10‏/12‏/2012

تي إن تي... التلفزيون فوق برميل بارود

جمال الخنوسي
سماء السمعي البصري تتلبد يوما بعد آخر، وكل المؤشرات تدل على أن عاصفة قادمة وأعاصير محدقة، ربما ستعصف بما تبقى من صفو جو تتعاقب عليه التيارات الباردة والساخنة، مع انفراجات قصيرة سرعان ما تترك مكانها للتوتر. العارفون بالأمور يقولون إن معركة دفاتر التحملات لم تكن إلا بداية تسخينية في انتظار معارك حقيقية من المرجح أن تكون التلفزة الرقمية الأرضية ساحتها المقبلة. 
هل يعيد ملف التلفزة الرقمية الأرضية إنتاج العناصر نفسها التي خلفت معركة دفاتر التحملات بكل نتائجها الكارثية على القطاع الذي يشهد ركودا قاتلا منذ قرابة سنة؟
يمكن الاعتماد على ثلاثة مستويات من القراءة من أجل شرعنة هذا السؤال:
أطراف النزاع
المستوى الأول مرتبط بوجود قواسم مشتركة بين الحالتين، إذ أن ملف التلفزة الرقمية الأرضية تتقاطع فيه الأطراف الرئيسية ذاتها التي كانت معنية بنزاع دفاتر التحملات (القطب العمومي والحكومة والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري). ويعتبر القطب العمومي شريكا أساسيا في مشروع التلفزة الرقمية الأرضية لأنه أول من أطلق "تي إن تي" في 2007، وهو أيضا من مكن اليوم من تغطية 80 في المائة من التراب الوطني بالتلفزيون الرقمي الأرضي، أما الحكومة فتستمد شرعيتها من أنها تمتلك الاختصاصات التمويلية في تنفيذ السياسة العمومية. فيما تقدم الهيأة العليا للاتصال الخبرة التقنية والقانونية، إذ رافقت ملف التلفزة الأرضية الرقمية منذ إطلاقه في 2007 كما أنها تمنح التراخيص للقنوات التلفزيونية الخاصة، بصفتها الزبون المقبل لهذا النوع من البث.
تقاطع خطير
المستوى الثاني للفهم مرتبط بالجواب عن أسباب الأزمة التي يعتبر التنازع في الاختصاصات والصلاحيات وحتى المبادرات مصدرها الأساسي، ومن هنا جاءت أيضا مشكلة دفاتر التحملات الشهيرة إذ أن حدود التماس التي تميزت بها هي نفسها المتوفرة اليوم في ملف "تي إن تي".
أكثر من هذا ستزيد الوضعية القانونية المبهمة في للأطراف الثلاثة المشتركة في ملف "تي إن تي" في تفاقم الوضع وزيادة في أسباب التوتر والتصعيد، إذ لا يوجد إلى حد الساعة إطار قانوني يوضح ويؤطر التلفزة الرقمية، فما بالك بمعرفة الحدود والاختصاصات، الأمر الذي يجعل التلفزة الرقمية الملك المشاع وفي أحسن الحالات ملكا لورثة كثر وجدوا أنفسهم بعد الدستور الجديد والحكومة الجديدة وأزمة دفاتر التحملات الاخيرة مجبرين على إعادة اقتسام تركة الأمس التي عمرها 5 سنوات من التلفزة الرقمية.
ولم تساعد النصوص القانونية المتوفرة في حالة دفاتر التحملات على تجاوز المشكل، أما في ملف "تي إن تي" فإن الحالة أصعب إذ لا وجود لقانون بالمرة ما يجعل الأمر مرشحا لتوتر أكبر.
الثابت والمتحول
أما من أجل فهم المستوى الثالث للقراءة فيجب العودة إلى قضية دفاتر التحملات التي صيغت في نسخة شهر مارس بمنطق حكومة وليس بمنطق دولة، علما أن القانون يقول إن الإعلام العمومي ينفذ سياسة الدولة، وبالتالي فإن المشرع كان ذكيا عندما لم يلزم الإعلام بتنفيذ سياسة حكومة على أساس أننا هنا أمام جدلية الثابت والمتحول: فالحكومة تحولها صناديق الاقتراع التي تجعلها إسلامية أو تقدمية أو تكنوقراطية أو حكومة ائتلاف... أما الدولة فتعبر عن خيارات مجتمعية ما أعطى مبررا إلى تعديل دفاتر التحملات بعد التحكيم الملكي.

إن التلفزيون ليس قضية سياسية فحسب، ولا رهانا للتجاذب وربح المكاسب الصغيرة والكبيرة، بل هو أولا وقبل كل شيء حرفة لها أصحابها ومهنيوها ومحترفوها، ومن غير المعقول ترك التلفزيون "ليعبث فيه" السياسي على حساب المهني.
لقد كان قانون الاتصال السمعي البصري (03 - 77) واضحا في هذا المجال ولم يترك مجالا للالتفاف عليه وتحدث في فصوله المتعددة (المادة 47 و51 و52 و54...) عن الدولة كفاعل أساسي ومحوري حتى يقطع الطريق أمام التأويلات السياسوية أو المذهبية أو الحزبية، لأن الحزب أو الحكومة عابران، أما الدولة فقائمة ومستمرة.
القنوات العمومية لا تعكس قناعات حكومة أو حزب بل تنفذ سياسة الدولة التي تعبر عنها جميع مكونات المجتمع المغربي: الملك والبرلمان والحكومة والرأي العام والصحافة والمجتمع المدني... والخلط الذي وقع للخلفي بين تصور الدولة للإعلام وتصوره الحزبي للتلفزيون ساهم في خلق الزلزال الذي هدد بالانقسام داخل المجتمع وداخل الائتلاف الحكومي الهش.
مشروع سيادي
أين تتجلى ملامح مشروع الحكومة ومشروع الدولة في قضية "تي إن تي"؟
مشروع التلفزة الرقمية الأرضية يحمل بعدا سياديا على مستويين: مستوى تقني لوجستيكي وآخر متعلق بالمضمون.
على المستوى التقني فإن الانتقال من البث الهرتزي إلى البث الرقمي الأرضي سيتم في 2015، واستعدادا لهذا التاريخ الرئيسي فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون قامت إلى حدود اليوم بتغطية 80 في المائة من التراب الوطني، لكن نسبة التجهيز لدى السكان لا تتعدى 5 في المائة مع أننا على بعد 3 سنوات فقط.
نحن إذن  في حاجة الى عملية أشبه بعملية مارشال لتجهيز البيوت. إذ أن مسألة التجهيز أساسية وتتطلب إمكانات مالية كبيرة وحلولا عبقرية. فقد سبقتنا دول اخرى  في هذا المجال، وكل منها تبنى حلا أو حزمة حلول لمعضلة التجهيز إما عبر توزيع أجهزة الاستقبال، أو منع دخول التلفزيونات التي لا تتوفر على "تي إن تي" مدمج، أو سحب الأجهزة من السوق، أو بيع أجهزة الاستقبال بثمن رمزي... وكلها حلول لها كلفة مالية علما أن الميزانية مثقلة بهموم أخرى.
في إطار تحقيق الانتقال، اعتمدت البرتغال على ساعي البريد للوصول الى المناطق النائية لمساعدة الناس في التجهيز والتركيب. وفي فرنسا ساعدت الدولة في توزيع أجهزة الاستقبال بثمن رمزي هو ثلاثين أورو.
ولابد من الإشارة هنا إلى مذكرة أصدرتها وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة، في عهد حكومة عباس الفاسي، تتضمن معايير جديدة لاستيراد أجهزة التفزيون ذات "تي إن تي" مدمج.
المعادلة واضحة إذن: الحكومة توفر الكلفة المالية، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون تنجز، والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري تقدم الخبرة.
من جهة أخرى فإن المضمون يطرح بدوره مشكلا سياديا، إذ أن المضمون الضعيف لا يغري بالمشاهدة واقتناء الأجهزة المزودة ب"تي إن تي". فقناة أفلام مثلا انشأت بميزانية 0 درهم، وبرمجتها لا تضم أفلاما حديثة ولا تشتري حقوق بث الإنتاجات الهوليوودية الجاذبة لنسب المشاهدة. والقناة الرياضية متوفرة على الساتل وتقدم البطولة الوطنية على غرار القناتين الأولى والثانية. أما الرابعة فمسخ تلفزيوني بلا تصنيف.
لقد تعاملت الحكومات المتعاقبة على مدى سنوات مع فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ورئيس القطب العمومي ، كالساحر الذي يطلب منه خلق القنوات من العدم. فميلاد القنوات التلفزيونية كان تنفيذا لسياسة حكومية محضة وليست لحاجيات مجتمعية حقيقية. كما نفذ الإعلام العمومي على مدى سنوات سياسات عمومية، ورضخ لإملاءات حكومية عجيبة إذ نحن الوحيدون الذين ينشئون قنوات تلفزيونية بشراكة مع وزارات! (الرابعة مع وزارة التربية الوطنية، والسادسة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية).
القنوات الخاصة هي الحل
من أجل تجاوز معضلة المرور إلى التلفزة الرقمية الأرضية لابد من الإسراع بإطلاق تراخيص قنوات تلفزيونية خاصة، ومنحها البث الرقمي الأرضي الذي من مهامه انعاش التلفزة الرقمية الأرضية. ففي فرنسا، التي نستأنس بتجربتها في العديد من المجالات، لم تكن مؤسسة "فرانس تيليفزيون" الجاذب الوحيد ل"تي إن تي" بل إن القنوات الخاصة هي التي فتحت شهية الفرنسيين للوافد الجديد (تي إف 1، وإم 6، ودي 8...).
تحسين المضمون
إضافة إلى منح تراخيص قنوات خاصة لابد أيضا من تطوير مضمون القنوات العمومية. فالحكامة والتنافسية والجودة شعارات جميلة، لكن المهم هو كيفية تحقيقها وتنزيلها، فتطوير مضمون القنوات السبيل إليه هو خلق صناعة تلفزيونية حقيقية.
إن الانتقال الرقمي تحول جوهري في المجال السمعي البصري بل داخل المجتمع ككل مثله مثل الانتقال الديمقراطي، يجب ألا يكون مجالا للمزايدات السياسوية.
الجميع إذن يريد أن ينسب الانتقال الديمقراطي إليه، والمطلوب هو التنزه عن الاستحواذ عليه من طرف الأشخاص أو الأحزاب. كذلك الأمر بالنسبة إلى ملف التلفزة الرقمية الأرضية الذي أصبح طريدة تسيل لعاب البعض في حين أن الفاعلين الثلاثة (الحكومة والقطب العمومي والهاكا) معنيون بهذه الثورة الرقمية بشكل عادل ومتساوي.

05‏/12‏/2012

شاعر "الجزيرة" الذي لم يتبعه الغاوون

يقولون إن الشاعر يولد من الألم، وتصنع المعاناة أبياته وتسطر قوافيه العرق والدم وقد اشتهر جميل بما عاناه مع حب بثينة وعرف شارل بودلير ب"أزهار الشر" بعد الذي قاساه مع مع مدام سابتيي. أما الشاعر الذي يولد في جزيرة تفيض بترولا وغازا زلالا، ويفترش فيها الناس الدولار والأورو وكل العملات الصعبة والسهلة تخلق له المآسي حتى يقرض الشعر قرضا !
تلك حكاية الشاعر القطري محمد ابن الذيب العجمي الذي اعتقل في الدوحة في 16 أكتوبر 2011 بتهمة "التحريض على قلب نظام الحكم" و"إهانة الأمير" في "قصيدة الياسمين" التي كتبها بوحي من الانتفاضة التونسية.
وحكمت قطر على العجمي بالسجن المؤبد بتهمة انتقاد الأمير والدعوة إلى التمرد، في حكم أثار غضب الكثيرين. وأشاد العجمي في قصائد شعرية بانتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بحكام مستبدين في أربع دول عربية منذ أوائل العام الماضي وانتقد أمير قطر.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر في حديثه عن القضية، "أمضى محمد العجمي قرابة السنة وراء القضبان في الحبس الانفرادي، وذلك لقيامه على ما يبدو بممارسة حقه في حرية التعبير عن الرأي بشكل سلمي.  وإذا اتضح أن ذلك هو سبب اعتقاله بالفعل، فسوف يعتبر العجمي حينها من بين سجناء الرأي، وينبغي بالتالي إطلاق سراحه فورا ودون شروط".
وتكيل "قصيدة الياسمين" التي نظمها العجمي النقد لحكومات دول الخليج، إذ يقول فيها ما مفاده "إننا جميعا تونس في وجه النخب القمعية".
وقام جهاز أمن الدولة القطري باستدعاء العجمي واعتقله في الدوحة في نونبر الماضي، وجرى إيداعه منذ ذلك الحين في الحبس الانفرادي طيلة أشهر قبل أن يسمح لعائلته بزيارته. ويعتقد بأن الشاعر العجمي محتجز حاليا في السجن المركزي بالعاصمة القطرية. ولا يزال قيد الحبس الانفرادي منذ اعتقاله فيها.
الغريب في هذه الحكاية العجيبة أنه على بعد كيلومترات قليلة من الحدث الذي استحوذ على اهتمام القنوات التلفزيونية حول العالم، يوجد بوق كبير اسمه "الجزيرة" شعارها الرأي والرأي الآخر، لم تر ولم تسمع عن شاعر حكم عليه بالسجن مدى الحياة لأنه قرض شعرا، فسكتت دهرا.
قناة "الجزيرة" التي تستعد للعودة إلينا وتصيد أخطائنا والاتجار في عاهاتنا والتفنن في لعق جراحنا ادارت ظهرها للشاعر الذي يقطن في خيمتها، كما أدارت ظهرها للموجة الثانية من الثورة في مصر التي خرجت ضد الإخوان المسلمين. وبعد أن هيجت الملايين أيام مبارك تحولت مصر فجأة إلى جنة عدن بعد وصول مرسي الإخواني.
إنه الحول الذي يصيب الإعلام، و"المهنية" العجيبة في دولة "الجزيرة" التي فرش لها البعض السجاد الأحمر لتبشرنا بأن أسوأ الأيام هي التي لم نعشها بعد.     
جمال الخنوسي

15‏/11‏/2012

تكريم أبو عبيد في مهرجان مراكش

علمت "الصباح" أن الدورة 12 من المهرجان الدولي للفيلم الذي سيعقد بين 30 نونبر و8 دجنبر المقبل ستكرم المنتج المغربي كريم أبو عبيد في إطار التقليد الذي دأبت عليه والقاضي بتكريم وجوه سينمائية وطنية.
واختارت مؤسسة المهرجان هذه السنة تكريم منتج  شركة "دين فيلم" من مواليد 1964 بمراكش، عمل مع كبار السينمائيين حول العالم، وعرف داخل المغرب بإنتاجه أفلام الكوميدي سعيد الناصري مثل "عبدو في بلاد الموحدين" و"الخطاف" و"مروكي في باريس"، كما شارك في انتاج وتنفيد إنتاج أعمال عالمية كبيرة وإنتاجات هوليودية ضخمة مثل "المومياء" في 1998 و"عودة المومياء" في 2000 و"هيدالغو" في 2002 و"سباي غايم" للمخرج توني سكوت في 2001 و"الاسكندر" لأوليفر ستون سنة 2003 و"مملكة الجنة" لريدلي سكوت سنة 2004، و"بابل" لأليخاندرو كونزاليس سنة 2005، و"شارلي ويلسونز وور" لمايك نيكولس سنة 2006، و"ذا فالي أوف إيلاه" لبول هاغيس سنة 2007، و"امير بلاد فارس" لمايك نويل في 2008.
كما اشتغل على السلسلة التلفزيونية الشهيرة "ذا غايم اوف ثرون" في 2009 و2012 وسلسلة "عمر" في 2011.
وفي سياق متصل من المنتظر أن تكرم الدورة نفسها زوانغ ييمو، المخرج والمؤلف والممثل الصيني الذي قدم العديد من الأفلام الناجحة، ويعتبر أحد أشهر أبناء الجيل الخامس من السينمائيين الصينين.
وانتبهت وسائل الإعلام إلى زوانغ ييمو في 1994، عندما احتجز في الصين رغم أن فيلمه "فيفر" يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان. والسبب المعلن هو أن سلطات بيكين لم تمنح فيلم المخرج المثير للجدل تأشيرة الرقابة.
وييمو من مواليد 14 نونبر 1951، أظهر منذ طفولته ولعا واهتماما كبيرين بالتصوير الضوئي والتصميم.  وفي 1982، وبعد أن تخرج من الأكاديمية السينمائية في بكين، التحق باستوديو غوانغسي السينمائي وفاز بجوائز أفضل تصوير سينمائي من جوائز الديك الذهبي الصيني عن عمله في فيلمي "الأرض الصفراء"، و"الاستعراض الكبير". ثم توسع زوانغ في مجال مهنته السينمائية الصينية وحمل أول أعماله في الإخراج السينمائي عنوان "الذرة الحمراء" الذي نال جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي، ثم فاز فيلمه التالي "قصة كيو جو " بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، وجعلته تلك الجوائز يرتقي إلى مصاف أشهر صانعي الأفلام على المستوى العالمي.
وكان عضو لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 1993، ورئيس مدير حفلي الافتتاح والختام لدورة الألعاب الأولمبية 2008 في بكين، وكذلك رئيس لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي 2007.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية سيترأسها جون بورمان، المخرج وكاتب سيناريو والمنتج الذي قام بالتمرين ذاته في مهرجانات سابقة كان أهمها ترأس لجنة التحكيم في مهرجان كان في 2009، صنف الفيلم القصير.
ولبورمان، المزداد بشيبيرتون الإنجليزية في 1933، مسار فريد في عالم السينما، إذ بدأ حياته المهنية ناقدا سينمائيا لصالح الإذاعة، وفي 1965 أنجز أول أفلامه الطويلة تحت عنوان "أنقذ من استطعت" لتكتشفه هوليوود التي انتقل إليها لإنجاز أفلام مثل "نقطة اللاعودة" سنة 1967، و"الجحيم في المحيط الهادئ" سنة 1968، اللذان حققا نجاحا عالميا وقفزا باسم بورمان إلى الواجهة. وعاد إلى لندن في 1969 لينجز رائعته "ليو الأخير" الذي حصل على جائزة الإخراج في مهرجان كان في 1970.
وبعد ذلك أخرج بورما أفلاما مثل "خلاص" سنة 1972، و"زاردوز" سنة 1973، و"طارد الارواح الشريرة (الجزء الثاني)" سنة 1977. وفي 1981 أخرج فيلم "إكسكاليبور" الذي توج في مهرجان كان سنة 1981، ثم "غابة الزمرد" سنة 1985 و"الأمل والمجد – حرب السبع سنوات" سنة 1987، اللذين استقبلهما النقاد بحفاوة كبيرة.
 وبورمان، حامل وسام من رتبة قائد في الإمبراطورية البريطانية، تولى لمدة سبع سنوات إدارة المعهد البريطاني للسينما كما ترأس الأستوديوهات الوطنية للسينما بأيرلندا.
 في سنة 2004، حظي بالتكريم من قبل الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (BAFTA) ،عن مسيرته الفنية الرائعة. يقول بورمان، "إن الأهم في كل مهرجان ليس هو لجنة تحكيمه٬ بل الأفلام التي تم اختيارها في مسابقته. أنتظر بشوق كبير مشاهدة الأفلام المختارة٬ سيما تلك القادمة من إفريقيا. بصفته مخرجا سينمائيا٬ أعلم جيدا مدى صعوبة إنجاز فيلم٬ وأكثر من ذلك٬ أن يكون فيلما جيدا. أحيي كل الذين استطاعوا أن يجدوا لأنفسهم طريقا إلى مراكش".
يعيش جونبورمان منذ أربعين عاما في أيرلندا، هناك تبنى سبعة أطفال وزرع 5000 شجرة. و ألف كتابي ذكريات بعنوان من "المال إلى الضوء" و"مغامرات فتى من الهامش"، وأصدر مع والتر دونوهو 13 عددا من مجلة "بروجيكسيون" التي تتناول مواضيع متعلقة بمهنة الإخراج.
جمال الخنوسي

08‏/11‏/2012

ملكات الجمال في بلاد العجائب

والله إننا قوم يحب الثرثرة والكلام بدون معنى... نحن أناس نعشق المعارك الوهمية والخروج كدونكيشوط دي لامانشا في غزوات وهمية لتحقيق العدم والغرق فيه حتى النخاع، ونقاتل بحد السيف أعداء وهميين.
والله إننا قوم يهوى أن يصنع من الحبة قبة، ويأخذ تلاوين كثيرة، يتبنى الفكرة ونقيضها، يدافع عنها ويموت من أجلها في سكيزوفرينيا نادرة، الهدف منها جلد الذات والتنكيل بها.
وما يثار اليوم حول زيارة ملكات جمال بلجيكا إلى مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء أو حول الصورة التي التقطت للبعض منهن مع شرطي، من لغط، لا يعدو أن يكون صبا للماء في الرمل، ولغوا إذا ما استغل بشكل سياسوي يمكن أن يعكس صورة سيئة عن هذا الشعب المتسامح ويلطخ سمعة أمة لا تحتاج إلى مزيد من الإشهار السلبي.    
من سيزعجه أن تأخذ جميلات بلجيكا صورا في باحة المسجد؟
صحيح أن مسجد الحسن ليس مسجدا له قدسيته والاحترام الواجب له فحسب، بل هو أيضا معلمة لشموخ هذا الوطن، ورمز من رموز بلاد العجائب التي تجمعنا جميعا، ولن يضير أحدا إذا ما أظهرنا للعالم معالم حضارتنا ورمزا من رموز شموخنا وعزتنا واعتزازنا بإسلامنا الوسطي السمح.
فإذا كان "الله جميل يحب الجمال" كما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام، من حقنا أن نشهر للجميع أن الذي "عرشه على الماء" لا يدعو إلى القتل والتنكيل، بقدر ما يدعو إلى الحب والتسامح. وسيكون وجهنا أكثر إشراقا إذا ما أظهرنا للجميع أننا شعب يجعل من المسجد فضاء للصلاة والتعبد، وأيقونة فنية وأثرا يحج الناس إليه من كل الأقطاب والأديان للنظر إليه والتبصر في جماله.
الأكثر من كل هذا، أن المئات من المغاربة والأجانب من مختلف الجنسيات والأديان يزورون كل يوم باحة المسجد، ويلتقطون أمام المعلمة التاريخية صورا تذكارية دون أن يمثل ذلك أدنى إشكال لأحد، فالمغاربة بطبعهم متسامحون ومتفهمون وكرماء، حتى أن تجارة موازية انتشرت على جنبات باحة المسجد في تعايش جميل بين الديني والاجتماعي. أما أن تثار الزوابع في فنجان البلادة لا لشيء سوى لأن الفتيات اقترفن جريمة الجمال وفضيحة الحسن والدلال واستغلال كل هذا في معارك سياسوية ساقطة، فتلك جريمة أقوى في حق هذا البلد وناسه. ولنرسم كما قال نزار قباني "مدينة حبٍ... تكون محررة من جميع العقد...  فلا يذبحون الأنوثة فيها...ولا يقمعون الجسد...".
لقد أبرزت هذه المعركة الوهمية أن السياسة يمكنها أن تعمي الأبصار وتجمع بين بعض "المتأسلمين" مع بعض "الحداثويين"، وتجعل من الأفكار موجة يركبها البعض لمآرب ضيقة لا أكثر. كما كشفت عورة الذين في  دواخلهم نزوات محافظة ومنعطفات متخلفة وبذور الجهل المقدس التي تستفيق من سباتها بين الفينة الأخرى ... حسب اللزوم.
جمال الخنوسي