خرج المغربي محمد مفتكر :
على المخرجين والمنتجين أن يكونوا في المستوى وينصتوا لنبض المجتمع المغربي
إذا كانت الجوائز التي وزعتها لجنة التحكيم في المهرجان الوطني الأخير للفيلم بطنجة عرفت نقاشا حول مدى أحقية هذا الفيلم أو ذاك بالجائزة الكبرى . فخلافا لكل نقاشات الكواليس هذه كان اختيار اللجنة لفيلم "رقصة الجنين " لمحمد مفتكر بالاجماع. حيث استقبل بالهتاف و التصفيق من الجميع. محمد مفتكر مخرج شاب لكنه مع ذلك يحمل هموما كبيرة . التقيناه في هذا الحوار الصريح ليحدثنا عن مشروعه لبناء لغة سينمائية مغربية ببصمة مميزة .
* كيف كانت انطلاقتك في الحقل السينمائي ؟
** لقد بدأت في الميدان السينمائي كتقني وكمساعد مخرج في مجموعة من الأفلام المغربية . وكنت المسألة كلها بالنسبة لي مرحلة مؤقتة مادام حلمي الكبير وهدفي الأسمي هو أن أصبح مخرجا سينمائيا. واخترت هذا الطريق لأن المغرب لا يتوفر على مدارس للسينما. بعدها درست السينما في أوربا وشاركت في ورشات عدة في كل من فرنسا وألمانيا وتونس . واشتغلت أيضا كمساعد في كتابة السيناريو ، بعد أن خضعت لتكوين في مجال الكتابة . ثم أخرجت فيلمي الأول بعنوان "ظل الموت" وبعده مباشرة الفيلم القصير "رقصة الجنين".
* في البداية لنتحدث عن "ظل الموت"..
** الفيلم يحكي إحباط الشخصية الرئيسية من خلال الشك الذي يخيم عليها دون معرفة إن كان ما تعتقده صحيحا أم خاطئا. إنها هلوسة تؤدي بالبطل للإنتحار. الشخصية الرئيسية تشك في أن لأبيه علاقة جنسية مع زوجته مما يدفعه لقتلهم ومحاكمتهم كجثث وفي الأخير يكتشف أنه لم يقتل أحدا وأن كل ذلك كان متخيلا . وبما أن شكه قد انتصر عليه فلم يستطع أن يواجه الحقيقة الذهنية فكان الحل الوحيد أمامه هو الانتحار. شارك في التمثيل حسن الفذ والسعدية لاديب و فاطمة الشيكر.
* على حد علمي فسعدية لاديب ستشاركك في فيلمك القصير الثالث.
** لا أعتقد ذلك لقد اعتذرت لأسباب شخصية جدا وأنا أحترم اختيارها.
* نعود لانتجاتك. ماذا عن الفيلم الثاني "رقصة الجنين"؟
** بالنسبة لهذا الفيلم فالطرح السينمائي يتشابه مع الفيلم الأول. الفرق الأساسي هو أن الشخصية الرئيسية امرأة. امرأة ذات مستوى ثقافي تريد أن تجهض نفسها وتتردد في الإقدام على هذه الخطوة. ترددها يجعلها تدخل في هستيريا، وتعيش عوالم داخلية تصفي فيها حساباتها مع نفسها ومع ثقافتها وفي آخر المطاف تعدل عن الإجهاض وتقرر أن تحافظ على الجنين.
* ما هو الخطاب الذي أردت إيصاله بهذا الفيلم؟
** في الحقيقة أنا لحد الآن و في إطار الفيلم القصير أقوم بعدة تجارب سينمائية. و بصدد الانكباب على دراسة مشروع كتابة سينمائية تمكنني من التعبير بدقة عن اهتماماتي وانشغالاتي السينمائية. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كيف يمكن أن أجد كتابة سينمائية تتطابق مع ما يقع حاليا في المجتمع المغربي. الخطاب أساسا هو خطاب سينمائي محض إنه بحث عن لغة سينمائية تعبر عن هموم وانشغالات وفرح المجتمع المغربي . وبموازاة ذلك أنا أمثل جيلا، بكل إحباطاته وأهدافه وأحلامه . ومن خلال أفلامي أريد أن أنقل هذا التصور وأعرف إلى أي حد أنا قريب من هذا الجيل الذي أمثله. الجيل الذي يحلم وحلمه دائما أمامه حواجز ، جيل في صراع مع الأب مع السلطة وفي صراع مع الماضي.
* هل يمكن اعتبار الحلم الذي لم يتحقق للجيل الذي تعبر عنه وتنتمي إليه هو ذلك الجنين الذي أرادت بطلة الفيلم إجهاضه؟
** أجيبك بطريقة غير مباشرة في الفيلم الأول "ظل الموت" كان قتل الأب كحل لم يكن مناسبا وهو الأمر الذي دفع الشخصية الرئيسية للانتحار لأن قتل الأب يعود بك لنقطة الصفر وقتل الأب يتطلب البديل، وفي غياب هذا البديل فإنه يضع الإنسان في الفراغ والعدم. وفي الفيلم الثاني لم يكن هناك قتل للأب بل إحياء للجنين والإيمان بالذات ، والمحافظة على الجنين هو الحل الذي اختارته الشخصية، إنها رؤية مختلفة تماما عن الفيلم الأول. الاختلاف بين قتل الأب والإيمان بالنفس وبالمستقبل هي دعوة لمواجهة الواقع بكل سلبياته ومشاكله.
* سأكون صادقا معك، في الحقيقة الآن بدأت تتوضح الرؤيا لكن من قبل لم أفهم شيئا في فيلمك "رقصة الجنين" هل هذا تقصير منك؟
في الحقيقة عندما يقول المتفرجون لم نفهم الفيلم فهذا أمر لا يسيء إلي لأنه يسدي لي خدمة. الهدف الذي يتوخاه الفيلم هو أن لا يأخذ الطريقة الخطية، ومن هنا ففيلمي نقطة تحول ..إنه فيلم مشوش . ولكن ما هو أساسي بالنسبة لي هو أن يقول المشاهد أن فيلمي يمنح المتعة ويثير الاهتمام. هناك لغة سينمائية وصورة حاضرة بقوة. وهذا بالنسبة لي هو التحدي الحقيقي. إن أساس الانشغال في الفيلم هو التعامل معه كقطعة موسيقية تتفاعل معها، تفرح ، تحزن، ولكن دون فهم نوتاتها وتقاسيمها. لقد كنت أكتب الفيلم وأنا أتساءل كيف أكتب فيلما يشبه القطعة الموسيقية بلحظاتها القوية ولحظات التحول ولحظات الهدوء إلخ. ينتهي الفيلم ويتركك في حالة خاصة تخرج عن الحالات التي تعودناها في الأفلام ذات الخط السردي الخطي بالمقدمة والعرض والخاتمة . وهو ما يختلف أساسا عن انشغالي الفلسفي في الوقت الراهن. أن يقول المشاهد: لم أفهم الفيلم، فهذا يرضيني.
*حقيقة الجمال حاضر والفهم غائب وهو ما دفع البعض للقول أن مفتكر يقدم سينما نخبوية.
** مادمنا نتحدث عن الفيلم القصير فالاختبار جائز ومحاسبتي تكون في غير محلها ، لأنه من أهداف الفيلم القصير هو الاختبار لأنه لا يدخل في إطار السيرورة التجارية التي من خلالها يمكن أن يحاسبك المنتج والموزع وغيرهما. إن في الفيلم القصير هامش من الحرية. لقد شاهدت أفلاما قصيرة أكثر تطرفا من أفلامي. كما لاحظت أن المشاهد الغربي يتفاعل بشكل مخالف مع فيلمي مقارنة بالمشاهد المغربي أو العربي.
* أين يكمن هذا الاختلاف؟
** الفرق يكمن في أننا نحن العرب ثقافتنا مرتبطة بالكلمة أساسا ، أغلب الأمور تمر عبر الكلمة . والكلمة بالضرورة يجب أن تكون مفهومة بدرجتها الأولى للفهم وللأسف لا نملك ثقافة للصورة ونحن نحاول الآن تأسيسها، ومازلنا في مرحلة البحث. مرجعيتنا "الصوروية" غربية شئنا أم أبينا ونحن نحاول الآن تكييفها مع الواقع الغربي، وبالتالي نسير نحو حل إشكالية الصورة . رإن أي قطعة من الديكور تكسب أهمية كبيرة لأنها تعبير عن أمر ما ، مثلها مثل النظرة أو الإنارة أو اللون . كل هذه العناصر تتماهى لتحكي قصة وتخدمها. المشاهد الغربي له قدرة أكبر على قراءة الصورة. أما بالنسبة لنا فالابتعاد عن التعبير اللغوي يجعل منك حالة خاصة ويتعامل معك الآخر على هذا الأساس.
* ننتقل إلى موضوع آخر. كيف كان تعاملك مع الممثلة أمال عيوش؟
** كنت أعرف أمال قبل إنجاز الفيلم اتصلت بها لأني أحسست أنها ممثلة مناسبة للدور. كان لها في البداية نوع من التخوف والتحفظ لأنها لم تكن تعرف طريقة اشتغالي وبعد أن حكيت لها السيناريو لقطة لقطة وجعلتها تعايش عوالمه قبلت وأنا كنت راضي عن أدائها لأنها ممثلة ملتزمة.
* وماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
** أنا بصدد الإعداد لتصوير الفيلم القصير الثالث تحت عنوان "استيهامات" وهو فيلم أقل هستيريا من الأفلام الأخرى ، كي أتصالح مع جمهوري (يضحك) وفي نفس الوقت أكتب فيلما تلفزيونيا . وعلى المدى البعيد، أنا أفكر في مشروع الفيلم الطويل الأول.
* حدثنا أكثر عن "استيهامات"
** إنه فيلم يحكي عن لقاء ثنائي بين رجل وامرأة. الرجل الذي يلعب دوره محمد الجعيدي يريد أن يعيش مغامرة خاصة ويلتقي من إحدى بائعات الهوى وهذا اللقاء سيؤدي إلى مغامرة تفضي لنهاية ستفاجئ الجميع! إنه اختبار جديد لي وتهيئة للفيلم الطويل الأول.
* أظن أنك من المخرجين القلائل الذين لا يمتلكهم هوس الأفلام القصيرة الثلاث للوصول إلى الفيلم الطويل!
** إن المخرج والإخراج أمر يمتد مع الزمن ولا يمكن للإنسان أن يصبح مخرجا بين عشية وضحاها. إنه مشروع يتمدد ويمشي مع الزمن
ولحد الآن أي ،منذ 18 سنة من الاشتغال في السينما من دراسة وعمل وإخراج ، مازلت أتكون لأصير مخرجا حقيقيا والتكوين يأتي بالإبداع والمقارنة وهذا ما يحقق نضجا سينمائيا، وإبداعا بصفة عامة.
* وماذا عن الفيلم التلفزيوني؟
** التلفزة تقتضي طرحا آخر وتناول آخر . إنه يحكي عن طبيبة نفسية تعيش مغامرة مع إحدى مريضاتها حيث تظن أنها مسكونة بالجن بينما الطبيبة ترى الأمر غير مساير لقوانين العلم الحديث. وعلاقتها بالمريضة تجعلها تدخل في صراع خاص مع نفسها ومجتمعها وأسرتها وفي الأخير تكتشف أن قناعاتها العلمية موضوع شك. أنا لا أعطي جوابا ولكن العلم لم يستطع الإلمام بجميع الظواهر وتفسيرها.
* لقد لا حظنا أنك تطرح مشاكل ذات طابع وجداني خلافا للآخرين، يطرحون مواضيع ذات طابع يومي ..
** بالنسبة لي عدو الإنسان هو نفسه وليس الآخر، في الوقت الذي تحل مشاكلك مع نفسك وتتصالح معها، يمكنك بالتالي أن تواجه المجتمع بنضج وعقلانية إنه صراع داخلي وهذا ما يجعل المشاهد يجد صعوبة في الفهم لأني أحاول نقل صراع ذهني إلى صورة مرئية.
* ما هو محور فيلمك الطويل؟
** سأحاول أن أطرح فيه مسألة الإبداع، ما هو الإبداع؟ ما معنى أن تكون فنانا؟ ما رأي المجتمع في المبدع؟ وكيف ينظر له؟ وطبعا أصوغ كل هذه الأسئلة على شكل قصة وحكاية، هذه خطوط رئيسية فقط.
* لقد حللت مشكلة السيناريو كباقي المخرجين المغاربة بكتابة سيناريوهاتك بنفسك..
** أنا أكتبت أفلامي لأن لي تكوين في السيناريو كما في الإخراج، ونحن نعيش الآن أزمة حقيقية في الكتابة عبر عنها بشكل غير مباشر مهرجان طنجة الأخير. فالسينما المغربية لم يعد لها أي مشكل في كل ما هو "تقني" لم يعد هناك ارتجال أو بدائية في التقنية وأصبح المشكل يكمن في المضمون والحكي والإيقاع وهذا من اختصاصات السيناريو، لأن الفيلم الجيد ينطلق من سيناريو جيد منذ البداية. إنه مشكل حقيقي وكبير، وعلينا مواجهته بمساعدة الكتاب وتأطيرهم وتنظيم ورشات وتتبعهم.
* كيف ترى مستوى السينما المغربية؟
** إنه مستوى مشرف، هناك رغبة سياسية لتطوير السينما، وهناك جمهور متعطش للأعمال المغربية ويطلب المزيد. في وقت مضى كان مجرد عرض فيلم مغربي يعتبر حدثا في حد ذاته، أما اليوم فالمتفرج المغربي أصبح متطلبا ويخضع الفيلم المغربي لمقارنات قاسية، يجب تشجيع الجمهور للذهاب إلى القاعات السينمائية. وأظن أن السينما الآن بين أيادي أمينة على مستوى التسيير والقيمون على أمورها في مراكز القرار "يفهمون جيدا في السينما" وعلى المخرجين والمنتجين الآن أن يكونوا في المستوى وينصتوا لنبض المجتمع المغربي. يجب الاتحاد من أجل مشروع سينما في هذا البلد لا أقصد إنجاز فيلم بل مشروع كتابة سينمائية مغربية والتي لا ينجزها مخرج واحد بل المبدعون جمعاء من سينمائيين ونقاد وصحفيين الكل يضع لبنة صرح سينمائي مغربي متميز، لأن البلد لا يمكن أن يمثل في الخارج إلا بثقافته.
* هل صحيح أن هناك معركة خفية ومعلنة بين ما يسمى بجيل الرواد وجيل الشباب في حقل السينما؟
* إنها ليست معركة، لقد سبقنا جيل الرواد واستفدنا منهم كثيرا ونحن الآن بدورنا نريد أن نضيف للسينما المغربية إنها ليست معركة بل هو صراع الأب مع الابن إنه تمرد وتمرد خافت، ولا أحد منا يمتلك الحقيقة.
أجري الحوار جمال الخنوسي
على المخرجين والمنتجين أن يكونوا في المستوى وينصتوا لنبض المجتمع المغربي
إذا كانت الجوائز التي وزعتها لجنة التحكيم في المهرجان الوطني الأخير للفيلم بطنجة عرفت نقاشا حول مدى أحقية هذا الفيلم أو ذاك بالجائزة الكبرى . فخلافا لكل نقاشات الكواليس هذه كان اختيار اللجنة لفيلم "رقصة الجنين " لمحمد مفتكر بالاجماع. حيث استقبل بالهتاف و التصفيق من الجميع. محمد مفتكر مخرج شاب لكنه مع ذلك يحمل هموما كبيرة . التقيناه في هذا الحوار الصريح ليحدثنا عن مشروعه لبناء لغة سينمائية مغربية ببصمة مميزة .
* كيف كانت انطلاقتك في الحقل السينمائي ؟
** لقد بدأت في الميدان السينمائي كتقني وكمساعد مخرج في مجموعة من الأفلام المغربية . وكنت المسألة كلها بالنسبة لي مرحلة مؤقتة مادام حلمي الكبير وهدفي الأسمي هو أن أصبح مخرجا سينمائيا. واخترت هذا الطريق لأن المغرب لا يتوفر على مدارس للسينما. بعدها درست السينما في أوربا وشاركت في ورشات عدة في كل من فرنسا وألمانيا وتونس . واشتغلت أيضا كمساعد في كتابة السيناريو ، بعد أن خضعت لتكوين في مجال الكتابة . ثم أخرجت فيلمي الأول بعنوان "ظل الموت" وبعده مباشرة الفيلم القصير "رقصة الجنين".
* في البداية لنتحدث عن "ظل الموت"..
** الفيلم يحكي إحباط الشخصية الرئيسية من خلال الشك الذي يخيم عليها دون معرفة إن كان ما تعتقده صحيحا أم خاطئا. إنها هلوسة تؤدي بالبطل للإنتحار. الشخصية الرئيسية تشك في أن لأبيه علاقة جنسية مع زوجته مما يدفعه لقتلهم ومحاكمتهم كجثث وفي الأخير يكتشف أنه لم يقتل أحدا وأن كل ذلك كان متخيلا . وبما أن شكه قد انتصر عليه فلم يستطع أن يواجه الحقيقة الذهنية فكان الحل الوحيد أمامه هو الانتحار. شارك في التمثيل حسن الفذ والسعدية لاديب و فاطمة الشيكر.
* على حد علمي فسعدية لاديب ستشاركك في فيلمك القصير الثالث.
** لا أعتقد ذلك لقد اعتذرت لأسباب شخصية جدا وأنا أحترم اختيارها.
* نعود لانتجاتك. ماذا عن الفيلم الثاني "رقصة الجنين"؟
** بالنسبة لهذا الفيلم فالطرح السينمائي يتشابه مع الفيلم الأول. الفرق الأساسي هو أن الشخصية الرئيسية امرأة. امرأة ذات مستوى ثقافي تريد أن تجهض نفسها وتتردد في الإقدام على هذه الخطوة. ترددها يجعلها تدخل في هستيريا، وتعيش عوالم داخلية تصفي فيها حساباتها مع نفسها ومع ثقافتها وفي آخر المطاف تعدل عن الإجهاض وتقرر أن تحافظ على الجنين.
* ما هو الخطاب الذي أردت إيصاله بهذا الفيلم؟
** في الحقيقة أنا لحد الآن و في إطار الفيلم القصير أقوم بعدة تجارب سينمائية. و بصدد الانكباب على دراسة مشروع كتابة سينمائية تمكنني من التعبير بدقة عن اهتماماتي وانشغالاتي السينمائية. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كيف يمكن أن أجد كتابة سينمائية تتطابق مع ما يقع حاليا في المجتمع المغربي. الخطاب أساسا هو خطاب سينمائي محض إنه بحث عن لغة سينمائية تعبر عن هموم وانشغالات وفرح المجتمع المغربي . وبموازاة ذلك أنا أمثل جيلا، بكل إحباطاته وأهدافه وأحلامه . ومن خلال أفلامي أريد أن أنقل هذا التصور وأعرف إلى أي حد أنا قريب من هذا الجيل الذي أمثله. الجيل الذي يحلم وحلمه دائما أمامه حواجز ، جيل في صراع مع الأب مع السلطة وفي صراع مع الماضي.
* هل يمكن اعتبار الحلم الذي لم يتحقق للجيل الذي تعبر عنه وتنتمي إليه هو ذلك الجنين الذي أرادت بطلة الفيلم إجهاضه؟
** أجيبك بطريقة غير مباشرة في الفيلم الأول "ظل الموت" كان قتل الأب كحل لم يكن مناسبا وهو الأمر الذي دفع الشخصية الرئيسية للانتحار لأن قتل الأب يعود بك لنقطة الصفر وقتل الأب يتطلب البديل، وفي غياب هذا البديل فإنه يضع الإنسان في الفراغ والعدم. وفي الفيلم الثاني لم يكن هناك قتل للأب بل إحياء للجنين والإيمان بالذات ، والمحافظة على الجنين هو الحل الذي اختارته الشخصية، إنها رؤية مختلفة تماما عن الفيلم الأول. الاختلاف بين قتل الأب والإيمان بالنفس وبالمستقبل هي دعوة لمواجهة الواقع بكل سلبياته ومشاكله.
* سأكون صادقا معك، في الحقيقة الآن بدأت تتوضح الرؤيا لكن من قبل لم أفهم شيئا في فيلمك "رقصة الجنين" هل هذا تقصير منك؟
في الحقيقة عندما يقول المتفرجون لم نفهم الفيلم فهذا أمر لا يسيء إلي لأنه يسدي لي خدمة. الهدف الذي يتوخاه الفيلم هو أن لا يأخذ الطريقة الخطية، ومن هنا ففيلمي نقطة تحول ..إنه فيلم مشوش . ولكن ما هو أساسي بالنسبة لي هو أن يقول المشاهد أن فيلمي يمنح المتعة ويثير الاهتمام. هناك لغة سينمائية وصورة حاضرة بقوة. وهذا بالنسبة لي هو التحدي الحقيقي. إن أساس الانشغال في الفيلم هو التعامل معه كقطعة موسيقية تتفاعل معها، تفرح ، تحزن، ولكن دون فهم نوتاتها وتقاسيمها. لقد كنت أكتب الفيلم وأنا أتساءل كيف أكتب فيلما يشبه القطعة الموسيقية بلحظاتها القوية ولحظات التحول ولحظات الهدوء إلخ. ينتهي الفيلم ويتركك في حالة خاصة تخرج عن الحالات التي تعودناها في الأفلام ذات الخط السردي الخطي بالمقدمة والعرض والخاتمة . وهو ما يختلف أساسا عن انشغالي الفلسفي في الوقت الراهن. أن يقول المشاهد: لم أفهم الفيلم، فهذا يرضيني.
*حقيقة الجمال حاضر والفهم غائب وهو ما دفع البعض للقول أن مفتكر يقدم سينما نخبوية.
** مادمنا نتحدث عن الفيلم القصير فالاختبار جائز ومحاسبتي تكون في غير محلها ، لأنه من أهداف الفيلم القصير هو الاختبار لأنه لا يدخل في إطار السيرورة التجارية التي من خلالها يمكن أن يحاسبك المنتج والموزع وغيرهما. إن في الفيلم القصير هامش من الحرية. لقد شاهدت أفلاما قصيرة أكثر تطرفا من أفلامي. كما لاحظت أن المشاهد الغربي يتفاعل بشكل مخالف مع فيلمي مقارنة بالمشاهد المغربي أو العربي.
* أين يكمن هذا الاختلاف؟
** الفرق يكمن في أننا نحن العرب ثقافتنا مرتبطة بالكلمة أساسا ، أغلب الأمور تمر عبر الكلمة . والكلمة بالضرورة يجب أن تكون مفهومة بدرجتها الأولى للفهم وللأسف لا نملك ثقافة للصورة ونحن نحاول الآن تأسيسها، ومازلنا في مرحلة البحث. مرجعيتنا "الصوروية" غربية شئنا أم أبينا ونحن نحاول الآن تكييفها مع الواقع الغربي، وبالتالي نسير نحو حل إشكالية الصورة . رإن أي قطعة من الديكور تكسب أهمية كبيرة لأنها تعبير عن أمر ما ، مثلها مثل النظرة أو الإنارة أو اللون . كل هذه العناصر تتماهى لتحكي قصة وتخدمها. المشاهد الغربي له قدرة أكبر على قراءة الصورة. أما بالنسبة لنا فالابتعاد عن التعبير اللغوي يجعل منك حالة خاصة ويتعامل معك الآخر على هذا الأساس.
* ننتقل إلى موضوع آخر. كيف كان تعاملك مع الممثلة أمال عيوش؟
** كنت أعرف أمال قبل إنجاز الفيلم اتصلت بها لأني أحسست أنها ممثلة مناسبة للدور. كان لها في البداية نوع من التخوف والتحفظ لأنها لم تكن تعرف طريقة اشتغالي وبعد أن حكيت لها السيناريو لقطة لقطة وجعلتها تعايش عوالمه قبلت وأنا كنت راضي عن أدائها لأنها ممثلة ملتزمة.
* وماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
** أنا بصدد الإعداد لتصوير الفيلم القصير الثالث تحت عنوان "استيهامات" وهو فيلم أقل هستيريا من الأفلام الأخرى ، كي أتصالح مع جمهوري (يضحك) وفي نفس الوقت أكتب فيلما تلفزيونيا . وعلى المدى البعيد، أنا أفكر في مشروع الفيلم الطويل الأول.
* حدثنا أكثر عن "استيهامات"
** إنه فيلم يحكي عن لقاء ثنائي بين رجل وامرأة. الرجل الذي يلعب دوره محمد الجعيدي يريد أن يعيش مغامرة خاصة ويلتقي من إحدى بائعات الهوى وهذا اللقاء سيؤدي إلى مغامرة تفضي لنهاية ستفاجئ الجميع! إنه اختبار جديد لي وتهيئة للفيلم الطويل الأول.
* أظن أنك من المخرجين القلائل الذين لا يمتلكهم هوس الأفلام القصيرة الثلاث للوصول إلى الفيلم الطويل!
** إن المخرج والإخراج أمر يمتد مع الزمن ولا يمكن للإنسان أن يصبح مخرجا بين عشية وضحاها. إنه مشروع يتمدد ويمشي مع الزمن
ولحد الآن أي ،منذ 18 سنة من الاشتغال في السينما من دراسة وعمل وإخراج ، مازلت أتكون لأصير مخرجا حقيقيا والتكوين يأتي بالإبداع والمقارنة وهذا ما يحقق نضجا سينمائيا، وإبداعا بصفة عامة.
* وماذا عن الفيلم التلفزيوني؟
** التلفزة تقتضي طرحا آخر وتناول آخر . إنه يحكي عن طبيبة نفسية تعيش مغامرة مع إحدى مريضاتها حيث تظن أنها مسكونة بالجن بينما الطبيبة ترى الأمر غير مساير لقوانين العلم الحديث. وعلاقتها بالمريضة تجعلها تدخل في صراع خاص مع نفسها ومجتمعها وأسرتها وفي الأخير تكتشف أن قناعاتها العلمية موضوع شك. أنا لا أعطي جوابا ولكن العلم لم يستطع الإلمام بجميع الظواهر وتفسيرها.
* لقد لا حظنا أنك تطرح مشاكل ذات طابع وجداني خلافا للآخرين، يطرحون مواضيع ذات طابع يومي ..
** بالنسبة لي عدو الإنسان هو نفسه وليس الآخر، في الوقت الذي تحل مشاكلك مع نفسك وتتصالح معها، يمكنك بالتالي أن تواجه المجتمع بنضج وعقلانية إنه صراع داخلي وهذا ما يجعل المشاهد يجد صعوبة في الفهم لأني أحاول نقل صراع ذهني إلى صورة مرئية.
* ما هو محور فيلمك الطويل؟
** سأحاول أن أطرح فيه مسألة الإبداع، ما هو الإبداع؟ ما معنى أن تكون فنانا؟ ما رأي المجتمع في المبدع؟ وكيف ينظر له؟ وطبعا أصوغ كل هذه الأسئلة على شكل قصة وحكاية، هذه خطوط رئيسية فقط.
* لقد حللت مشكلة السيناريو كباقي المخرجين المغاربة بكتابة سيناريوهاتك بنفسك..
** أنا أكتبت أفلامي لأن لي تكوين في السيناريو كما في الإخراج، ونحن نعيش الآن أزمة حقيقية في الكتابة عبر عنها بشكل غير مباشر مهرجان طنجة الأخير. فالسينما المغربية لم يعد لها أي مشكل في كل ما هو "تقني" لم يعد هناك ارتجال أو بدائية في التقنية وأصبح المشكل يكمن في المضمون والحكي والإيقاع وهذا من اختصاصات السيناريو، لأن الفيلم الجيد ينطلق من سيناريو جيد منذ البداية. إنه مشكل حقيقي وكبير، وعلينا مواجهته بمساعدة الكتاب وتأطيرهم وتنظيم ورشات وتتبعهم.
* كيف ترى مستوى السينما المغربية؟
** إنه مستوى مشرف، هناك رغبة سياسية لتطوير السينما، وهناك جمهور متعطش للأعمال المغربية ويطلب المزيد. في وقت مضى كان مجرد عرض فيلم مغربي يعتبر حدثا في حد ذاته، أما اليوم فالمتفرج المغربي أصبح متطلبا ويخضع الفيلم المغربي لمقارنات قاسية، يجب تشجيع الجمهور للذهاب إلى القاعات السينمائية. وأظن أن السينما الآن بين أيادي أمينة على مستوى التسيير والقيمون على أمورها في مراكز القرار "يفهمون جيدا في السينما" وعلى المخرجين والمنتجين الآن أن يكونوا في المستوى وينصتوا لنبض المجتمع المغربي. يجب الاتحاد من أجل مشروع سينما في هذا البلد لا أقصد إنجاز فيلم بل مشروع كتابة سينمائية مغربية والتي لا ينجزها مخرج واحد بل المبدعون جمعاء من سينمائيين ونقاد وصحفيين الكل يضع لبنة صرح سينمائي مغربي متميز، لأن البلد لا يمكن أن يمثل في الخارج إلا بثقافته.
* هل صحيح أن هناك معركة خفية ومعلنة بين ما يسمى بجيل الرواد وجيل الشباب في حقل السينما؟
* إنها ليست معركة، لقد سبقنا جيل الرواد واستفدنا منهم كثيرا ونحن الآن بدورنا نريد أن نضيف للسينما المغربية إنها ليست معركة بل هو صراع الأب مع الابن إنه تمرد وتمرد خافت، ولا أحد منا يمتلك الحقيقة.
أجري الحوار جمال الخنوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق