التربية البدنية في المؤسسات التعليمية مهددة بالانقراض لأنها صورة من مأساة الرياضة في البلاد
يمكن لجميع المغاربة أن يفتخروا بحكومتهم، التي لا تشبه باقي الحكومات حول العالم، فهي الوحيدة القادرة على تقديم مشروع تعرف منذ البداية أنه لن يتحقق على أرض الواقع، لا اليوم، ولا غدا، ولا حتى بعد 50 سنة.
ومشروع قانون التربية البدنية والرياضة، الذي صادق عليه المجلس الوزاري، يوم الخميس الماضي، واحد من هذه العجائب التي يزخر بها الواقع المغربي، إذ يجعل نص المشروع من الدولة، المسؤولة عن تدريس التربية البدنية والرياضة بمختلف أسلاك التعليم، مع فرض إجبارية تعليم الرياضة في مستويات الإعدادي والثانوي والعالي. ويضيف المشروع الجملة القاتلة، على غرار القوانين الشهيرة التي تبدأ ب"كل ما من شأنه"، والتي تنفي كل ما سبق، وتجعله مشروعا فضفاضا سيطبق في المريخ أو زحل، إذ يأتي في تتمة القانون "على أن يصبح (تعليم الرياضة) إجباريا بالابتدائي حسب إمكانيات الإدارة"، المعنى كله إذن في "حسب إمكانيات الإدارة" التي يعتبرها واقع الحال نافية لما سبق أي أن الأمر "فشوش في فشوش".
إن إجبارية تعليم الرياضة في مستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي، وفي رياض الأطفال أيضا، أمر مستحب لا نقاش فيه، لكن طرح مثل هذه المشاريع في ظل واقع البنيات التحتية المعروفة داخل المؤسسات التعليمية جميعها، أمر يدخل في إطار العته والخبل.
فالمدارس الابتدائية لا تملك فضاءات للرياضة بالمرة، وبعض الإعداديات والثانويات تشكو النقص ذاته، إضافة إلى ندرة التجهيزات التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
ولأن وزراءنا، الشباب منهم والشيوخ، لا يعرفون شيئا عن حال المدارس في الأحياء، والإعداديات خارج المدار الحضري وداخله، والثانويات البئيسة المتناثرة في كل مكان، ولأن هذه الصفوة تعلمت الحروف اللاتينية في "ليسي ليوطي" و"ديكارت"، وأتمت دراساتها العليا في أرقى الجامعات الفرنسية وأحدث الأكاديميات الأمريكية، وجميعهم من خريجي "الطرق والقناطر" والأنهار والوديان والسهول وكل التضاريس، ليسمحوا لنا أن نشنف آذانهم ونمتع أبصارهم بمشاهد مقززة من واقع الحال.
أذكر زمن كنا فيه نمارس الرياضة في حصص عشوائية بين درس للغة العربية وتمارين معقدة في الرياضيات، وكنا نلج القسم بروائح العرق الكريهة وثيابنا المبللة، وأحذيتنا الرياضية المترهلة التي تسقط روائحها "الزرزور من فوق السور"، تزينها أصابعنا المطلة على الخارج تنعم بالحرية والهواء الطلق، إلى جانب إشارات الماركات المزورة.
وكان رد الفعل الطبيعي من المدرسين المساكين الذي هاجمهتم فلول من "البشمركة النتنة"، وجيش عرمرم مدجج بأحدث القنابل الجرثومية الكريهة، فتح الأبواب وتشريع النوافذ، في حين تلجأ المدرسات "الشيكيات" العزل، إلى صب قنينات العطور وماء الكولونيا التي اقتنينها من "شد الحزام" آخر الشهر، على أنوفهن وأعناقهن وصدورهن.
إن الرياضة والتربية البدنية بحلوها ومرها، ومرحها الصبياني الذي مارسناه بمتعة شديدة، لا تعلم الناشئة سوى مبادئ "العفن" و"القذارة"، لأنها تلزم أجيالا بكاملها على تلقي العلم في ظروف منافية لحقوق الإنسان.
الآن عرفتم ماذا تعني عبارة "حسب إمكانيات الإدارة" أي بالعربية تاعرابت "سير تضيم"، ويبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فالتربية البدنية في المؤسسات التعليمية مهددة بالانقراض لأنها صورة من مأساة الرياضة في البلاد برمتها.
وليستمر وزراء "الطرق والقناطر" في إعادة إنتاج ذواتهم، وإلحاق أبنائهم بالمدارس والأكاديميات إياها، وليتركونا في حالنا، غارقين في عرقنا ونتانتنا.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق