توحيد "الرؤى" بين الأولى والثانية جعل دوزيم قناة ماسخة تتأرجح بين العام والخاص
لماذا تراجع مستوى القناة الثانية؟ سؤال يطرح اليوم بإلحاح ويكتسب كامل الشرعية لعدة أسباب: أولا بمناسبة انعقاد المجلس الإداري الأخير ل"صورياد دوزيم" في وقت تمر منه المحطة بمرحلة عصيبة جدا، ثانيا لأنه مر الآن حوالي سنة ونصف على وصول مدير جديد، ترك له الوقت الكافي كي يتعرف على دواليب الأمور ويضع خطة جديدة، ويقدم تصوره واستراتيجيته بإيجابياتها وسلبياتها، وثالثا أطفأت القناة شمعتها العشرين، واحتفلت بعيد ميلادها بملامح شيخوخة مبكرة، ووصلت إلى الدرك الأسفل الذي لم تعرفه قط منذ انطلاقها برغبة من الملك الراحل الحسن الثاني الذي أرادها محطة حديثة وحداثية بصورة مغرب المستقبل.
إن القناة الثانية تعيش اليوم وضعا شائكا وتضيق حولها حلقة قاتلة: قلة الإشهار والموارد عموما تعيق الاستمرار في سياسة الإنتاج الوطني، الجاذب الرئيسي لنسب المشاهدة، فتنقص بالتالي المداخيل الإشهارية، ويتراجع مستوى الأعمال المنتجة ... وهكذا دواليك إلى أن تكتمل الحلقة، وتصبح القناة الثانية، التي كانت لها بصمة خاصة ومميزة، قناة عمومية تردد بشكل ببغاوي الخطابات التي تميز المرفق العمومي في جمهوريات الموز.
إن مسخ هوية القناة هو في الحقيقة سبب رئيسي في أزمتها اليوم، ولفهم ذلك دعونا نعود بذاكرتنا قليلا إلى الوراء. لقد كانت دوزيم دائما تمثل لدى المواطن المغربي قناة تلفزيونية أكثر جرأة وانفتاحا وحداثة من القناة الأم. وفي الاتجاه ذاته عاشت القناة الثانية منذ انطلاقتها وضعا ماليا مريحا أيام كانت قناة خاصة وكذلك بعد "تأميمها"، ولم نسمع عن الأزمة الخانقة التي تشكو القناة مضاعفاتها إلا مع وصول سليم شيخ قبل سنة ونصف.
لقد تميزت القناة الثانية منذ بدايتها بترك مسافة واضحة مع الإعلام العمومي الرسمي، وحتى بعد "تأميمها" حافظت على المسافة ذاتها، إلا أن هذا الهامش الذي ظلت تتمتع به المحطة بدأ يتبدد منذ شهور وتقلص بشكل واضح وجلي، فالنشرات الإخبارية مثلا غيرت جلدها ونمقت "البلاطو"، لكن حافظت في المقابل على المضمون ذاته والوصفة نفسها.
كما أن انخفاض المداخيل الإشهارية ليس سببه الأزمة العالمية، كما يحلو للمسؤولين في دوزيم تبرير التراجع حتى لا نقول الفشل، وكأن الأزمة العالمية غدت شماعة سحرية نعلق عليها كل أخطائنا وإخفاقاتنا، بل إن السبب الرئيسي هو تراجع المستوى والفشل في جذب المشاهدين إلى برامج سطحية أو إنتاجات وطنية مكرورة أو أفلام من أرشيف الفن السابع أكل عليها الدهر وشرب، في زمن أصبحت فيه المنافسة شرسة، فاختار المستشهرون بدورهم الهجرة إلى آفاق جديدة والبحث على قنوات أخرى (إم بي سي ودبي ونسمة كمثال).
هل تشكو القناة أزمة هوية؟ نعم، وقصة الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة رغم أنها غير مطابقة إلا أنها بليغة في هذا الإطار. فما يسمى توحيد "الرؤى" بين الأولى والثانية جعل دوزيم قناة ماسخة بلا هوية تتأرجح بين العام والخاص، بين المرفق العمومي الذي ينتظر دعم الدولة، والقناة الخاصة التي تبحث عن المداخيل الإشهارية، بين تحقيق الفرجة ونسب المشاهدة العالية والتوعية والالتزام ببنود دفاتر التحملات ....
هل المسألة برمتها قضية "فلوس"؟ قطعا لا، إنها تداعيات غياب تصور حقيقي متكامل، واستراتيجية واضحة لقناة أعطت الأمل لملايين المغاربة في إمكانية وجود إعلام مختلف في بلادهم. وبعد تأجيل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري تقديم تراخيص جديدة، والاندحار المروع في مستوى القناة الثانية فقد غدا الحلم بعيدا والأمل ضعيفا.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق