23‏/11‏/2006

عتيق.. يا عتيق ..

عتيق.. يا عتيق ..

اتصل بي مساء أول أمس الإعلامي المغربي «عتيق بنشيكر»، أسعدتني منه هذه الالتفاتة، لكن كان يبدو من صوته على الهاتف، الكثير من الانفعال. أذهلني منه أمر كهذا، وهوالمعروف بهدوئه ودفء صوته في مختلف البرامج التي قدمها طوال مساره الإعلامي على القناة الثانية بالخصوص. سبب هذا الانفعال هو نقمة الزميل علينا بسبب ما كتبناه في نفس العمود بعدد يوم الخميس. وأكثر ما آلم بنشيكر هي الجملة التي تقول «إن 30 مليونا من المغاربة ليس فيهم منشط واحد مثل «زاهي وهبي» يحمر الوجه» واعتبر الشيكر نفسه أحسن منه بكثير، ويعرف من يكون، وطريقة اشتغاله. ولم يكن علي بتاتاً وضعه أي «الشيكر» في سلة واحدة مع باقي المنشطين والإعلاميين المغاربة. وكان حرياً بي أن أقارنه بالمنشطين الفرنسيين بدل العربي «زاهي وهبي»، لأن الفرنسيين هم على الأقل أحسن منا، وروح الوطنية تحتم علي من وجهة نظر الشيكر الاعتراف بقدرات أبناء جلدتي وتشجيعها.
كل ما قاله الشيكر وجهة نظر تحترم، والحق يقال إنه لم يفقد صوابه كما يفعل الآخرون، أو انفلتت أعصابهم، وحافظ طوال النقاش على أدبه وروح الاستماع والانصات للآخر. وبعيداً عن هذا وذاك يبقى «عتيق بنشيكر» صحفياً مغربياً محترماً ونكن له الكثير من الحب، لكن مع ذلك لابد من إبداء بعض الملاحظات التي ربما غابت عن بال العزيز عتيق.
في البداية إن كان بنشيكر يرى في نفسه أنه أحسن من «زاهي وهبي»، فنحن لا نرى الأمر هكذا بمنطق المقارنة السهل والبسيط. وعلى كل حال هذا أمر يعنيه وحده والمثل المغربي يقول «اللي احسب وحده يشيط ليه».
من جهة أخرى نعرف الظروف التي يشتغل فيها زملاؤنا في القنوات المغربية، وهي ظروف تجمد الدم في العروق. فزاهي الذي يتلقى مرتبه بالدولار ليس هو المنشط المغربي الذي يتقاضاه بالدرهم، وبلاتوه القنوات الكبرى ليس هو مرآب كيلومتر 7، ورفيق الحريري ليس هو مصطفى بنعلي وقس على هذا. لكن مع ذلك تبقى الكفاءة والحس الإبداعي وجمالية الحوار أمراً خارجاً عن هذه المعطيات ومنزهاً عنها. فالعمود الذي كتبناه تحت عنوان "من لايحب كريمة صقلي؟" كان بمناسبة استضافة زاهي وهبي للمطربة المغربية على قناة "المستقبل" اللبنانية في برنامج "خليك بالبيت". وكما بدا لي كمشاهد مغربي فإن محاور كريمة استطاع أن يخلق معها نقاشا راقيا جعل من نجمتنا تلمع أكثر، وتشرف كل المغاربة، بينما عند استضافتها في برامج مغربية، لا مجال لتسميتها، كانت تبدو باهتة ولم تأخذ حقها كما يجب. وهذا أمر مرتبط أساسا بمقدرة المحاور في الانتزاع الهادئ للحوار البناء والهادف.
أما مسألة "الحس الوطني" الذي يحتم تشجيع المنشطين المغاربة، وهي مقولة شاعت هذه الأيام، فإن التصلب العرقي وروح الوطنية كما فهمناها من قول زميلنا مسألة أكل عليها الدهر وشرب، وعادت تنتمي للفكر الضيق المتحجر، وأصبحت مسألة متجاوزة بحكم أن العالم غدا قرية صغيرة، ولم نعد نقارن أنفسنا بجيراننا الأقرباء، بل أصبحنا نتنافس مع الكبار، لأن الانتقال من المغرب إلى لبنان إلى مصر إلى فرنسا وأمريكا والدوحة، يتم بزر صغير على جهاز التحكم عن بعد، ولم يعد الوقت وقت مجاملات وتبادل الكلام المعسول بل هو زمن أن تقول للأسد «فمك خانز».
إننا لم نقصد بأي حال من الأحوال التقليل من قيمة الإعلاميين المغاربة، أو الحط من همتهم، ولكننا قلنا ما وصلنا إليه بأمانة، وما يقوله غيرنا في السر (لسوء حظنا جميعاً) قلناه جهرا وبجرأة دون أن "نطول لساننا". فحال الإعلاميين هو من حال منظمومة إعلامية رديئة عامة، ولدت القبح في قنواتنا، وجعلتنا نحس بالتقزز والنفور من برامج لا تنتمي لأي عصر تلفزيوني، حيث يشعرك ال«زابينغ» وكأنك تسافر في آلة الزمن، من حقبة حجرية إلى حقبة مستقبلية، بينما أنت في حقيقة الأمر تنتقل من قناة لأخرى.
كان من الممكن أن يظهر هؤلاء المغاربة الموهبة والعبقرية لو اشتغلوا في ظروف أحسن، ويحضرني هنا مثال «عبد الصمد ناصر» الصحفي في قناة «الجزيرة» والذي أبان عن إمكانات كبيرة بينما كان مآله التهميش في قناتنا المغربية.
لكن مادام الحال على ما هو عليه، زميلي العزيز، تبقى الرداءة والقبح هي السائدة إلى إشعار آخر.
جمال الخنوسي
jamal2sn@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق