05‏/11‏/2006

جزيرة خارج التاريخ على أبواب أوربا




قصة جزيرة «سارك» التي تقع بين فرنسا وانجلترا.
جزيرة خارج التاريخ على أبواب أوربا

في الرابع من أكتوبر الماضي دخلت جزيرة صغيرة في بحر المانش مسيرة ديمقراطية بعد 440 سنة من الحكم الفيودالي.

يقول المثل الشهير من جاور السعيد يسعد، ومن جاور التعيس يتعس. لكن ماذا عن جار الديمقراطي .. هل ستغزوه الديمقراطية هو أيضاً ويدق التغيير أبوابه بقوة ؟
وحتى وإن كانت مجاورة العديد من البلدان العربية لبلدان أوربية أخرى ضليعة في الديمقراطية ولها تاريخ ومسلسل طويل دون أن تتأثر بريح التغيير ولا بنظم الديمقراطية، تبقى قصة الصخرة التي تدعى «سارك» مختلفة عن كل هذه النماذج ومميزة بجميع المقاييس.
فهذه الجزيرة الجميلة لازالت محافظة على طابعها البدوي ومسالكها الوعرة وقصتها من أغرب الحكايات التي تجود بها قريحة التاريخ. ففي سنة 1565 وهبت ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى جزيرة «سارك» إلى أحد كبار السادة بثمن رمزي يقدر بحوالي 18 درهم.
جزيرة «سارك» تعيش منعزلة خارج التاريخ وبعيدة عن كل المقاييس المدنية كما هو الشأن في فيلم «لوفيلاج» لنيت شياملان فالجزيرة تقع في بحر المانش وأقرب ميناء أوربي لها يبعد عنها بـ 45 كيلومتر لكنها مع ذلك لا تنتمي لا للاتحاد الأوربي ولا لفرنسا ولا هي جزء من انجلترا. ومع ذلك بقيت محط أطماع الجميع، ولحد الآن لم يسلم الجيران باستقلاليتها. ففي سنة 1990 «هاجم» مواطن فرنسي اسمه أندري كارد الجزيرة حاملاً بندقيته من أجل تحرير هذه البقعة الفرنسية المسلوبة وأعطى لنفسه إسم «سيد الجزيرة» بعد نجاح انقلابه المسلح قبل أن يتم إيداعه بعد ذلك بأيام قليلة في مستشفى المجانين، حسب جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية التي أوردت الخبر.
ولقب السيد في هذه البقعة الأرضية الصغيرة ينتقل بين جيل وآخر عبر الوراثة كما كان الحال منذ قرون. ونفس الأمر للقطع الأرضية الأربعين المقسمة والتي تكون من نصيب الإبن البكر لكل عائلة
.
وفي صباح اليوم الرابع من أكتوبر الماضي قرر سكان هذه الصخرة المعزولة والتي تبلغ مساحتها 6 كيلومترات طولاً وكيلومتين عرضاً إقبار قرون من الإقطاعية للمرور إلى نظام ديمقراطي صرف على غرار جيرانيهم الأوروبيين. وبذلك سيدخل سكانها الـ «600» بداية مسلسل حقيقي مبني على الانتخابات والحق في التصويت بدل النظام الفيودالي الذي كان يحكم من خلاله السادة بشكل مطلق رعاياهم الأوفياء

اجتمع أعضاء البرلمان تحت سقف البيت الذي يستعمل أيضاً كمدرسة، وفتحوا صندوقاً موضعاً على طاولة يلفها قماش أخضر. وأعلنت النتائج بصوت مرتفع بجانب صورة للملكة إليزابيث الثانية، حيث صوت 34 فرداً للديمقراطية و14 منهم امتنعوا عن التصويت. وككل مكان في العالم لابد أن يتواجد من يتشبث بغير الديمقراطية ويجعل من رفضها سبيلاً وديناً له. فقد تم فرز صوت واحد ضد الديمقراطية ومسيرة مسلسلها التي قررت الجزيرة الخوض فيه.
ولازال لحد الآن يسدد سيد جزيرة «سارك» مايكل بومون ما قدره 18 درهم للملكة مباشرة وليس للحكومة البريطانية ولا الفرنسية. فالملكة لم تر من اللائق إعادة النظر في سومة كرائية لم تعرف أي تغيير منذ قرون حتى يومنا هذا.
ويتم تسيير هذه الجزيرة من طرف «السيد» و40 من معاونيه بالإضافة إلى 12 منتخباً إلتحقوا بهذه المهمة مع نهاية القرن الماضي، الأمر الذي يجعل المجموع هو 52 فرداً نالوا لحد الآن رضى جميع الأطراف. فلا وجود للموظفين ولا للضمان الاجتماعي ولا للسيارات لأنها ممنوعة منعاً باثاً وقطعياًو ولا وجود للضريبة على الدخل أو أي نوع من الضرائب أو الأتاوات، الكل قائم على نظام التضامن والتكافل الاجتماعي والابتسامة المتبادلة على طرقات أرضية منزوية عن العالم.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق