27‏/09‏/2010

رسالة غير مشفرة إلى وزير الاتصال

سيدي الوزير،
اسمح لي في البداية بالاعتذار عن هذا الأسلوب غير اللائق، لأني فقدت ديباجة كتابة الرسائل المحكمة بعد أن أفسدت "الإيمايلات" و"الإيسيميس" لغتي الجميلة الأولى.
كما أرجو أن تسامحني على تطاولي على سيادتكم، فوالله هذه أول مرة أكتب فيها رسالة إلى وزير أو حتى غفير، وأعدك أن تكون الأخيرة حتى لا أثقل كاهل سعادتكم وألهيكم عن "النطق باسم الحكومة".
وبما أنكم يساري يؤمن بمقولة "أغاراس أغاراس،" سأدخل في الموضوع مباشرة، وأخبركم أن ما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة، أو ما نسميه نحن في عرف الصحافة "أسباب النزول"، هو أني قرأت بالأمس خبر إطلاق باب الترشيح لنيل الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة التي تشرف عليها وزارتكم. فقررت أن أحشر أنفي في ما لا يعنيني وأناشدكم حجبها هذه السنة، و"إغلاقها" في وجه كافة الصحافيين والصحافيات.
ولأني لست عدميا ولا تعجبني سياسة الكراسي الفارغة، فأنا أقترح عليكم سيدي الوزير، وبإلحاح المحتاج، أن تمنحوا جائزة الدورة الثامنة إلى كل مجرمي هذه البلاد "على مجموع أعمالهم". فو الله، سيدي وزير، إنهم أبطال الصحافة الحقيقيون، ومنحونا على مدى شهور، بل سنوات، مادتنا الدسمة لملء أوراق الجرائد الفسيحة الواسعة.
أناشدك سيدي أن تمنح الجائزة، إذن، إلى محرك الصحافة ووقودها، بداية من سعيد شعو البرلماني وتاجر المخدرات الذي فر إلى هولندا وهشام حربول وعاشور البقالي، مرورا بالحاج نجيب الزعيمي وميمون السوسي، ووصولا إلى كل مختلسي المال العام ولصوص البنوك وقطاعي الطرق، فهم زعماء الصحافة الحقيقيون في بلد يصنع فيه المجرمون الحدث، في بلد بدون معارك سياسية ولا خلافات مذهبية، في بلد ليست فيه نقاشات فكرية ولا مشاكسات ثقافية.
في زمن الصحافة المتردي هذا، سيدي الوزير، تغيب التحقيقات النارية والربورتاجات التي تغير حال المواطنين، وبدل ذلك يحضر اللمز والغمز والتراشق بين الصحافيين.
في هذا الزمن الذي غابت فيه المقالات التي تهز المسؤولين، وتسقط الحكومات، وتؤرق "الشفارين" وتطيح ب"الرؤوس التي أينعت"، احترف الصحافيون، سيدي الوزير، تبادل النيران الصديقة، والضرب تحت الحزام وفوقه، فضاق صدرهم وتوسعت قشابتهم، وأصبح دمهم خفيفا حتى أصيبوا بفقر الدم. وتعلموا خفة الذبح بحد السيف بدل الكتابة بحد القلم، وأصبحت الكلمات شفرات تداعبها أناملهم، تشرط الوجوه وتبقر البطون وتفقأ الأعين، بدل أن تكون مبضعا يزيل الأورام والشوائب والطفيليات. وتحولت أقلام الرصاص إلى أقلام رصاص، فأريقت، سيدي الوزير، دماء الصحافيين في معارك وضيعة بدل أن يسيل مداد محبراتهم في معارك الرأي وساحات الوغى للدفاع عن المبادئ الكبرى. فوالله، سيدي، ما كان حال الصحافة أكثر انحطاطا مما هي عليه اليوم، فعن أي جائزة تتكلمون؟! 
في زمن الانبطاح الفكري والسياسي والانحطاط الأيديولوجي المزمن، سيدي الوزير، امنح للمجرمين وقطاع الطرق جائزة الصحافة لهذا العام، فستكون قد عدلت وأعطيت لكل ذي حق حقه. والله لا يضيع أجر المحسنين. والسلام ختام.
جمال الخنوسي

18‏/09‏/2010

"فايس بوك" البعبع المخيف للشركات والمؤسسات العمومية

ليس للشبكة الاجتماعية "فايس بوك" معجبون ومنخرطون يقدرون بالملايين حول العالم فحسب، بل لها أيضا أعداء أشداء يكرهون هذا الدخيل الجديد، ويتوعدونه بالمنع ويقمعونه ب"الحديد والنار" ويمارسون عليه شتى أنواع التعتيم والتشويش.
ويصرف الحانقون والحاقدون على هذا العدو الالكتروني أموالا طائلة، ويرصدون الميزانيات الضخمة مستعينين ب"جدران النار" و"مراقبات الولوج" من أجل التصدي إلى "الفايس بوك" والإطاحة بالمتسلل الذي يكبدها الخسائر.
فبعد الانتشار الواسع الذي حققته الشبكة الاجتماعية "فايس بوك" ومثيلاتها على الانترنيت، أصبحت الشركات الخاصة والمؤسسات العمومية تحارب هذا الدخيل الذي تتهمه بإهدار وقت الموظفين على حساب القيام بمهامهم وخدمة المواطنين وهو الأمر الذي يكبدها خسارة كبيرة. إذ يقوم العديدون بتصفح صور أصدقائهم وأفراد عائلاتهم وزملائهم كما يتبادلون الحديث والدردشة لساعات طويلة على الموقع الشهير.
أكثر من هذا يتهم "الباطرونات" ومدراء المؤسسات الفايس بوك بتحطيم الحدود والوقار اللازم بين الرئيس والمرؤوس، الموظف والمدير، العامل والباطرون، التلميذ والأستاذ، الذي يمكن أن تنشأ بينهما "صداقة وهمية أو افتراضية".
ولا يغفل المتذمرون الحديث عن أن "الفايس بوك" ليس مجالا للعلاقات الطيبة واسترجاع الصداقات الحميمة بل هو أيضا ساحة مفتوحة للحقد والضغائن والضرب تحت الحزام، وتكوين المجموعات المناوئة ل"رئيس في العمل" أو النيل من "زميل مزعج" أو الإطاحة ب"مسؤول بارز".
وتؤكد الإحصاءات أن لكل منخرط في الشبكة الاجتماعية ما معدله 130 صديقا يضيع برفقتهم يوميا فترة زمنية بمعدل 50 دقيقة!
وتنفق المؤسسات والشركات أموالا باهظة، وترصد ميزانيات كبيرة في إطار حربها الضروس على شبكة الفايس بوك وأخواتها أو ما يسمى ب"سوشيال نيتووركينغ". وتلجأ إلى اقتناء أجهزة مراقبة من صنف "الفاير وور"، تتكفل بإغلاق منافذ التحميل وتتحكم في الولوج إلى "فايس بوك". وتتم هذه العملية إما بتحديد لائحة للعناوين الممنوعة من طرف المستعمل أو تحديد صنف معين من المواقع تمنع جميعها دفعة واحدة (مدونات، شبكات اجتماعية ...).
وتبدأ أسعار هذا النوع من الأجهزة انطلاقا من 30 ألف درهم إضافة إلى المتابعة بشكل شهري التي يتراوح سعرها بين 3000 و 5000 درهم شهريا، من أجل المراقبة والتحيين وإستخلاص الإحصاءات الدقيقة عن المستعملين والمخترقين والموظفين العاقين.
وتختار مؤسسات أخرى اللجوء إلى "برانم معلوماتية" تقوم بالمهمة ذاتها تسمى "فاير وول" أو "جدار النار" تتراوح أسعارها بين 20 ألف و30 ألف درهم، تمنع الاختراق أو ولوج المواقع الممنوعة التي وضعت في لائحة سوداء على غرار "فايس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب".
أما المؤسسات الأقل حظا فتضع مصيرها بين يدي برانم مجانية أو ما يسمى "أوبن سورس" إلا أنها محدودة الكفاءة والاختصاصات، وتطالب بشراء الحقوق عند دخول الخيارات المتقدمة.
وتجدر الإشارة إلى أن "فايس بوك" تمكن من جمع أكثر من 450 مليون منخرط حتى الآن من بينهم 15 مليون في فرنسا وحوالي مليوني منخرط في المغرب منذ انطلاقته في 4 فبراير 2004. كما وضع مالكه "مارك زوكربورغ" البالغ 26 سنة في الرتبة 212 في سلم أثرياء العالم بثروة تفوق أربعة مليار دولار جمعها في ظرف ست سنوات.
جمال الخنوسي

أين ينتهي الضحك ويبدأ التجريح؟


إذا صدق إدريس المريني منتج برنامج "نغموتاي" في نيته مقاضاة الكوميدي حسن الفد، وذهب إلى المحكمة من أجل رسم الحدود بين الهزل والسخرية من جهة، والتجريح والبسالة من جهة أخرى، سنكون أمام سابقة "هزلية" تستحق منا وقفة تفكير.
فليس المريني وحده من اغتاظ من "الفد تي في"، بل كثيرون أعلنوا سرا وعلانية امتعاضهم مما جاء في الكبسولات الساخرة ووصفوها ب"الابتذال" و"التجريح" و"القذف".
من جهة أخرى من حق الكوميدي أن يتساءل: متى كان للفنان الساخر أصدقاء فقط، وهل يستحق الكوميدي غير المزعج هذا اللقب أصلا؟!
إن قضية الفد و"نغموتاي" تحتم علينا طرح أسئلة جدية وأكثر شمولية: أين تنتهي الكوميديا وتبدأ "البسالة"؟ هل من حق الفنان أن يجعل من أي موضوع عنوانا لسخريته؟ ما هي حدود الهزل؟ وهل للكوميديا خطوط حمراء؟ وأين ينتهي الضحك ويبدأ التجريح والقذف؟
بالنسبة إلى إدريس المريني، فإن ما جاء به الفد كان له انعكاس سلبي على برنامج "نغموتاي" وزعزع فريق العمل. كما وصف الفد ب"الجفاف في الإبداع" لأن أسهل طريق هو النيل من كرامة الناس واتهامهم بقبول إكراميات 50 درهما". ثم، يؤكد المريني "كما ذهب الفد بعيدا في انتقاداته، سنذهب نحن بدورنا بعيدا في مقاضاته".
لننظر الآن إلى الموضوع من زاوية الفكاهي. فالكوميديون الذين يطلون علينا من خلال القنوات العمومية في موقف لا يحسدون عليه، إذ أمامهم لائحة طويلة من الممنوعات والخطوط الحمراء والزرقاء وكل ألوان الطيف. وفي الآن ذاته يطلب منهم إضحاك الجمهور أمام "زلايف الحريرة" و"كتبان السفوف" و"غابات الرزيزة". لذلك يقلب حسن الفد سؤال "هل يمكن أن نضحك من كل شيء؟" ليسأل بدوره "هل يمكن أن نغضب من كل شيء؟"، في إشارة إلى أن النقاش المفتعل أخيرا هو نوع من التضييق على حرية الفنان وقدرته على الإبداع.
ويضيف الفد، "لست أنا ولا المريني أبطال رمضان، لأن الأبطال الحقيقيين هم من عملوا بجد على مدى شهور طويلة من أجل إنجاح "الفد تي في" وإخراجها بالشكل الذي شاهدناه عليه. نحن لا نستحق هذه البطولة الإعلامية...". كما أشار الفد إلى ضرورة تدقيق بعض المفاهيم، "أنا ليست كوميديان أو ساخرا بل أنا فنان يقوم بمعالجة فنية لظواهر المجتمع".
وفي خطوة غير متوقعة، عبر الفد عن استعداده لتقديم اعتذار إلى المريني إذا شعر بنوع من الحيف، "للتعبير عن حسن نيتي.. هذا نبل مني".
إن القضية التي تجمع الفد والمريني لن تكون حتما الأخيرة، وسيبقى الخلاف دائما بين الفنان و"ضحيته" لأن الخلاف الجوهري سيظل دائما قائما بين من لا يرى للفن قيودا أو حواجز، وبين من يؤمن بأن رسم حدود للضحك لا يعني بالضرورة المنع أو القمع "لأنه حتى في أرقى المجتمعات ديمقراطية نجد حدودا لا يمكن تجاوزها كي لا تعم الفوضى".
جمال الخنوسي

الفرنسيون من أصول مغربية .. مواطنون من الدرجة الثانية

إن موجة صعود اليمين المتطرف والأحزاب العنصرية المتشددة التي شهدتها أوربا في الآونة الأخيرة، ليست الشر في الحد ذاته. بل إن التطورات التي يخلفها بروز مثل هذه التيارات المنغلقة والعنصرية هو الذي يؤرق المهاجرين والمتجنسين. فنتيجة للانتصارات الانتخابية الجزئية التي يحققها هؤلاء، يجد اليمين أو اليمين المعتدل نفسه في مأزق حقيقي يتجلى في هروب الناخبين إلى أقصى اليمين فيضطر إلى تبني بعض أفكار المتطرفين، التي تنتمي إلى عصور بائدة، أملا في إنقاذ الوضع.
في هولندا مثلا لا أحد يأخذ شخصا معتوها اسمه "خيرت فيلدرز" على محمل الجد. فالرجل يعد الناخبين بقصور من الرمال وخفض الضرائب إلى معدلات خيالية، ويجعل من البلاد البرتقالية ساحة للأحلام الوردية التي لا حدود لها، لأنه يمتلك الحل السحري لكل شرور الأراضي المنخفضة: طرد المهاجرين وترحيل المسلمين.
ومن أجل تكوين حكومة جديدة تضطر الأحزاب الأخرى إلى وضع يدها في يد ظاهرة إعلامية وفقاعة سياسية لا تمتلك أي برنامج سياسي أو اقتصادي وتلتزم بتطبيق وتبني بعض أفكاره المسمومة لإرضائه وضمان التحالف معه.
في فرنسا، كان وصول المتعصب "جون ماري لوبان" زعيم "الجبهة الوطنية" إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في 2002 على حساب الاشتراكي ايونيل جوسبان، صدمة كبيرة لكل الفرنسيين الذين تجندوا من أجل تحقيق نجاح تاريخي لجاك شيراك. إلا أن اليمين الفرنسي "سطا" بدوره على بعض أفكار "لوبان"، وما كان يعتبر بالأمس طابو وكلاما لتحقيق "الفرجة التلفزيونية"، أصبح اليوم برامج حكومية ومشاريع قوانين في عهد نيكولا ساركوزي.
فالذي يطبخ اليوم في ردهات قصر الإليزيه هو مظهر من مظاهر هذه "السرقات السياسية القذرة". فكيف تسمح فرنسا لنفسها بمجرد التفكير في تعديل القوانين لتبرير سحب الجنسية من مواطنيها؟
فبموجب التعديلين المقترحين ستستحدث في القانون جريمة تجمع بين "تعدد الأزواج في الواقع" و"الاحتيال" و"استغلال الضعف" (وهي جريمة فضفاضة لا معنى لها). وسيعاقب على هذه الجريمة كل شخص يعمد باسم الإسلام وعن طريق إقامة علاقات مع أكثر من امرأة واحدة، إلى الاستفادة بشكل احتيالي من المنح الاجتماعية الحكومية.
أما التعديل الثاني فينص على سحب الجنسية الفرنسية من "كل شخص من أصل أجنبي تعمد تشكيل خطر "على حياة شرطي ودركي أو أي ممثل للسلطة العامة" (وهذا بدوره تحديد فضفاض أيضا). وسيشمل هذا التعديل الذين حصلوا على الجنسية قبل أقل من عشر سنوات والمحكوم عليهم ب"السجن خمسة أعوام على الأقل".
أكثر من هذا، يواصل ساركوزي حملة ترحيل الغجر من فرنسا وإعادتهم إلى رومانيا وبلغاريا. وهو إجراء جعل راهبا من رموز الكنيسة في فرنسا "يتمنى من الله أن يصاب الرئيس نيكولا ساركوزي بنوبة قلبية"، ودفع السياسي المحنك، ورئيس الوزراء الأسبق الذي يطمح إلى الترشح في انتخابات 2012 الرئاسية، "دومينيك دوفيلبان، إلى القول، "إن سياسة ساركوزي الأمنية وصمة عار على فرنسا".
أي بلد يقبل على مواطنيه أن تكون لهم جنسية معلقة في الفراغ يمكن أن تسقط في أي لحظة؟ أي بلد يقبل على مواطنيه أن تكون لهم جنسية "نص نص"؟ وأي وطن هذا الذي يطرد أبناءه بشكل مهين لأنهم أخطؤوا أو أذنبوا؟
هل رأيتهم قط أما تتنصل من أبنائها الأشقياء وتنكر صلتها بهم بدل إخراجهم من الوحل وإيجاد حل لمشاكلهم؟
إنه لمن المحزن فعلا أن نكتشف مع بداية القرن الواحد والعشرين أن الإنسان لا يسير بخطوته الصغيرة أو قفزته الكبيرة حسب المقولة الشهيرة ل"نيل أرمسترونغ"، بل يغوص يوما بعد يوم في الحضيض.
جمال الخنوسي