من المنتظر أن تحسم الهيأة العليا للاتصال السمعي
البصري، هذا الأسبوع في قضية دفاتر تحملات التلفزيون العمومي المثيرة للجدل. إذ
سيجتمع أعضاء المجلس الأعلى برئاسة أمينة لمريني لتدارس المذكرة الجوابية لرئيس
الحكومة عبد الإله بنكيران، التي بعث بها نهاية الأسبوع الماضي، كرد على المذكرة
التي كانت قد أرسلتها الهاكا للحكومة في وقت سابق بخصوص ملاحظاتها حول النسخة
المعدلة من دفاتر التحملات.
وفي سابقة تواصلية، أحاط الطرفان مضمون المذكرتين بتكتم
كبير، ممتنعين عن الكشف عن مضامينها في إطار نوع من اللياقة المؤسساتية المتبادلة
بينهما، بالأبيض والأسود، دون ألوان تذكر، على خلاف ما كان عليه الأمر في السابق،
عندما كانت الدفاتر تصاغ في لجن مشتركة بين الهاكا والتلفزيون والحكومة. أسلوب
جديد أملته ظروف المرحلة التي جاء فيها الخلفي خلفا للناصري وبنعبد الله، والمرتبطة
بأمرين جوهريين: الأول يتعلق بالاتعاظ من تجربة النسخة الأولى لهذه الدفاتر والتي
صادقت عليها الهاكا شهر مارس الماضي، وما رافق ذلك من ضجة، وسط زحمة النقاش
العمومي، فكانت النتيجة الترويج للعديد من المغالطات، عندما حملت هذه الدفاتر أكثر
مما تحتمل لدرجة أن البعض اختزل فيها كل النقاشات الدستورية المرتبطة بالخيارات
المجتمعية الكبرى مثل الهوية والدين... بشكل متعمد إما لتصفية حسابات جانبية، وإما
لتحويل النقاش عن المواضيع الأساسية المتعلقة ببعض طابوهات التدبير الإعلامي مثل الإنتاج
والحكامة الداخلية، وطلبات العروض، ولجان الانتقاء، واللجنة الاستشارية لأخلاقيات
البرامج... اندلعت إذن فوضى اختلط فيها الحابل بالنابل، في وقت لم يكن النقاش حول دفاتر
تحملات سنتي 2006 و2009 يتجاوز عدد المشرفين عليها والمصادقين على بنودها.
أما الأمر الثاني، فمرده إلى أن رسالة الهاكا إلى
الحكومة ورد بنكيران عليها، ليسا سوى شوط أول قبل القرار النهائي والمتمثل في
المصادقة على هذه الدفاتر، أو بالأحرى على تعديلاتها ما دامت الهاكا قد صادقت على
النص الأصلي في مارس الماضي على عهد أحمد الغزلي، وبالتالي فإن التواصل المؤسساتي
حول عمل في منتصف الطريق، قد يؤثر حتما على نهاية الطريق.
وفي هذا السياق، قالت مصادر حكومية ل"الصباح"
إن تسريب بعض ما اعتبر أنه ملاحظات جاءت في رسالة الهاكا، كان الهدف منه خلق ضغط
على الحكومة والهاكا على حد سواء، من أجل تأليب الرأي العام على الطرفين وتحويل
النقاش الإعلامي من جديد، إلى "سفسطة سياسية" هدفها ممارسة "معارضة
ناعمة من وراء حجاب"، بل وحتى خلق تصادم سياسي بين مؤسستين دستوريتين، لكل
منهما مجال اشتغاله بشكل مستقل عن الآخر خصوصا وأن البعض صار ينظر لتنازع بين
سياسة الدولة وسياسة البيجيدي في التلفزيون.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن تحفظ مصطفى الخلفي، وزير
الاتصال عن الخوض في مضامين الرسالتين، القصد منه عدم التأثير على قرار الهاكا بصفتها
هيأة حكامة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وبالتالي تأجيل النقاش إلى حين المصادقة
النهائية وعرض الدفاتر على الرأي العام، ليكون النقاش على النسخة الأخيرة.
بلا شك أن صعوبة الوصول إلى مضامين المذكرتين، أججت من
حمى القيل والقال، فيما لاحظت المصادر ذاتها أن تمديد النقاش حول دفاتر التحملات كل
هذا الوقت، الهدف منه فقط إرسال إشارة مفادها أن سقوط الغزلي، الرئيس السابق للهاكا
لم يكن مجانيا، في حين أن من عمل في نهاية المطاف على تعديل أخطاء هذه الدفاتر هي
الحكومة نفسها، في المقابل ستجد الهاكا نفسها غدا، محاصرة بمتاريس قانونية تمنعها
من تعديل ما عدله بنكيران.
جمال الخنوسي