30‏/01‏/2006




المخرج المغربي حكيم نوري في حوار صريح مع جريدة "صوت الناس" .
" قصة حب" لم يعرف إقبالا لأن بعض الصحف الظلامية هاجمته واعتبرته مخلا بالأخلاق (1/2)

حكيم نوري مخرج تصدمك صراحته و تعبيره عن الأشياء كما يراها بدون زيف . يسمي الجمال باسمه و القبح باسمه. فلا تنتظر منه تملقا و لا مجاملة . يقول أنه غادر المهرجان الوطني للفيلم بطنجة غاضبا و ناقما إلى إسبانيا بالرغم من النجاح الذي حققه الجزء الثاني من فيلمه "فيها الملح و السكر أو مازال مبغاتش تموت" إلتقته جريدة "صوت الناس" و حدثها بصراحته المعهودة عن سر غضبه و عن قضايا السينما و مشاكلها و أشياء أخرى :

* نعود بك سنوات إلى الوراء ونطلب منك أن تحدثنا عن تجربتك الأولى في فيلم "ساعي البريد" .
** انطلاق تصوير فيلم ساعي البريد كان في فاتح شتنبر 1979 كان عمري آنذاك 26 سنة وكانت أول تجربة لي كمخرج في شريط مطول وسهيل بنبركة هو المنتج لأني اشتغلت مساعدا له مايقارب العشر سنوات في أفلام ك "حرب البترول لن تقع" و "أموك" ولم يكن في ذلك الوقت لاصندوق دعم ولاأي شكل من أشكال المساعدة. وهذا يعني أننا أنجزنا الفيلم بميزانية بسيطة جدا فكان إنتاجا مشتركا بين المركز السينمائي المغربي الذي وفر لنا الكاميرا والمختبر أي أنه تكلف بالجانب التقني وقدم مبلغ ثلاثين ألف درهم كماصاريف للممثلين وخلافه . أنا أتذكر هذا الفيلم بكثير من الحب والحنين لأنني أعتبره ابني الأول ،البكر لقد عرض في القاعات في زمن كان يعتبر فيه مثل هذا الأمر مستحيلا في ثامن أبريل 1980. بطبيعة الحال لم يكن الإقبال كبيرا بل اقتصر على مجموعة من المهتمين كالطلبة اليساريين الذين يحملون أفكارا معينة بالإضافة للجمعيات والأندية السينمائية ، وكان الفيلم الأكثر طلبا وتم عرضه مرات عديدية. وقد صرح نورالدين الصايل باعتباره ناقدا سينمائيا آنذاك ومهتما بالحقل السينمائي في برنامج تلفزيوني مازلت أذكر اسمه écran noire لمقدمه علي حسن أن "ساعي البريد" يشكل منعطفا تاريخيا في تاريخ السينما المغربية باعتباره أول فيلم مغربي يخاطب الجمهور ويحكي قصة . ومن قبل ذلك كانت كل الأفلام تجريبية تحاكي مدارس كبرى معروفة وتتوجه للنخبة المثقفة فقط. والآن تجاوزنا هذه المرحلة وتطورت الأمور بفضل "ساعي البريد" الذي خاطب جمهورا عريضا .
* مالذي تغير بين أول عمل وآخر عمل ؟
** لقد عرفت بالأخص كمخرج ملتزم بالمشاكل الإجتماعية والسياسية واتبعت نفس الطريق ابتداء من "ساعي البريد" و"المطرقة والسندان" و"الطفولة المغتصبة" ثم "سارق الأحلام" و"عبروا في صمت"، الذي يعتبر أول فيلم سياسي مغربي سنة 1997 في زمن لم يكن فيه الحديث عن سنوات الرصاص ممكنا.
*كانت مجازفة منك..
** نعم كانت مخاطرة كبيرة وأنجزت الفيلم في الوقت المناسب وقلت فيه ما يجب أن يقال ، أما الآن فقد أصبح الحديث عن سنوات الرصاص مجرد "موضة" . علي أية حال لقد أنجزت بعد ذلك فيلم "مصير امرأة" ثم "فيها الملح والسكر" الذي اعتبره هو أيضا منعطفا جديدا حيث انتقلت من الأفلام الإجتماعية إلى الأفلام الكوميدية
* لماذا هذا التغيير؟
** لأنني اعتبرت أن السينما تفتقر لمثل هذه الأفلام وهي مسألة تشكل عقدة لبعض المخرجين الذين يعتبرون الكوميديا سينما من الدرجة الثانية أو تافهة. وهي فكرة لا أساس لها من الصحة ، فعندما تشاهد أفلام شارلي شابلن باعتباره من أكبر عباقرة السينما العالمية تجد أن وسيلته التعبيرية هي الكوميديا وهي أصعب ما يمكن الوصول إليه. إذ من السهل أن أقدم مشهداحزينا يفجر الدموع في عينيك لكن يصعب بالمقابل سرقة ابتسامة أو ضحكة .وقد كنت مترددا في إنجاز فيلم فيها "الملح والسكر".. لكن أصدقائي كانوا دائما يحاصرونني بقولهم "أنت تحب الهزل والتنكيت ونحن نريد أفلاما كوميديةلأنه لاوجود لها في السينما المغربية ولاأحد يستطيع إنجازها غيرك".والشعب المغربي بطبعه يحب الضحك والتنكيت. وحتى آخر لحظات إنجاز الفيلم كنت أفكر في التراجع، فربما أقدمت على مغامرة غير محسوبة . لكن النتيجة خلصتني من هواجسي ، فحقق الفيلم إقبالا جماهيريا قل نظيره في تاريخ السينما المغربية . بعدها عدت للسينما الإجتماعية بفيلم عن الدعارة هو "قصة حب " وللأسف لم يعرف إقبالا لأن بعض الصحف المتزمتة والظلامية ـ التي لا أعلم أين تريد السير بهذا الوطن ـ هاجمت الفيلم واعتبرته مخلا بالأخلاق وقلة الحياء مع أن الفيلم يحترم مقومات المجتمع المغربي وجمهور السينما وأحاول ماأمكن أن لاأصدم الجمهور أو أقدم مشاهد مجانية ولكن عندما نتحدث عن الدعارة كظاهرة اجتماعية خطيرة يجب أن أقدم للمشاهد الصورة الحقيقية لبائعات الهوى لا أن أقدم لهم خيالات ليس لها ملامح. المشكلة عند مثل هؤلاء المتطرفين أنهم لايريدون رؤية الواقع في مرآة الحقيقة. إذا لم نرى واقعنا ومشاكله لا يمكننا معالجتها ، و أعطيك كمثال فيلم "المطرقة والسندان" الذي عرض عام 1990 ويحكي قصة متقاعد اشتغل في الإدارة أربعين سنة ، وحين أحيل على التقاعد لم يجد مسكنا ولا راتبا لأنه لم يتقاض تقاعده إلا بعد فوات الأوان . بعدها بقليل وفي خطاب للملك الراحل الحسن الثاني انتقد نظام التقاعد وأمر بإصلاحه . أظن أن الفيلم هو الذي حرك هذه الموجة من الإنتقادات وأعطى هذه المبادرة الإصلاحية. ليس هذا فحسب ففيلم "الطفولة المغتصبة" حرك الحديث عن الخادمات الصغيرات وما معاناتهن في البيوت، وتشكلت جمعيات ومنظمات غير حكومية وغيرها لطرح المشكل. هذا هو دور الفن ، إنه يقدم المشاكل ويعرضها في قالب جميل لتكون أكثر تأثيرا ، ومسؤوليتي كمخرج هي التطرق لمشاكل اجتماعية ولفت الإنتباه إليها.خاصة وأنها غالبا ماتكون مستقاة من أحداث واقعية ، مثل فيلمي "قصة حب" ، حيث بادرتني فتاة عندما كنت أحضر مهرجان تطوان سنة 1996 تبلغ منم العمر22 سنة قائلة أنها تعرف الميدان الذي أشتغل فيه وأنها تريد أن تحكي لي قصتها ودوافعها لدخول جحيم الدعارة . وانطلاقا من قصة تلك الفتاة ومعاناتها كتبت سيناريو الفيلم . يجب معرفة دوافع تلك الفتاة قبل أن محاكمتها بطريقة فجة وقذفها بكلمات نابية.
قبل فيلمي الأخير المتمثل في الجزء الثاني ل "فيها الملح و السكر" ، مرت أربع سنوات اغتنمتها فرصة لإنجاز أربعة أفلام ، بإيعاز من نورالدين الصايل لحساب القناة الثانية.
* فيلمك الأخير يحتل الرتبة الثانية في قائمة مداخيل الأفلام لسنة 2005 بعد فيلم "هنا ولهيه" لمحمد أسماعيل.
** لاأظن ذلك، ففيلمي تجاوز مداخيل الإنتاجات الأمريكية الكبرى في قاعات ضخمة كقاعة ميغاراما بالدارالبيضاء ويمكنك التحقق من الأرقام .
*هل أنت راض عن مداخيل الفيلم؟
**إن أكبر كارثة تعرفها السينما المغربية الآن هي مشكلة القاعات . فلا أحد يذهب للسينما لأنه لم تعد هناك قاعات سينمائية حقيقية تتوفر فيها الشروط الضرورية للمشاهدة . كمثال على ذلك فالجزء الثاني من فيلم"فيها الملح والسكر"، لم يحقق سوى ثلث مداخيل الجزء الأول، وتطلب إنجازه إمكانيات مادية كبيرة مقارنة بالجزء الأول.
*لماذا؟
** لأن الجمهور يذهب فقط لقاعة فخمة كميغاراما، أما القاعات الأخرى فمهجورة، لأن المكلفين بها تملكهم الجشع والطمع، فقد ورثوا القاعات عن الفرنسيين، وهي في أبهى صورها، لكنهم انشغلوا عنها بجمع المال على حساب جودة القاعة. الكل يتذكر كيف كانت القاعات البيضاوية فيما قبل: "أ ب س" و"الريف" و"ريتز " و"لومبير" وغيرها... باستثناء بعض أرباب القاعات الذين بذلوا مجهودا يشكرون عليه، لكن بعد فوات الآوان. أضف على ذلك مشكلة القرصنة، فالفيلم قبل عرضه في القاعات تجده يباع في جوطية"درب غلف"!! وإذا لم تتخد الدولة إجراءات صارمة وحازمة تجاه هذا المشكل ، فسيقتل السينما إلىالأبد، فلايمكن أن تنتج مثلا فيلما يكلف 500 مليون، وتنتظر أن يأتي الجمهور إلى القاعات. بينما الفيلم يباع ب 5 دراهم في "الجوطيات"، هذا عار! ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى.
* بعيدا عن المشاكل ، يقول البعض أن حكيم نوري يعتمد في أفلامه على النجوم والبعض الآخر يعتبره صانعا للنجوم.
** هذا السؤال مهم ،فالجمهور المغربي لايذهب لمشاهدة الفلام من أجل النجوم الكبار بل لأنها أفلام لحكيم نوري . أعطيك مثالا، ففيلم "الطفولة المغتصبة" أحدث ضجة كبيرة ولم يكن فيه نجوم بالمرة بل حتى الطفلة الصغيرة فضيلة مسرور هي بنت خادمة في عمارة التي أسكن فيها بالإضافة لثريا العلوي في أول عمل سينمائي لها. أما فيلم "سارق الأحلام" ، فكان يضم رشيد الوالي وفاطمة خير ولم يكن يعرفهما أحد آنذاك .وفيلم "مصير امرأة" شاركت فيه آمال عيوش ولم تكن معروفة بالمرة، أنا من يصنع نجوما يتهافت عليها المخرجون الآخرون ، إضافة إلى أن الجمهور المغربي لم يتعود التعامل بمنطق النجومية بل يذهب للقاعة لمشاهدة فيلم جيد فحسب . والمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ الذسي يتسابق الجمهور على أفلامه لم يتعامل مع نجم سوى في فيلم واحد هو توم كروز وحتى فيلمه الأخير "ميونيخ" خال من النجوم.
* ماهي مشاريعك المستقبلية؟
** أنا أستعد لإنجاز فيلم كوميدي جديد يتطرق لمشكل اجتماعي مغلف بقالب هزلي . لقد مللت كما مل الجمهور من البكاء والدموع فكلما فتحت التلفزيون لا تجد غير الكوارث والإرهاب لدرجة أني أصبحت أبتعد عن مشاهدة الأخبار. وهو إحساس يتقاسمه معي الشباب و عموم الناس، فمن غير المعقول أن يدفع ثمن التذكرة من أجل مشاهدة معاناة الآخرين ودموعهم . من هنا يصبح الإقبال مضمونا لو قدمت فيلما يضحك من بدايته لآخره ، خصوصا إذا أمضيت يوما من العمل الشاق. فلايجب أن ننسى أن السينما فرجة ومتعة بالأساس والكوميديا تحدي كبير خاصة حين يكون لها هدف سامي ورسالة تتوخى إيصالها . فيلمي الجديد يحكي عن زوجين تربطهما علاقة وطيدة لكن لسوء الحظ يقف العقم في طريقهما، إنه مشكل اجتماعي لكن بنكهة كوميدية ، عنوانه المؤقت هو "التوأم".

خرج المغربي حكيم نوري في حوار صريح مع جريدة "صوت الناس" . (2/2)
الفنانون الحقيقيون في هذه البلاد لا يمكن أن يساندوا ما يصبوا إليه حزب العدالة والتنمية لأن قيمه ليست هي قيم الفنان

حكيم نوري مخرج تصدمك صراحته بالرغم من لباقته .. يعبر عن الأشياء كما يراها بدون زيف . يسمي الجمال باسمه و القبح باسمه. فلا تنتظر منه تملقا و لا مجاملة . يقول أنه غادر المهرجان الوطني للفيلم بطنجة غاضبا و ناقما إلى إسبانيا بالرغم من النجاح الذي حققه الجزء الثاني من فيلمه "فيها الملح و السكر أو مازال مبغاتش تموت" إلتقته جريدة "صوت الناس" و حدثها بصراحته المعهودة عن سر غضبه و عن قضايا التطرف الديني و السينما و أشياء أخرى. فيما يلي الجزء الثاني من هذا الحوار :
* ما رأيك فيما حدث في مهرجان طنجة و المطالبة بمنع فيلم"ماروك" ؟
** أنا كإنسان وكفنان مبدع لا يمكن أن أقبل شيئا اسمه "منع" . بالنسبة لي حرية الرأي مفهوم مقدس كيفما كان نوع التعبير: كتابة، رسم، سينما... لكل منا الحق في التعبير بحرية تامة ومطلقة كما للجمهور أيضا الحرية التامة والمطلقة للتعليق على العمل أو عدم الذهاب لرؤيته، ولكن أنا لا أقبل أن تكتب مجموعة ما الفيلم الفلاني، يجب منعه أو مقاطعته .. بأي حق؟ دع الجمهور يقرر . فعندما ينجز الفنان عملا فإنه لم يعد ملكه بل هو ملك الجمهور. وما زاد الوضع تأزما في المرحلة الراهنة هو أن ترى أناسا ينتمون للميدان الفني يرددون مثل هذا الخطاب العجيب. هذا أمر خطير خصوصا حينما يتعلق الأمر بممثل قدير كنت أحترمه كحسن الجندي، لا أعرف ماذا وقع له حتى بدأ يردد كلاما غريبا مثل الذي سمعنا، لم أفهم!! كنت أتخيل أن يكون الفنانون متحدين في هذه المسألة كأمر لا خلاف فيه. ويكون صوتنا واحد كلما تعرض فنان لمنع أو قمع، وننهض ضد أي إجراء يحد من حريتنا. علينا اختيار طريقنا بشكل واضح وصريح. هل نريد السير في نهج الديمقراطية بإيجابياتها وسلبياتها أو نقبل بديمقراطية تتمطط . فنتعامل بالديمقراطية حينا ، عندما تكون في صالح أهدافنا الشخصية، ثم نصبح لا ديمقراطيين تارة أخرى عندما لا تحقق حساباتنا. وأنا أرى أنه منذ تولي الملك محمد السادس الحكم فقد اختار طريق الديمقراطية في سيرورة لا رجعة فيها.
ومن أسس هذه الديمقراطية: حرية التعبير. أن تكتب في الجرائد مثلا أن فيلم حكيم نوري سيء فهذا حق. وإن أقدمت على سب حكيم نوري فالمكان الأمثل هو المحاكم والاحتكام للقانون. لا شرعية لأي أحد يتحدث عن المنع والقمع. وإلا سنعيش مرة أخرى الفترة الستالينية أو النازية التي انقسم فيها السينمائيون إلى قسمين: قسم قبل البقاء في ألمانيا لتمجيد هتلر والدعاية لإيديولوجيته والقسم الآخر فضل الهجرة!!
أنتقل بك لأمر آخر متعلق بي شخصيا وربما هو مرتبط بعامل السن وبطريقة كل فنان في التعبير. فأنا أمارس على نفسي نوعا من الرقابة الذاتية وأحاول ما أمكن تجنب المشاهد الصادمة للمتفرج. وأنا أفهم أ ن مخرجا شابا يريد اتباع طريق آخر وهذا حقه. في فيلم "ماروك" هناك أمور من الممكن أن تخدش مشاعر الآخرين، لكني شخصيا لم أحس بذلك ربما لأني فنان.. لكن ما رأيناه في الفيلم موجود فعلا، ويكفينا جميعا النظر حولنا في الشارع. أنا أعطيها كامل الحق لأنها عبرت بتلك الطريقة مع العلم أني لو كنت مكانها لعبرت بصيغة أخرى. بالإضافة إلى ذلك في السينما ضوابط معتمدة في تقييم الأفلام ، فهناك ما هو صالح لأقل من 10 أو 16 أو 18 سنة، وعلى الجمهور اختيار الفيلم الذي يناسبه. فالسينما بخلاف التلفزيون لا تقتحم عليك بيتك بل تذهب لها بمحض اختيارك.
* ألا يهدد صعود التطرف الديني المجال الفني برمته؟
** لابد أولا من البحث في الأسباب التي ولدت هذا الفكر الغريب عنا. فالمغاربة لم يعرفوا طوال تاريخهم شيئا اسمه الإرهاب والذبح والقتل. المغاربة شعب مسالم بالفطرة ، لاحظ أنه في عراك بين شخصين ، كثيرا ما نسمع تهديدا ووعيدا قلما يتحول إلى عراك بالأيدي. ماذا وقع إذن بين الاستقلال و 16 ماي؟ الذي حدث هو أن المغاربة كانوا ضحية سياسة مجحفة، وأحزاب على رأسها حزب الاستقلال، خانت رسالتها حيث نادوا بالتعريب بينما أبناؤهم كانوا يدرسون معي في "ليسي ليوطي" هذه مآمرة ضد الشعب المغربي والشباب المغربي. واليوم نحن نجني ثمار ما زرعوا منذ سنين لأن النظام الذي كان مسيطرا قبل مجيء الملك محمد السادس كان مبنيا على فساد متفشي في الإدارات. النهب فعل شائع والشعب "مدبر راسوا" وادريس البصري كان حارسا على مايجري و يدور. النتيجة أن الأغنياء ازدادوا غنى والفقراء ازدادوا فقرا. كبرت الهوة وأصبح في المغرب مجموعة مهمشة ليس لها أمل ولا آفاق ولا تملك الحق في الحلم. ويصبحون فريسة سهلة لأشخاص يقنعونهم بالخزعبلات وبأن الجنة في الضفة الأخرى حيث تنتظرهم الجميلات الحسنوات.أظن السياسة المتبعة الآن من طرف الملك واهتمامه بالأحياء المهمشة أمر محمود ولا أظن أن العنف سيدوم والتطرف مصيره الزوال والتاريخ يثبت ذلك. فالمتطرفون لا يحملون بديلا. وليس لهم مشروع أفضل. الإسلام دين لا يعترف بالتراتبية فالإسلام ملكنا جميعا وليس لأحد الحق في التدخل في علاقتي بخالقي. المغاربة يقولون "بينك أوبين مولاك" فنحن لسنا مسيحيين يتدخل بين العبد وخالقه الراهب. والله هو الوحيد من يعلم من هو العبد الخير. فليس كل من أطلق العنان للحيته ورسم الكدمات على جبينه فهو مسلم طيب !!؟ فإذا أراد فرد منا أن يحتج فهناك سبل ديمقراطية وحضارية تخول له ذلك بدل التفكير في تفجير نفسه وسط مواطنين أبرياء ربما يعانون نفس مشاكله، فيولد أيتاما و أرامل بفعلة شنيعة. إضافة للصورة السيئة التي أصبحت للغرب عن الإسلام، أصبح المهاجرون يعانون بشكل يومي بعد أن قضوا أكثر من 30 سنة من حياتهم في أوربا وأمريكا!! هناك نكتة تحكى حول مغربي اعتقل في إنجلترا لأنه قال لصديقه في الهاتف "نتلاقاو في الستة بحال القاعدة"!! هذه نكتة وحقيقة مرة.
* لقد انخرطت نقابة للمسرحيين أيضا في مسلسل المنع هذا ..
** هذا نفاق اجتماعي فقط والفنانون الحقيقيون في هذه البلاد لا يمكن أن يساندوا ما يصبوا إليه حزب العدالة والتنمية لأن قيمه ليست هي قيم الفنان ويمكنهم أن يحرموا كل شيء، حتى الصورة فمابالك بالسينما!! ولا أظن الشعب المغربي سيقبل بهذا ، فالفرق شاسع بين القيم والقمع وأي حزب أو إيديولوجيا تختبئ وراء الدين، فهي إيديولوجيا دكتاتورية ولا تعترف إلا بنفسها. نحن بلد اخترنا الديمقراطية كطريق ولن نسمح بحزب يقمعنا ويمنعنا من الكلام فقط لأننا لا نضع اللحية على وجوهنا!!
وللسينما والتلفزيون دور كبير للتوعية في هذا المجال، وللأسف فإن هذه الطينة من الناس (أصحاب اللحي) لها وسائل تواصلية خير من الحكومة واستغلوا مشاكل الناس اليومية ومعاناتهم لتعبئتهم، والآن المغرب اختار طريقا جديدا وينهج سياسة التنمية البشرية وهناك مشاريع تنجز كل يوم. يجب أن ننظر إلى الجانب المشرق أيضا في حياتنا والتحولات الإيجابية التي يشهدها المغرب، هناك تحسن .. المسألة تحتاج لقليل من الوقت لأنه لا يمكن إصلاح في 4 أيام ما جرى في 40 سنة! خصوصا على مستوى حرية التعبير يمكن لأي كان مطالعة الصحف والمجلات الوطنية .. وما ينشر فيها لا يمكن أن ينشر إلا في بلد ديمقراطي يحترم حرية الرأي.
* ننتقل لموضوع ربما لن يروقك. ما سر غضبك في طنجة ورحيلك المفاجئ عنها؟
** أنا لم أكن أريد الحضور في مهرجان طنجة لكن بطلب من المدير العامل للمركز السينمائي نور الدين الصايل وافقت على ذلك. أنا أعرف أن فيلمي ليس فيلما للمهرجانات فهو عمل موجه للجمهور العريض. وعند عرض "فيها الملح والسكر" في طنجة لم نستطع الخروج من القاعة إلا بمساعدة عناصر الأمن بفعل الإزدحام وتدافع الجمهور، ومع ذلك لم أفز بجائزة الجمهور هذا أمر عجيب. جائزتي الحقيقية هي حب الجمهور الذي حج للقاعة بكثرة. لقد رحلت عن طنجة ولدي غصة في حلقي، ومثل هذه التفاصيل تجعلني أمتنع عن الذهاب للمهرجانات فحتى مهرجان مراكش الدولي لم أعد أحضره لأن الفنان المغربي يحس أنه مهمش فيه. العديد من الأصدقاء يقولون أن هذا المهرجان منظم "تحت رعاية سيدنا" وعليك الحضور لكني أعرف أن سيدنا لن يعجبه أن يهان الفنان المغربي. ولا أقبل أن تهان كرامتي. في طنجة لاحظت أمرا غريبا يتجلى في عدم اهتمام الصحف المكلفة بتغطية المهرجان بالجيل الأول من المخرجين أمثالي، وأمثال سعد الشرايبي، جيلالي فرجاتي أو حسن بنجلون وآخرون. كانت هناك صحف تغطي المهرجان ولم تتحدث لا عني ولا عن فيلمي ولا عن أعمالي مع العلم أني -وبكل تواضع- أحد أعمدة السينما المغربية. لقد انشغلوا بوجوه لا يعرفها أحد أو ممثلة قامت بدور صغير في فيلم قصير!! أو مخرج أنجز فيلما قصيرا لن تشاهده حتى في "سبيل الله" هذه مؤامرة... إنه تجاهل للتاريخ.
* مؤامرة ممن؟
** لست أدري أنا أعرف أن هناك تعليمات ولكن لا أعرف مصدرها. حتى أنني أرسلت رسالة لجريدة كانت تغطي المهرجان لكن لم تكن لها الشجاعة الكافية للرد عليها.
* ربما المخرجون الشباب صنعوا الحدث بينما جيل الرواد الكل يعرف عطاءهم ومستواهم وأعمالهم.
** لا هذا ليس مبررا مقنعا لم أكن قط ضد المخرجين الشباب ، لكن الاهتمام بهم لايجب أن يكون علي حساب الكبار الذين بنيت على كاهلهم السينما المغربية. أنا أشيد بمخرج جديد في الميدان هو لحسن زينون و أظن أنه سيكون له باع كبير في ميدان الإخراج ففيلمه القصير غاية في الجمال. لكن تجارب أخري كانت محبطة .. أنا أعرف الجمهور المغربي لأني واحد منهم وأعيش وسطهم فأنا لا أملك برجا عاجيا بل آخذ إبداعي وأستقيه منهم. أما من يعيش في الفيلات الفخمة أو ولد في أوربا وعاش فيها .. كيف سيقدم فيلما يعكس معاناة المغاربة؟!! أنا مثلا لا يمكن أن أقدم فيلما اجتماعيا عن يوغسلافيا..
* ولكن هناك تجارب ناجحة .. فيلم "الراقد" لياسمين قصاري مثلا..
** لا يمكن أن أتحدث عن "الراقد" لأني لم أشاهده، نال إعجابي أيضا فيلم "الرحلة الكبرى" لاسماعيل فاروخي لكن في المقابل هناك تجارب فشلت فشلا ذريعا، والنقاد والصحفيون يتحملون مسؤولية كبيرة عندما يقولون أن مستقبل السينما المغربية هو الشباب المغربي الذي يعيش في أوربا.. لا أظن ذلك.
* بالنسبة لكم ما هو أحسن عمل أنجزتم حتى الآن؟
** فيلم "عبروا في صمت" لأنه عمل جازفت فيه بحياتي وحريتي وكان تحدي كبير بالنسبة لي، وهو يحكي عن صحفي ينجز تحقيقا ينتهي بموته، فيلم لم ترصد له ميزانية كبيرة ومع ذلك فهو يشغل حيزا مهما في حياتي الفنية وله قيمة خاصة.
أجرى الحوار : جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق