30‏/01‏/2006




المخرج المغربي حكيم نوري في حوار صريح مع جريدة "صوت الناس" .
" قصة حب" لم يعرف إقبالا لأن بعض الصحف الظلامية هاجمته واعتبرته مخلا بالأخلاق (1/2)

حكيم نوري مخرج تصدمك صراحته و تعبيره عن الأشياء كما يراها بدون زيف . يسمي الجمال باسمه و القبح باسمه. فلا تنتظر منه تملقا و لا مجاملة . يقول أنه غادر المهرجان الوطني للفيلم بطنجة غاضبا و ناقما إلى إسبانيا بالرغم من النجاح الذي حققه الجزء الثاني من فيلمه "فيها الملح و السكر أو مازال مبغاتش تموت" إلتقته جريدة "صوت الناس" و حدثها بصراحته المعهودة عن سر غضبه و عن قضايا السينما و مشاكلها و أشياء أخرى :

* نعود بك سنوات إلى الوراء ونطلب منك أن تحدثنا عن تجربتك الأولى في فيلم "ساعي البريد" .
** انطلاق تصوير فيلم ساعي البريد كان في فاتح شتنبر 1979 كان عمري آنذاك 26 سنة وكانت أول تجربة لي كمخرج في شريط مطول وسهيل بنبركة هو المنتج لأني اشتغلت مساعدا له مايقارب العشر سنوات في أفلام ك "حرب البترول لن تقع" و "أموك" ولم يكن في ذلك الوقت لاصندوق دعم ولاأي شكل من أشكال المساعدة. وهذا يعني أننا أنجزنا الفيلم بميزانية بسيطة جدا فكان إنتاجا مشتركا بين المركز السينمائي المغربي الذي وفر لنا الكاميرا والمختبر أي أنه تكلف بالجانب التقني وقدم مبلغ ثلاثين ألف درهم كماصاريف للممثلين وخلافه . أنا أتذكر هذا الفيلم بكثير من الحب والحنين لأنني أعتبره ابني الأول ،البكر لقد عرض في القاعات في زمن كان يعتبر فيه مثل هذا الأمر مستحيلا في ثامن أبريل 1980. بطبيعة الحال لم يكن الإقبال كبيرا بل اقتصر على مجموعة من المهتمين كالطلبة اليساريين الذين يحملون أفكارا معينة بالإضافة للجمعيات والأندية السينمائية ، وكان الفيلم الأكثر طلبا وتم عرضه مرات عديدية. وقد صرح نورالدين الصايل باعتباره ناقدا سينمائيا آنذاك ومهتما بالحقل السينمائي في برنامج تلفزيوني مازلت أذكر اسمه écran noire لمقدمه علي حسن أن "ساعي البريد" يشكل منعطفا تاريخيا في تاريخ السينما المغربية باعتباره أول فيلم مغربي يخاطب الجمهور ويحكي قصة . ومن قبل ذلك كانت كل الأفلام تجريبية تحاكي مدارس كبرى معروفة وتتوجه للنخبة المثقفة فقط. والآن تجاوزنا هذه المرحلة وتطورت الأمور بفضل "ساعي البريد" الذي خاطب جمهورا عريضا .
* مالذي تغير بين أول عمل وآخر عمل ؟
** لقد عرفت بالأخص كمخرج ملتزم بالمشاكل الإجتماعية والسياسية واتبعت نفس الطريق ابتداء من "ساعي البريد" و"المطرقة والسندان" و"الطفولة المغتصبة" ثم "سارق الأحلام" و"عبروا في صمت"، الذي يعتبر أول فيلم سياسي مغربي سنة 1997 في زمن لم يكن فيه الحديث عن سنوات الرصاص ممكنا.
*كانت مجازفة منك..
** نعم كانت مخاطرة كبيرة وأنجزت الفيلم في الوقت المناسب وقلت فيه ما يجب أن يقال ، أما الآن فقد أصبح الحديث عن سنوات الرصاص مجرد "موضة" . علي أية حال لقد أنجزت بعد ذلك فيلم "مصير امرأة" ثم "فيها الملح والسكر" الذي اعتبره هو أيضا منعطفا جديدا حيث انتقلت من الأفلام الإجتماعية إلى الأفلام الكوميدية
* لماذا هذا التغيير؟
** لأنني اعتبرت أن السينما تفتقر لمثل هذه الأفلام وهي مسألة تشكل عقدة لبعض المخرجين الذين يعتبرون الكوميديا سينما من الدرجة الثانية أو تافهة. وهي فكرة لا أساس لها من الصحة ، فعندما تشاهد أفلام شارلي شابلن باعتباره من أكبر عباقرة السينما العالمية تجد أن وسيلته التعبيرية هي الكوميديا وهي أصعب ما يمكن الوصول إليه. إذ من السهل أن أقدم مشهداحزينا يفجر الدموع في عينيك لكن يصعب بالمقابل سرقة ابتسامة أو ضحكة .وقد كنت مترددا في إنجاز فيلم فيها "الملح والسكر".. لكن أصدقائي كانوا دائما يحاصرونني بقولهم "أنت تحب الهزل والتنكيت ونحن نريد أفلاما كوميديةلأنه لاوجود لها في السينما المغربية ولاأحد يستطيع إنجازها غيرك".والشعب المغربي بطبعه يحب الضحك والتنكيت. وحتى آخر لحظات إنجاز الفيلم كنت أفكر في التراجع، فربما أقدمت على مغامرة غير محسوبة . لكن النتيجة خلصتني من هواجسي ، فحقق الفيلم إقبالا جماهيريا قل نظيره في تاريخ السينما المغربية . بعدها عدت للسينما الإجتماعية بفيلم عن الدعارة هو "قصة حب " وللأسف لم يعرف إقبالا لأن بعض الصحف المتزمتة والظلامية ـ التي لا أعلم أين تريد السير بهذا الوطن ـ هاجمت الفيلم واعتبرته مخلا بالأخلاق وقلة الحياء مع أن الفيلم يحترم مقومات المجتمع المغربي وجمهور السينما وأحاول ماأمكن أن لاأصدم الجمهور أو أقدم مشاهد مجانية ولكن عندما نتحدث عن الدعارة كظاهرة اجتماعية خطيرة يجب أن أقدم للمشاهد الصورة الحقيقية لبائعات الهوى لا أن أقدم لهم خيالات ليس لها ملامح. المشكلة عند مثل هؤلاء المتطرفين أنهم لايريدون رؤية الواقع في مرآة الحقيقة. إذا لم نرى واقعنا ومشاكله لا يمكننا معالجتها ، و أعطيك كمثال فيلم "المطرقة والسندان" الذي عرض عام 1990 ويحكي قصة متقاعد اشتغل في الإدارة أربعين سنة ، وحين أحيل على التقاعد لم يجد مسكنا ولا راتبا لأنه لم يتقاض تقاعده إلا بعد فوات الأوان . بعدها بقليل وفي خطاب للملك الراحل الحسن الثاني انتقد نظام التقاعد وأمر بإصلاحه . أظن أن الفيلم هو الذي حرك هذه الموجة من الإنتقادات وأعطى هذه المبادرة الإصلاحية. ليس هذا فحسب ففيلم "الطفولة المغتصبة" حرك الحديث عن الخادمات الصغيرات وما معاناتهن في البيوت، وتشكلت جمعيات ومنظمات غير حكومية وغيرها لطرح المشكل. هذا هو دور الفن ، إنه يقدم المشاكل ويعرضها في قالب جميل لتكون أكثر تأثيرا ، ومسؤوليتي كمخرج هي التطرق لمشاكل اجتماعية ولفت الإنتباه إليها.خاصة وأنها غالبا ماتكون مستقاة من أحداث واقعية ، مثل فيلمي "قصة حب" ، حيث بادرتني فتاة عندما كنت أحضر مهرجان تطوان سنة 1996 تبلغ منم العمر22 سنة قائلة أنها تعرف الميدان الذي أشتغل فيه وأنها تريد أن تحكي لي قصتها ودوافعها لدخول جحيم الدعارة . وانطلاقا من قصة تلك الفتاة ومعاناتها كتبت سيناريو الفيلم . يجب معرفة دوافع تلك الفتاة قبل أن محاكمتها بطريقة فجة وقذفها بكلمات نابية.
قبل فيلمي الأخير المتمثل في الجزء الثاني ل "فيها الملح و السكر" ، مرت أربع سنوات اغتنمتها فرصة لإنجاز أربعة أفلام ، بإيعاز من نورالدين الصايل لحساب القناة الثانية.
* فيلمك الأخير يحتل الرتبة الثانية في قائمة مداخيل الأفلام لسنة 2005 بعد فيلم "هنا ولهيه" لمحمد أسماعيل.
** لاأظن ذلك، ففيلمي تجاوز مداخيل الإنتاجات الأمريكية الكبرى في قاعات ضخمة كقاعة ميغاراما بالدارالبيضاء ويمكنك التحقق من الأرقام .
*هل أنت راض عن مداخيل الفيلم؟
**إن أكبر كارثة تعرفها السينما المغربية الآن هي مشكلة القاعات . فلا أحد يذهب للسينما لأنه لم تعد هناك قاعات سينمائية حقيقية تتوفر فيها الشروط الضرورية للمشاهدة . كمثال على ذلك فالجزء الثاني من فيلم"فيها الملح والسكر"، لم يحقق سوى ثلث مداخيل الجزء الأول، وتطلب إنجازه إمكانيات مادية كبيرة مقارنة بالجزء الأول.
*لماذا؟
** لأن الجمهور يذهب فقط لقاعة فخمة كميغاراما، أما القاعات الأخرى فمهجورة، لأن المكلفين بها تملكهم الجشع والطمع، فقد ورثوا القاعات عن الفرنسيين، وهي في أبهى صورها، لكنهم انشغلوا عنها بجمع المال على حساب جودة القاعة. الكل يتذكر كيف كانت القاعات البيضاوية فيما قبل: "أ ب س" و"الريف" و"ريتز " و"لومبير" وغيرها... باستثناء بعض أرباب القاعات الذين بذلوا مجهودا يشكرون عليه، لكن بعد فوات الآوان. أضف على ذلك مشكلة القرصنة، فالفيلم قبل عرضه في القاعات تجده يباع في جوطية"درب غلف"!! وإذا لم تتخد الدولة إجراءات صارمة وحازمة تجاه هذا المشكل ، فسيقتل السينما إلىالأبد، فلايمكن أن تنتج مثلا فيلما يكلف 500 مليون، وتنتظر أن يأتي الجمهور إلى القاعات. بينما الفيلم يباع ب 5 دراهم في "الجوطيات"، هذا عار! ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى.
* بعيدا عن المشاكل ، يقول البعض أن حكيم نوري يعتمد في أفلامه على النجوم والبعض الآخر يعتبره صانعا للنجوم.
** هذا السؤال مهم ،فالجمهور المغربي لايذهب لمشاهدة الفلام من أجل النجوم الكبار بل لأنها أفلام لحكيم نوري . أعطيك مثالا، ففيلم "الطفولة المغتصبة" أحدث ضجة كبيرة ولم يكن فيه نجوم بالمرة بل حتى الطفلة الصغيرة فضيلة مسرور هي بنت خادمة في عمارة التي أسكن فيها بالإضافة لثريا العلوي في أول عمل سينمائي لها. أما فيلم "سارق الأحلام" ، فكان يضم رشيد الوالي وفاطمة خير ولم يكن يعرفهما أحد آنذاك .وفيلم "مصير امرأة" شاركت فيه آمال عيوش ولم تكن معروفة بالمرة، أنا من يصنع نجوما يتهافت عليها المخرجون الآخرون ، إضافة إلى أن الجمهور المغربي لم يتعود التعامل بمنطق النجومية بل يذهب للقاعة لمشاهدة فيلم جيد فحسب . والمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ الذسي يتسابق الجمهور على أفلامه لم يتعامل مع نجم سوى في فيلم واحد هو توم كروز وحتى فيلمه الأخير "ميونيخ" خال من النجوم.
* ماهي مشاريعك المستقبلية؟
** أنا أستعد لإنجاز فيلم كوميدي جديد يتطرق لمشكل اجتماعي مغلف بقالب هزلي . لقد مللت كما مل الجمهور من البكاء والدموع فكلما فتحت التلفزيون لا تجد غير الكوارث والإرهاب لدرجة أني أصبحت أبتعد عن مشاهدة الأخبار. وهو إحساس يتقاسمه معي الشباب و عموم الناس، فمن غير المعقول أن يدفع ثمن التذكرة من أجل مشاهدة معاناة الآخرين ودموعهم . من هنا يصبح الإقبال مضمونا لو قدمت فيلما يضحك من بدايته لآخره ، خصوصا إذا أمضيت يوما من العمل الشاق. فلايجب أن ننسى أن السينما فرجة ومتعة بالأساس والكوميديا تحدي كبير خاصة حين يكون لها هدف سامي ورسالة تتوخى إيصالها . فيلمي الجديد يحكي عن زوجين تربطهما علاقة وطيدة لكن لسوء الحظ يقف العقم في طريقهما، إنه مشكل اجتماعي لكن بنكهة كوميدية ، عنوانه المؤقت هو "التوأم".

خرج المغربي حكيم نوري في حوار صريح مع جريدة "صوت الناس" . (2/2)
الفنانون الحقيقيون في هذه البلاد لا يمكن أن يساندوا ما يصبوا إليه حزب العدالة والتنمية لأن قيمه ليست هي قيم الفنان

حكيم نوري مخرج تصدمك صراحته بالرغم من لباقته .. يعبر عن الأشياء كما يراها بدون زيف . يسمي الجمال باسمه و القبح باسمه. فلا تنتظر منه تملقا و لا مجاملة . يقول أنه غادر المهرجان الوطني للفيلم بطنجة غاضبا و ناقما إلى إسبانيا بالرغم من النجاح الذي حققه الجزء الثاني من فيلمه "فيها الملح و السكر أو مازال مبغاتش تموت" إلتقته جريدة "صوت الناس" و حدثها بصراحته المعهودة عن سر غضبه و عن قضايا التطرف الديني و السينما و أشياء أخرى. فيما يلي الجزء الثاني من هذا الحوار :
* ما رأيك فيما حدث في مهرجان طنجة و المطالبة بمنع فيلم"ماروك" ؟
** أنا كإنسان وكفنان مبدع لا يمكن أن أقبل شيئا اسمه "منع" . بالنسبة لي حرية الرأي مفهوم مقدس كيفما كان نوع التعبير: كتابة، رسم، سينما... لكل منا الحق في التعبير بحرية تامة ومطلقة كما للجمهور أيضا الحرية التامة والمطلقة للتعليق على العمل أو عدم الذهاب لرؤيته، ولكن أنا لا أقبل أن تكتب مجموعة ما الفيلم الفلاني، يجب منعه أو مقاطعته .. بأي حق؟ دع الجمهور يقرر . فعندما ينجز الفنان عملا فإنه لم يعد ملكه بل هو ملك الجمهور. وما زاد الوضع تأزما في المرحلة الراهنة هو أن ترى أناسا ينتمون للميدان الفني يرددون مثل هذا الخطاب العجيب. هذا أمر خطير خصوصا حينما يتعلق الأمر بممثل قدير كنت أحترمه كحسن الجندي، لا أعرف ماذا وقع له حتى بدأ يردد كلاما غريبا مثل الذي سمعنا، لم أفهم!! كنت أتخيل أن يكون الفنانون متحدين في هذه المسألة كأمر لا خلاف فيه. ويكون صوتنا واحد كلما تعرض فنان لمنع أو قمع، وننهض ضد أي إجراء يحد من حريتنا. علينا اختيار طريقنا بشكل واضح وصريح. هل نريد السير في نهج الديمقراطية بإيجابياتها وسلبياتها أو نقبل بديمقراطية تتمطط . فنتعامل بالديمقراطية حينا ، عندما تكون في صالح أهدافنا الشخصية، ثم نصبح لا ديمقراطيين تارة أخرى عندما لا تحقق حساباتنا. وأنا أرى أنه منذ تولي الملك محمد السادس الحكم فقد اختار طريق الديمقراطية في سيرورة لا رجعة فيها.
ومن أسس هذه الديمقراطية: حرية التعبير. أن تكتب في الجرائد مثلا أن فيلم حكيم نوري سيء فهذا حق. وإن أقدمت على سب حكيم نوري فالمكان الأمثل هو المحاكم والاحتكام للقانون. لا شرعية لأي أحد يتحدث عن المنع والقمع. وإلا سنعيش مرة أخرى الفترة الستالينية أو النازية التي انقسم فيها السينمائيون إلى قسمين: قسم قبل البقاء في ألمانيا لتمجيد هتلر والدعاية لإيديولوجيته والقسم الآخر فضل الهجرة!!
أنتقل بك لأمر آخر متعلق بي شخصيا وربما هو مرتبط بعامل السن وبطريقة كل فنان في التعبير. فأنا أمارس على نفسي نوعا من الرقابة الذاتية وأحاول ما أمكن تجنب المشاهد الصادمة للمتفرج. وأنا أفهم أ ن مخرجا شابا يريد اتباع طريق آخر وهذا حقه. في فيلم "ماروك" هناك أمور من الممكن أن تخدش مشاعر الآخرين، لكني شخصيا لم أحس بذلك ربما لأني فنان.. لكن ما رأيناه في الفيلم موجود فعلا، ويكفينا جميعا النظر حولنا في الشارع. أنا أعطيها كامل الحق لأنها عبرت بتلك الطريقة مع العلم أني لو كنت مكانها لعبرت بصيغة أخرى. بالإضافة إلى ذلك في السينما ضوابط معتمدة في تقييم الأفلام ، فهناك ما هو صالح لأقل من 10 أو 16 أو 18 سنة، وعلى الجمهور اختيار الفيلم الذي يناسبه. فالسينما بخلاف التلفزيون لا تقتحم عليك بيتك بل تذهب لها بمحض اختيارك.
* ألا يهدد صعود التطرف الديني المجال الفني برمته؟
** لابد أولا من البحث في الأسباب التي ولدت هذا الفكر الغريب عنا. فالمغاربة لم يعرفوا طوال تاريخهم شيئا اسمه الإرهاب والذبح والقتل. المغاربة شعب مسالم بالفطرة ، لاحظ أنه في عراك بين شخصين ، كثيرا ما نسمع تهديدا ووعيدا قلما يتحول إلى عراك بالأيدي. ماذا وقع إذن بين الاستقلال و 16 ماي؟ الذي حدث هو أن المغاربة كانوا ضحية سياسة مجحفة، وأحزاب على رأسها حزب الاستقلال، خانت رسالتها حيث نادوا بالتعريب بينما أبناؤهم كانوا يدرسون معي في "ليسي ليوطي" هذه مآمرة ضد الشعب المغربي والشباب المغربي. واليوم نحن نجني ثمار ما زرعوا منذ سنين لأن النظام الذي كان مسيطرا قبل مجيء الملك محمد السادس كان مبنيا على فساد متفشي في الإدارات. النهب فعل شائع والشعب "مدبر راسوا" وادريس البصري كان حارسا على مايجري و يدور. النتيجة أن الأغنياء ازدادوا غنى والفقراء ازدادوا فقرا. كبرت الهوة وأصبح في المغرب مجموعة مهمشة ليس لها أمل ولا آفاق ولا تملك الحق في الحلم. ويصبحون فريسة سهلة لأشخاص يقنعونهم بالخزعبلات وبأن الجنة في الضفة الأخرى حيث تنتظرهم الجميلات الحسنوات.أظن السياسة المتبعة الآن من طرف الملك واهتمامه بالأحياء المهمشة أمر محمود ولا أظن أن العنف سيدوم والتطرف مصيره الزوال والتاريخ يثبت ذلك. فالمتطرفون لا يحملون بديلا. وليس لهم مشروع أفضل. الإسلام دين لا يعترف بالتراتبية فالإسلام ملكنا جميعا وليس لأحد الحق في التدخل في علاقتي بخالقي. المغاربة يقولون "بينك أوبين مولاك" فنحن لسنا مسيحيين يتدخل بين العبد وخالقه الراهب. والله هو الوحيد من يعلم من هو العبد الخير. فليس كل من أطلق العنان للحيته ورسم الكدمات على جبينه فهو مسلم طيب !!؟ فإذا أراد فرد منا أن يحتج فهناك سبل ديمقراطية وحضارية تخول له ذلك بدل التفكير في تفجير نفسه وسط مواطنين أبرياء ربما يعانون نفس مشاكله، فيولد أيتاما و أرامل بفعلة شنيعة. إضافة للصورة السيئة التي أصبحت للغرب عن الإسلام، أصبح المهاجرون يعانون بشكل يومي بعد أن قضوا أكثر من 30 سنة من حياتهم في أوربا وأمريكا!! هناك نكتة تحكى حول مغربي اعتقل في إنجلترا لأنه قال لصديقه في الهاتف "نتلاقاو في الستة بحال القاعدة"!! هذه نكتة وحقيقة مرة.
* لقد انخرطت نقابة للمسرحيين أيضا في مسلسل المنع هذا ..
** هذا نفاق اجتماعي فقط والفنانون الحقيقيون في هذه البلاد لا يمكن أن يساندوا ما يصبوا إليه حزب العدالة والتنمية لأن قيمه ليست هي قيم الفنان ويمكنهم أن يحرموا كل شيء، حتى الصورة فمابالك بالسينما!! ولا أظن الشعب المغربي سيقبل بهذا ، فالفرق شاسع بين القيم والقمع وأي حزب أو إيديولوجيا تختبئ وراء الدين، فهي إيديولوجيا دكتاتورية ولا تعترف إلا بنفسها. نحن بلد اخترنا الديمقراطية كطريق ولن نسمح بحزب يقمعنا ويمنعنا من الكلام فقط لأننا لا نضع اللحية على وجوهنا!!
وللسينما والتلفزيون دور كبير للتوعية في هذا المجال، وللأسف فإن هذه الطينة من الناس (أصحاب اللحي) لها وسائل تواصلية خير من الحكومة واستغلوا مشاكل الناس اليومية ومعاناتهم لتعبئتهم، والآن المغرب اختار طريقا جديدا وينهج سياسة التنمية البشرية وهناك مشاريع تنجز كل يوم. يجب أن ننظر إلى الجانب المشرق أيضا في حياتنا والتحولات الإيجابية التي يشهدها المغرب، هناك تحسن .. المسألة تحتاج لقليل من الوقت لأنه لا يمكن إصلاح في 4 أيام ما جرى في 40 سنة! خصوصا على مستوى حرية التعبير يمكن لأي كان مطالعة الصحف والمجلات الوطنية .. وما ينشر فيها لا يمكن أن ينشر إلا في بلد ديمقراطي يحترم حرية الرأي.
* ننتقل لموضوع ربما لن يروقك. ما سر غضبك في طنجة ورحيلك المفاجئ عنها؟
** أنا لم أكن أريد الحضور في مهرجان طنجة لكن بطلب من المدير العامل للمركز السينمائي نور الدين الصايل وافقت على ذلك. أنا أعرف أن فيلمي ليس فيلما للمهرجانات فهو عمل موجه للجمهور العريض. وعند عرض "فيها الملح والسكر" في طنجة لم نستطع الخروج من القاعة إلا بمساعدة عناصر الأمن بفعل الإزدحام وتدافع الجمهور، ومع ذلك لم أفز بجائزة الجمهور هذا أمر عجيب. جائزتي الحقيقية هي حب الجمهور الذي حج للقاعة بكثرة. لقد رحلت عن طنجة ولدي غصة في حلقي، ومثل هذه التفاصيل تجعلني أمتنع عن الذهاب للمهرجانات فحتى مهرجان مراكش الدولي لم أعد أحضره لأن الفنان المغربي يحس أنه مهمش فيه. العديد من الأصدقاء يقولون أن هذا المهرجان منظم "تحت رعاية سيدنا" وعليك الحضور لكني أعرف أن سيدنا لن يعجبه أن يهان الفنان المغربي. ولا أقبل أن تهان كرامتي. في طنجة لاحظت أمرا غريبا يتجلى في عدم اهتمام الصحف المكلفة بتغطية المهرجان بالجيل الأول من المخرجين أمثالي، وأمثال سعد الشرايبي، جيلالي فرجاتي أو حسن بنجلون وآخرون. كانت هناك صحف تغطي المهرجان ولم تتحدث لا عني ولا عن فيلمي ولا عن أعمالي مع العلم أني -وبكل تواضع- أحد أعمدة السينما المغربية. لقد انشغلوا بوجوه لا يعرفها أحد أو ممثلة قامت بدور صغير في فيلم قصير!! أو مخرج أنجز فيلما قصيرا لن تشاهده حتى في "سبيل الله" هذه مؤامرة... إنه تجاهل للتاريخ.
* مؤامرة ممن؟
** لست أدري أنا أعرف أن هناك تعليمات ولكن لا أعرف مصدرها. حتى أنني أرسلت رسالة لجريدة كانت تغطي المهرجان لكن لم تكن لها الشجاعة الكافية للرد عليها.
* ربما المخرجون الشباب صنعوا الحدث بينما جيل الرواد الكل يعرف عطاءهم ومستواهم وأعمالهم.
** لا هذا ليس مبررا مقنعا لم أكن قط ضد المخرجين الشباب ، لكن الاهتمام بهم لايجب أن يكون علي حساب الكبار الذين بنيت على كاهلهم السينما المغربية. أنا أشيد بمخرج جديد في الميدان هو لحسن زينون و أظن أنه سيكون له باع كبير في ميدان الإخراج ففيلمه القصير غاية في الجمال. لكن تجارب أخري كانت محبطة .. أنا أعرف الجمهور المغربي لأني واحد منهم وأعيش وسطهم فأنا لا أملك برجا عاجيا بل آخذ إبداعي وأستقيه منهم. أما من يعيش في الفيلات الفخمة أو ولد في أوربا وعاش فيها .. كيف سيقدم فيلما يعكس معاناة المغاربة؟!! أنا مثلا لا يمكن أن أقدم فيلما اجتماعيا عن يوغسلافيا..
* ولكن هناك تجارب ناجحة .. فيلم "الراقد" لياسمين قصاري مثلا..
** لا يمكن أن أتحدث عن "الراقد" لأني لم أشاهده، نال إعجابي أيضا فيلم "الرحلة الكبرى" لاسماعيل فاروخي لكن في المقابل هناك تجارب فشلت فشلا ذريعا، والنقاد والصحفيون يتحملون مسؤولية كبيرة عندما يقولون أن مستقبل السينما المغربية هو الشباب المغربي الذي يعيش في أوربا.. لا أظن ذلك.
* بالنسبة لكم ما هو أحسن عمل أنجزتم حتى الآن؟
** فيلم "عبروا في صمت" لأنه عمل جازفت فيه بحياتي وحريتي وكان تحدي كبير بالنسبة لي، وهو يحكي عن صحفي ينجز تحقيقا ينتهي بموته، فيلم لم ترصد له ميزانية كبيرة ومع ذلك فهو يشغل حيزا مهما في حياتي الفنية وله قيمة خاصة.
أجرى الحوار : جمال الخنوسي

26‏/01‏/2006



في أول حوار له بعد صمت طويل
مخرج"السمفونية المغربية"كمال كمال ل"صوت الناس" : "الحرب ألم متبادل والسمفونية تعطي المتعة والأبدية ضدا على الموت والزوال"

عندما تشاهد فيلم "السمفونية المغربية" تعلم أنك أمام مخرج عاشق للموسيقى و مولع بها . فكمال كمال مخرج يتجاذب حياته الفنية اهتمامان اثنان : الموسيقى و السينما. فقد كانت بدايته في معهد الطرب الغرناطي بوجدة، ثم درس الأدب الفرنسي في الجامعة ، وبعدها التحق بالمعهد الحر للسينما بباريس شعبة السيناريو. اشتغل في الفيديو كليب و الإشهار قبل إنجاز فيلمه الأول "طيف نزار" و له أعمال تلفزيونية ك"سيد الغابة"و السيتكوم "عائلة محترمة". و الآن يحتفي بمولوده الجديد "السمفونية المغربية". إلتقته جريدة "صوت الناس" ليحدثها عن سمفونيته و قضايا السينما المغربية و مشاريعه المستقبلية :
* كيف تولدت الفكرة الأولى للفيلم؟
** في الحقيقة كنت أفكر في فيلم آخر. يدور حول عزم مجموعة من الناس بناء بحيرة من أجل جلب السواح لزيارة قريتهم، لكن الفكرة لم تنضج بما فيه الكفاية . كما أن السمفونية أقرب، لأن لي سمفونية مؤلفة مسبقا. كنت أتناقش دوما مع الممثل محمد بسطاوي في هذه الأمور لأنه كان سيؤدي الدور الرئيسي لولا انتقاله إلى تصوير فيلم آخر. كنا نحلم معا، ووجدت أن السمفونية أقرب إلى نفسي من أي شيء آخر. هناك درس أولي نتعلمه في كتابة السيناريو: على الكاتب أن لا يكتب فيما لا يعرف وسيكون أصدق إذا كتب في أمور هو ملم بها.
* ما هو الخطاب الذي أردت توجيهه من خلال فيلم "سمفونية مغربية"؟
** الفيلم مبني على مقولة نيشه:"من يريد قتل الوحش يجب أن يحرص على ألا يصبح وحشا". قصة حميد ـ بصفته الشخصية المحورية ـ عايش حرب لبنان وسقط في فخ القتل ، وهو يبحث عن الغفران ، وفي نفس الوقت هو خائف من الفتاة التي تتقاسم معه مسكنه، و التي تبحث لنفسها عن سبيل للانتقام من الشخص الذي تسبب في موت أمها، وهذا ما دفعه ليحكي لها رفقة الصديقة اليهودية عن مآسي صبرا وشتيلا لكي لا تقع في نفس الفخ. كما أنه سيتدارك زلته بالسمفونية التي ألفها، فكما تلقى الألم فقد ولد هو أيضا الألم للآخرين إنها الحرب، ألم متبادل والسمفونية تعطي المتعة والأبدية ضدا على الموت والزوال.
* ما علاقة الفيلم باهتماماتكم الموسيقية؟
** أنا موسيقي قبل أي شيء درست الموسيقى وحلمت دائما أن أكتب سمفونية وحققت رغبتي ...
* هذا يظهر جليا في الفيلم فالموسيقى المصاحبة تدل على أن من أنجزه له دراية بالموسيقى..
** أنا موسيقي ، وكانت لي فرقة وغنيت وأصدرت ألبوما في فرنسا والمغرب بين 1984و1985 . وللأسف لم يلاق النجاح لأن صوتي لم يسعفني في ذلك. لكن بقي حبي للموسيقى دفينا، ومن خلال السينما وجدت الطريق لتمرير موهبتي.
* هل يمكنك القول إن قصة الفيلم تعكس التجربة الشخصية لصاحبه؟ وان السمفونية هي سمفونيتك؟
** أردت أن أقول في الفيلم انه على المرء مقاومة الصعاب من أجل التعبير عما يخالجه. أنا كذلك ولدت و ترعرعت في وسط بسيط وكانت الموسيقى والسينما أمرا بعيد المنال، خاصة الموسيقى الكلاسيكية. مسؤولية الإنسان هي أن يقول ما يفكر فيه ويحقق ما يصبو إليه بغض النظر عن جودته، وشخصيات السمفونية تشبهني في هذا الجانب المثابر. أن تقول أحب أن أشتغل في السينما بداية الثمانينات أمر كان يستدعي الغرابة والاستهزاء أيضا. كان أمرا يبدو بعيد المنال خصوصا أن المغرب آنداك كان لا يملك قاعدة سينمائية . وفي فرنسا كان من الصعب تحقيق ذلك لأي عربي أومغاربي! كان الأمر صعبا، مع ذلك بالمثابرة تحقق مرادي. كما هو الحال بالنسبة لشخصيات الفيلم فهم يعيشون في وسط قذر ومع ذلك يريدون عزف سمفونية!
* هناك من يعتبر قيامكم بعدة مهام في السيرورة الانتاجية للفيلم هو انقاص من قيمة المبدعين الآخرين.
** لا على الإطلاق ، أنا موسيقي وأحب الموسيقى وفي نفس الوقت أنا سيناريست وهذه دراستي. كنت أتمنى أن أكتب سيناريوهات لزملائي من المخرجين لكن هذا يتطلب وقتا كبيرا. السيناريو الحقيقي يتطلب أكثر من سنتين لتختمر الفكرة وسنة كاملة للكتابة ، وأبعد من هذا أنا أتمنى أن أجد سيناريو جيد لكاتب آخر ومستعد لإنجازه فورا. لكن للأسف غالبا السيناريوهات التي عرضت علي ليست في نفس توجهي الفكري. هناك أزمة حقيقة فيما يخص السيناريو لأن غالبية ممن يكتبون في المغرب يكتبون السيناريو بالسليقة ودون دراية معمقة . ربما أنا ونرجس النجار الوحيدان اللذان درسا السيناريو أما الآخرون فيعتمدون فقط على الفطرة وليس الدراسة و التعرف على تقنيات الكتابة الصارمة. من الممكن أن ينجحوا ويقدموا نتائج جيدة لكن مع ذلك يبقى للسيناريو تقنياته ، بالإضافة إلى الموهبة طبعا. وإذا أردنا أن نتقدم بالسينما لابد من مدارس ومعاهد متخصصة في السيناريو . السينما طريق شاق ولا يمكن أن تسير فيه إلا إذا كنت متيما بحبها، أنظر مثلا لبناء الديكور لقد تطلب منا ذلك مجهودا جبارا، وأعطى النتيجة التي أتمنى أن تروق الجمهور المغربي.. أما فيما يخص المونتاج، فقد قمت به لسبب بسيط: لم أكن أملك الإمكانات الكافية لطلب خدمة "مونتور" آخر، مع العلم أنه لدينا من يقوم بهذه المهمة على أحسن وجه. لقد أخذ مني الفيلم أكثر من الميزانية التي رصدت له. بالنسبة للموسيقى المصاحبة كان من الممكن أن أطلب من ملحن القيام بالمهمة و ربما تكون النتائج جميلة إلا أنه يمكن أن يخطأ الطريق أو التوجه الذي أريد أن أسير فيه . في الديكور أيضا أنا الوحيد الذي يعرف الجو العام الذي أريد أن يمر فيه الفيلم. أكثر من هذا فحتى مدير التصوير حددت له نوع الإضاءة الذي أريد عن طريق التقاط الصور العشوائية . وبعد الاشتغال عليها بالحاسوب، حددت له اللون ونوع الصورة الذي أريد.
* استمر العمل في الفيلم 4سنوات لماذا كل هذا الوقت؟
** المشكلة كلها ذات طابع انتاجي، فقد استهلك الفيلم أكثر من الميزانية المخصصة له . قدم المركز السينمائي 270 مليون والقناة الثانية قدمت 60مليون في البداية ثم أضافت 40مليون أخرى. إنه نقص إمكانيات فقط.
*لم يفز فيلمك في المهرجان الوطني للفيلم بأي جائزة هل تعتبرون هذا إجحافا في حق الفيلم؟
العجيب في لجنة تحكيم المهرجان، أنها لا تضم سينمائيين. لتقييم فيلم سينمائي يجب أن تكون سينمائيا وتعرف كل لقطة كيف أمكن تصويرها ، وفي المهرجانات العالمية كلها تضم لجن التحكيم في ثناياها سينمائيين كبارا. جائزة التصوير مثلا أعطيت لفيلم داوود أولاد السيد ـ مع احترامي له لأنه صديق عزيزـ كانت هذه الجائزة من أغرب ما يكون، لأنه فيلم صور في كل أطواره تحت الشمس وفي واضحة النهار!! شيء عجيب بل وطفولي أيضا. هذا بغض النظر على أن فيلم داوود جميل ونال إعجابي، كان الأحرى أن يفوز بمثل هذه الجائزة فيلم فريدة بليزيد مثلا .. أو فيلم ماروك فصورته جميلة بل رائعة، وبدل مجهود كبير فيها. جائزة واحدة أو اثنتين فقط كانتا في محلهما. هذا لا يعني أنني أقول أن فيلمي كان يجب أن يفوز بجوائز.. إطلاقا، أنا جائزتي أخذتها داخل قاعة عرض فيلمي بالتجاوب الذي حصل معه. لو كان في لجنة التحكيم مخرجون كبار و لم ينوهوا به، كنت حينذاك أشعر أن فيلمي ينقصه الكثير. مع احترامي لقدرات الفعاليات المكونة للجنة في مجالات تخصصها ، إلا أنني أعتبر أنهم غير مؤهلين للحكم على فيلم . كنت أنتظر حصول أفلام أخرى على الجوائز لكن ذلك لم يحدث!!
*أية أفلام كنت ترشح؟
** "ماروك"مثلا لليلى المراكشي
* أظن "ماروك" تدخلت فيه اعتبارات أخرى
* نعم اعتبارات فكرية ، لقد تتبعت المنافشة. لكن التقنيات لا علاقة لها بالفكر، التصوير، الصوت، الإخراج، الممثلين.. أظن أن "ماروك"و"السمفونية المغربية" كانا ضحايا للمهرجان. أنا لا أعتبر نفسي قد أنجزت رائعة من الروائع لكن مهما كان عملي صغيرا فأنا أعرف قيمته.

* لقد طالب البعض بمنع فيلم "ماروك" من العرض ..
** الإلغاء ممنوع .. أي فيلم يمكن مناقشته .. إن لم تكن متفقا معه انتقده .. لكن الإلغاء مرفوض لأن الكثير من الفنانين والمناضلين ذاقوا السجن والألم من أجل حرية الرأي. رأي ليلى المراكشي يجب أن يحترم.. أنا لا أتفق معها لكن أحترم رأيها و لا ألغيه ، وهذا هو خطأ العسلي بصفته مخرج سينمائي ويمكن أن يقع مستقبلا في نفس الفخ. فحرية الرأي مقدسة.
* أصبح الآن الحديث عن منع الأفلام التي تستفيد من «التمويل الخارجي» ..
** هذا غباء !! السينما في العالم كله تعتمد على دعم داخلي وخارجي، ما لم يفهمه البعض للأسف هو أن السينما إنسانية ، والحديث عن سينما وطنية موقف متخلف للغاية. هناك سينما مغربية وليست وطنية ، الحديث عن الوطنية يعني الانغلاق ورفض الآخر ، بينما في السينما نلبس جميعاً "السموكينغ" كما هو الحال في المهرجانات الكبرى ، ممنوع الزي الوطني أو الجلابة و الطربوش . إنك إنسان فقط بغض النظر عمن تكون مغربي فرنسي انجليزي، مسيحي ... السينمائي كونية، إنها الحرية والإنسانية...إذا منعت الآخر فهذا يعني أنك انتهيت ولم تعد في حقل السينما بل أصبحت تنتمي للعهد الستاليني أو النازي ... يمكن الحديث عن السينما المغربية كانتماء جغرافي ، أما الوطنية فمفهوم متجاوز الآن ، وأصبح يحيل إلى مفهوم ضد الآخر. والسينمائي ليس له الحق في التكلم بمثل هذه اللغة.
** نعود لمسألة لجنة التحكيم ألا ترى أن اختلاف مشارب أعضاءها هو غنى لها وتمثيل للجمهور العريض والمختلف؟
في كل المهرجانات العالمية يكون على الأقل رئيسها حاصلا على أوسكار أوسعفة ذهبية . أنظر على سبيل المثال مهرجان مراكش .. آخر مرة كان سكورسيزي في اللجنة ..
* وبماذا تفسر هذا "التفرد المغربي"؟
* (مبتسما) لست أدري ربما كان هناك تخوف من وضع مخرجين مغاربة في لجنة التحكيم ، ويكون هناك ميل أو حيف بحكم الصداقات التي تربط بينهم.
* لكن أظن أن المخرجين المغاربة هم نفسهم المخرجين المشاركين في المسابقة لأن عددهم أساسا قليل.
** صحيح، في الحقيقة كان هناك تخوف من تكرار ما حدث في المهرجان الوطني بوجدة ، حيث كانت لجنة التحكيم مكونة من مخرجين وممثلين مغاربة ووقع نوع من "التعاطف" بين أعضاء اللجنة وأصدقائهم المشاركين في المسابقة. وأظن بأن نور الدين الصايل (مدير المركز السينمائي المغربي) أراد تجاوز هذا المشكل بالابتعاد عن تحديد سينمائيين في لجنة التحكيم لكي لا يتكرر ما وقع في وجدة.
* وماذا تقترحون إذن؟
** أنا لا أقترح، إنها ليست مهمتي، أظن أنه علي أن أنظر لاحقا إلى تكوين لجنة التحكيم قبل أن أوافق على إدراج فيلمي في المسابقة الرسمية. كدت أرفض في المهرجان الآخير دخول الفيلم للمسابقة لولا أني راعيت شعور الممثلين ورغبتهم في التباري وربما الحصول على جوائز في التمثيل. التقنيون كذلك كان لهم نفس الطموح خصوصا أنهم قاموا بعمل جبار في هذا الفيلم.
* أين تفضل العمل في التلفزيون أم السينما؟
بطبيعة الحال السينما، لأن التلفزة عمل استهلاكي ، بينما السينما عمل فكري يتميز بالدوام والأبدية فالفيلم يمكن مشاهدته بعد عام ، عشرة أعوام، مائة سنة، مثله مثل الكتاب أو اللوحة التشكيلية، تبقى في التاريخ إذا كانت لها قيمة فنية.
* نتحدث الآن عن تجربتكم الرمضانية في السيتكوم ما هو تقيمكم لهذه التجربة؟
أقول عنها ما قلته من قبل فاتهموني بأني أشتم الصحافة والصحفيين ، و أنعتهم بأنهم لا يحسنون المشاهدة ولا يعرفون قراءة الأعمال. مما دفع بالكثيرين لاتخاذ موقف سلبي مني و من أعمالي. بالنسبة للسيتكوم، كان ثلثا حلقاته في مستوى جيد . الثلث الآخر كان فيه نقص نظرا لضيق الوقت. ربما ارتكبت خطأ حينما تحدثت عن أمور ليس لها ارتكاز في ثقافتنا المغربية. لقد كان بث السيتكوم في فترة الدروة (PRIME TIME) و المغاربة لا يعرف جميعهم إيلفيس مثلا أو المتنبي أو جيم مورسون أو جون لينون. على كل حال سيتكوم "عائلة محترمة " بلغ فيه معدل مشاهدة 42٪ وهو أمر جد هام. وفي حالاته السيئة وصل 32٪ . لقد عملنا بجد و تفان ، أخطأنا مرات وأحسنا مرات أخرى . أهم شيء هو أننا عملنا بصدق. لا ننسى أن وقت الفطور الرمضاني فترة جد "خطيرة" لأن المشاهد لا يكون تركيزه فيما يشاهد بقدر ما يركز في أمور آخرى، لقد قمنا بتجارب من قبل على عينة عشوائية من المشاهدين في قاعة مظلمة ، فكانوا يضحكون طويلا بينما في فترة الفطور كان ضحكهم يقل! لأن ذهنهم مشتت . هذا ما صرحت به لإحدى الصحف وقلت أن المشاهد لا يركز في فترة الفطور على السيتكوم لأنه يأكل ويتكلم و... لذلك كان الحكم علينا قاسيا. لكنه حرف ما صرحت به و أغضب الصحافة و الصحفيين ، لذلك أمتنعت عن تقديم أي تصريح وربما حواري معك الآن جاء ليقطع شهورا من الصمت والمقاطعة. لقد قلت مرارا لمثل هؤلاء الصحفيين أرجوكم قولوا فقط ما أصرح به ولا داعي أن تحرفوا أقوالي لتصنعوا "سكوب" أو خبطة صحفية. أنا أحترم الصحافة ومع ذلك لاحظت أن فيلمي تم التضييق عليه من طرف الجريدتين المكلفتين بتغطية المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
كانت تلك وسيلتهم للانتقام مني!! ماذا كانوا ينتظرون .. أن أصنع رائعة من الروائع؟ 30حلقة في مدة شهرين ، بينما تطلب مني فيلم مدته ساعة ونصف 3سنوات! لا تطلبوا المستحيل لأنه لا يمكننا إنجاز سيتكوم بالمقاييس الأمريكية فليست لنا ثقافة السيتكوم ولا الإمكانيات الأمريكية ولا تقنياتها. نحن في طور التعلم هذا منتوج محلي والمنتوج الوطني لا يجب انتقاده وأقولها وأكررها المنتوج الوطني لا يجب انتقاده خاصة الانتاج الاستهلاكي ، يجب الحفاظ عليه إلى غاية بلوغه سن الرشد. المصريون مثلا لا ينتقدون مسلسلاتهم وإنتاجاتهم... السوريون واللبنانيون كذلك.
* لكن المصريين يشنون الآن حربا ضد مسلسلاتهم والمستوى الهابط الذي انحدرت إليه الدراما المصرية.
** ربما هذا أمر جديد أنا عشت معهم ولم ألحظ فيهم هذا قط.
* الإشارة لمواطن الضعف في عمل ما تتوخى بالأساس السير إلى الأمام وتحسين العمل الإبداعي ..
أنت تتحدث عن النقد، لكن في بلادنا لا وجود للنقد وأتحدى أيا ممن يكتبون في التلفزة أن يكون له ثقافة التلفزيون أو ثقافة النقد.
* لقد أثرت فيما قبل حفيظة الصحافين و الآن ستثير حفيظة النقاد ..
** هذا واقع أنا لا أتكلم على نقاد السينما الذين لهم أسماء متميزة كسكري و كيروم .. بل أتحدث عن نقاد التلفيزيون أنا أتحداهم حتى في تقديم تعريف بسيط لكلمة نقد. إنهم مجرد مبتدئين حصلوا على الباكالوريا أو الإجازة ثم درسوا سنة في معهد الصحافة و ويظن نفسه بعدها ناقدا ، ويسمح لنفسه بالتهجم على الآخرين. النقد شيء آخر و محمود .. يتوخى إظهار محاسن ومساوئ العمل من أجل تصحيح مساره .. أما من أتحدث عنهم فهم يشتمون بشكل فج، ويسبون الممثلين ويهزؤون منهم .. هذه دناءة. في مهرجان خريبكة التقيت ناقدا إفريقيا قال لي بعد مشاهدته لفيلمي " طيف نزار" فيلمك له مساوئ كثيرة و محاسن كثيرة ..حاول إصلاح الخلل والتشبث بمواطن الجمال . التزمت بما قال لي و تطورت. وكيفما كان الحال "فالسمفونية المغربية" تقنيا وإخراجيا أحسن من "طيف نزار" لقد استفدت من ملاحظات النقاد الحقيقيين .. أنا أعرف صحفيين أو نقاد يقولون مصطلحا رائجا "غادي نريبو" لاحظ معي !! بينما دوره هو البناء وليس العكس.
* نعود للفيلم ، العديد من المتتبعين اعتبروا النهاية سلبية و مصدرها "الفوق" و اعتبروا هذا الخطاب غير ملائم للمرحلة التي يمر بها المغرب؟
** إنه ليس حل بل تشجيع .. تاريخ الموسيقى والأدب يقول ان الأمراء هم رعاة الفن والموسيقى والثقافة كلها. أنا لا أعتبر النهاية حلا بل تشجيعا و رعاية. في الأدب العربي الشعر والشعراء كانوا كلهم يعيشون في كنف الأمير. الأمور تغيرت نسبياً عندنا والحل لم يأت «من فوق» بل من صنيع «الشماكرية».
* لماذا اعتمدت على نفس الوجود في السيتكوم والفيلم الطويل؟
** لأنهم مواهب حقيقية تتسم بالتفاني في العمل. وقد بذلوا مجهوداً جباراً وعانوا كثيراً في إنجاز «السمفونية المغربية» والعديد منهم لم يتوصل بمستحقاته حتى الآن . إنهم عاشقون للفن فقط : ادريس العمراني و عزيز حطاب وماجدولين و يونس ميكري و رفيق بوبكر.. الفنان المغربي يضحي بحياته ليقدم الفن والجمال و يموت فقيرا!
أجرى الحوار : جمال الخنوسي

24‏/01‏/2006




الفيلم الجديد لكمال كمال "السمفونية المغربية" في عيون النقاد

عرفت قاعة سينما ميغاراما بالدار البيضاء مساء أمس العرض الأول لفيلم "السمفونية المغربية" للمخرج كمال كمال في تجربته الثانية مع السينما بعد فيلمه "طيف نزار" سنة 2001 الذي حصل به في مهرجان خريبكة السينمائي على جائزة أول عمل سينمائي. و يبقى إتمام هذا الفيلم في حد ذاته إنجازا متميزا في ظل الصعوبات الانتاجية التي تخبط فيها ، حيث استمر العمل في إنجازه أكثر من ثلاث سنوات. و قد اختلفت الآراء و تشعبت حول تقييم هذا العمل و إبراز مواطن الجمال و الضعف فيه باعتباره عملا فنيا مفتوح على كل القراءات. فاعتبره محمد اشويكة أهم فيلم سينمائي مغربي طويل بعد "الحال" يلتفت إلى الموسيقى المغربية، سيما وأنه يطرح قضية نوع موسيقي لا يصل إليه الكثير من عموم الجمهور المنشغل بموسيقى استعراض اللحوم البشرية وإيقاعات الصخب التي تحتفي بأي كلام... كما أنه فيلم متنوع من حيث الفضاءات العامة التي اعتادت السينما المغربية أن تقدمها: إنه يلج الفضاء النفسي الداخلي للموسيقي المغربي الذي يشتغل في ظروف قاسية جدا أمام صعوبات تتعلق بتلقي أنواع الموسيقى لدى الجمهور المغربي، ومشاكل الإنتاج الموسيقي فضلا عن مشاكل أخرى كالقرصنة وحقوق التأليف والانتشار خارج المغرب وغيرها... ويقتحم فئة من الموسيقيين المولوعين العاشقين للموسيقى لكنهم لا يملكون شيئا في هذه الحياة : تسكنهم الموسيقى ويسكنونها، فما أصعب أن يتشرد الفنان يقول اشويكة، سيما وأن أحاسيسه شفافة كالبلور وسريعة الانكسار كالزجاج... فالفيلم احتفاء بالموسيقى المغربية وبالموسيقي المغربي الذي يقدمه كمال كمال في صورة مقلقة جدا: يسرق، يدق الكثير من الأبواب من أجل إخراج عمله، التشرد، السكن غير اللائق، تعدد المهام (مؤلف، عازف، منتج...)، التعاطي للمخدرات والإدمان، الدعارة، الإعاقة و يضيف اشويكة قد لا نستطيع إنكار هذه الأشياء لأن الواقع يكذبنا، كما أنها دالة ومولدة لمعان شتى... "نعرف أن الفنان يعيش في بلد لا زال يتقاضى فيه مدرس الموسيقى بالمعاهد المغربية التي لا تمتلك سوى الاسم، راتبا لا يستطيع أن يقتني به نايا قصبيا حتى! ولكن، لا ننكر أيضا للفنان المغربي المبدع أنفته وكبرياءه! وهذا للأسف ما أجهز عليه الفيلم!"
مع ذلك يرى اشويكة في الفيلم نقط قوة تتجلى في أهمية التيمة التي يعالجها وقوة أداء الممثلين: عبد الله العمراني الذي لعب دورا لا يبلى في تاريخ التشخيص المغربي، يونس ميكري الفنان المتعدد، عزيز حطاب وقوة التعبير الداخلي، رفيق بوبكر وقوة الاندماج في الشخصية .. كما أن هندسة وإنجاز الديكور الذي أشرف عليه الفنان التشكيلي والنحات الطيب العلوي الذي طوع الخردة "La ferraille" لتصبح سكنا للموسيقيين المشردين وفضاء لعرض حفل سمفونى كما نوه بالموسيقى التصويرية التي كانت عنصرا قويا في الفيلم وذلك من خلال رقيها وتوزيعها المتناغم والاحتفاء بإحدى أغاني ناس الغيوان... وهو ما ميز النسخة الصوتية للفيلم.
كما حدد اشويكة جوانب أخفق فيها الفيلم مشيرا للضعف الذي تميزت به الصورة عموما إذ لم تكن في المستوى التقني المطلوب سيما وأن الديكور منح لمدير التصوير فرصة لا تعوض لكتابة فيلم بالضوء زد على ذلك الاحالات الفيلمية المتعددة داخل فيلم السمفونية جعلت المشاهد يتساءل عن سبب كثرة هذا "التناص الفيلمي"؟ هل المخرج يريد أن يفصح للمتلقي عن مرجعياته الفيلمية أم أنه حائر على مستوى المرجعية ؟! دون أن ننسى كثرة التخصصات التي أعطاها كمال كمال لنفسه: منتج، مخرج، كاتب سيناريو، مؤلف موسيقي، مونتاج، مصمم ديكور ..يقول اشويكة . "نحن لا نمنعه من ذلك، ولكن كيف يبدع الإنسان ولا يخطئ أمام هذه الانشغالات المتعددة... السينما عمل جماعي، فكلما تخلص المخرج المغربي من كثرة الأعباء، كلما كان أحسن رغم ظروف الإنتاج القاسية. خلاصة الكلام : كاد الفيلم في عموميته أن يكون تحفة سينمائية بمقاس مغربي أصيل إلا أن..."

أما نور الدين كشطي فيرى أن إنجاز الفيلم تحقيق لرغبتين ذاتيتين متعلقتين بالمخرج، الرغبة الأولى تكمن في إنجاز كمال كمال لفيلمه الثاني بعد الفيلم الأول "طيف نزار". والرغبة الثانية في ولعه بالموسيقى باعتباره موسيقيا أيضا. فكمال ألف سمفونية منذ وقت طويل إلا أن الظروف لم تسعفه لإخراجها للجمهور و الفيلم هو تحقيق لهذه الرغبة الدفينة .
في جانب آخر يرى كشطي أن الشريط ينتمي لما يمكن أن نسميه بالسينما الجماهيرية . والفيلم على كل حال يتميز بجودة سينمائية خصوصا عى مستوى الديكور والتمثيل ومستوى الموسيقى المصاحبة للشريط، والسينما الجماهيرية التي تتمتع بالجودة هي مطلوبة ومرغوبة خصوصا ما يسمى بسينما الأجناس. لكن على مستوى البنية الحكائية و أحداثها فهي تذكرنا بأفلام الميلودراما . ومع ذلك يقول كشطي يمكن القول أن شريط كمال كمال شريط مقبول في انتظار فيلمه الثالث.

فيما اعتبر محمد الخيتر المخرج كمال كمال مغامرا اعتاد على ولوج عوالم سينمائية جديدة وخطرة، بحس إبداعي مميز وبرؤية فنية مغايرة.. فإذا كانت تعبيرية فيلمه الأول "طيف نزار" سنة2001 ترصد وقائع جزء من الماضي المغربي الأسود في ارتباطه بالمعتقل وتجربة اليسار ببلادنا، فإن فيلم كما كمال الحالي "السمفونية المغربية" يقدم للمتلقي فرجة سمعية بصرية من نوع آخر، فرجة تراهن على بعدي الإيقاع والشعرية، وكأن المخرج كمال كمال يحاكي عملا أدبيا خالصا.. من هنا يقول الخيتر جاء عمله السينمائي هذا تركيبيا، من منظور تعدد وسائل المحكي، حيث نجد المخرج كمال كمال يحكي تارة باللغة، وهو مظهر بارز لا يمكن القفز عليه ضمن سيرورة تطور الأحداث وبناء الدراما والسرد، في ارتباطه بالملفوظ، وتارة يحكي المخرج بالصورة من خلال اعتماد تصميم متفرد لديكورات الفضاءات الأساسية بالفيلم، ومن خلال أيضا بناء مشاهد ومتواليات يجمع بينها التناسق والرمزية والجمالية مركزها طريقة لعب الشخصيات، حركة الشخصيات، وظلال وإيحاءات ومعاني كل لقطة ومشهد. ويحكي الفيلم مرة ثالثة بالإيقاع، لكن الموسيقى تأخذ في "السمفونية المغربية" مكانة جوهرية، تنحو نحو شعرية يمزج فيها المخرج كمال كمال بين إيقاع ناتج عن "روح الفيلم" وإيقاع ناتج عن "غنائية" مبثوثة في مشاهد مختارة من روائع فن الغناء ببلادنا. وفي كل مظاهر الحكي الثلاث لا تلغي الوسيلة الأخرى ولا تنفيها، بل تظهر البصمة المغربية بارزة لتنسج خيطا ناظما رفيعا بين تطورات الدراما والسرد.. عيبها الوحيد هو كثافة الحدث، حيث يرغب كمال كمال في أن يقول كل شيء دفعة واحدة حول السياسة والفن والمجتمع والتاريخ، وبخطاب ملتبس.. فالموسيقى والغناء ببلادنا لا تدين برعايتها للحاكم فقط، والسمفونية لا تصنع فقط من الهامش..
ويبقى نظام الكتابة السينمائية بالفيلم ، يضيف الخيتر ، ذا قيمة فنية راقية وجمال ملحوظ يجعل السينما المغربية تتحرر –انطلاقا من هذه التجربة المميزة– من قيود النمط والتنميط في الجنس أو شكل التعبير الفني. لهذا توفر "السمفونية المغربية" للمتلقي متعة سينمائية مغايرة وفق عمق تتشكل خيوطه من متخيل مليء بالإشارات حول لبنان وفلسطين، وحركة المقاومة، والتاريخ العربي، والسلم، والتعايش.. في ارتباطاته بالمغرب العميق، مغرب الإنسان المهمش.

من جانبه يرى المختار آيت عمر الكاتب العام لجمعية نقاد السينما بالمغرب أن «السمفونية المغربية» إحالة لفيلم قصير أخرجه أندريه زفوبودا(A.ZWOBADA ) سنة 1950 تحت عنوان «سمفونية بربرية» وفيه يحاول سائحان اكتشاف الفلكلور المغربي. لكن في هذا الفيلم لسنا أمام سائح يبحث عن متعة غريبة ولكننا أمام شخصية «حميد» الذي تطوع للمشاركة في حرب لبنان ... ولكنه يعود بخيبة أمل .. يخامره الإحساس العارم بأن القتل لن يكون مفتاحا لحل كل القضايا العادلة .. يتملكه الاحباط واليأس .. ورغم ذلك يقرر صحبة مجموعة من المهمشين إعادة التناغم للمأساة التي يحيونها وذلك عن طريق الموسيقى باعتبارها السبيل الأنجع لتحقيق السلام مع الذات ومع الآخرين. يضعنا المخرج أمام موضوع جديد، يشكل إضافة لهذا التنوع الذي بدأت سينيمانا الوطنية تتميز به.. تنوع يضيف ويغني، مما جعل هذا السينمائي القادم من عالم الموسيقى والفيديو كليب قادرا على أن يقدم للمشاهد المغربي لحظات متميزة من المتعة والفرجة السينمائية. و يضيف آيت عمر : "لن أقف عند جوانب نقص قد تبدو ذاتية، أو تحمل تصوراتي الخاصة لما يجب أن يكون عليه العمل، إذ يكفي المخرج فخرا أنه استطاع أن يدير هذا العدد الكبير من الممثلين وأنه يحقق بهم ذلك التناغم الذي يطبع أي سمفونية ناحجة. فيلم بحاجة إلى قراءة خاصة، تقارب فضاءاته التصوير.. الديكور وتأثيت المكان الرئيسي .. تنوع الشخصيات وتعددها.. بعده الإيجابي في تجاوز الإحباط والفشل والعمل على تحقيق النجاح. المؤكد هو أنه رغم اختلاف المواقف من الموضوع أو من الشخصية الرئيسية فإنك تخرج من الفيلم وقد أحسست بمتعة خاصة رافقتك على مدى زمني يتجاوز المائة دقيقة، مما يدفعك إلى الوقوف في صف الشريط رغم كل الملاحظات والتساؤلات التي قد يقلقك بها، وهذا سر نجاح السمفونية المغربية."

أما بوبكر الحيحي فيعتبر شخصية حميد تعبيرا عن النسق الأخلاقي لكمال كمال. هذا النسق ينهض على التسامح ومن هنا يأتي اختيار يونس ميگري لتأدية الدور لأن المتفرج لا يملك إلا أن يتماهى مع يونس كمغن وديع طالما خاطب وجداننا وأحاسيسنا بأغانيه. ولحسن حظ المخرج أن قيم التسامح التي يدافع عنها هي السائدة في المجتمع المغربي رغم كل ما يمكن أن يقال.
و يتساءل الحييحي : ماذا يجعل من حميد شخصية متسامحة؟ أهي ثقافته الماركسية التي أدت به لحمل السلاح؟ أهو المكان الذي يعيش فيه الذي يصلح لأي شيء إلا لتفريخ قيم التسامح؟ وحدها المرحلة التاريخية يمكنها أن تبرر هذا التحول : مرحلة تتسم بحضور أميرة في حفل موسيقي منظم من طرف المهمشين. مجيء الأميرة دليل على اكتمال السمفونية وأن جسد المجتمع المغربي جسد متجانس بكل مكوناته. الشخصيات أيضا تعيش في مكان هامشي به حديد هالك للقطارات. قطارات تعكس وضعية هؤلاء المهمشين الذين أصبحوا عاجزين عن الحركة، عن الحياة.المكان طبعا يحيلنا على الوضعية الاجتماعية لهاته الشريحة من المجتمع. وحدها الشخصية التي تؤديها مجدولين تريد الانفلات من هذا الفضاء لكن إلى أين؟ إلى فضاء الكباريه ، لكن أصدقاءها لن يسمحوا بذلك. تتوجه نحو البحر قصد الانتحار لكن كمال كمال ككاتب للسيناريو يبطل هذا الحل ليبقى الخيار الوحيد هو تحويل المكان وجعله وجهتهم لتأدية السمفونية. المكان الذي سيتحول في نهاية الفيلم ـ عكس ما كان في البداية ـ إلى مصدر للجمال حيث تؤدى فيه السمفونية عوض مسرح ألبير هول.
و يضيف الحيحي أن الفيلم عند عرضه بمدينة طنجة خلال المهرجان الوطني الثامن للفيلم أثر كثيرا في المتفرجين. ترى ما هو مصدر هذا التأثر؟ أهي أغاني المشاهب وجيل جيلالة التي أديت بتوزيع جديد؟ أم هي بعض اللقطات كتلك التي كتبت فيها النوتات فوق المدرج الموسيقي بكؤوس بها شموع، أو رقصة الموت وموكب رؤساء الملائكة عندما يموت حميد في نهاية الفيلم؟ أيريد كمال كمال أن يخلق فنا سينمائيا انطلاقا من لقطات مبهرة وكأن دور السينما كفن هو التفنن في خلق صور لا نعثر عليها في الواقع، صور تتجاوز الواقع لتخلق نوعا من السحر؟
"السمفونية المغربية" هي سمفونية بدون أيديولوجيا، سمفونية تدعو للتسامح بين العرب واليهود، بين الفقراء والأغنياء، بين القاتل ومن أصبحت حياته تعيسة بفعل الجريمة... فليس هناك فرق بين الناس أو هذا ما يجب أن يكون.
و يختم الحييحي قائلا : ما أحوجنا إلى أفلام مغربية مختلفة بعضها عن البعض ، وهذا ما حققه مهرجان طنجة الثامن. إن فيلم كمال كمال جدير بالمشاهدة لأن له خصوصيته المميزة والتي حتما ستساعد على إبراز السينما التي يحتاجها المشاهد المغربي.
جمال الخنوسي

23‏/01‏/2006



الصيغة الجديدة لأفلام الحب و العنف تصنع الحدث في هوليود

مع مطلع كل سنة جديدة تنطلق التكهنات و التخمينات من أجل تحديد الأفلام التي ستصنع الحدث خلال الشهور المقبلة ، و تتنافس على أفخر الجوائز في المهرجانات العالمية المعروفة و على رأسها جوائز الأوسكار في شهر مارس المقبل . و لقد كانت عودة المخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ بعمل جديد هو "ميونيخ" حدثا مميزا في حد ذاته ، لما يتميز به المخرج الأمريكي المعروف من تاريخ و قدرة هائلة على الخلق و تجديد الأفكار. و بموازات عمل سبيلبرغ تظهر أعمال أخرى لمخرجين و فنانين ليسوا في حجمه و شهرته ، إلا أنهم بالرغم من ذلك يصنعون نجوميتهم بجدة أفكارهم و طرقهم المتميزة في تناولها و التعامل معها. ومن بين هذه الأفلام هناك عمل يقال عنه إنه أجمل فيلم يروي قصة حب بعد فيلم "love story" و آخرون يقولون عنه إنه أحسن فيلم عرفته السينما الأمريكية منذ 30 سنة . و منذ خروجه للساحة و هو يحصد الجوائز تلو الأخرى ، كان أهمها الأسد الذهبي لمهرجان البندقية في دورته الثانية و الستون. و سيعرف طريقه للشاشات الفرنسية في 18 يناير . إنه فيلم le secret de Brokeback montain الذي يقوم بالأدوار الرئيسية فيه كل من هاد ليدغر و جاك غيلنهال و آن هادوي و ميشيل ويليامس. و يحكي الفيلم الذي صور بين ماي و غشت 2004 عن اثنين من رعاة البقر "جاك" و "إينس" المكلفان بحراسة قطيع من الأغنام في بروكباك ماوتين صيف سنة 1963 . و في عزلتهما و سط الغابات و الحقول و الطبيعة الموحشة تتحول صداقتهما إلى حب وانجداب قوي غير منتظر . و في نهاية الرحلة سيفترق "الصديقان" و سيتزوج رينس بخطيبته ألما و يتزوج جاك بصديقته لورين. و عند لقائهما بعد أربع سنوات كانت نظرة واحدة كافية لإشعال نار اعتقداها قد خمدت ، فيصعد لهيبها من جديد.
الفيلم مأخوذ عن قصة نشرتها الكاتبة أني برولكس على صفحات جريدة النيويوركر سنة 1997 و عهد لكل من لاري ماكمونتري و ديانا أوسانا لتحويلها لسيناريو فيلم سينمائي . و يقول المخرج التايواني "أنج لي" على موقع بشبكة الانترنيت إنه لم يكن يريد إنجاز أي فيلم إلا إذا كان مخيفا و حساسا في نفس الوقت ، خصوصا مع النجاح الباهر الذي حققه فيلمه tigre et dragon "كنت على وشك الخوض في تجربة أخرى لولا أنني قرأت السيناريو و أتممته بعيون دامعة !!"
و بنشر قصة الحب على صفحات الجريدة ثم نشرها كرواية تحت عنوان "أقدام في الوحل" نالت إعجاب الكثير من القراء و المتتبعين . لكن الخوف من كونها قصة علاقة بين رجلين حال دون إقدام أحد على الخطوات اللازمة لاقتباسها سينمائيا. و يقول المنتج جيمس شاموس إنه منذ مدة طويلة و هو يحاول إقناع الشركات الكبرى بتبني فكرة الفيلم ، إلا أن كل الاستديوهات الهوليودية رفضت المشروع و اعتبرت العرض غير مغر.
و بعيدا عن الآراء المسبقة و رد الفعل السلبي الذي أحدثه الفيلم في الأوساط الأمريكية المحافظة باعتباره مساسا برمز راعي البقر الذي يجسد عمق الثقافة الأمريكية أو باعتباره مجرد قصة مثليين جنسيين فقط ! يبقى الفيلم قصة حب بسيطة بين كائنين جمعها الحب و فرقتهما "نظرة الآخر".
و في لون مختلف يبرز فيلم lord of war الذي أعتبر بمثابة "سكار فيس" القرن الجديد. فقدأخرجه أندرو نيكول صاحب فيلم "مرحبا بكم في غاتاكا" و كاتب سيناريو "ترومان شو" و يلعب أدواره الرئيسية نيكولاس كيج و إيتان هوك و يصور فيه الوجوه المختلفة لتاجر سلاح يبني فلسفته على الإحصاءات . فإن كان هناك 1 من كل 12 كائنا على الأرض يملك سلاحا فإن السؤال الذي يطرحه بطل الفيلم هو كيف يسلح الإحدى عشر الباقين. و ينصح زبناءه باقتناء الكلاشينكوف ذات السمعة الطيبة التي لم يتذمر منها أي كائن "حي"!
ولد البطل يوري في أكرانيا قبل نهاية الاتحاد السفياتي و سقوط المعسكر الشرقي . و بعد وصوله إلى أمريكا يتقمص شخصية مهاجر يهودي يبدأ حياته العملية في مطعم تديره العائلة . لكن سرعان ما سيكتشف تجارة أكثر ربحا و مردودية. فيستغل حسه الكبير في المغامرة و المساومة ليتطور و يكبر و يصبح بالتالي أكبر تاجر سلاح . ويساعده غناه في الظفر بقلب المرأة التي تعلق بها قلبه ، لتنتهي قصة الحب بينهما بالزواج الذي سيثمر طفلا بدون أن تعلم الزوجة عن نشاط زوجها الحقيقي شيئا. وبعلاقاته المتشعبة في الشرق سيطور تجارته السرية ، و في كل مرة بالمغامرة و المجازفة متنقلا بين البيوت النيويوركية الفخمة وقصور دكتاتورات إفريقيا أو هاربا من ملاحقة محقق فيدرالي . وتستمر الأمور على هذا المنوال إلى أن يلاحقه تأنيب الضمير ..
الفيلم الذي انطلق تصويره في 4 غشت 2004 و بدأ عرضه في دجنبر الماضي ، يعطي منذ بدايته تقديما للرسالة التي يريد تمريرها ، حيث تتبع الكاميرا مسار رصاصة تستقر في رأس طفل إفريقي . وبسيناريو محبوك و عبقرية مخرج كان لا بد من بطل يجسد الفوضى التي يعرفها العالم و التسارع و التسابق المحموم نحو القتل و الموت ،و إلا سيصبح العمل شريطا وثائقيا أو مجرد درس في "التاريخ و الجغرافيا". لكن النجم نيكولا كيج سيزرع الحيوية في الشخصية بأدائه المتميز و البسيط الذي عودنا عليه منذ فيلمه سيلر و لولا مع دافيد لينش و طوال مسيرته الفنية.
جمال الخنوسي

22‏/01‏/2006


نجيب محفوظ يثير حفيظة الأدباء
و النقاد يردون عليه :
- محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان
خلف موقف الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ زوبعة كبيرة داخل أوساط المبدعين و الكتاب العرب. و قد كان نجيب محفوظ قد سن شرطين لنشر روايته "أولاد حارتنا" في مصر، وهما كما يقول أحد أبرز المقربين من محفوظ الروائي يوسف القعيد لوكالة فرانس برس : أن يوافق الأزهر على نشر الرواية، وثانيا أن يكتب أحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين مقدمة لروايته. وأشار إلى اعتقاده بأن مطالبة محفوظ بهذين الشرطين تعود الى محاولة تبرئة ساحته من الموقف الذي أثاره علماء الأزهر في شهر شتنبر من عام 1959 عند بدء نشر الرواية في صحيفة الأهرام على مدار ثلاثة أشهر ومطالبتهم بوقف نشر الرواية وعدم نشرها في كتاب. واعتبر الأزهر في حينه أن الرواية التي نشرت في بيروت قبل أكثر من 46 عاما تتعرض للذات الإلاهية وللأنبياء. واعتبر المناهضون للرواية أن لها طبيعة مختلفة حيث تتخذ من الرسل أدم وموسى وعيسى ومحمد، وغيرهم من الأنبياء أبطالا لها في رمزية روائية تتضح لأي قارئ. كما أن البعض اعتبر شخصية "جبل" هي رمز لله . والمفارقة الغريبة أن الرواية إلى الآن لم تصادر بشكل رسمي، وعقب نشرها تقدم الشيخ محمد الغزالي بتقرير إلى رئاسة الجمهورية يطلب فيه منع الرواية من النشر ، وكرر الشيخ الغزالي ذلك في الصفحة الأدبية لجريدة الأخبار. ثم توالت حملات التكفير على الرواية وقادها الشيخ عبد الحميد كشك حتى جاء عام 1994، وأفتى الشيخ عمر عبد الرحمن لجريدة الأنباء الكويتية بكفر وإلحاد نجيب محفوظ وصرح قائلا : "لو أن الحكم بالقتل نفذ في نجيب محفوظ حين كتب، لكان ذلك بمثابة درس بليغ لسلمان رشدي..".. كما تبنت أجهزة الأمن المصرية موقف معاد للرواية ولكن على أساس مغاير واتهمت فيه محفوظ بالقدح بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأعضاء قيادة مجلس الثورة آنذاك. واستمر نشر الرواية رغم ذلك بشكل يومي في الأهرام بدعم من رئيس مجلس إدارتها في حينه محمد حسنين هيكل بعد أن رفض ادعاءات كلا الطرفين(الأزهر و السلطة) وشرح الموقف الأدبي للرواية لعبد الناصر.
وكانت دار الهلال المصرية قررت طبع نسخة شعبية من الرواية لنشرها الشهر الماضي احتفاء منها بالذكرى الرابعة والتسعين لميلاد محفوظ و بعد 47 عاما على منعها بقرار من الأزهر حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، إلا أن محفوظ عارض نشر الرواية لأنه باع حق امتيازها لمكتبة الشروق التي يملكها رئيس اتحاد الناشرين العرب ابراهيم المعلم.
وقال عدة مثقفين من بينهم الروائي جمال الغيطاني في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إنه ليس من حق دار الهلال أن تقوم بطبع كتاب بدون موافقة صاحبه، وليس لها حق الاعتداء على حقوق مؤلف باع كتابه إلى جهة أخرى لتولي نشره بحسب قول الغيطاني. إلا أنهم اتفقوا ومن بينهم المقربون من محفوظ "أن مطالبة نجيب محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الابداع بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا وأن وضعية الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة إلا بناء على طلب من جهة ما" كما أكد القعيد. وأضاف : "أن المؤلف نفسه بهذه الطريقة يبحث عن رقيب ديني على إبداعه بما يخالف أسس الابداع". ويضيف القعيد: التقرير الخاص بمصادرة الرواية قد كتبه وقتها أعضاء لجنة من الازهر ممثلة في أحمد حسن الباقوري ومحمد ابو زهرة ومحمد الغزالي ولم يعلنوا ذلك إلا من خلال ندوة عقدتها مجلة روزاليوسف.
ويؤكد القعيد أن هذه الاشكالية حول الرواية ربما تمثل الاختبار الحقيقي لنوايا الإخوان المسلمين حاليا ومن الممكن أن يلتزموا الصمت كما تعاملوا مع مواقف أخرى .
و تصف الناقدة اللبنانية جمانة حداد في مقال لها بجريدة النهار اللبنانية تحت عنوان "حتى أنت يا نجيب" موقف الكاتب بالاقتراح "الرجعي ، المخزي و المهين" و اعتبرته صادرا عن كاتب "غير عادي، و له مكانة كبيرة و متميزة داخل الحقل الأدبي العربي. و خاطبت الكاتب ساخرة ." ولو يا أستاذ نجيب! شو بقي من العمر أكثر مما مضى – أطال الله بعمرك - كي تأخذك الخشية إلى هذا الحد، فتطلب إذناً مسبقاً بنشر كتاب لك، هو هذا الكتاب بالذات، الذي صدرت طبعته الأولى قبل 47 عاماً في بيروت، ونال ما ناله من اهتمام واحترام وتقدير في دنيا العرب كلها؟! و تضيف جمانة أن موقفها الذي يشاركها فيه مجموعة كبيرة من الأدباء و النقاد العرب ليس انتقاصا من قيمة الأزهر بل هو تبخيس لقيمة الأدب الذي له الحق الوحيد و الأوحد في تقرير مصير كتاب. و تعاتب نجيب محفوظ في قسوة :"الكاتب الكبير، وحتى الصغير، يا أستاذ نجيب، لا يطلب الإذن من أحد لنشر كتابه. أنتَ علّمتنا ذلك، وعلّمتنا أن القيمة الأدبية والإنسانية للكتاب، هي الغربال الوحيد الذي نغربل به الصفحات. وأنت علّمتنا أن الكاتب هو الذي يكتب، وهو الذي يحذف، وهو الذي يضيف، وهو الذي يقرر ما يطيب له أن يقرر، وما يصلح للنشر وما لا يصلح، زيادةً أو نقصاناً. أما المرجعيات الدينية ورجال الدين فلا. لأن دورها يقتصر على شؤون الدين والعبادة، وهذا لا يشمل النظر في الأعمال الأدبية، تقويماً وتدخلاً نقدياً ورقابياً. وما نقوله عن المقامات الدينية، مؤسسات وأشخاصاً، ينطبق أيضاً على هيئات الرقابة كلها، وعلى الأمن العام ومؤسسات الدولة بلا استثناء. مئة عام كانت كافية تماماً، لنتعلم ماذا فعلت الرقابة بعالمنا العربي، وبحرياته، وبآدابه، وبفلسفاته، وبأفكاره، وبثقافاته، وبصحافته، وبفنونه المختلفة. وماذا فعلت بالأحرار والأدباء والفلاسفة والمفكرين والمثقفين والصحافيين والفنانين! سامحك الله يا نجيب محفوظ، وليس عندنا ما نقوله لك سوى هذه العبارة الشكسبيرية المحرّفة: حتى أنتَ يا نجيب؟!"
و من جهته قال الروائي محمد البساطي لوكالة فرانس برس : "رغم أن هذا الشأن خاص بمحفوظ، إلا أنني لو كنت مكانه لما أوليت أي اهتمام بموقف الأزهر، فأنا كاتب وصاحب رأي وموضوع وفكر وقضيتي أن أوصل ذلك للناس بعيدا عن أية تهديدات". ودعا البساطي إلى وضع حد لسلطة الأزهر وفكر الأزهر الذي أحيانا يكون متخلفا، "وهنا دور الكاتب المهم وهذا ما يدفعني لعدم الموافقة على موقف نجيب محفوظ الذي ربما لديه أسبابه الخاصة بعد الاعتداء عليه، وربما كعادته لا يريد أن يغضب أحدا".
أما الروائي عزت القمحاوي فاعتبر أن نجيب محفوظ في موقفه هذا وكأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به ألا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للأزهر للوصاية على الأدب من خارج القانون والدستور. وأشار الى أن موقف محفوظ هو جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا كانت هذه السلطة. وأكد أن شخصية الكاتب الحائز جائزة نوبل عام 1988 لم تكن من الشخصيات صاحبة الموقف أو النشاط العام المساند لحرية الإبداع أو للحريات عموما رغم ما يتمتع به منذ وقت مبكر من حصانة الشهرة التي توجت بنوبل. و أضاف القمحاوي: "أنا أعتبر أن محفوظ لم يقف موقفا وهو في كامل صحته وأصغر سنا في لحظات كان المجتمع في أشد الحاجة إليه لرفع صوته المساند، لكنه لم يفعل".
و ربما هذا ما دفع الناقد المعروف غالي شكري للقول واصفا الموقف السياسي لنجيب محفوظ قياسا على المقارنة بين آرائه التي قالها بعيدا عن الفن الروائي وتلك التي ضمنها إبداعاته الأدبية الرائعة بقوله: "محفوظ أشجع فنان وأجبن إنسان"
و يقول وائل عبد الفتاح عن علاقة محفوظ بروايته "أولاد حارتنا" في مقال بجريدة المستقبل :" توقف نجيب محفوظ عن الدفاع عن الرواية.. لأنه كما قال عابرا في أحد حواراته أن: "المقصود من الرواية هو تصور ماذا سيفعل الأنبياء لو نزلوا حارتنا.. من هنا بدأت كتابة روايتي الكبيرة "أولاد حارتنا"... وهي التي تصور الصراع بين الأنبياء والفتوات.. كنت اسأل رجال الثورة هل تريدون السير في طريق الأنبياء أم الفتوات؟ فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعي الذي كان قائماً وهنا يكون "عرفة" هو رمز العلم.. الذي كانت الفلسفات الحديثة تقدمه في الخمسينات على أنه "الدين الجديد".. وهو يتصارع حسب خريطة الرموز مع الأبطال الآخرين.." وهذا ما يجعل محفوظ وهو ينحاز إليه يضيف إلى قدراته ميزة أخرى وهو الجمع بين العلم والإيمان..وبين التعرف على العلم الحديث والمعرفة بخبرات العطار القديم.. عرفة حسب بناء الرواية كان أقرب "أنبياء حارتنا" بالنسبة لنجيب محفوظ.. لكنه يتركه لحكم الرقابة.. وكأنه لا يريد أن يورط نفسه في معاندة المؤسسة التقليدية." ويعزي وائل عبد الفتاح هذا الموقف إلى الطبيعة المسالمة، المطمئنة، المتآلفة مع نظام الحياة في مصر،" لصاحب الإبتسامة الدائمة والبدلة البسيطة"
.
و خصصت جريدة "نهضة مصر" ملفا عن ما اعتبرته معركة كبيرة أعطت فيه الكلمة للعديد من النقاد و المهتمين حيث تساءلت فريدة النقاش رئيس تحرير مجلة "أدب ونقد" عن عدم طباعة الرواية في مصر، فقالت: لماذا لا نقوم بطباعة الرواية خاصة أنها تطبع وتباع في كل العالم العربي منذ 30 عاماً ويشتريها المصريون بكثافة خاصة طبعة بيروت. وتؤكد فريدة النقاش على أن الشعر بمعزل عن الدين كما قال العالم الفقيه الجرجاني، فهذا ميدان وذاك ميدان ولا يجوز التدخل في شأن الآخر.
وتعترض فريدة النقاش على الشروط التي وضعها أديب نوبل وقالت: ما يختص بموافقة الأزهر يعود بالرواية العربية الى الوراء، كما أنه يخطئ في حق حرية الفكر والتعبير عندما يطلب من الدكتور أحمد كمال أبو المجد كتابة مقدمة للرواية، فمع احترامي وتقديري الكامل لشخصية د. أبو المجد إلا أن الرواية عمل أدبي بحت. وأعربت فريدة النقاش عن تساؤلها وقالت: حتى لو تمت موافقة الأزهر، فإننا بذلك نرسي تقاليد نهاجمها منذ القدم، فامتداد رقابة الأزهر للأعمال الأدبية كارثة كبيرة لأنه يعمل مقاييس وآليات الدين الذي هو إلاهي ومطلق في تقييم عمل هو بطبيعته عمل بشري قابل للنقد.
كما قدمت الجريدة تصورا قاسيا لكل من المفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين و عبدالعظيم المطعني الاستاذ بجامعة الازهر حيث يرى الأول أن الحكم على هذه الرواية لن يتغير لما تتناوله من جرأة على المستوى الديني وما تتضمنه من رمز إلى المقدسات لا يليق بمسلم. ويضيف شاهين : إنها قد تأتي من خيال إنسان عاش في الجبل أو الصحراء أو إنسان لا علاقة له بأفكار دينية. ويؤكد شاهين أنه لا داعي لنشر الرواية إلا إذا أردنا أن نثير حول نجيب محفوظ مجموعة من المناقشات ليعود ذكره علي ألسنة الناس من جديد ويشتهر أكثر مما اشتهر وينال أكثر مما ناله على مستوي الوسط الصحفي والإعلامي!.
أما المطعني فقد أكد أن الأزهر لن يوافق على نشر هذه الرواية حتى ولو بعد مائة عام لأن الرواية ما هي إلا نقد للتاريخ النبوي كله وإعلاء لشأن الحضارة الغربية الحديثة . وكان المطعني قد أورد ردا على الرواية في كتاب من 200 صفحة بعنوان "الرموز المختارة لكبار أولاد الحارة".
و كان محفوظ قد توقف نسبيا عن الكتابة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال على أيدي متطرفين إسلاميين عام 1994، استجابة لحملة التكفير، حيث أصيب بتهتك في عضلات الرقبة كاد يودي بحياته. والمعروف أن "أولاد حارتنا" برغم مصادرتها موجودة في كل مكان وتباع في المكتبات بمصر ولها موقع على الانترنت يمكن قراءتها عليه كاملة هوwww.awlad.20fr.com والقضية الحقيقية تتمثل في السماح رسميا بنشر القصة وتداولها.
جمال الخنوسي

19‏/01‏/2006


"معطف أبي" فيلم تلفزيوني جديد لعزيز السالمي

تعرض القناة الثانية هذه الليلة الدراما الاجتماعية "معطف أبي" من إخراج عزيز السالمي و سيناريو المحجوب شهيب. و يحكي الفيلم قصة المختار (عبد القادر لطفي) الرجل المسن الذي جعلت منه طفولته البائسة وانعكاسات الفقر و التعاسة، تركيبة من العقد. وهو زوج و أب لثلاثة أبناء هم خالد (يوسف جندي) و جميلة (السعدية لاديب) و هاجر (سكينة التباع) . لكن بالرغم من وصوله لسلم الثراء وامتلاكه لعدد كبير من الضيعات الواسعة، ظل البخل الشديد رفيقا لدرب المختار. و في أحد الأيام، يصر فجأة لأسباب لا يعرفها إلا هو. أن لا يفارق جسمه أبدا معطف قديم اقتناه من بائع خردة. مما تسبب في خلاف دائم بينه و بين زوجته رحمة (سعاد صابر) التي لم تستطع فهم ذلك السلوك الغريب و الغامض. يمضي المختار في بخله إلى درجة لم يعد يعيرفيها أي اهتمام للمشاكل التي تعترض أبناءه. فخالد البالغ من العمر ثمانية و عشرون سنة مل البحث عن العمل رغم حصوله على شواهد عليا، و صار يحلم فقط بالسفر بعيدا. أما جميلة فمازالت طالبة و تمر بعلاقة عاطفية صعبة مع إنسان فاشل وانتهازي. و في المقابل، هناك حسن (مالك أخميس) صديق العائلة ، عاطل هو الآخر و متيم بجميلة، إلا أن حياته سيصبح لها معنى حين سيجد عملا. لكن إلى متى سيظل البخل و حب المال يعميان المختار و يبعدانه عن واجبه الأسري؟
في الحقيقة لم يتطلع الفيلم للإجابة عن هذا السؤال بقدر ما جعل القصة البسيطة للمختار جسرا يعبر من خلاله لمواضيع أخرى شائكة ربما كانت ستشعر المشاهد بالملل، خصوصا أنها مستهلكة و أصبحت تيمة أساسية في الحقل السينمائي المغربي، تحت اسم سينما الهجرة . لقد جعل السالمي قصة خفيفة تحمل هموما كبيرة ، و كان ذكيا في هذه المزاوجة حتى يجنب المشاهد تخمة المشاكل و ثقل الهموم و الخطاب المباشر الذي كان عدوا للفرجة التلفزيونية منذ وقت طويل.
مع ذلك يبقى خطاب الفيلم جد متشائم و سلبي و لا يرى أي حل ممكن سوى "الحكريك" و الرحيل ، وردد بشكل ببغاوي الخطاب السائد حول "الدراسة التي لا تنفع" و "الجنة الموجودة في الضفة الأخرى" و كليشاهات الشباب الذي لا يحلم إلا بالهجرة و البحث عن البديل في مكان آخر. و لم يكلف السالمي نفسه عناء انتقادها بل يحسسنا في الكثير من الأوقات أنه يزكيها. كما تعامل مع الشخصيات تعاملا أخلاقيا و عاقب بقسوة الفتاة باعتبارها أخطأت و أذنبت. وتعمد المخرج أن يفهمنا و بإلحاح أن شيئا ما !! يحدث بين الفتاة و صديقها. و ربما هذا ما جعل القناة تصنف الشريط ممنوعا على أقل من 10 سنوات.
في جانب آخر يبقى أداء الممثلين هو الانتصار الكبير لهذا العمل حيث انهم تألقوا دون استثناء ، أما سعاد صابر فقد عودتنا على التميز و لم نحس قط في أي لحظة من اللحظات أنهم يمثلون لأن أداءهم اتسم بنوع من التلقائية و البساطة، جعلتنا مثلا نتعاطف مع الأب و نكرهه في نفس الوقت. الشيء الجميل عند عزيز السالمي هو أنك لا تمل من شخوصه المرحة و وتيرة الحكي متناغمة و يستطيع أن يفاجئك في أي لحظة ، كما فاجأنا في آخر لقطات الفيلم بظهوره ليأخذ المعطف من الممثل عبد القادر لطفي، ويخلق تزاوجا طريفا بين الواقع و المتخيل. كما اعتمد على تقليد يقوم به بعض مخرجي الأفلام الهزلية و ذلك بعرض ما يسمى "لوبيتيزيا" أي اللقطات المرحة التي حذفت في المونتاج أو حدثت أثناء التصوير.
و من النقط الإيجابية الأخرى التي تحسب للشريط الذي أنتجته القناة الثانية هو حواره الدارجي النظيف الذي اتسم بالواقعية. و في نفس الوقت لا يحمل تعابير زنقاوية مع الحرص على تجنب الحوار المنمق و المبتذل.
عزيز السالمى صاحب الأفلام القصيرة "سبق رؤيته" 1991 و"على جناح السلامة" بطولة سعيدة باعدي و حميد زوغي سنة 2002 و "عايدة" بطولة خلود سنة 2004 و شارك به في المهرجان الوطني الأخير للفيلم بطنجة، يستعد الآن لإنجاز فيلم طويل اسمه "حجاب الحب" و حصل على دعم مليوني درهم من المركز السينمائي المغربي. و له مشروع فيلم تلفزيوني مع القناة الأولى في شهر فبراير القادم اسمه " بنت الشيخة" كتب السيناريو عبد الهادي حديفة . و يحكي عن تخوف امرأة متزوجة من انكشاف أمر كون أمها كانت تشتغل بمهنة اعتبرتها "غير شريفة"!.
جمال الخنوسي



يوم في حياة الطاهر بن جلون

بدأت جريدة النهار اللبنانية في نشر سلسلة من المقالات تحت عنوان "يوم في حياة .." تخص به مجموعة من المفكرين و الأدباء المتميزين ، حيث يكتبون عن يوم في حياتهم "العادية". اخترنا لكم اليوم المقال الذي كتبه الأديب المغربي الطاهر بنجلون و خص به الجريدة :

نهاري يبدأ من العشية، من اللحظة التي أجهّز فيها نفسي للنوم. بما أن لا وعيي أكثر صلابة من إرادتي، هو يرفض أن يدعني أستسلم للنعاس والغفو. غالبا ما أُحرم هذا الوقوع اللذيذ في الليل، في غموض الليل ومجهوله. كما لو أن أحدهم يراقبني ويقول لي: لن تنام قط، سوف تظل مستيقظا، أكانت عيناك مفتوحتين أم مغمضتين، ولن تستطيع أن تفعل شيئا بهذا الأرق، لن تشغله مثلما يفعل كتّاب آخرون يستغلونه لكي يكتبوا أفضل صفحاتهم، لن تتمكن من القراءة لتمضية الوقت ولا للتعويض مما فاتك من قراءات ضرورية. لا، ينبغي لك أن تتحمل الليل حتى الانهاك، وآنذاك سوف يغرق جسدك بلطف في النوم المشتهى!
لقد سمعت هذا الكلام ألوف المرات، فأنا خادمٌ مخلص للأرق الناشف، العاقر، ذاك الذي لا ينتج سوى الملل، والتوتر العصبي، والعدم، وتكراره السخيف. قد تعتقدون أني أنام طوال الصباح، وأني أعوّض نقصان النوم ليلا بالنوم بعد شروق الشمس. لا، أبدا، فأنا استيقظ، أو على الاصح انهض من السرير باكرا، وأتكل على الدش البارد لكي يعود جسدي الى طبيعته، ولكي أوهمه بأن الليل كان طويلا وطافحا بالأحلام.
طوال النهار أحمل على وجهي علامات رفيقي اللدود، الأرق. بعد القهوة، الكثيفة والمضغوطة على الطريقة الايطالية (منذ بعض الوقت أجد متعتي في كبسولات الاسبريسو التي تعطي قهوة ألذّ وافضل من تلك التي يقدّمونها لنا في المقاهي الباريسية)، أغادر المنزل وأتوجه الى مكتبي.
يمكن الكاتب أن يكتب في كل مكان: ذلك صحيح عموماً. ولكن ما أن استطعت تدبير مكان مخصص حصرا للكتابة، فصلتُ حياتي العائلية عن حياتي المهنية. ثمة بضع عشرات من الكيلومترات بين المنزل والمكتب، اجتازها بالسيارة لسببين: الأول أني أستمع الى أخبار الصباح عبر الراديو، والثاني أن المترو الباريسي يكون في تلك الساعة مزدحما للغاية. لا أحبّ هذا الالتصاق بالناس، ولا أحب خصوصا مزيج العطور ومزيلات الرائحة التي يضعها بعض الناس لستر إهمالهم على مستوى النظافة.
في كل حال، منذ انطلاق الحرب الخبيثة التي تشنها بلدية باريس على سائقي السيارات، أفكّر في التخلي عن سيارتي. هكذا يجب أن أستغني عن الساعة التي أمضيها كل صباح مستمعا الى الأخبار. من جهة ثانية، ليست باريس ويا للأسف مدينة يحلو فيها المشي: ثمة فيها درجة عالية من التلوث.
أصل الى المكتب حوالي التاسعة صباحا: أصعد الطبقات الخمس على الدرج (ليس هناك من خيار آخر)، لكني أقول لنفسي إنها رياضة مفيدة، لذا أكرر العملية نفسها خمس مرات في اليوم.
في المكتب، فنجان قهوة ثان. بدايةً أقرأ إيميلاتي، أتصفح الجرائد ثم أبدأ بالعمل فوراً. عندما أكتب قصة ما، لا أضع خطة عمل، وأحرص على ألا أعرف سلفا كيف ستتبلور الحوادث وتتطور الشخصيات. تلك متعتي. قبلاً، أي لخمسة أعوام خلت، كنتُ أستخدم الدفاتر. لكني منذ اكتشفت جهاز الكومبيوتر، انتقلت الى الكتابة عليه، وتلك لذة مهددة ومنقوصة لأني لم أروّض تماما بعد هذا "الحيوان" الالكتروني الذي، رغم تمتعه بمزايا كثيرة، فقد أفقدني صفحات ثمينة. في كل حال، انا أطبع ما أكتبه وأقوم بعمل تصحيح طويل على النسخة الورقية. لم أزل متعلقا بالأوراق وبقلم الحبر وبكتابة الملاحظات على هوامش الصفحات.
في الأيام التي تلي ليالي النوم السيئة، أجد صعوبة في الانطلاق. أتردّد، أخطىء الضرب على لوح المفاتيح، أدور على نفسي، أكون في اختصار غير مجد. لكني لا أيأس ولا أتخلى. أظل جالسا الى طاولتي، منتظرا عبور الذبذبات الليلية المزعجة. أحيانا أتمنى إرسالها الى جاري، لكنها لا تفلتني من قبضتها بسهولة. يحصل أن أستخدم هذا الوقت لكي أقوم ببعض الأبحاث أو لكي أعيد قراءة بعض الكتّاب الذين أحبهم. اعترف مثلا أني لم اقرأ في حياتي كتابا لكلود سيمون الى آخره، لكني أعشق أن أفتح كتبه على هوى المصادفات وأن أقرأ منها صفحة أو صفحتين. تعجبني في شكل خاص طريقته في تركيب الجمل. أقرأ أيضا للشعراء: شار، سان جون برس، أراغون، سيفيريس، ريتسوس، ...الخ. هذا النوع من القراءات يريح أعصابي ويشرّع أمامي دروب الخلق.
حوالى الحادية عشرة صباحا أنزل لآخذ بريدي. الخميس أتصفح مجلة "لو نوفيل اوبسرفاتور"، اقرأ فيها مقال جان دانيال وأنظر الى رسم وياز.
عند الأولى بعيد الظهر، أذهب لتناول الغداء في مطعم قريب، ونادرا ما أكون وحدي آنذاك. عندما لا يكون عندي غداء عمل، أحب أن أتنزه وأن أهيم في الطرق، وأحيانا أشاهد فيلما. لدى عودتي الى المكتب، أشعر بالحاجة الى قيلولة. أفضل طريقة هي البدء بقراءة "لو موند"، فيدركني النعاس سريعا. إنها لحظات الراحة الأكثر أهمية بالنسبة إليّ، لأنها تعويض من الليل القاسي. عادةً أبرمج مواعيدي في فترة ما بعد الظهر، بدءا من الساعة الرابعة. أستقبل الزائرين الذين يصلون منهكين بسبب السلالم، ويحتاجون الى خمس دقائق لاستعادة أنفاسهم. إذا كان الشخص مدخّنا أعظه بضرورة وقف التدخين، أما اذا كان متعبا فحسب، فأحادثه بأمور شتى ثم ننتقل الى مبرر الزيارة.
أوقف العمل نحو السادسة، أعود الى السيارة وأنزلق في عجقة السير لكي أعود الى منزلي. هناك أيضا أتابع الاخبار والتعليقات وأحيانا استمع الى الموسيقى، وخصوصا الجاز.
بين السابعة والثامنة والنصف، أكون ملك أولادي. صخب، فروض مدرسية، عشاء ثم مفاوضات لكي يقرأوا قبل النوم. أحرص على أن يقرأوا على الأقل صفحة من كتاب ما، ويهمّني أن أزرع فيهم هذه العادة.
عند التاسعة يجتاحني التعب. أعود غير صالح لشيء بسبب النهار الطويل وعواقب الستريس. نصحني طبيبي بالنوم في هذه الساعة، لكني أقاوم، أشاهد فيلما ثم أقرأ لمدة ساعة. أجتنب الكتّاب المعاصرين. ليس هناك أفضل من التحف الكلاسيكية: مونتين، ثرفانتس، بورخيس... عموما يفترض بهذا النوع من القراءات أن يحضّرني للنوم، ولكن كل ما فيّ يقاوم.
كان هذا نهارا عاديا. لكني إذ أسافر كثيرا، أشغل الأيام التي أتنقل فيها في شكل أكثر فاعلية. عندما أكون مدعوا الى مكان ما، يكون ذلك لكي أعطي محاضرة أو أشارك في ندوة، ...الخ. فأنظّم وقتي بحسب المدينة التي أكون فيها لكي أزور متحفا واحدا على الاقل، ولألتقي مساء ببعض الاصدقاء.
مهما فعلت، وخصوصا عندما أكون في طور كتابة رواية ما، أعمل طوال الوقت، أفكر في كتابي ليل نهار، أعيش مع شخصياتي، أستشيرها، أتعلق بها، وعندما تصبح لا تطاق أمحوها وألغيها.
الكاتب لا يكون يوما مرتاحا، لا يذهب يوما في عطلة، لأنه شاهد على عصره، ولأن عينيه تحدقان باستمرار في ما يحصل أو ما لا يحصل. لأجل ذلك تتشابه كل الايام.

18‏/01‏/2006





حوار ساخن في قلب اليسار الفرنسي :
فورست : اليسار الذي أومن به لا يمكن أن يتحد مع القرضاوي لتغيير العالم !
بيرغات : نضال المرأة يستعمل كوسيلة لشرعنة المجموعات المهيمنة في فرنسا و العالم الإسلامي.
في الوقت الذي تعبر كارولين فوريست عن خوفها من جاذبية و إغراء تمارسه "دكتاتورية الشريعة"، يهاب فرنسوا بيرغا الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي من الانحراف التبسيطي و الرفض النهائي و المطلق للإسلام. مجلة "الإكسبريس" الفرنسية أخذت علي عاتقها مسؤولية لقاء "الإخوة الأعداء" في حوار ساخن.
صعود التيارات الإسلامية يقسم اليسار الفرنسي إلى شطرين. جانب نجد فيه من يصرون على احترام الحق في الاختلاف. و الجانب الآخر نجد فيه من ينادي بالحيطة و الحذر أمام الخطر المحذق و الانحراف الذي يمكن أن يعرفه التطرف الديني و هذا ما عبرت عنه كارولين فوريست المختصة في قضايا الأصولية و التطرف و نشرت كتابا تحت عنوان : la tentation obscurantiste ضمن منشورات grasset حيث تقول :" يوجد برفقتنا الآن في اليسار الفرنسي "زملاء" يعتقدون بسيادة "الشريعة " كما اعتقدوا من قبل بسيادة البروليتاريا أو الطبقة العاملة". و يرد فرنسوا بيرغات المختص في علم السياسة و الذي عاش 18 سنة في أرض الإسلام "هذه مجرد استيهامات !" و يضيف في كتابه l'islamisme a l'heure d'al-quaida : "ببنائنا للجدران في كل مكان بدل الجسور فإننا نسرع وتيرة التطرف التي تهددنا".
بين فورست و بيرغات لن يكون الحوار إلا شرسا و عنيفا:
* المجلة : إنكما تنتميان معا لليسار الفرنسي . هل يعتقد كل منكما أن محاوره يساري أيضا؟
** بيرغات : لقد كان و مازال ولائي دائما لليسار و أصوت لصالحه في الانتخابات و لا أحتكر هذا الانتماء.
*** فورست : أنا أيضا أعبر عن ولائي التام لليسار و أعتبر أن موضوع التطرف اليوم قضية جوهرية تقسمنا. يظن البعض منا أن الأصوليين الإسلاميين ديمقراطيون بدعوى التصدي و مقاومة الامبريالية الغربية و الاستعمار الاسرائيلي أو ديكتاتورية بعض الأنظمة في المغرب العربي . إنهم يرون أن الإخوان المسلمين تيار ديمقراطي أو حتى تحرري لدرجة تجعلهم ينعتوننا ب"فوبيا الإسلام" أو أشخاص باعوا نفسهم ل"شارون".
** بيرغات : أنا مثلك أناضل منذ زمن بعيد من أجل أن تكسب المرأة الاستقلال داخل المحيط العائلي و تقوية وجودها واختراق المجال السياسي و العملي في العالم الاسلامي و عندنا نحن أيضا. لكن بالمقابل أنتقد طرقكم ، إنك تذكريني بتسليمة ناصرين..
*** فورست : هذا إطراء جميل ..
** بيرغات : في زيارة لها بباريس سنة 1994 قالت أمام نوتردام :"اسمحوا لي أن أدير ظهري لرمز قرون عديدة من الظلامية الدينية التي عانت منها النساء" لقد همشت تسليمة ناصرين نفسها بنفسها داخل التيارات النسوية في بلدها، لأنه لا يمكن أن نحرك مجتمعا و نغيره و نطلب منه ثمنا باهظا كمسح نوتردام من الخارطة ..
*** فورست : أنا لم أسع قط لتحطيم نوتردام ! أظن أن خلافنا يكمن في تعريف ماهي النسائية و ما هي الأصولية . بالنسبة لي المصطلح الأخير يحدد حركة سياسية تستغل الدين من أجل خنق الحريات . و في كتاباتكم و كتابات العديد من المثقفين اليساريين أكتشف نوعا من التسامح و المجاملة أو حتى الانبهار بتيار رجعي، قاتل للحريات و يدافع عن قيم توتاليتارية ضدا على التقدمية.
* المجلة : هل تعطون نفس المعنى للإسلاموية؟
** بيرغات : سنكون متفقين إذا كنت تتحدثين عن السلفية كشق طائفي في التيار الإسلامي و ليس الإسلام في شموليته. و أنت تخلطين في تعريفك للإسلاموية و تدمجين فيها حتى زميلي المثقف طارق رمضان الذي يتوخى فقط الحديث بالإسلام أي استعمال مصطلحات و مفاهيم إسلامية للتعبير عن وجوده و احترامه.
* المجلة : هل اليسار يمهد الطريق للإسلامويين ؟
** بيرغات : نعم أظن ذلك. هذا اليسار يقف في وجه جيل يريد أن يساهم في تطور التاريخ باستعمال خطوة و قاموس مختلف، ملوحا بفيتو لا يقبل النقاش. و أنت "الناطقة الرسمية" باسم هذه الشريحة من اليسار. أنت ترفضين أن النساء المسلمات يمكن أن يتطورن و يحسن من وضعهن باستعمال ينابيع ثقافتهن الخاصة.
*** فورست : لنتحدث عن هذه النسائية الإسلامية التي تجدها أحسن من نسائيتي العلمانية . باعتماد التعريف الذي يعطيها إياه طارق رمضان ، يجب أن تتحمل المرأة المناصب التي تتلاءم و "طبيعتها" . بشرط أن لا يعرقل ذلك دورها داخل العائلة الأبيسية و بطبيعة الحال أن تتحجب كي لا تثير الرجال أهذه هي حرية المرأة لديك!!

* المجلة : أين يكمن إذن الانشقاق داخل اليسار؟
*** فورست : إننا نحلم جميعا بالديمقراطية و العدالة و المساواة. نحن متفقون حول ضرورة موازنة علاقات الشمال-جنوب ضدا على الاستعمار و نقد السياسة الإسرائيلية و الأمريكية. و لكني أقف في وجه الذين اختزلوا مفهوم العالم الثالث و تساهلوا مع كل ما هو آت من الجنوب مهما كان معاديا للسامية أو يتسم بعنصرية جنسية . يكفيه أن يقف في وجه بلد اسمه أمريكا و رئيس اسمه بوش. أنا ضد الأمبريالية و ضد الاستعمار لكني لا أقبل بتاتا التحالف مع تيارات الاسلام التوتاليتاري الذي يشن الحرب على الإسلام العلماني باسم الأفكار الكبرى التي أومن بها.
** بيرغات : أنا أقر أن أغلبية الإسلاميين ، وراء الحجاب الذي يحددون به هويتهم ، إنما يطالبون بحقوق ذات سمة كونية في الاقتصاد كما في السياسة. و تعريفكم للإسلاموية لا يخص إلا الطائفة السلفية التي ترفض العصرنة تحت غطاء فقدان الهوية . هذا واقع و موجود ، وأنا أندد به و أحاربه مثلكم.
*** فورست : إن ما تسمونه في كتابكم "إعادة الأسلمة" و "التحدث بالإسلام" أسميه أنا "الحديث التيوقراطي". لنأخذ مثال الجزائر، في كل كتاباتكم ساندتم الجبهة الإسلامية للإنقاذ و المذابح بالنسبة لكم كلها من صنيع الجيش و الحكومة. أما الإسلاميون فهم حملان وديعة و مسالمة ننتظر وصولها للسلطة حتى يتذوق الجنوب طعم الديمقراطية.
** بيرغات : أريد أن أحسم معك الآن و هنا في موضوع يعبر عن حربائية مبادئك الإنسانية ، ويبرز "مدى محاربتك" للتوتاليتارية! هل يوجد نوعان من الضحايا؟ نوعان من التوتاليتارية؟ كيف يمكن أن ننكر الدور الأساسي الذي لعبه الجيش الجزائري في مذابح أسندت للإسلاميين؟ كيف نقلل من قيمة مطالبة عائلات آلاف المختطفين من طرف الجيش؟
*** فورست : أنا أيضا أنتقد أساليب الجيش الجزائري لكن المجهود الذي تبدله أنت من أجل تجريمه يكون دائما الهدف منه تبرئة الأصوليين من جرائمهم ، لتقول فيما بعد إنهم يمثلون الطريق نحو المستقبل.
** بيرغات : لقت قلت دائما أن مسار الديمقراطية بطيء و شاق و معقد و لا يمكن أن نسير فيه إلا مع القوى السياسية الحقيقية ! لا يمكن أن نقصي بالعنف 60 أو 80 بالمئة من الشعوب بدعوى أنها لا تبدو جذابة ! و منذ سنة 1990 قدمنا للآخر خطابا مفاده أن الانتخابات ليست الطريق الأمثل للتناوب السياسي. و هكذا غذينا التطرف الذي ولد "جيل القاعدة".
* المجلة : نعود إلى فرنسا... عندما ينتفض جزء من اليسار ضد قانون الحجاب أو يساند تخصيص مدة زمنية محددة للنساء في المسابح ألا يلعب هذا الجزء لعبة المتطرفين الإسلاميين؟
** بيرغات : أنا لا أنكر ضرورة اللجوء إلى القانون من أجل الوقوف و التصدي لمن يقول : "لا أريد أن تمارس ابنتي الرياضة أو تدرس العلوم الطبيعية". أنا ضد حجاب يمنع الرؤية و السمع و الجري في ساحة المدرسة. و الحجاب نفسه لا يشكل لي أدنى مشكل إذا كان مسايرا لروح و قيم التربية. في الأمور الأخرى يمكن أن نطرح جميع وجهات النظر . هل تكون الرشاشات (الدوشات) في المسابح مختلطة؟ أنا لا أملك إجابة حاسمة و قاطعة..
*** فورست : لقد وجدت النقاش حول الرموز الدينية في المدارس العمومية جد هام. قناعتي هي أن نسن قانونا يحمي الفتاة التي لا تريد وضع الحجاب و تتحمل الضغوط. المسألة التي أثارتني أكثر هي اتحاد مجموعة من المثقفين و المناضلين مع جمعيات أصولية في رفضها القاطع للقانون الذي تحدثنا عنه. و نعتوا كل العلمانيين و المدافعين عن قضايا المرأة بفوبيا الإسلام. في حركة "المدرسة للجميع" نجد تنظيمات يسارية كالمراب Mrap و عصبة حقوق الإنسان بجانب جمعيات مقربة لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا . فيما يخص جمعية "الشباب المسلم في فرنسا" مثلا يظن زعيمها وقائدها المميز حسن لقوينس أن محرقة اليهود ماهي إلا مؤامرة لهتر و اليهود من أجل اغتصاب فلسطين. هل هذه جمعيات تقدمية يمكن أن نناضل معها اليد في اليد؟ اعتقادي الراسخ هو : لا
.
* المجلة : أليست هناك تحالفات خطرة ؟
بيرغات : رد فعلك اتجاه جيل تسمينه "أصولي" يذكرني برد فعل المجتمع الفرنسي في سنة 1950 تجاه ما كنا نسميهم جميعا "fellagas" . في ذلك الحين كانت زوجة الكولونيل "ماسي" تقول إن وصول جبهة التحرير الوطني في الجزائر للسلطة معناه إعلان نهاية حقوق المرأة . و أصبح الحديث المزدوج "للإرهابيين" محل شك و ريبة . و الآن بين المناهضين للعولمة و طارق رمضان مازال التعاون بعيدا، فالاحتقان و التنافر مازال واردا خصوصا في مسألة الجنس المثلية، بالرغم من التقارب الملحوظ في وجهات النظر.
*** فورست : هذا هو صلب الموضوع : هل يمكن أن نتحدث عن "احتقان و تنافر" في قضايا تبدو لك صغيرة كمساواة الرجل و المرأة والأقليات الجنسية والحريات الشخصية ؟ أنا لا أفهم كيف أن بعض المناضلين و المثقفين يتساهلون في مثل هذه الأمور مع الأصوليين الإسلاميين ، في حين هم حازمون فيها مع الأصوليين المسيحيين. إن التيارات التي تتغذى بفكر الإخوان المسلمين و تدافع عن إسلام رجعي و أصولي لا مكان لها داخل التيار المناهض للعولمة.
* المجلة : نذكر هنا بما سمي "نداء أهالي الجمهورية" الذي صدر في 18 يناير 2005 و الذي يندد بالتمييز الذي يعاني منه الفرنسيون المنحدرون من الهجرة. هذا البيان جمع هو أيضا بين جمعيات إسلامية و منظمات يسارية..
*** فورست : لو كان البيان يندد بالعنصرية المنتشرة في بلادنا بشكل مخجل ضد العرب لوقعنا عليه جميعا لكن نص البيان لم يشر لهذا بتاتا، بل وصف المساندين لقانون منع الرموز الدينية داخل المدارس العمومية بالمساندين لشكل جديد من العنصرية !
** بيرغات : "نداء أهالي الجمهورية" يذكر فقط بأن هناك بقايا للفكر الاستعماري الموروث من الحقبة القديمة في فرنسا. و الاحتراق الذي تعرفه هوامش المدن الكبرى ما هو إلا غياب للتمثيلية ووجه لعنصرية جمهورية استعمارية كانت فيما قبل تعتقد أنها ستنشر "الحضارة" ل"أهالي" المستعمرات في الجزائر و إفريقيا و الهند الصينية. وكما هو الحال في الحقبة الاستعمارية ، فإن نضال المرأة يستعمل كوسيلة لشرعنة المجموعات المهيمنة لا في فرنسا فحسب بل في العالم الإسلامي برمته. أنت كذلك تساهمين في تجريم كل من يحاول النضال وفق سيرورات للمقاومة ، فقط لأنه يستعمل لغة الثقافة الإسلامية، و تقولون لهم : "إنكم تنتفضون ضد الاحتلال الإسرائيلي لكن تنورات نسائكم طويلة جدا أنتم لستم متحضرين حتى تكون لكم الشرعية!!".
في فرنسا تصفون أي مسلم بالتيوقراطي ، و أنا أتحداكم أن تجدوا عنصرا واحدا في جمعية يرفض الانخراط ضمنيا في الفكر العلماني.
*** فورست : إنك تصنع من وجهة نظري كاريكاتورا حتى تتهرب من الإجابة على السؤال الذي أطرح : هل يمكن أن نتوخى عالما أفضل مع حركات تتسم بالعنصرية الجنسية وفوبيا الشذود الجنسي ؟ لا تنسى أن زعيم UOIF و "تجمع المسلمين في فرنسا" و "المدرسة للجميع" و "الشباب المسلم" التي تنضوي تحتها جمعية "أهالي الجمهورية" شخص اسمه يوسف القرضاوي . و هذا الرجل لا يحمل إسلاما متسامحا بالمرة. السؤال الوحيد الذي يطرحه على نفسه في قضية الجنس مثليين هو من سيحرق أولا الفاعل أم المفعول به ؟
اليسار الذي أومن به لا يمكن أن يتحد مع مثل هذا الرجل لتغيير العالم !
** بيرغات : لا أنكر أنه من الممكن أن نجد بقايا للطائفية و الميل الرجالي المحافظ عند بعض الإخوان المسلمين . لنبحث بنفس الدقة في تاريخ البرلمانيين اليمينيين و حتى اليساريين الفرنسيين و سنجد مفاجآت كثيرة ...
*** فورست : المسلمون الذين أعمل معهم هم الذين يناضلون من أجل الكف عن تشويه الإسلام و استعماله كرهينة في يد طارق رمضان و تنظيم القاعدة أو حتى نيكولا ساركوزي ، الذي يفضل بناء المساجد بدل ملاعب الكرة في هوامش المدن الفرنسية الكبرى. أظن أن الروابط و العلاقات الاجتماعية محتاجة أكثر لأقل ما يمكن من البوليس crs و الأئمة المتطرفين ..
** بيرغات : هناك سلاح فعال ضد الاحتقانات التي يعرفها المجتمع الفرنسي و ضد الإرهاب اسمها التوزيع: توزيع الخيرات الاقتصادية و المالية و توزيع السلطة السياسية.
*** فورست : في هذه النقطة نحن متفقان بالرغم من أني أرى أحسن من "التوزيع"، و هو ضمان فرص متساوية لجميع الفرنسيين مهما كانت أصولهم و ديانتهم.
إعداد : جمال الخنوسي


17‏/01‏/2006


مارك ليفي يتصدر لائحة مبيعات الكتب لسنة 2005

" مارك ليفي" لا يرضى إلا بالمرتبة الأولى في لائحة أصحاب الأعمال الأدبية الأكثر مبيعا في فرنسا بين فاتح يناير و 31 دجنبر 2005 . و يمثل ليفي مع زملائه بيرنار فيربير و كريستيان جاك طينة من الكتاب الذين إذا لم يقابلوا بالانتقاد اللاذع و الهجوم العنيف يكون مصيرهم هو الصمت و التجاهل من طرف نقاد الأدب و الأكاديميين . بالرغم من أن رواية ليفي "وماذا لو كان الأمر صحيحا" بيعت سبع مرات أكثر من كتاب فرونسوا فيرينجينز الذي حاز على جائزة الغونكور و الذي يعتبره المهتمون أبرز روائي في الساحة الأدبية الآن.
و الظاهرة ليست جديدة بل تمتد إلى بداية ظهور الجوائز الأدبية بأسرارها و إشاعاتها و معاركها و "البوليميك" الذي يرافقها . بل تم دائما اعتبار الكتاب الذين تعرف أعمالهم رواجا كبيرا أنصاف أدباء و نجاحهم زائف و زائل . فأن يقرأ الكتاب جمع كبير من الجمهور ليس دليلا على القدرة الخارقة و القريحة الأدبية ، بقد ما هو تعبير فقط على ذوق القارئ في مكان و زمان ما. فليس هناك أي حكم قيمة على العشرة كتب الأكثر مبيعا في فرنسا.
هؤلاء الأدباء لا يعرفون فزع الصفحة البيضاء و ينشرون أعمالهم بانتظام و يعتبرون منجما للذهب و نبعا لا ينضب. و الأسماء الثلاثة التي احتلت الصدارة هذا العام هي التي توجت السنة الماضية . و يبقى اسم مارك ليفي الأكثر تألقا ، فقد قدم خمس روايات عرفت جميعها نجاحا منقطع النظير مع أنه لم يبدأ الكتابة إلا سنة 2005 و باع أكثر من المحتل للصف الثاني بيرنار فيربير بروايته LE SOUFLE DES DIEUX مرتين.
كما أن اللائحة تتميز أيضا بوصول كتاب شباب من أمثال أميلي نوتومب (ACIDE SULFURIQUE) إلى المرتبة الثالثة و أنا كافالدا (ENSEMBLE C'EST TOUT) إلى المرتبة الرابعة بالرغم من أنهما لم يبلغا سن الأربعين . أما ماكسيم شاتام الذي يحتل الصف العاشر و باع من روايته LE SANG DU TEMPS ما يقارب 370 ألف نسخة فلم يبلغ الثلاثين بعد .
و منذ صدور أول رواية لمارك ليفي سنة 2000 ضمن منشورات روبير لافون أصبح يراكم النجاح تلو الآخر و فرض نفسه بخمسة أعمال كواحد من الأدباء الذين تعرف أعمالهم أكبر رواج . و في حوار أجرته معه مجلة لوفيغارو ليتيرير قال في معرض إجابته عن سؤال حول السر في نجاحه و بيع أكثر من مليوني نسخة من مؤلفاته كل عام، بأنه ليس له أي سر ويعتبر المسألة كلها ضربة حظ " هناك طريقتان في الكتابة : الكتابة للنفس و الكتابة من أجل مشاركة الآخرين في لحظة مميزة . و الطريقتان معا محترمتان ، و أنا لما أجلس في مكتبي يكون همي الوحيد هو أن أحكي قصة و أزرع الروح في شخصيات من صلب خيالي". و يضيف ليفي أنه لا يملك أية تقنية أو منهج بل يعتمد فقط على العمل الجدي حيث لا يخصص الحيز الكبير من الوقت لإيجاد الأفكار بل للتعبير عنها . و يجرب سلاستها على عائلته و المقربين منه ليرى مدى رضاهم عنها و متابعتهم لها حتى النهاية . و يضيف " كما للمغني صبغة معينة و لصوته نبرة مميزة فإن لكل كاتب بصمته ، و لا يمكنني بأي شكل من الأشكال تفسير الإقبال على أعمالي . إنها هدية منحتني إياها الحياة . و آخذها كما هي." و يعترف ليفي بأنه "مغتاظ" من كون الكاتب الذي يلاقي نجاحا باهرا عند الجمهور لا يحوز على رضى النقاد ولا يحصل على جوائز أدبية . بل يكون محط نقد لاذع و قال إنه لم يصل إلى تفسير مقنع . "أريد أن أقول لمثل هؤلاء النقاد : إهدأوا ..! إنه مجرد كتاب" أنا أعرف أني لم اخترع شيئا مبهرا و كتابة روايات رائجة لا يعطيني الحق في أن أعتبر نفسي هرما في الأدب. و بالنسبة لي أن أقتسم أحلامي مع مجموعة كبيرة من القراء خير من تقاسمها مع قلة قليلة !".
للإشارة فمارك ليفي و زملاؤه التسعة الأوائل في القائمة يمثلون 20% من مبيعات الرواية المعاصرة في الأدب الفرنسي و حصدت من ورائهم دور النشر ما يقا رب 660 مليون درهم كمداخيل سنة 2005.
LE FIGARO LITTERAIRE بتصرف






08‏/01‏/2006


في حديث له مع جريدة "صوت الناس" :
المخرج محمد إسماعيل :

عندما تلتقي بمحمد إسماعيل لأول مرة يبدو هادئا في طريقة كلامه و حركته . لكن ما أن تبدأ بالحديث عن السينما بنجاحاتها و إخفاقاتها حتى تطفو عصبيته و يشعل سيجاراته المتتالية كتعبير عن حب و غيرة لمجال أمضى فيه طوال سنوات عمره . مجال انطلق فيه منذ سنة 1974 عندما بدأ بالإشتغال في التلفزيون . حيث أنتج و أخرج مجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية و التلفزيونية ك"لن أعود" ليونس ميكري و "الوجه و المرآة" لعبد الحق الزروالي و "صندوق لعجب" لعبد الله شقرون . كما اشتغل في البرامج الوثائقية ك"رجال الليل" و "نافذة على الحياة" و في السينما نذكر فيلمه "وبعد.." و "هنا ولهيه" الذي احتل مؤخرا المرتبة الأولى في لائحة مداخيل الأفلام لسنة 2005 و التي أصدرها المركز السينمائي أواخر شهر دجنبر المنصرم . إلتقته جريدة "صوت الناس" ليحدثنا عن نجاحه و عن السينما المغربية و قضاياها :

* لأول مرة في المغرب تصدر لائحة لمداخيل الإيرادات التي حققتها الأفلام خلال سنة 2005 ، وجاء فيلمك هنا ولهيه في قمة اللائحة فماذا يمثل لك هذذا الإنجاز؟
** إذا لاحظنا عدد الأشخاص الذين شاهدوا فيلم هنا و لهيه وهو 54000 بالمقارنة مع "و بعد" الذي عرض سنة 2002 في نفس المرحلة تقريبا و الذي حقق حينها رقم 600.000 متفرج فسنستنتج الفرق الشاسع خلال مدة ثلاث سنوات.
* و كيف تفسرون ذلك؟
** أفسره بالقاعات التي تغلق أبوابها، بالقرصنة، بعزوف الجمهور... و هو رقم يجعلنا نفكر أكثر من مرة، ونتساءل ما الذي يحدث، إلى أين تمضي السينما، فوتيرة الإنتاج ممتازة و لكن أين سنعرض هذه الأفلام. فحين لا يحقق فيلم حاصل على مجموعة من الجوائز مثل شريط داوود ولاد السيد حسب الأرقام المنشورة حتى 3000 مشاهد.. لمن ننتج هذه الأفلام؟ لماذا نصرف هذه الميزانية الضخمة ؟ أليس من الأفضل أن نبني بها مدارس أو مستوصفات و نحن في حاجة جد ماسة لهذه الأشياء .. 5 مليارات مخصصة لدعم الإنتاج لمن توجه إذ لم تصاحبها نظرة للقاعات السينمائية، ولدعم الصناعة السينمائية.
* شريط هنا ولهيه تمت قرصنته مبكرا، كيف تنظرون لمشكل القرصنة بالمغرب؟
** هذا لم يحدث فقط مع شريطي الحالي، ففيلم "و بعد" وجدته مقرصنا بسبع نسخ مختلفة عن بعضها، من طرف سبع شركات مختلفة. وأفلامي التلفزيونية كذلك مثل شريط "علال القلدة" ستجدها مقرصنة. لو افترضنا وجود "بوكس أوفيس" للأفلام المقرصنة لكان هذا الفيلم التلفزيوني كذلك في قائمة المبيعات، لأنه يباع بصفة رسمية و علنا بعد أن عرض في التلفزيون.
* و ما هو الحل في رأيك؟
** لست أنا من سيجد الحل ، فدوري أنا وراء الكاميرا هو إيجاد حلول للقطات التي أصور، إن هناك وسائلا جزرية لمحاربة الظاهرة و قانون لا بد من تفعيله و تطبيقه لحل مشكل القرصنة لأنني بصراحة أعتقد أن بلدنا ليس دولة الحق و القانون، إذ لماذا نعاقب مجرما سرق و لا نعاقب - المقرصن - أليس متطاولا على ملكية الغير، بأي حق سيبيع فلمي أو عمل أي كان بدون إذن. والأغرب أننا عندما في طنجة مثلا و في أهم شوارعها لاحظنا محلات كاملة مليئة ببضاعة مقرصنة و لا أحد "يغير المنكر".
* لا حظت بدوري ذلك في طنجة و قد تحدثت حينها مع الفنان يونس ميكري و صرح لي في هذا السياق بأنه حين أصدر شريطه الغنائي في السبعينيات و الثمانينيات قال بأن الموسيقى لن يبقى لها وجود بعد 20 سنة و هذا ما حدث.
** فعلا هذا ما سيحدث، فحين تجد شريطا أمريكيا لم يخرج إلى القاعات بعد و تباع نسخه المقرصنة على أبواب القاعات نفسها، كيف يمكن أن تتوقع من هذا المتفرج أن يدخل لمشاهدة عرض سينمائي .. وكم هو أصلا عدد القاعات المتبقية، في الدار البيضاء مثلا آخر قاعة أغلقت أبوابها هي سينما النصر علما أنها كانت قد أصلحت و صرفت عليها أموال كثيرة. وحسب ما وصلنا من أخبار ستغلق أحسن و أكبر سينما في البيضاء و هي اللانكس و ذلك في مارس المقبل. و في أكادير، حيث لم تبق إلا قاعة واحدة و هي التي احتضنت المهرجان الأخير. أغلقت بدورها. أين سيعقد هذا المهرجان العام المقبل؟
* و قد طرح هذا المشكل كذلك قبل انعقاد مهرجان طنجة و كل المدن التي اقترحت لاحتضان مهرجان الفيلم الوطني نحيت لعدم توفرها على قاعات .
** فعلا نحن نعرف أن كل المدن الساحلية الجديدة، آسفي، الصويرة عرفت إغلاق قاعاتها السينمائية. و إذا استمر الحال هكذا فحتى المركبات الكبرى من قبيل ميجاراما ستغلق أبوابها، خاصة و أنها لا تشغل إلا ست أو سبع قاعات من أصل 14، و أتعجب بعد ذلك كيف يحقق فيلم "فيها الملح و السكر ومبغاتش تموت. 31.000 مشاهد ( فيلم جماهيري أكبر من هذا لا يوجد). هذه هي النقط التي تجعلنا نطرح أسئلة على أنفسنا إلي أين نذهب؟ و كيف؟
* كم كلف فيلم هنا و لهيه؟
- 9 ملايين درهم، و حسب الإحصائيات في "البوكس أوفيس"، نجد أن المداخيل الخام تصل إلى مليون درهم و تلك المداخيل لم تغط حتى ثمن نسخ 18 نسخة للمركز السينمائي و بعد انتقاص الضرائب و مصاريف استغلال القاعة أي 60٪ أو 65٪، يتبقى لك 20٪ أو ما يعادل، تقتسمه مع الموزع، فكيف يمكن أن نجد منتجين يغامرون معنا في الإنتاج إذا كان الربح غائبا .
* بالعودة إلى مشكلة القاعات السينمائية، هل قام المعنيون بمشاكل القطاع بمبادرات لمناقشة المشكل و إيجاد حلول له، قبل أن ينتفي أي داع لإنتاج الأفلام بعد إغلاق كل القاعات؟
** للأسف هناك تفرقة بين الفرق المهتمة بالقطاع ، فمشغلو القاعات يشتغلون وحدهم. الموزعون، وهم ديناصورات في طريق الانقراض بحيث أصبح عددهم لا يتجاوز الأربعة بعد أن كانوا 45 شركة.. غرف التقنيين كذلك في واد وحدها، و غرف مهنيي الإنتاج كل يعمل لوحده. كل واحد منهم يتألم لوحده و يئن و يحتضر. و لا يجتمعون لأن المصالح تختلف و مشاكلهم أكبر منهم ، اليوم لا يشبه البارحة، ففي السالف كان الفيلم المغربي لا يهم المهنيين، أما الآن فهو قادر على استقطاب الجمهور .. و المسألة تجارية كما تعرف. فما يعرض هو ما يجلب الناس، و الفيلم المغربي اليوم أصبح جاذبا للجمهور و لكن المشكل الكبير هو التشتت، و أتوقع في المستقبل القريب مشاكل أكبر لأن هذه القاعات تعيش منها عائلات منذ مدة طويلة سيكون مصيرها التشرد .. لا زال لدينا طبعا الدعم السينمائي الذي يمكننا من توفير (حقنة المورفين) و لكن إلى متى لست أدري؟
* إن إقبال الجمهور على الفيلم المغربي كان بسبب معالجته قضايا تهمه و منها مشكل الهجرة فلماذا اختيار هذا الموضوع في شريطين متتاليين؟
** و حتى شريطي الثالث سيكون في نفس الموضوع، لأنها تيمة كونية، ذات مشاكل متشعبة و تعاني منها العائلات المغربية من قريب أو بعيد، و هي دائما حاضرة في الأخبار، من هم هؤلاء المهاجرون؟ كيف يعيشون؟ .. مجموعة من الأسئلة التي لن تجد لها جوابا بفيلم أو أكثر . و في مهرجان أكادير كانت كل الأفلام عن موضوع الهجرة .. و هذا فقط ما استطاع منظمو المهرجان الحصول عليه .. فكل دولة لها العديد من الأفلام التي تناولت الموضوع.
* في شريط "و بعد" تحدثت عن الراغبين في الهجرة و معاناتهم، و في "هنا و لهيه" تمحورت القصة حول مهاجر قضى مدة طويلة بالخارج و حين عاد لم يجد ذاته بين أهله. فما هي زاوية المعالجة التي ستتناول بها موضوع الهجرة في الفيلم المقبل؟
** النقطة الجديدة هي الاستغلال الجنسي لبعض الفتيات خارج البلاد و الغريب أن ضحاياها لا يتوقعن السقوط في براثن شبكات من هذا النوع. على أساس أنها ستشتغل بعقد عمل و حين تصل الفتاة تجد نفسها في سجن مرغمة على ممارسة الجنس، و القصة واقعية إذ التقيت فتاة في الباخرة أثناء عبوري من إسبانيا إلى المغرب و حكت لي قصتها، فوجدتها ذات بعد إنساني و اجتماعي، و قد كتبت الآن و هي المشروع الذي أشتغل عليه.
* إذن أنت من كتب السيناريو ؟
** أحاول غالبا أن لا أكون السيناريست، وقد تعاونت في الكتابة مع عبد الله الحمدوشي وهو من الكتاب الذين لهم باع كبير في مجال الكتابة للتلفزيون والسينما.
* تحدث مخرجون و نقاد من قبل عن أزمة حقيقية في كتابة السيناريو ..
** نعم نعاني من أزمة كبيرة، إذ يصعب أن يعرض عليك موضوع بشكل كامل. فنحن والكتاب كل منا في جبله الخاص "يتفرج" على الطرف الآخر وبينما في الوادي يوجد السيناريست الذي يقترح عليك سيناريو غير قابل للتصوير، أو ليست لديك إمكانيات تطبيقه أو على العكس هو أضعف من الامكانيات، ومجموعة من الشروط التي تدخل في الحسبة الانتاجية والابداعية التي لا تتوفر فيما يقترح. فأضطر للتدخل في العمل ولذلك تجد العديد من المخرجين بسبب مجموعة من الإكراهات يقومون بدور المنتج والمخرج والموزع..
* من سيشارك في فيلمك الجديد ؟
** هناك ممثلون سبق لي التعامل معهم ونجوم إسبان. ومن المغاربة هناك رشيد الوالي، سهام أسيف، سناء العلوي، عبد الكريم القيسي من بلجيكا، نزهة الركراكي...
* متي سيبدأ التصوير ؟
** نحن نضع اللمسات الأخيرة على السيناريو و نبحث عن التمويل مع شركات إسبانية و شركة كندية.. وطبعا الشباك الأول بالنسبة للفيلم هو الدعم وإذا لم نحصل عليه فالحلم كله سيتهاوى أو ننتظر وقتاآخر مناسبا.
* كيف ترى مستوى السينما المغربية ؟
** منذ ثلاث أو أربع سنوات عرفت السينما قفزة كبيرة، لاحظناها خلال مهرجان طنجة. هي أفلام ذات مستوى عالمي وإن كانت السينما المغربية ليست صاحبة مدرسة تجمع في خانة واحدة مثل السينما الإيرانية مثلا بل هي متنوعة المشارب والاهتمامات لذلك فهي في صدارة الدول العربية والإفريقية . وهي ممثلة في كل المهرجانات العالمية، بل استطاعت أن تصمد وحصلت على جوائز. هذه هي الإيجابيات أما المساوئ فهي انحصارها في الخانة الثقافية وبالتالي لا تلقى اهتمام الموزعين في الدول الأجنبية وحتى إن تم ذلك فإنه يكون لبعض الأفلام فقط ، وتعرض في بعض القاعات المهمشة ولبعض الأيام . فالدعم الأجنبي شمل حتى التوزيع وهناك "قراصنة" (وأؤكد على هذه النقطة) يستغلون منح دولهم. هذا من حيث الكيف ومن ناحية الكم، فإن حصيلة 13 أو 15 فيلم بالنسبة لبلد كالمغرب تدل على وجود سياسة إنتاجية .
* لماذا لا نتوفر على صناعة النجوم في المغرب؟
** لا أتفق معك، لدينا نجوم كبار، ولكن طريقة النجومية المغربية مختلفة عن نظيرتها المصرية أو الأمريكية. ففي مصر مثلاً يفتعلون النجوم عبر الحراس الخاصين والانبهار .. وغير ذلك. وإعلامياً كذلك افتعال الأخبار .. أما النجم عندنا فتعرفه حين ينزل إلى الشارع. هم نجوم شعبيون ولهم رصيد كبير في الشارع المغربي، وليست لهم هالة نجوم هوليود أو بوليود. وحتى اقتصاديا فهم يخضعون للأجور المغربية ...
* فيلمك المقبل سيعرض للاستغلال الجنسي ألن يخلق ذلك مشكلا مع الرقابة؟
** بالعكس، الفيلم فيه كلام عن الجنس ولا يعني ذلك الخلاعة أو ممارسة الجنس عبر الشاشة وبهذا فتحت موضوعا مهما، الرقابة بالنسبة للفيلم المغربي غير موجودة، إذ هناك ثلاثة أو أربعة خطوط حمراء لا يجب تجاوزها فقط. فالفيلم المغربي تناول مواضيع جريئة مثلاً سنوات الرصاص... وغيرها من المواضيع التي تؤكد حرية التعبير التي لا يمكن ممارستها في بعض الدول وقد لاحظنا ذلك من خلال نقاشات عديدة في دول أخرى وخاصة مع بعض جيراننا ...
* يعني ذلك أنه لا توجد رقابة قبلية لموضوع الفيلم قبل بدأ التصوير ؟
** هي ليست رقابة ولكنها تقديم الموضوع وتصنيف له. وبعد انتهاء الفيلم تمنح له رخصة الاستغلال. وبصراحة لم يتجاوز عدد الأفلام التي تعرضت للرقابة في تاريخ السينما المغربية ثلاثة أو أربعة أفلام وكانت رقابة شكلية وليست في الجوهر.

05‏/01‏/2006


في حوار لجريدة "صوت الناس" :
المسرحي عبد الحق الزروالي : هناك من استغل المسرح سياسيا في الستينيات و تركه الآن يتخبط في مشاكله
في جعبته 44 سنة من العمل المسرحي و الكثير من الأعمال كان آخرها "كدت أرى" التي عرضها مؤخرا في السودان . عند عودته من جولته إلتقته جريدة "صوت الناس" و أجرت معه حوارا حول المسرح و السينما و قضايا أخرى :
* لا حظنا اهتمامكم بالمجال السينمائي و تتبعكم لكل جديد هل تنوون اقتحام هذا المجال أيضا ؟
** لا أبدا ، أنا مهتم بجميع الفنون و متتبع لجميع أشكال الإبداع . و بشكل موضوعي لفت انتباهي القفزة الأخيرة للسينما المغربية . و لابد من القول إن الاهتمام بالسينما وتسليط الضوء عليها من حيث التنظيم والتمويل والإعلام أمر يصب في هدف أساسي هو تحسين صورة المبدع وتعميق دور الإبداع بصفة عامة والسينما في المقدمة ، للإرتقاء بذوق المواطن المغربي . هذا هو الهدف الأسمى لكل البرامج وكل المهرجانات التي تأتي في هذا السياق . يجب أن نكون إيجابيين في نظرتنا لها ونتخلص من نظرة التلذذ بالهدم و التظاهر بالقوة. لكن ما ألاحظ هو أن السينما استيقظت متأخرة كان علينا النهوض بها أيام كانت السينما تثير الدهشة واعتبرت معجزة في التبليغ، كنا ننظر للسينما ضمن فن خارق للعطاء البشري.
* والفيلم المغربي كيف تراه عيون المسرحي عبد الحق الزروالي ؟
** إنه من الصعب الحديث عن الفيلم المغربي . فعندما تشاهد السينما الهندية فهي تشبه الهند ، السينما اليابانية تشبه اليابان في لغتها ، في ديكورها وفي كتاباتها وأدوات تعبيرها. ما أحس به تجاه الفيلم المغربي بصفة عامة هو التسكع والتقليد . فهناك من يريد فيلما على الطريقة الأمريكية وآخر فيلما على الطريقة الإيطالية أو الروسية، وبالتالي لم نستطع توظيف قدراتنا لصنع فيلم مغربي يحمل بصمة مغربية . أنا أرفض أن نكون نسخة باهتة للآخر، وحتى الآخر سيرفضني لأنه ينتظر مني شيئا يفتقده. هناك بحث عن طابع سينمائي في المغرب و يجب أن نخرج الفيلم من طابعه السياحي. يجب أن نتخلى عن التقليد باعتباره أسلوبا ساذجا. الإبداع ابن بيئته وعلينا أن نبتعد عن السطحية والتركيز على الخصائص الأساسية للمجتمعات . فإذا أردت أن تصنع أجمل باقة ورود عليك أن تختارها من جميع الألوان والأصناف. هذا هو المطلوب الآن. حتى السينمائي الذي كونك والمدرسة التي تلقنت فيها فنون التعبير السينمائي تريد منك التمرد عليها وتجاوزها، لا أن تبقى وفيا لأسلوبها . سيعتز بك أستاذك عندما يصبح لك أسلوبك الخاص في التعبير.أنا أقدر تنظيم المهرجانات وأحيي من يقومون بمثل هذا المجهود ، و يستحقون كل تقدير . هذا يدفعنا أن نبذل مجهودا مضاعفا كمبدعين حتى نرقى بالسينما عندنا إلى الأحسن. فالمواطن المغربي بدأ يطالب الآن بالتنافس على مستوى دولي ومع الأقوياء . لم يعد هناك مفهوم "نحن بلد إفريقي عربي" بل أصبحنا نطمح للعالمية، ليس بالتقليد بل بالبحث . لكن للأسف جل أصحاب الأفلام يشتغلون في دائرتهم المغلقة و يعتقد نفسه مفكر و كاتب و مخرج وبطل لفيلمه.
* لكنكم تقومون بنفس الأمر ؟
** صحيح في المسرح أنا أشتغل وحيدا وأنا مسؤول عن تجربتي ولا أشرك معي الآخرين . عندما أخطئ فإني أعاتب نفسي، وعندما أفلح فذلك النجاح نجاحي. نعود للسينما، السينما المغربية يجب أن تركز على أفكار.. صحيح أننا لا يمكن أن نساير السينما العالمية بتقنياتها، لذلك يجب أن يحتل الفيلم مكانة عالية من خلال الأفكار . هناك أزمة حوار وأزمة أفكار تنعكس على مستوى الفيلم المغربي ومكوناته . نحن مطالبون بالاشتغال على الفيلم المغربي و السيناريو المغربي و نطرح السؤال التالي : أين تكمن نقط ضعف الفيلم المغربي و كيف يمكن تجاوزها؟ أعتبر أن المهرجانات خطوة محمودة ويجب الإكثار منها. كيف نتحدث عن الفيلم المغربي الذي لم يجد طريقه حتى في القاعات الوطنية ونطمح للعالمية ؟ يجب أن ننتبه للسوق الداخلية حتى نقتحم الأسواق الأخرى . وبالتالي سترتفع ميزانية الفيلم لأن المسألة مركبة. وحتى المهتم بالسينما تربى ذوقه على مستوى معين من الأفلام ولا يمكنه أن يرضى بأقل من ذلك نزولا عند رغبة "وطنية" !! لم يعد الوقت مواتيا للحديث عن التشجيع ! يجب إقناع المتلقي بجودة عطاء السينما المغربية.
* بمناسبة حديثكم عن التشجيع ، كيف ترون تشجيع الدولة للمسرح والسينما من خلال ما يسمى ب"الدعم" ؟ ودائما على ضوء ما قلتم لم يعد الوقت مناسبا للحديث عن التشجيع بل الفنان الحقيقي سيفرض نفسه بقوة عطائه ولن يحتاج لمساعدة أحد.
** أنا مع فكرة الدعم ، لأن الفيلم المغربي لا يمكنه الآن الاعتماد على نفسه. لكن يجب ترشيد هذا الدعم. لقد سرق منا جمهورنا، لم نبنه في الستينيات والسبعينيات حتي نستثمره الآن. لقد بنى ذوقه على مفاهيم و اتجاهات سينمائية أخرى. إن الدعم أمر لازم وإلا فلن يسمع أحد قط عن فيلم مغربي.
* وماذا عن المسرح ؟
** للأسف المسرح وصل إلى نفس النتيجة. الفنان يعد المسرحية وينتظر المجهول . من قبل كان الفنان يبحث ويكد ويعمل وهو فخور بانتمائه لهذا المجال، اليوم المسألة تغيرت وأصبحت القضية حساسة مائة بالمائة، أصبح الحديث عن الكم و المقابل . المسرح المغربي مشكلته الأساسية هي القطيعة الموجودة بين مراحله الثلاث : جيل الرواد و جيل القنطرة وجيل الأمل . في جميع البلدان متعة المسرح عندما يجد الممثل أو المخرج من جيل الرواد ممثلا يخطو بخطوته الأولى بجانبه فيكونون بناء متكاملا. يؤسفني الآن أن لا نرى مبدعا كالطيب الصديقي أو فنانا كالطيب لعلج إنهما ثروة قومية. والفنان كلما تقدم به السن إلا و ازدادت تجربته و علا و نضج . عندنا هنا بدل المنافسة الحقد . و ما دمنا لم نصف الأجواء الداخلية للبيت المسرحي فلن يكون لنا إشعاع وإبداع وارتقاء بكلمة المسرح. هناك من يتحدث الآن عن مسرح التجريب ويخفى على ذهنه أنه في الستينيات قام مسرحي اسمه "محمد تيمور" رحمة الله عليه بمسرح التجريب . وأعماله بعد 50 سنة لم يصل أحد لمستواها ، بالرغم من إمكاناته البسيطة . و لذلك عدم الاطلاع على ما تم إنجازه خلال 50 أو 60 سنة السابقة يخلق لنا جيلا لا يرى إلا نفسه ، و يدور في حلقة مفرغة لا تحقق التراكم المنشود والتجاوز. المسألة الثانية متعلقة بالكتاب ، ليس لدينا كتاب مسرحيون . إذا أردنا أن نكون دقيقين في كل المقاييس فنحن لا نملك كتابا مسرحيين بمعنى الكلمة . من الممكن أن أذكر 5 أو 6 لكن هذا لا يكفي. المخرجون أيضا نفس الأمر. يجب الاشتغال كمجموعات تجدد نفسها وتجدد الآخر. عبد القادر البدوي مثلا قام بجهود كبيرة لكن للأسف لم تكن هناك تكملة.. أما الآن المسرح المغربي رهين بنوايا رجالاته ومبادرتهم الشخصية ، و كل واحد منهم يعتقد أنه رأس الحربة.
* قلتم من قبل أنه كانت هناك تجارب منذ 50 أو 60 سنة لماذا لم يتحقق تراكم ؟و لماذا مسرحنا في هذا الحال مادام له كل هذا العمر ؟
** السبب في الحقيقة كان سياسيا وليس إبداعيا ، لأن المسرح كان دائما فنا غير مرغوب فيه . كان هناك موقف شبه رسمي من المسرح في الستينات . على سبيل المثال لي 44 سنة من الممارسة المسرحية منذ 7 يوليوز 1961 وبالرغم من الرضى عن تجربتي ـ هذا الرضى الذي استلهمته من الآخر ـ أعتقد أني لم أستثمر من طموحي الفني حتى %20 من موهبتي و ما أطمح إليه . أما 80 % الأخرى سرقت مني . لم أبخل بها ، بل سرقت بفعل المشاكل التي تقف في وجه المبدع ، من قاعات ونظرة دونية للعمل المسرحي وغيرها. هناك طاقات إبداعية وكنوز مجمدة لا تعرف كيف نستثمرها . للأسف فهم المسرح في بعده السياسي لأنه تبنته مجموعة سياسية شكليا. لا يعني "تبنته" بالمعنى الدقيق للكلمة ، بل استغلت الجو العام المكهرب واستعملته كسلاح ضد النظام. فأصبح المسرح أداة نضالية و لكنه نسي أن غدا ستدخل المعارضة خندق الحكومة وستقلب وجهها وخطابها اتجاهه. النظام أخذ موقفا سلبيا من المسرح والأحزاب التي راهن عليها المسرح على أساس أنها ستعيد له الاعتبار تخلت عنه. لقد كان فقط أداة استعملتها تلك الأحزاب والآن لم تستطع أن توفر له حتى الظروف المواتية للعمل . نحن لا ننتظر العطف بل فقط ظروف العمل اللائقة.
* ما هو جديد عبد الحق الزروالي ؟
** كنت أعرض مسرحيتي "كدت أرى" في السودان في إطار جولة هناك. وأنا الآن اشتغل على مسرحية "أبي عبد الله الصغير" ، و هو آخر ملوك غرناطة وعاش بقية عمره في مدينة فاس و التي سأبدأ في عرضها قريبا .
أجرى الحوار جمال الخنوسي