يقول العارفون بدهاليز سياسة التعويم وخبراء أمراض العجز
والتماطل إن أحسن طريقة لإفساد قضية أو تعليقها إلى ما لا نهاية هو تعيين "لجنة"
خاصة. لجنة لكل "شادة وفادة" من أجل تأجيل الإصلاح الحقيقي، وربح الوقت وترسيخ
مقولة "سير ضيم" في تقاليد العمل السياسي.
ما حدث، بأحد فنادق الرباط، مساء أول أمس (الاثنين)،
يدخل في هذا الإطار، إذ تم وضع حجر أساس جديد، وللمرة الألف، في ورش إصلاح الصحافة
الذي لا ينتهي. فكادت احتجاجات ممثلي صحافيي الإعلام العمومي تفسد حفل تبادل
تعابير اللياقة والكلام الكبير.
شحنة الاحتجاج زاد وطيسها بعد الإعلان الرسمي عن أسماء
أعضاء اللجنة العلمية التي ستتولى مهمة إعداد مشروع مدونة الصحافة والنشر، وإخراج
أربعة مشاريع قوانين هي مشروع قانون الصحافة والنشر، ومشروع قانون المجلس الوطني
للصحافة، ومشروع قانون الصحافي المهني، ومشروع قانون الصحافة الالكترونية. وشهدت
نهاية الحفل مشادات كلامية بين الخلفي والنقابي علي خلا "المساند
الرسمي" والمدافع المستميت عن وزير "المقاربة التشاركية" في موقعة
دفاتر تحملات التلفزيون العمومي.
وقال علي خلا، الصحافي بالإذاعة الوطنية، في عصبية كبيرة
"هذه أمور لا يمكن السكوت عنها" في إشارة إلى التلاعبات المفترضة في
لائحة اللجنة. وهدد المتمرد وزير الاتصال بالانسحاب، في حضور رئيس اللجنة العلمية،
محمد العربي المساري، وقال، "هاد الشي اللي درتي ماشي معقول وضد مصالح
المهنيين". ولم يحل دون التشابك بين "الإخوة الأعداء" سوى تدخل
يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية الذي أبعد النقابي الهائج عن
ساحة المعركة.
ويرى صحافيو الإعلام العمومي أن رئيس الحكومة عبد الإله
بنكيران ووزير حكومته في الاتصال مصطفى الخلفي انتقما من الإعلام العمومي السمعي
البصري الذي تمرد القيمون عليه في موقعة دفاتر التحملات الشهيرة، كما طال الانتقام
صحافيي وكالة المغرب العربي للأنباء التي لاحظ الجميع التحولات التي عرفها
"خطها التحريري" الذي أصبح حادا في تعامله مع الأداء الحكومي المتذبذب.
وهدد صحافيو الإعلام العمومي بقلب الطاولة على وزير
"تنزيل الدستور" مؤكدين أن غالبية الصحافيين ينتمون إلى الإعلام العمومي
المكون من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ووكالة المغرب العربي للأنباء الذين
لم ينالوا أي تمثيلية، في المقابل تم تعيين أعضاء اللجنة من خلال تحقيق التوافقات
والتوازنات السياسية وزرع بذور الحزب الحاكم في كل مكان.
ويتساءل الغاضبون عن الأسباب الكامنة وراء اختفاء المقعد
15، إذ وعد وزير "المقاربة التشاركية" بأن اللجنة ستتكون من 15 عضوا في
حين لم يتم الإعلان سوا عن 14 اسما يمثلون جل المشارب، وشتى المذاهب، وكل ألوان
الطيف السياسي، إلا المهني الكادح الذي يتعب كل يوم في "مهنة المتاعب".
واعتبر آخرون أن وزير "تنزيل الدستور" يسابق الزمن من أجل الخروج
ب"إنجاز ما" بعد أن انطلق العد العكسي وغدا الحديث رائجا عن تعديل حكومي
سينهي معاناة الخلفي مع الحبيب قبل العدو، إذ يتلقى الضربات من صقور الأمانة
العامة لحزب العدالة والتنمية الذين يعاتبونه على عدم التمكن من "فرض الإصلاح"
في القطاع الذي يسهر عليه، وفي الآن ذاته يواجه غارات المعارضة السياسية التي جعلت
من كنانيش التلفزيون معركة وطنية كبيرة أسقطت وستسقط الضحايا.
جمال الخنوسي