08‏/01‏/2006


في حديث له مع جريدة "صوت الناس" :
المخرج محمد إسماعيل :

عندما تلتقي بمحمد إسماعيل لأول مرة يبدو هادئا في طريقة كلامه و حركته . لكن ما أن تبدأ بالحديث عن السينما بنجاحاتها و إخفاقاتها حتى تطفو عصبيته و يشعل سيجاراته المتتالية كتعبير عن حب و غيرة لمجال أمضى فيه طوال سنوات عمره . مجال انطلق فيه منذ سنة 1974 عندما بدأ بالإشتغال في التلفزيون . حيث أنتج و أخرج مجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية و التلفزيونية ك"لن أعود" ليونس ميكري و "الوجه و المرآة" لعبد الحق الزروالي و "صندوق لعجب" لعبد الله شقرون . كما اشتغل في البرامج الوثائقية ك"رجال الليل" و "نافذة على الحياة" و في السينما نذكر فيلمه "وبعد.." و "هنا ولهيه" الذي احتل مؤخرا المرتبة الأولى في لائحة مداخيل الأفلام لسنة 2005 و التي أصدرها المركز السينمائي أواخر شهر دجنبر المنصرم . إلتقته جريدة "صوت الناس" ليحدثنا عن نجاحه و عن السينما المغربية و قضاياها :

* لأول مرة في المغرب تصدر لائحة لمداخيل الإيرادات التي حققتها الأفلام خلال سنة 2005 ، وجاء فيلمك هنا ولهيه في قمة اللائحة فماذا يمثل لك هذذا الإنجاز؟
** إذا لاحظنا عدد الأشخاص الذين شاهدوا فيلم هنا و لهيه وهو 54000 بالمقارنة مع "و بعد" الذي عرض سنة 2002 في نفس المرحلة تقريبا و الذي حقق حينها رقم 600.000 متفرج فسنستنتج الفرق الشاسع خلال مدة ثلاث سنوات.
* و كيف تفسرون ذلك؟
** أفسره بالقاعات التي تغلق أبوابها، بالقرصنة، بعزوف الجمهور... و هو رقم يجعلنا نفكر أكثر من مرة، ونتساءل ما الذي يحدث، إلى أين تمضي السينما، فوتيرة الإنتاج ممتازة و لكن أين سنعرض هذه الأفلام. فحين لا يحقق فيلم حاصل على مجموعة من الجوائز مثل شريط داوود ولاد السيد حسب الأرقام المنشورة حتى 3000 مشاهد.. لمن ننتج هذه الأفلام؟ لماذا نصرف هذه الميزانية الضخمة ؟ أليس من الأفضل أن نبني بها مدارس أو مستوصفات و نحن في حاجة جد ماسة لهذه الأشياء .. 5 مليارات مخصصة لدعم الإنتاج لمن توجه إذ لم تصاحبها نظرة للقاعات السينمائية، ولدعم الصناعة السينمائية.
* شريط هنا ولهيه تمت قرصنته مبكرا، كيف تنظرون لمشكل القرصنة بالمغرب؟
** هذا لم يحدث فقط مع شريطي الحالي، ففيلم "و بعد" وجدته مقرصنا بسبع نسخ مختلفة عن بعضها، من طرف سبع شركات مختلفة. وأفلامي التلفزيونية كذلك مثل شريط "علال القلدة" ستجدها مقرصنة. لو افترضنا وجود "بوكس أوفيس" للأفلام المقرصنة لكان هذا الفيلم التلفزيوني كذلك في قائمة المبيعات، لأنه يباع بصفة رسمية و علنا بعد أن عرض في التلفزيون.
* و ما هو الحل في رأيك؟
** لست أنا من سيجد الحل ، فدوري أنا وراء الكاميرا هو إيجاد حلول للقطات التي أصور، إن هناك وسائلا جزرية لمحاربة الظاهرة و قانون لا بد من تفعيله و تطبيقه لحل مشكل القرصنة لأنني بصراحة أعتقد أن بلدنا ليس دولة الحق و القانون، إذ لماذا نعاقب مجرما سرق و لا نعاقب - المقرصن - أليس متطاولا على ملكية الغير، بأي حق سيبيع فلمي أو عمل أي كان بدون إذن. والأغرب أننا عندما في طنجة مثلا و في أهم شوارعها لاحظنا محلات كاملة مليئة ببضاعة مقرصنة و لا أحد "يغير المنكر".
* لا حظت بدوري ذلك في طنجة و قد تحدثت حينها مع الفنان يونس ميكري و صرح لي في هذا السياق بأنه حين أصدر شريطه الغنائي في السبعينيات و الثمانينيات قال بأن الموسيقى لن يبقى لها وجود بعد 20 سنة و هذا ما حدث.
** فعلا هذا ما سيحدث، فحين تجد شريطا أمريكيا لم يخرج إلى القاعات بعد و تباع نسخه المقرصنة على أبواب القاعات نفسها، كيف يمكن أن تتوقع من هذا المتفرج أن يدخل لمشاهدة عرض سينمائي .. وكم هو أصلا عدد القاعات المتبقية، في الدار البيضاء مثلا آخر قاعة أغلقت أبوابها هي سينما النصر علما أنها كانت قد أصلحت و صرفت عليها أموال كثيرة. وحسب ما وصلنا من أخبار ستغلق أحسن و أكبر سينما في البيضاء و هي اللانكس و ذلك في مارس المقبل. و في أكادير، حيث لم تبق إلا قاعة واحدة و هي التي احتضنت المهرجان الأخير. أغلقت بدورها. أين سيعقد هذا المهرجان العام المقبل؟
* و قد طرح هذا المشكل كذلك قبل انعقاد مهرجان طنجة و كل المدن التي اقترحت لاحتضان مهرجان الفيلم الوطني نحيت لعدم توفرها على قاعات .
** فعلا نحن نعرف أن كل المدن الساحلية الجديدة، آسفي، الصويرة عرفت إغلاق قاعاتها السينمائية. و إذا استمر الحال هكذا فحتى المركبات الكبرى من قبيل ميجاراما ستغلق أبوابها، خاصة و أنها لا تشغل إلا ست أو سبع قاعات من أصل 14، و أتعجب بعد ذلك كيف يحقق فيلم "فيها الملح و السكر ومبغاتش تموت. 31.000 مشاهد ( فيلم جماهيري أكبر من هذا لا يوجد). هذه هي النقط التي تجعلنا نطرح أسئلة على أنفسنا إلي أين نذهب؟ و كيف؟
* كم كلف فيلم هنا و لهيه؟
- 9 ملايين درهم، و حسب الإحصائيات في "البوكس أوفيس"، نجد أن المداخيل الخام تصل إلى مليون درهم و تلك المداخيل لم تغط حتى ثمن نسخ 18 نسخة للمركز السينمائي و بعد انتقاص الضرائب و مصاريف استغلال القاعة أي 60٪ أو 65٪، يتبقى لك 20٪ أو ما يعادل، تقتسمه مع الموزع، فكيف يمكن أن نجد منتجين يغامرون معنا في الإنتاج إذا كان الربح غائبا .
* بالعودة إلى مشكلة القاعات السينمائية، هل قام المعنيون بمشاكل القطاع بمبادرات لمناقشة المشكل و إيجاد حلول له، قبل أن ينتفي أي داع لإنتاج الأفلام بعد إغلاق كل القاعات؟
** للأسف هناك تفرقة بين الفرق المهتمة بالقطاع ، فمشغلو القاعات يشتغلون وحدهم. الموزعون، وهم ديناصورات في طريق الانقراض بحيث أصبح عددهم لا يتجاوز الأربعة بعد أن كانوا 45 شركة.. غرف التقنيين كذلك في واد وحدها، و غرف مهنيي الإنتاج كل يعمل لوحده. كل واحد منهم يتألم لوحده و يئن و يحتضر. و لا يجتمعون لأن المصالح تختلف و مشاكلهم أكبر منهم ، اليوم لا يشبه البارحة، ففي السالف كان الفيلم المغربي لا يهم المهنيين، أما الآن فهو قادر على استقطاب الجمهور .. و المسألة تجارية كما تعرف. فما يعرض هو ما يجلب الناس، و الفيلم المغربي اليوم أصبح جاذبا للجمهور و لكن المشكل الكبير هو التشتت، و أتوقع في المستقبل القريب مشاكل أكبر لأن هذه القاعات تعيش منها عائلات منذ مدة طويلة سيكون مصيرها التشرد .. لا زال لدينا طبعا الدعم السينمائي الذي يمكننا من توفير (حقنة المورفين) و لكن إلى متى لست أدري؟
* إن إقبال الجمهور على الفيلم المغربي كان بسبب معالجته قضايا تهمه و منها مشكل الهجرة فلماذا اختيار هذا الموضوع في شريطين متتاليين؟
** و حتى شريطي الثالث سيكون في نفس الموضوع، لأنها تيمة كونية، ذات مشاكل متشعبة و تعاني منها العائلات المغربية من قريب أو بعيد، و هي دائما حاضرة في الأخبار، من هم هؤلاء المهاجرون؟ كيف يعيشون؟ .. مجموعة من الأسئلة التي لن تجد لها جوابا بفيلم أو أكثر . و في مهرجان أكادير كانت كل الأفلام عن موضوع الهجرة .. و هذا فقط ما استطاع منظمو المهرجان الحصول عليه .. فكل دولة لها العديد من الأفلام التي تناولت الموضوع.
* في شريط "و بعد" تحدثت عن الراغبين في الهجرة و معاناتهم، و في "هنا و لهيه" تمحورت القصة حول مهاجر قضى مدة طويلة بالخارج و حين عاد لم يجد ذاته بين أهله. فما هي زاوية المعالجة التي ستتناول بها موضوع الهجرة في الفيلم المقبل؟
** النقطة الجديدة هي الاستغلال الجنسي لبعض الفتيات خارج البلاد و الغريب أن ضحاياها لا يتوقعن السقوط في براثن شبكات من هذا النوع. على أساس أنها ستشتغل بعقد عمل و حين تصل الفتاة تجد نفسها في سجن مرغمة على ممارسة الجنس، و القصة واقعية إذ التقيت فتاة في الباخرة أثناء عبوري من إسبانيا إلى المغرب و حكت لي قصتها، فوجدتها ذات بعد إنساني و اجتماعي، و قد كتبت الآن و هي المشروع الذي أشتغل عليه.
* إذن أنت من كتب السيناريو ؟
** أحاول غالبا أن لا أكون السيناريست، وقد تعاونت في الكتابة مع عبد الله الحمدوشي وهو من الكتاب الذين لهم باع كبير في مجال الكتابة للتلفزيون والسينما.
* تحدث مخرجون و نقاد من قبل عن أزمة حقيقية في كتابة السيناريو ..
** نعم نعاني من أزمة كبيرة، إذ يصعب أن يعرض عليك موضوع بشكل كامل. فنحن والكتاب كل منا في جبله الخاص "يتفرج" على الطرف الآخر وبينما في الوادي يوجد السيناريست الذي يقترح عليك سيناريو غير قابل للتصوير، أو ليست لديك إمكانيات تطبيقه أو على العكس هو أضعف من الامكانيات، ومجموعة من الشروط التي تدخل في الحسبة الانتاجية والابداعية التي لا تتوفر فيما يقترح. فأضطر للتدخل في العمل ولذلك تجد العديد من المخرجين بسبب مجموعة من الإكراهات يقومون بدور المنتج والمخرج والموزع..
* من سيشارك في فيلمك الجديد ؟
** هناك ممثلون سبق لي التعامل معهم ونجوم إسبان. ومن المغاربة هناك رشيد الوالي، سهام أسيف، سناء العلوي، عبد الكريم القيسي من بلجيكا، نزهة الركراكي...
* متي سيبدأ التصوير ؟
** نحن نضع اللمسات الأخيرة على السيناريو و نبحث عن التمويل مع شركات إسبانية و شركة كندية.. وطبعا الشباك الأول بالنسبة للفيلم هو الدعم وإذا لم نحصل عليه فالحلم كله سيتهاوى أو ننتظر وقتاآخر مناسبا.
* كيف ترى مستوى السينما المغربية ؟
** منذ ثلاث أو أربع سنوات عرفت السينما قفزة كبيرة، لاحظناها خلال مهرجان طنجة. هي أفلام ذات مستوى عالمي وإن كانت السينما المغربية ليست صاحبة مدرسة تجمع في خانة واحدة مثل السينما الإيرانية مثلا بل هي متنوعة المشارب والاهتمامات لذلك فهي في صدارة الدول العربية والإفريقية . وهي ممثلة في كل المهرجانات العالمية، بل استطاعت أن تصمد وحصلت على جوائز. هذه هي الإيجابيات أما المساوئ فهي انحصارها في الخانة الثقافية وبالتالي لا تلقى اهتمام الموزعين في الدول الأجنبية وحتى إن تم ذلك فإنه يكون لبعض الأفلام فقط ، وتعرض في بعض القاعات المهمشة ولبعض الأيام . فالدعم الأجنبي شمل حتى التوزيع وهناك "قراصنة" (وأؤكد على هذه النقطة) يستغلون منح دولهم. هذا من حيث الكيف ومن ناحية الكم، فإن حصيلة 13 أو 15 فيلم بالنسبة لبلد كالمغرب تدل على وجود سياسة إنتاجية .
* لماذا لا نتوفر على صناعة النجوم في المغرب؟
** لا أتفق معك، لدينا نجوم كبار، ولكن طريقة النجومية المغربية مختلفة عن نظيرتها المصرية أو الأمريكية. ففي مصر مثلاً يفتعلون النجوم عبر الحراس الخاصين والانبهار .. وغير ذلك. وإعلامياً كذلك افتعال الأخبار .. أما النجم عندنا فتعرفه حين ينزل إلى الشارع. هم نجوم شعبيون ولهم رصيد كبير في الشارع المغربي، وليست لهم هالة نجوم هوليود أو بوليود. وحتى اقتصاديا فهم يخضعون للأجور المغربية ...
* فيلمك المقبل سيعرض للاستغلال الجنسي ألن يخلق ذلك مشكلا مع الرقابة؟
** بالعكس، الفيلم فيه كلام عن الجنس ولا يعني ذلك الخلاعة أو ممارسة الجنس عبر الشاشة وبهذا فتحت موضوعا مهما، الرقابة بالنسبة للفيلم المغربي غير موجودة، إذ هناك ثلاثة أو أربعة خطوط حمراء لا يجب تجاوزها فقط. فالفيلم المغربي تناول مواضيع جريئة مثلاً سنوات الرصاص... وغيرها من المواضيع التي تؤكد حرية التعبير التي لا يمكن ممارستها في بعض الدول وقد لاحظنا ذلك من خلال نقاشات عديدة في دول أخرى وخاصة مع بعض جيراننا ...
* يعني ذلك أنه لا توجد رقابة قبلية لموضوع الفيلم قبل بدأ التصوير ؟
** هي ليست رقابة ولكنها تقديم الموضوع وتصنيف له. وبعد انتهاء الفيلم تمنح له رخصة الاستغلال. وبصراحة لم يتجاوز عدد الأفلام التي تعرضت للرقابة في تاريخ السينما المغربية ثلاثة أو أربعة أفلام وكانت رقابة شكلية وليست في الجوهر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق