأخير تقول الأم لابنها بأنها وإن لم تقدم له الكثير في الحياة فبسقوطها المفجع تكون قد قدمت له نهاية لروايته هدية بالغة الأهمية وباهضة الثمن. إنه تحفيز على الكتابة والرغبة فيها، وهي هدية لا يمكن أن تقدمها إلا أم بكل ما تحمله الكلمة من معنى لابنها "المتمرد" بالرغم من تلك الأيام التي سيمضيها إلى جانبها بعد غياب طويل وبدونها!
إن كل ما يسعى له الكاتب طوال حياته هو تلك الرغبة المتمنعة في الكتابة، ومالم تقدمه له كل النساء منحته إياه أمه وبكل سخاء.
جمال خنوسي
"ثلاثة أيام في بيت أمي"
ردا عن من يتهمونه بقلة النشر والكتابة عادة باغث فرنسوا فيارغانز الأوساط الأدبية بإصدار روايتين في نفس الوقت: أول رواية كتبها وآخر عمل له. أمر لا يقدم عليه سوى كاتب "مجنون" مثله. فعن سن يناهز 64 سنة يصدر فيارغانر أول عمل له من الجانب الكرونولوجي، وهو ما يقوم به الناشرون تجاه أدباء متوفين لكن فيارغانز أصر على القيام بذلك في حياته وإعادة صياغة ما قدمه تحت عنوان "سالومي" التي كتبها بين غشت 1968 ويونيو 1969. أي أربع سنوات قبل روايته التي اعتبرت من قبل أول أعماله والتي تحمل اسم "Le pitre". "سالومي" اعتبرتها جريدة ليبراسيون الفرنسية عصارة علاقة "فيارغانز" بالنساء وقاموسا يجمع تجاربه واستيهاماته وارتباطاته بالجنس الآخر. والتي يقول عنها بكل وضوح في رواياته "ثلاثة أيام في بيت أمي" كل ما أطلبه من النساء اللائي ألتقي بهن هو منحي الرغبة في الكتابة".
وكما النساء حاضرات في رواية "سالومي" فهي أيضا نور العمل الآخر" ثلاثة أيام في بيت أمي" إنه ليست كتابا عن أمه تحديدا، بل هو احتفاء بكل النساء. رواية تنسج خيوطها أم الكاتب الحاضرة الغائبة دوما، ويغذي تناغمها حس الكاتب الأدبي وطرافة طريقته في التعبير. إنه سفر في السينما والموسيقى واللغة اللاتينية والديانة البودية... وغيرها من المواضيع التي ربما لا تهم القارئ في شيء، لكن الكاتب بلباقته يجعلك تنجذب نحوها لننصت لصوته وحكيه المتميز الذي يجعل من الحدث التافه رائعة أدبية.
فحينا يسخر الكاتب من الموت: "لماذا تتوقف الحياة، قبل الجنازة، الدفن الذي يعتبر من لحظات المجد القليلة التي يمكن أن يعيشها الإنسان". وثارة أخرى من الزواج: "إن العلاقة بين الرجل والمرأة بعد سنوات الزواج تصبح كالزربية البالية المهترئة ويصبح الشريكان كالضيوف الثقال الظل كل منهما ينتظر رحيل الآخر".
ولد فرانسوا فيارغانز في إيتريك ببلجيكا سنة 1941 ، ثم ذهب إلى باريس في سن السابعة عشر، حيث درس السينما والأدب. وأصدر كتابه الأول "Le pitre" عن دار غاليمار سنة 1973 ،وبعد 32 سنة من بدايته يحصل على جائزة غونكور أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية عن عمله "ثلاثة أيام في بيت أمي". الرواية المهووسة بحضور الأم. أم يتمنى الكاتب قضاء ثلاثة أيام بصحبتها بعد أن فشلت علاقته مع النساء اللواتي كان له معهن روابط مهزوزة. وعندما "يرغم" على زيارة أمه بعد أن أمضت ليلتين في العراء بحديقة بيتها وانهيارها المفاجئ يقول: "وأخيرا سأعيش الثلاثة أيام تلك، في بيتها وبدونها". وبالرغم من العنف الذي يصور به سقوط أمه وانكسار عظامها فإنه يجعل الأيام التي أمضتها في الهواء الطلق والتي تعتبر طريقها نحو الخلاص الأبدي ونهايتها المحتومة، لحظات للسعادة "الليلتان اللتان أمضيتهما في الحديقة لا أعرف كيف أصفهما لك.. في تعاستي كان ذلك مثيرا لقد عاينت مرتيين شروق الشمس و سمعت جميع الأحاديث ودقات النواقيس. ناديت طالبة النجدة بيد أن الحيوانات هي وحدها من كانت تسمعني ... عندما رن الهاتف أدركت أنهم أبنائي لكني كنت عاجزة على النهوض و السعي لأخذ السماعة".
وحول فكرة الرواية يصرح فيارغانز لصحيفة الاكسبريس الفرنسية أنها انطلقت منذ سنة 1974 عندما سافر صحبة أمه إلى روما، . وبعد ظهور كتابه "فرانز وفرانسوا" سنة 1997 الذي يحكي فيه عن أبيه، لاحقته الصحافة حول المشروع الذي يشتغل عليه في ذلك الوقت، فأخرج أوراقه القديمة والتي عمل من خلالها على صياغة رواية تدور حول رجل في الخمسين من عمره يزور أمه من أجل تمضية العطلة بصحبتها. وببحثه في الأغراض القديمة سيسافر في نوع من الفلاش باك بين الماضي والحاضر والمستقبل. "القراء كانوا ينتظرون كتابا حول أمى وأنا في ذهني كتاب من نوع آخر".
وفي الأخير تقول الأم لابنها بأنها وإن لم تقدم له الكثير في الحياة فبسقوطها المفجع تكون قد قدمت له نهاية لروايته هدية بالغة الأهمية وباهضة الثمن. إنه تحفيز على الكتابة والرغبة فيها، وهي هدية لا يمكن أن تقدمها إلا أم بكل ما تحمله الكلمة من معنى لابنها "المتمرد" بالرغم من تلك الأيام التي سيمضيها إلى جانبها بعد غياب طويل وبدونها!
إن كل ما يسعى له الكاتب طوال حياته هو تلك الرغبة المتمنعة في الكتابة، ومالم تقدمه له كل النساء منحته إياه أمه وبكل سخاء.
جمال خنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق