05‏/01‏/2006


في حوار لجريدة "صوت الناس" :
المسرحي عبد الحق الزروالي : هناك من استغل المسرح سياسيا في الستينيات و تركه الآن يتخبط في مشاكله
في جعبته 44 سنة من العمل المسرحي و الكثير من الأعمال كان آخرها "كدت أرى" التي عرضها مؤخرا في السودان . عند عودته من جولته إلتقته جريدة "صوت الناس" و أجرت معه حوارا حول المسرح و السينما و قضايا أخرى :
* لا حظنا اهتمامكم بالمجال السينمائي و تتبعكم لكل جديد هل تنوون اقتحام هذا المجال أيضا ؟
** لا أبدا ، أنا مهتم بجميع الفنون و متتبع لجميع أشكال الإبداع . و بشكل موضوعي لفت انتباهي القفزة الأخيرة للسينما المغربية . و لابد من القول إن الاهتمام بالسينما وتسليط الضوء عليها من حيث التنظيم والتمويل والإعلام أمر يصب في هدف أساسي هو تحسين صورة المبدع وتعميق دور الإبداع بصفة عامة والسينما في المقدمة ، للإرتقاء بذوق المواطن المغربي . هذا هو الهدف الأسمى لكل البرامج وكل المهرجانات التي تأتي في هذا السياق . يجب أن نكون إيجابيين في نظرتنا لها ونتخلص من نظرة التلذذ بالهدم و التظاهر بالقوة. لكن ما ألاحظ هو أن السينما استيقظت متأخرة كان علينا النهوض بها أيام كانت السينما تثير الدهشة واعتبرت معجزة في التبليغ، كنا ننظر للسينما ضمن فن خارق للعطاء البشري.
* والفيلم المغربي كيف تراه عيون المسرحي عبد الحق الزروالي ؟
** إنه من الصعب الحديث عن الفيلم المغربي . فعندما تشاهد السينما الهندية فهي تشبه الهند ، السينما اليابانية تشبه اليابان في لغتها ، في ديكورها وفي كتاباتها وأدوات تعبيرها. ما أحس به تجاه الفيلم المغربي بصفة عامة هو التسكع والتقليد . فهناك من يريد فيلما على الطريقة الأمريكية وآخر فيلما على الطريقة الإيطالية أو الروسية، وبالتالي لم نستطع توظيف قدراتنا لصنع فيلم مغربي يحمل بصمة مغربية . أنا أرفض أن نكون نسخة باهتة للآخر، وحتى الآخر سيرفضني لأنه ينتظر مني شيئا يفتقده. هناك بحث عن طابع سينمائي في المغرب و يجب أن نخرج الفيلم من طابعه السياحي. يجب أن نتخلى عن التقليد باعتباره أسلوبا ساذجا. الإبداع ابن بيئته وعلينا أن نبتعد عن السطحية والتركيز على الخصائص الأساسية للمجتمعات . فإذا أردت أن تصنع أجمل باقة ورود عليك أن تختارها من جميع الألوان والأصناف. هذا هو المطلوب الآن. حتى السينمائي الذي كونك والمدرسة التي تلقنت فيها فنون التعبير السينمائي تريد منك التمرد عليها وتجاوزها، لا أن تبقى وفيا لأسلوبها . سيعتز بك أستاذك عندما يصبح لك أسلوبك الخاص في التعبير.أنا أقدر تنظيم المهرجانات وأحيي من يقومون بمثل هذا المجهود ، و يستحقون كل تقدير . هذا يدفعنا أن نبذل مجهودا مضاعفا كمبدعين حتى نرقى بالسينما عندنا إلى الأحسن. فالمواطن المغربي بدأ يطالب الآن بالتنافس على مستوى دولي ومع الأقوياء . لم يعد هناك مفهوم "نحن بلد إفريقي عربي" بل أصبحنا نطمح للعالمية، ليس بالتقليد بل بالبحث . لكن للأسف جل أصحاب الأفلام يشتغلون في دائرتهم المغلقة و يعتقد نفسه مفكر و كاتب و مخرج وبطل لفيلمه.
* لكنكم تقومون بنفس الأمر ؟
** صحيح في المسرح أنا أشتغل وحيدا وأنا مسؤول عن تجربتي ولا أشرك معي الآخرين . عندما أخطئ فإني أعاتب نفسي، وعندما أفلح فذلك النجاح نجاحي. نعود للسينما، السينما المغربية يجب أن تركز على أفكار.. صحيح أننا لا يمكن أن نساير السينما العالمية بتقنياتها، لذلك يجب أن يحتل الفيلم مكانة عالية من خلال الأفكار . هناك أزمة حوار وأزمة أفكار تنعكس على مستوى الفيلم المغربي ومكوناته . نحن مطالبون بالاشتغال على الفيلم المغربي و السيناريو المغربي و نطرح السؤال التالي : أين تكمن نقط ضعف الفيلم المغربي و كيف يمكن تجاوزها؟ أعتبر أن المهرجانات خطوة محمودة ويجب الإكثار منها. كيف نتحدث عن الفيلم المغربي الذي لم يجد طريقه حتى في القاعات الوطنية ونطمح للعالمية ؟ يجب أن ننتبه للسوق الداخلية حتى نقتحم الأسواق الأخرى . وبالتالي سترتفع ميزانية الفيلم لأن المسألة مركبة. وحتى المهتم بالسينما تربى ذوقه على مستوى معين من الأفلام ولا يمكنه أن يرضى بأقل من ذلك نزولا عند رغبة "وطنية" !! لم يعد الوقت مواتيا للحديث عن التشجيع ! يجب إقناع المتلقي بجودة عطاء السينما المغربية.
* بمناسبة حديثكم عن التشجيع ، كيف ترون تشجيع الدولة للمسرح والسينما من خلال ما يسمى ب"الدعم" ؟ ودائما على ضوء ما قلتم لم يعد الوقت مناسبا للحديث عن التشجيع بل الفنان الحقيقي سيفرض نفسه بقوة عطائه ولن يحتاج لمساعدة أحد.
** أنا مع فكرة الدعم ، لأن الفيلم المغربي لا يمكنه الآن الاعتماد على نفسه. لكن يجب ترشيد هذا الدعم. لقد سرق منا جمهورنا، لم نبنه في الستينيات والسبعينيات حتي نستثمره الآن. لقد بنى ذوقه على مفاهيم و اتجاهات سينمائية أخرى. إن الدعم أمر لازم وإلا فلن يسمع أحد قط عن فيلم مغربي.
* وماذا عن المسرح ؟
** للأسف المسرح وصل إلى نفس النتيجة. الفنان يعد المسرحية وينتظر المجهول . من قبل كان الفنان يبحث ويكد ويعمل وهو فخور بانتمائه لهذا المجال، اليوم المسألة تغيرت وأصبحت القضية حساسة مائة بالمائة، أصبح الحديث عن الكم و المقابل . المسرح المغربي مشكلته الأساسية هي القطيعة الموجودة بين مراحله الثلاث : جيل الرواد و جيل القنطرة وجيل الأمل . في جميع البلدان متعة المسرح عندما يجد الممثل أو المخرج من جيل الرواد ممثلا يخطو بخطوته الأولى بجانبه فيكونون بناء متكاملا. يؤسفني الآن أن لا نرى مبدعا كالطيب الصديقي أو فنانا كالطيب لعلج إنهما ثروة قومية. والفنان كلما تقدم به السن إلا و ازدادت تجربته و علا و نضج . عندنا هنا بدل المنافسة الحقد . و ما دمنا لم نصف الأجواء الداخلية للبيت المسرحي فلن يكون لنا إشعاع وإبداع وارتقاء بكلمة المسرح. هناك من يتحدث الآن عن مسرح التجريب ويخفى على ذهنه أنه في الستينيات قام مسرحي اسمه "محمد تيمور" رحمة الله عليه بمسرح التجريب . وأعماله بعد 50 سنة لم يصل أحد لمستواها ، بالرغم من إمكاناته البسيطة . و لذلك عدم الاطلاع على ما تم إنجازه خلال 50 أو 60 سنة السابقة يخلق لنا جيلا لا يرى إلا نفسه ، و يدور في حلقة مفرغة لا تحقق التراكم المنشود والتجاوز. المسألة الثانية متعلقة بالكتاب ، ليس لدينا كتاب مسرحيون . إذا أردنا أن نكون دقيقين في كل المقاييس فنحن لا نملك كتابا مسرحيين بمعنى الكلمة . من الممكن أن أذكر 5 أو 6 لكن هذا لا يكفي. المخرجون أيضا نفس الأمر. يجب الاشتغال كمجموعات تجدد نفسها وتجدد الآخر. عبد القادر البدوي مثلا قام بجهود كبيرة لكن للأسف لم تكن هناك تكملة.. أما الآن المسرح المغربي رهين بنوايا رجالاته ومبادرتهم الشخصية ، و كل واحد منهم يعتقد أنه رأس الحربة.
* قلتم من قبل أنه كانت هناك تجارب منذ 50 أو 60 سنة لماذا لم يتحقق تراكم ؟و لماذا مسرحنا في هذا الحال مادام له كل هذا العمر ؟
** السبب في الحقيقة كان سياسيا وليس إبداعيا ، لأن المسرح كان دائما فنا غير مرغوب فيه . كان هناك موقف شبه رسمي من المسرح في الستينات . على سبيل المثال لي 44 سنة من الممارسة المسرحية منذ 7 يوليوز 1961 وبالرغم من الرضى عن تجربتي ـ هذا الرضى الذي استلهمته من الآخر ـ أعتقد أني لم أستثمر من طموحي الفني حتى %20 من موهبتي و ما أطمح إليه . أما 80 % الأخرى سرقت مني . لم أبخل بها ، بل سرقت بفعل المشاكل التي تقف في وجه المبدع ، من قاعات ونظرة دونية للعمل المسرحي وغيرها. هناك طاقات إبداعية وكنوز مجمدة لا تعرف كيف نستثمرها . للأسف فهم المسرح في بعده السياسي لأنه تبنته مجموعة سياسية شكليا. لا يعني "تبنته" بالمعنى الدقيق للكلمة ، بل استغلت الجو العام المكهرب واستعملته كسلاح ضد النظام. فأصبح المسرح أداة نضالية و لكنه نسي أن غدا ستدخل المعارضة خندق الحكومة وستقلب وجهها وخطابها اتجاهه. النظام أخذ موقفا سلبيا من المسرح والأحزاب التي راهن عليها المسرح على أساس أنها ستعيد له الاعتبار تخلت عنه. لقد كان فقط أداة استعملتها تلك الأحزاب والآن لم تستطع أن توفر له حتى الظروف المواتية للعمل . نحن لا ننتظر العطف بل فقط ظروف العمل اللائقة.
* ما هو جديد عبد الحق الزروالي ؟
** كنت أعرض مسرحيتي "كدت أرى" في السودان في إطار جولة هناك. وأنا الآن اشتغل على مسرحية "أبي عبد الله الصغير" ، و هو آخر ملوك غرناطة وعاش بقية عمره في مدينة فاس و التي سأبدأ في عرضها قريبا .
أجرى الحوار جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق