لم تكن الخسارة الكروية على
المربع الأخضر، بعد الإقصاء المهين للمنتخب المغربي لكرة القدم من كأس أمم إفريقيا
الذي تحتضنه الغابون وغينيا الاستوائية، سوى الجزء البارز من جبل الجليد. فالخسارة
في حقيقة الأمر خسارات كروية ومعنوية وسياسية وتفاوضية وتحريرية وتلفزيونية...
لنبدأ من صفقة شراء حقوق بث
المباريات على القنوات العمومية، إذ اقتنت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون عشر
مباريات هي مباراة الافتتاح، وثلاث مباريات للأسود في الدور الأول، إضافة إلى
مباراتين من المجموعة ذاتها تجمع الأولى الغابون بتونس، والثانية الغابون بالنيجر.
كما ستنقل القنوات الوطنية مباراة واحدة في الدور ربع نهائي، وواحدة في نصف
النهائي، وأخيرا المباراة النهائية التي ستجري بليبرفيل، بمبلغ تسعة ملايير سنتيم،
وهو الأمر الذي يمثل نسبة كبيرة من المداخيل الإشهارية السنوية للشركة، في الوقت
الذي رفضت اقتناء مباريات كأس العالم الأخير بجنوب إفريقيا بالمبلغ ذاته معتبرة
إياها "مبالغا فيها". الواقع إذن هو غياب سياسة عمومية في مسألة شراء
وبيع حقوق النقل التلفزيوني للتظاهرات
الرياضية. وبالمقابل تحل الاعتباطية والبريكولاج والقرارات الفردية.
من جهة ثانية، ماذا يعني نقل
المباريات على القناة العمومية الأولى وأختها الثانية؟ إنه "سلوك"
تلفزيوني شاذ لا يوجد في أي مكان في العالم، إذ كيف يعقل أن تنقل قناتان عموميتان
ببث هيرتزي منتوجا واحدا في الآن ذاته؟ وكأن الأولى موجهة إلى المغرب فيما الثانية
موجهة إلى جزر القمر! هذا عبث
تلفزيوني مناف لمبدأ التكامل الذي تتحدث عنه دفاتر التحملات، ولمنطق "القطب
العمومي الوهمي". في حين كان التلفزيون العمومي أمام فرصة ذهبية لن تتكرر من
أجل التسويق للبث الأرضي الرقمي (تي إن تي)، الذي يمثل مستقبل البث التلفزيوني بعد
انقراض البث الهرتزي في أفق 2015، إذ كان من المستحسن نقل المباريات حصريا على
"الرياضية تي إن تي" الذي سيدفع المغاربة إلى تبني هذه التقنية الجديدة
مادامت الحملات التحسيسية غائبة، فكرة القدم هي الكفيلة بنقل المغاربة إلى
"تي إن تي" كما أن طريقة النقل هاته ستكون حتما أقل كلفة (كما هو الأمر
بالنسبة إلى نقل البطولة الانجليزية حصريا على الرياضية تي إن تي).
المأزق تحريري أيضا. فمن أجل
مواكبة تليق بالحدث أوفدت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون وفدا صحافيا وتقنيا يتكون
من 16 فردا (الأولى 4 صحافيين و4 تقنيين والرياضية صحافيان و4 تقنيان وصحافيان من
الإذاعية الوطنية) يعملون على نقل مباريات الأسود، وإعداد روبورتاجات وتقارير من المكان.
إلا أن الأطقم الصحافية كانت "رحيمة أكثر من اللازم" مع الخسارة
التاريخية والأداء الفاشل للمنتخب ومدربه، إذ لم ينتقد المعلقون، على القناة
الأولى، كما يجب، أداء المنتخب الوطني واكتفوا بتسميتها "هزيمة الشمتة"
وبأن "المغرب هو الذي يستحق المرور..." وغيرها من المداهنات والتعابير
الديبلوماسية التي لم ترق المشاهد الذي ينتظر ويطلب تسمية الأشياء بمسمياتها كما
حدث في تعليقات وتحليلات قناة الجزيرة الرياضية. هذا الموقف "الجبان"
الذي اتخذته القنوات العمومية يحكمه منطق إشهاري محض لأنها ترفض "انتقاد
منتوج تلفزيوني" كلفها غاليا، وتنتظر منه عائدات إشهارية ضخمة (هنا يجب طرح
أسئلة حول علاقة المعلنين بالخط التحريري. وهل تم التعاقد معهم على مباريات
المنتخب المغربي فقط؟ أم تم التعامل معهم بمنطق الحزمة الإشهارية التي تشمل
المباريات العشر؟). قناة "الجزيرة الرياضية" كانت أكثر موضوعية ونعتت،
مشكورة، أداء المنتخب الوطني ومدربه بما يليق بحضور محللين مغاربة: الوطنية شيء
والموضوعية شيء آخر.
في 2010 اشترت المحطتان
الخاصتان "تي إف 1" و"كانال بلوس" حقوق بث نهائيات كأس العالم
في جنوب إفريقيا التي شهدت بدورها مشاركة مهينة للمنتخب الفرنسي، إلا أن النقاش
الرياضي كان "منصفا وموضوعيا"، وتحدث عن فضيحة وهزيمة نكراء نتجت عنها
تغييرات جذرية على المنتخب الفرنسي.
الخسارة كبيرة إذن، فقد راهن
التلفزيون العمومي على أن المعلنين، وبالتالي الحصيلة الإشهارية، سيتضاعفون كلما
تقدم المنتخب المغربي في الاقصائيات، في حين أن الهزيمة المذلة ستقطع كل الآمال لا
في السمعي البصري ولا في الصحافة المكتوبة والأمر نفسه بالنسبة إلى اللوحات
الإشهارية، إلى جانب خسارات بمستويات أقل مثل تلك التي سيتكبدها الفنانون ومنتجو
الأغاني الذين أطلقوا حناجرهم للتغني بالمناسبة والوقوف على جانب فريق بلدهم. أضف
إلى ذلك الخسارة التي ستلحق شركات المنتوجات المصاحبة أو "المشتقات" مثل
قمصان الفريق الوطني... إذا عمت هانت.
جمال الخنوسي