"موسم جاف" .. فيلم جاف
عرضت القناة الثانية مساء الجمعة فيلما تلفزيونيا بعنوان "موسم جاف" من إخراج رضوان القاسمي، بطولة كل من محمد خيي وفاطمة أوشاي وعبد الغني صناك وثريا العلوي وهدى الريحاني.
الفيلم يحكي قصة رجل في الخمسين من عمره يدعى السيد جعفر، يختار ضحاياه من بين الأرامل الثريات لينصب عليهن، حيث يتزوج من الواحدة منهن وبعد أن يسلبها مالها ويفقدها رشدها يهجرها إلى أخرى، مخفيا شروره وراء هيبة وسلطة مبالغ فيهما، تعرف جعفر على منى وهي أرملة تعيش في إحدى الضيعات بضاحية المدينة مع ابنها بدر الذي أنجبته من زواج سابق، ولكي يحطمها بعد أن كتبت كل أملاكها في اسمه يلجأ إلى مكائد جهنمية كأن يوقظها في الليل ويتظاهر أنه نائم. وعندما تستنجد به ظنا منها أن شخصا غريبا اقتحم الغرفة، ينهال عليها بالسب وأحيانا بالضرب حتى أصبحت الليالي بالنسبة إليها جحيما.
بهذا الشكل تبدو القصة جذابة وتستحق الاهتمام، إلا أن طريقة كتابتها بعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التشويق والإثارة، حيث أن كل المعطيات تقدم مجانا من الوهلة الأولى ويلم المتفرج بكل حيثيات القصة ولا ينتظر سوى العدالة الالاهية لتفعل فعلتها وتنتقم من محمد خيي الذي يقوم بدور سي جعفر. الفيلم لا يتوفر على أية توابل تجعل المشاهد يصبر طوال الساعة والنصف التي هي المدة الحقيقية للفيلم لأنه في الحقيقة يعطي الانطباع على أنه أطول من ذلك بكثير!
إن الأمر لا يتحمله بأي شكل من الأشكال المخرج رضوان القاسمي الذي يخوض تجربته الأولى في الإخراج التلفزي الدرامي الذي يأتي في إطار ما أسمته القناة" تعزيزا لرصيد الإنتاجات الدرامية الوطنية للقناة الثانية، ومناسبة لفسح المجال أمام مبدعين شباب" فكثيرا ما تتبعنا حركات الكاميرا بنوع من الشغف و الجمالية ، خاصة في اللقطات الخارجية عندما كان يبحث جعفر عن الدخيل المفترض داخل ضعيته.
وبالرغم أيضا من المجهود الذي بذله الممثلون خصوصا فاطمة أوشاي وثريا العلوي من أجل الرفع بمستوى الفيلم، بقي الحوار تافها وسطحيا و جعل الممثلين ينطقون بجمل متفرقة لا رابط لها ولا معنى، وجعلتنا نرى الشخصيات كأنها كركوزات أو شخصيات آلية تردد ما لقنت بلا روح أو حس.إن فكرة السيناريو جيدة لكن تحديد ملامح الشخصيات مهزورة وغير مضبوطة.
إن فيلم "موسم" سقطة لا تغتفر للكاتب يوسف فاضل الذي كتب السيناريو والحوار وربما هذا حكم قاسي لأن فاضل عودنا على أعمال في مستوى أحسن وكنا ننتظر منه نوعا من التقدم والتطور وليس انتكاسة مثل التي أتحفنا بها مؤخرا.فقد سبق له التألق في أعمال رائدة كفيلم "جوهرة" الذي كتب حواره وأنجز السيناريو صحبة المخرج سعد الشرايبي.
كما تتحمل لجنة القراءة مسؤولية كبيرة بالموافقة على نص بهذا الضمور والهزال. ولابد أن اسم يوسف فاضل وسمعته جعلت اللجنة "مرنة" و بهذا الشكل . هذا "التساهل" نخشى أن يصبح قاعدة بعد أن تتكرر نفس الشيئ مع كاتب معروف اسمه المسسكيني الصغير في فيلم حكاية زروال . وهي بهذا الطقس العجيب الذي سنته لنفسها إنما في الحقيقة أخطأت في حق المشاهد، وفي حق مخرج شاب شاء حظه العاثر أن يفتتح مسيرته بنص لا يمتلك المقومات الأساسية لعمل درامي، وأخطأت في حق يوسف فاضل لأنها لطخت مسيرته الحافلة بعثرة نتمنى أن تتبعها قفزة للأمام.
وربما مشاهدة هذا الفيلم تعيد للأدهان إلحاح جميع المخرجين المغاربة واعتبارهم أزمة الدراما المغربية أزمة سيناريو على الخصوص لأنهم تجاوزوا كل العقبات التقنية ، لا من الناحية اللوجيستيكية ولا من ناحية المهارت وطرق التعامل مع ما جد في عالم التصوير والمونطاج.
لقد أضحت مسألة الاهتمام بكتابة السيناريو أمرا حيويا ومستعجلا، حتى لا تتكرر مثل هذه المهازل التلفزيونية ومهازل أخرى سينمائية كانت حاضرة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة. لا بد إذن من مدرسة أو معهد لتدريس أصول كتابة السيناريو ولابد أيضا من دورات تدريبية وورشات وتتبع للكتاب.
جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق