فيلم الخماري نقل واقع الشباب بمشاكله وتخبطاته بحساسية متفردة ولغة سينمائية تتماشى مع محيط الموضوع المختار
"هادي ماشي الدار البيضاء هادي الدار الكحلة .. مرحبا بكم في كازا نيغرا"
تعتبر هذه الجملة خلاصة مركزة لفيلم المخرج المغربي نور الدين الخماري الذي بدأ عرضه أمس (الأربعاء) في كل القاعات السينمائية الوطنية، كما توج عن استحقاق في كل من مهرجاني دبي وطنجة في دورتيهما الأخيرتين. فيلم "كازانيغرا" يعتبر بالتأكيد الحدث السينمائي لهذه السنة.
عندما شارك الخماري في المهرجان الوطني سنة 1995 بفيلم قصير يحمل عنوان "نوتة قصيرة"، تنبأ الجميع لهذا الشاب المسفيوي القادم من أرض الصقيع بمستقبل واعد، فكان فيلمه الطويل الأول، بعد تجارب عديدة مع الفيلم القصير بين المغرب والنرويج، يحمل عنوان "نظرة"، روى فيه برؤية إنسانية وشاعرية قصة جندي فرنسي يعود إلى المغرب، ليتذكر أيام الاستعمار والمعاملة السيئة للجنود الفرنسيين للمغاربة.
فكانت الانتظارات كبيرة لفيلم جديد مختلف وصادم وعد به الخماري منذ سنوات. ويظهر المخرج الذي ترك التكوين العلمي بباريس (الصيدلة) لدراسة السينما في أوسلو، بفيلم جديد يتضمن فكرة مختلفة ولغة سينمائية متجددة. فالفيلم إشارة قوية وإعلان واضح عن ميلاد سينما تحاور الحياة وتنقل الواقع إلى الصالات، واقع الشباب بمشاكله وتخبطاته بحساسية متفردة ومميزة وبلغة سينمائية تتماشى مع محيط الموضوع المختار.
وتتمحور قصة الفيلم حول صداقة تجمع بين شابين بيضاويين، عادل وكريم، يحاولان التعايش مع واقع العاصمة الاقتصادية القاسي، إذ يشغل كريم (أنس الباز) أطفالا صغارا من أجل بيع سجائر مهربة بالتقسيط، فيما يجد عادل (عمر لطفي) الحل السحري في شراء تأشيرة إلى السويد. ومع توالي الأحداث تتقاطع صداقة الشابين والحب الذي يجمع كريم مع فتاة تنتمي إلى عائلة ميسورة، مع مصلحة كل منهما. كل هذا وسط مدينة غول تعج بالمتناقضات تضم شوارعها وأزقتها القبح والجمال معا.
وقد نجح الخماري كثيرا في التوفيق بين كل المكونات الفيلمية، لنقل المشاهد إلى عوالم الدار البيضاء المظلمة وأزقتها التي تخبئ الكثير من الأسرار نهارا، تقذفها في وجه الكائنات الليلية التي تجعل العنف المادي والمعنوي لغة تواصلها الأولى.
ورغم كل العناصر التي ميزت "كازانيغرا"، إلا أنه لا يمكننا الحديث عن قطيعة داخل صيرورة السينما المغربية، بل إعلان ميلاد سينما جديدة ومتجددة. فمجموعة من المشاهد تميزت بحمولة فكرية ضعيفة، وبوهن في الكتابة السيناريستيكية التي تحتاج إلى كثير من الحزم خصوصا مع طول الفيلم (126 دقيقة). كما أن الفيلم تميز بإحالات واضحة على أفلام كبرى ومخرجين معروفين مثل "كاونتين تارونتينو" و"مارتن سكورسيزي" و"تيرانس مالك" و"إمير كوستريتسا" و"غي ريتشي".
وتمكن فيلم "كازانيكرا" الذي تطلب جهدا كبيرا من الخماري، خلال الإعداد له وأثناء التصوير والتوضيب، من الظفر بجائزتي أحسن تصوير (لوكا كواسين)، وجائزة أحسن تمثيل لبطلي الفيلم اللذين أديا أول دور لهما في الشاشة الكبرى، بمهرجان دبي الدولي، كما انتزع "كازانيغرا" ثلاث جوائز أحسن صوت، وأحسن دور ثان (محمد بنبراهيم) وأحسن دور رجالي (عمر لطفي) في المهرجان الوطني للفيلم الذي احتضنته مدينة طنجة بين 13 و20 دجنبر الجاري.
لقد حول سحر السينما وتمكن المخرج من أدواته التعبيرية، النظرة السوداوية إلى مدينة تعج بالعنف والفقر والبطالة إلى عمل إبداعي يضع السينما المغربية على سكة جديدة، ويجعلها تتخذ مسارا مختلفا يدعو إلى كثير من التفاؤل والأمل.
جمال الخنوسي
"هادي ماشي الدار البيضاء هادي الدار الكحلة .. مرحبا بكم في كازا نيغرا"
تعتبر هذه الجملة خلاصة مركزة لفيلم المخرج المغربي نور الدين الخماري الذي بدأ عرضه أمس (الأربعاء) في كل القاعات السينمائية الوطنية، كما توج عن استحقاق في كل من مهرجاني دبي وطنجة في دورتيهما الأخيرتين. فيلم "كازانيغرا" يعتبر بالتأكيد الحدث السينمائي لهذه السنة.
عندما شارك الخماري في المهرجان الوطني سنة 1995 بفيلم قصير يحمل عنوان "نوتة قصيرة"، تنبأ الجميع لهذا الشاب المسفيوي القادم من أرض الصقيع بمستقبل واعد، فكان فيلمه الطويل الأول، بعد تجارب عديدة مع الفيلم القصير بين المغرب والنرويج، يحمل عنوان "نظرة"، روى فيه برؤية إنسانية وشاعرية قصة جندي فرنسي يعود إلى المغرب، ليتذكر أيام الاستعمار والمعاملة السيئة للجنود الفرنسيين للمغاربة.
فكانت الانتظارات كبيرة لفيلم جديد مختلف وصادم وعد به الخماري منذ سنوات. ويظهر المخرج الذي ترك التكوين العلمي بباريس (الصيدلة) لدراسة السينما في أوسلو، بفيلم جديد يتضمن فكرة مختلفة ولغة سينمائية متجددة. فالفيلم إشارة قوية وإعلان واضح عن ميلاد سينما تحاور الحياة وتنقل الواقع إلى الصالات، واقع الشباب بمشاكله وتخبطاته بحساسية متفردة ومميزة وبلغة سينمائية تتماشى مع محيط الموضوع المختار.
وتتمحور قصة الفيلم حول صداقة تجمع بين شابين بيضاويين، عادل وكريم، يحاولان التعايش مع واقع العاصمة الاقتصادية القاسي، إذ يشغل كريم (أنس الباز) أطفالا صغارا من أجل بيع سجائر مهربة بالتقسيط، فيما يجد عادل (عمر لطفي) الحل السحري في شراء تأشيرة إلى السويد. ومع توالي الأحداث تتقاطع صداقة الشابين والحب الذي يجمع كريم مع فتاة تنتمي إلى عائلة ميسورة، مع مصلحة كل منهما. كل هذا وسط مدينة غول تعج بالمتناقضات تضم شوارعها وأزقتها القبح والجمال معا.
وقد نجح الخماري كثيرا في التوفيق بين كل المكونات الفيلمية، لنقل المشاهد إلى عوالم الدار البيضاء المظلمة وأزقتها التي تخبئ الكثير من الأسرار نهارا، تقذفها في وجه الكائنات الليلية التي تجعل العنف المادي والمعنوي لغة تواصلها الأولى.
ورغم كل العناصر التي ميزت "كازانيغرا"، إلا أنه لا يمكننا الحديث عن قطيعة داخل صيرورة السينما المغربية، بل إعلان ميلاد سينما جديدة ومتجددة. فمجموعة من المشاهد تميزت بحمولة فكرية ضعيفة، وبوهن في الكتابة السيناريستيكية التي تحتاج إلى كثير من الحزم خصوصا مع طول الفيلم (126 دقيقة). كما أن الفيلم تميز بإحالات واضحة على أفلام كبرى ومخرجين معروفين مثل "كاونتين تارونتينو" و"مارتن سكورسيزي" و"تيرانس مالك" و"إمير كوستريتسا" و"غي ريتشي".
وتمكن فيلم "كازانيكرا" الذي تطلب جهدا كبيرا من الخماري، خلال الإعداد له وأثناء التصوير والتوضيب، من الظفر بجائزتي أحسن تصوير (لوكا كواسين)، وجائزة أحسن تمثيل لبطلي الفيلم اللذين أديا أول دور لهما في الشاشة الكبرى، بمهرجان دبي الدولي، كما انتزع "كازانيغرا" ثلاث جوائز أحسن صوت، وأحسن دور ثان (محمد بنبراهيم) وأحسن دور رجالي (عمر لطفي) في المهرجان الوطني للفيلم الذي احتضنته مدينة طنجة بين 13 و20 دجنبر الجاري.
لقد حول سحر السينما وتمكن المخرج من أدواته التعبيرية، النظرة السوداوية إلى مدينة تعج بالعنف والفقر والبطالة إلى عمل إبداعي يضع السينما المغربية على سكة جديدة، ويجعلها تتخذ مسارا مختلفا يدعو إلى كثير من التفاؤل والأمل.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق