دعوني في البداية أحكي لكم قصة تونسية من "وحي
الواقع". لن أضيف إليها محسنات بديعية، ولا أحداث مثيرة تكسبها جاذبية أكبر،
ولن أزرع فيها بعضا من بنات أفكاري وخيالي المتواضع. هي حكاية كما تناقلتها وكالات
الأنباء بأسلوبها الجاف.
وتروي الأخبار القادمة من بلد ثورة الياسمين، أن فتاة
كانت رفقة رفيقها اعترض طريقهما ثلاثة من رجال الأمن، إذ قام اثنان باغتصابها،
فيما انتقل الثالث رفقة صديقها إلى اقرب شباك أوتوماتيكي من أجل ابتزازه وسحب
أمواله من الصراف الآلي.
محامي المتهمة يردد حكاية موكلته بلا كلل: القضية بدأت
في ثالث شتنبر الماضي، عندما اقترب ثلاثة من أفراد الشرطة من امرأة وخطيبها، بينما
كانوا في سيارتهم في تونس العاصمة. وعوض توفير الحماية لمواطنين تونسيين اختار
رجال الأمن الترفيه عن أنسهم باغتصاب اثنين من أفراد الشرطة المرأة داخل السيارة،
في حين أن الثالث اقتاد خطيبها إلى شباك أوتوماتيكي كي يساعد "الشرطة التي تخدم
الشعب" على العيش الكريم.
لم تنته الحكاية المأساوية عند هذا الحد، بل المفاجأة
الكبيرة هو الانقلاب الأخير الذي شهدته الأحداث. فتحولت من حكاية بشعة وحزينة إلى
ملهاة مقرفة أو محاكمة كفكاوية. فعندما تقدمت المرأة بشكوى ضد رجال الأمن الثلاثة،
بتهمة الاغتصاب والابتزاز، اتهموهما بدورهم، بوجودها في سيارة مع رجل في وضع
"غير أخلاقي."
تحولت الضحية إلى متهمة، وخرج بعبع الجسد المحرم ليعطي
لرجال الأمن كل الشرعية لممارسة "الجنس العقابي" و"الاغتصاب
المقدس" على الجسد المتاح كأنه "سكيطة" من لحم البقر المعلق في حلق
حديدي عند جزار الحي.
هكذا إذن تحولت ثورة
الياسمين إلى كابوس مقرف خطف أزهاره زعماء الاضطهاد، وأصحاب اللحي المشذبة، وزبيبات النواصي، ووقفت في وجههم الحركات
النسائية رافعة شعارات، "اغتصبني وبكى، سبقني واشتكى" و"ثورة
مسروقة، امرأة محجبة، وفتاة مغتصبة" و"محجبة أو مغتصبة يجب الاختيار". وزارة الداخلية التونسية كانت واضحة وصارمة، فساندت بدورها رجال
الشرطة ووجهت العدالة تهمة ارتكاب "السلوك المتعمد غير اللائق"
للضحيتين، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى ستة أشهر سجنا.
بالأمس أسقط التونسيون طاغية اسمه زين العابدين بنعلي،
فاستغل ثورتهم إسلاميون منظمون زحفوا على السلطة، أما اليوم، فيخوض المتشددون منهم
معركتهم الحقيقية ضد "طغيان الجسد النسائي المتمرد"، رمز الحرية المفزعة
في كل زمان ومكان، فيمارسون عليه القهر المادي والرمزي وحتى الاغتصاب المقدس...
الطرق متعددة لكن الهدف واحد: إخضاع الدكتاتور.