قال فوزي بنسعيدي، مخرج فيلم "موت للبيع" الذي
سينطلق عرضه في القاعات الوطنية ابتداء من 22 فبراير الجاري، إنه لم يقصد قط
الجرأة ولم يسع إليها، وغير محتاج إلى صدم مشاعر الجمهور أو تعمد مشاهد جريئة من
أجل لفت الانتباه، لأن ذلك ليس هدفه بالأساس.
ويحكي الفيلم عن ثلاثة شباب في تطوان، يسعون إلى الخروج
من دائرة العجز والفقر عبر سرقة متجر للمجوهرات: مالك يريد إنقاذ راقصة من
الكاباريه، وعلال يريد أن يصبح أحد كبار تجار المخدرات، أما سفيان فيفكر بأمر أشد
عنفا. وحين تخفق عملية السرقة، تتحول مصائر هؤلاء الأصدقاء بصورة جذرية.
في الحوار التالي يتحدث بنسعيدي عن فيلمه الجديد وعن
تجاربه السابقة ورؤيته السينمائية التي تجعله مخرجا موهوبا ذا تجربة خاصة.
هل هناك
استمرارية أم قطيعة ما بين "يا له من عالم رائع" و"موت للبيع"؟
هناك أشياء من فيلمي السابق "يا له من عالم
رائع"، كما هناك ترسبات عن فيلمي "ألف شهر" تبرز في "موت
للبيع". وفي الآن ذاته، حدثني آخرون عن فيلمي القصير "الحافة"،
وبأن بعض المشاهد ذكرتهم بمساري بأكمله. أحاول دائما الغوص في عوالم جديدة، لكن
أجد نفسي أجر معي بقايا وترسبات من سفري القديم.
كنت في البداية أفكر في تصوير فيلم بوليسي مرعب على
شاكلة ما قدمه "فرانسيس فورد كوبولا" و"برايان دوبالما"، لكن
في الآن ذاته تغلبت غريزتي التجريبية. فهذا الفيلم خلاصة تركيبية لأفلامي السابقة
جميعها.
ما الذي أوحى
إليك بفكرة "موت للبيع"؟
في حقيقة الامر تعود القصة إلى 2006، تولدت لدي عبر
شخصيات عرفتها في شبابي. كانت لي جاذبية خاصة نحو "المشاغبين". كنت من
النوع الذي يدرس جيدا لكن رفقة "الأشرار" تثيرني، وتسترعي فضولي. أخرج
ليلا لألتقي أصدقائي وكل عشاق الظلام من لصوص وغيرهم.. شريحة خاصة من الخفافيش،
لهذا ستجد دائما في أفلامي شخصيات تنتمي إلى الهامش. لقد كانت لهم جاذبية، لأني لا
أشبههم أو لأني أنتمي إلى الضفة الأخرى "ولد دارهم". بعد ذلك جاء واقع
الإرهاب ولقائي مع مدينة تطوان التي صورتها بنوع من "النوسطاجيا" لأني
عرفتها صغيرا.
هناك بعض
المشاهد التي أثارت نقاشا بسبب عنفها أو جرأتها..
أنا لم أقصد قط الجرأة ولم أسع إليها، وغير محتاج إلى
صدم مشاعر الجمهور أو تعمد مشاهد جريئة من أجل لفت الانتباه، لأن ذلك ليس هدفي
بالأساس، إلا أن المشاهد التي تحدث عنها ليست مجانية بل تخدم السياق العام للفيلم.
إن "موت للبيع" يضم مشاهد عنيفة جدا ومن
الطبيعي منعه على الجمهور الناشئ. أما المشاهد الجريئة فكانت ضرورية لأنها تخدم
حبكة الفيلم وتبرز أهمية العلاقة التي تربط البطل والبطلة.
لم أقدم قط مشاهد مجانية، ومن يعرف مسيرتي الفنية منذ
بداياتي الأولى مع "الحافة" يعرف أني لم أنسق قط مع تيار العري المجاني
أو من يتوخون صدم الناس. أفلامي ليست محتاجة إلى كل هذا.
يرى البعض أن
تحول أحد الشخوص نحو التطرف الديني كان سريعا وغير مقنع...
لم أكن أريد أن أقدم الكثير من العلامات أو الأدلة التي
تجعل الشخصية سهلة التأثر. الشخصية التي تحدث عنها بلا عائلة، هي إذن دائمة البحث
عن حضن يستقبلها. لقد كانت العائلة بالنسبة إليها هما مالك وعلال اللذان تركاها:
الأول عندما عشق فتاة، والآخر رحل إلى الجبل. لكنها ستجد في ما بعد عائلة بين
المتطرفين. إنه شخص يعتقد أنه يتلقى رسالة إلاهية وله مهمة سماوية سيقوم بها.
المهم أنه شخصية مسكونة ومقتنعة بخطاب تبسيطي سطحي، يمكن
أن يكون إسلامويا أو متطرفا كما هو الحال في فرنسا: "أنت فرنسي عاطل لأن
المهاجرين أخذوا منك عملك" إنه خطاب خطير لأنه بسيط وسريع الإقناع. وسمة
الشخصية الأساسية هو نوع من الحمق، إذ أظن أن من يقوم بمثل هذه الأعمال الإرهابية
وعمليات التفجير، مصاب بنوع من الجنون: في الوقت الذي ينتظر الخطاب الإلاهي يجد
العدالة الإنسانية.
جعلت شخصية
"مالك" محورية في الفيلم لكنها أثرت في بناء باقي الشخصيات...
نادرا ما تكون في فيلمي شخصية محورية، إذ أتعامل دائما
مع مجموعة من الشخصيات المحورية في الآن ذاته. في "موت للبيع" صنعت
شخصية محورية لكن دون أن أضيع الشخصيات الجانبية الأخرى. لهذا أخذ الفيلم وقتا
طويلا في البناء. هذه طريقة أشتغل بها بشكل مستمر. تعجبني البنية الأوبرالية في
الموسيقى، وأطمح لأن يكون لإخراجي هذا البناء الموسيقي المبني على أصوات متعددة
تصدح في الآن ذاته مثل ما كان عليه الأمر في "ألف شهر" و"يا له من
عالم رائع".
هذا الأمر فيه شيء لا واع، وفيه جانب واع أيضا. أنا لم
أقصد تقديم فيلم بوليسي مرعب بمفهومه الكلاسيكي وإلا كنت بدأت فيلمي بمشهد
"علال" يعود من الجبل يحمل مخططا جهنميا دون أن أخوض في الجزء الأول من
الفيلم لأقدم الخلفية السوسيولوجية والنفسية للشخوص وعمقها. الفيلم يمتد ساعتين
وكان من الممكن أن تكون مدته ساعة ونصف ناجعة وبلا مقدمات، لكن لم يكن هذا قصدي.
أحاول أخذ الرموز والقوانين المنظمة وفي الآن ذاته أعيد بناءها على طريقتي بعيدا
عن نظرة كلاسيكية صارمة.
في سطور
يعد فوزي بنسعيدي من المخرجين الموهوبين الذي حققت
أفلامهم نجاحا كبيرا وحصدت جوائز في العديد من المهرجانات حول العالم منذ بداياته
الأولى مع الفيلم القصير "الحافة" ومرورا بالفيلم الطويل "ألف
شهر" ووصولا إلى "يا له من عالم رائع". كما قدم أخيرا مسرحية لاقت
نجاحا واسعا تحمل عنوان "قصة حب في 12 أغنية و3 وجبات وقبلة واحدة...".