29‏/12‏/2005


المخرجة الشابة ليلى التريكي ل"صوت الناس" :
ـ إذا أغلقنا على نفسنا في حيز ضيق و نوع واحد من السينما كيفما كان سنختنق و نموت
ـ نحن مازلنا محتاجين للدعم ، لأنه بلا دعم لن تكون هناك سينما في المغرب
ـ المجانية في التعبير هي عدوة السينما الحقة

ليلى تريكي تحسن التعبير بالكلمات كما تحسن التعبير بأدواتها السينمائية . لم يتجاوز سنها الثلاثين و تتحدث بحكمة و رهافة إحساس . شاركت في مهرجان "كان" و المهرجان الوطني الثامن للفيلم بفيلمها "دم الحبر" . مثلت مع زميلاتها من المخرجات ما سماه البعض موجة نسائية في السينما المغربية .إلتقتها "صوت الناس" لتتحدث معها عن السينما ، عن مشاريعها و عن لقائها بسكورسيزي و كياروستامي :

* كيف ترى ليلى التريكي واقع السينما المغربية ؟
** أنا جد متفائلة ، لقد لاحظنا بروز مواهب كثيرة ، و لغاة جديدة في المقاربة الفنية و الإخراج . هذا كله لا يمكن إلا أن يبعث بالتفاؤل . نعم عندنا مشاكل إنتاجية و تقنية ، لكن لا يمكنني أن أقدم نظرة سوداوية على الواقع فالأمر ليس كذلك . و أظن أن رد الفعل عن نفور الجمهور من القاعات بالاهتمام بالسينما ولد نهضة نقطف تمارها الآن .
* ماهو رأيك في سياسة الدعم ؟
** نحن مازلنا محتاجين للدعم ، لأنه بلا دعم لن تكون هناك سينما في المغرب . لم نصل بعد للصناعة السينمائية القائمة ببنيتها التحتية و وكالاتها و وكلائها .. حتى في فرنسا و أوربا هناك مؤسسات تمارس نفس النهج . بالنسبة لنا دعم المركز السينمائي مهم جدا لأنه يقدم لنا على الأقل 40% كأمل في أن يرى الفيلم الوجود . و بعد ذلك ، يبقي مجهودك الخاص للبحث عن منتج يؤمن بمواهبك لأن الدعم لا يغطي كل ميزانية الفيلم . خصوصا الأفلام الطويلة التي تحتاج تقنيات و إمكانات ضخمة حتى يقدم عملا في المستوي لا من ناحية الصورة و لا الصوت و لا الممثلين و السيناريو . إنه استثمار كبير لابد من البحث له عن موارد مالية . على الأبناك و الشركات أن تدخل أيضا هذه المغامرة التي هي في نفس الوقت مربحة . من أجل بناء صناعة سينمائية مغربية محضة ، مازالت تبحث عن بصمتها . كما هو الحال في السينما الإيرانية التي ليست سينما غنية أو لها ما يسمى ب star system ، و مع ذلك فهي سينما فرضت وجودها و علينا السير في نفس الطريق .
* هل تظنين أن الأفلام التي عرضت في مهرجان طنجة الأخير تبحث عن هذه البصمة و بالخصوص الأفلام التي أثارت جدلا واسعا ؟
** بالفعل لكن للأسف الفيلم الذي أثار الجدل كان هو "ماروك" لليلى المراكشي و لم تتح لي فرصة مشاهدته بعد . سمعت عنه الكثير ، و أظن أن لكل مخرج مقاربة معينة لطرح موضوع ما. و ليلى المراكشي اختارت أن تبرز واقعا موجودا بالفعل ربما مقاربتها صدمت البعض لأنه داخل أنفسنا عندما نتجاوز الحدود المعروفة نصاب بالهلع . هناك واقع الفقر لكن هناك أيضا واقع الغنى . و واقع أناس ضاعت هويتهم و ضاع تموقعهم . انمحى انتماؤهم المغربي و اختلط بما يستوعبونه من القنوات الفضائية . لقد أصبح شبابنا موزعا بين الواقع المغربي و ما يجري في الضفة الأخرى . حالة من التيه ، يسمعون الموسيقى الغربية و لباسهم غربي و لا يأخذون الوقت من أجل التفكير في من هم و أين هم ذاهبون ؟ و ماذا يأخدون من الآخر و ما عليهم تركه ؟ بالإضافة للواقع الجنسي المزري الذي لم يعد يخفى علي أحد . لا أستطيع الخوض طويلا في الفيلم لأني لم أشاهده بعد ، لكن شخصيا أحترم كل المقاربات . من الممكن أن تكون لي آراء شخصية لكني لا أستطيع الحكم على المقاربات الأخرى كونها صائبة أو ليست صائبة . يجب أن تتوفر لدينا جميع أنواع السينما لأنه ليس هناك جمهور واحد . هناك عدة شرائح و كل شريحة لها ثقافة و خلفية معينة و تريد أن ترى نفسها في فيلم . و إذا أغلقنا على نفسنا في حيز ضيق و نوع واحد من السينما كيفما كان سنختنق و نموت . أنا شخصيا من الممكن أن أتجنب العديد من المشاكل و لكن ستكون لي مقاربة مختلفة . لقد سبق لي أن شاهدت أفلاما أجنبية و بالخصوص شاهدت لقطة للمخرج الفرنسي لوك بيسون "مثيرة" لدرجة كبيرة و مع ذلك لا نرى "أي شيء" . يمكن أن نوصل جميع الأفكار و يبقي الاختلاف فقط في كيفية إيصالها . و المقاربة الشخصية لكل مخرج يتحمل تداعياتها هو وحده .
* لا يجب فقط الوقوع في فخ المجانية ..
** بالتأكيد فالمجانية في التعبير هي عدوة السينما الحقة . و كل لقطة أو صورة يجب أن تكون مبررة و تحمل رسالة . لا أن نبحث لها عن أعذار و مبررات . أنا أعتبر النقاشات مهمة لأنه في الكثير من الأحيان و في مهرجانات في إيطاليا و فرنسا و غيرها تطرح أسئلة يقدم فيها المشاهد أشياء عن فيلمي غابت عنيي . أمور لاحظها و لم ألتفت لها أو ربما لم أعرها اهتماما . لكن هو شاهدها لأن له حمولة ثقافية و عاطفية مختلفة . لقد تلقى الصورة بشكل مختلف و هذا ما يصنع الغنى . لذلك في أفلامي القصيرة أجرب و أعتبر الفيلم القصير حقل تجارب . لقدد حاولت نوعا ما مخاطبة اللاوعي من خلال مقاربة معينة للصورة . حاولت أن أرى رد فعل المتلقي لأنه في الفيلم القصير ليس كل لقطة تقدم فهي مفهومة . فربما لتلك اللقطة وقع كبير على اللاشعور الذي يعطي في الأخير إحساس الرضى أو عدم الرضى في نهاية الفيلم لأنك تنادي شيئا دفينا داخله .
* لقد شاهدت فيلمك "دم الحبر" و كلفني الكثير من المجهود لفهمه . لماذا كل هذا الإغراق في الرمزية ؟ هذه ملاحظة تصدق على جل الأعمال المغربية ، فإما هي سطحية لدرجة السداجة أو مغرقة في الترميز لدرجة لا يفهمها أحد .
** عندما اشتغلت في فلمي لم يكن هدفي أن أكون مغرقة في الرمزية . لقد تعاملت مع لاوعي شخصية لا تعبر عنه بالكلمات و يظهر لاوعيها في الأخير ك voix off لتفسير ما يحدث عندما يكون للإنسان جدل داخلي . السؤال الذي طرحت هو كالتالي . كيف أحول هذا الجدل الداخلي إلى صورة ؟ ليس مهم أن كل ما يرى في الصورة يفهم المهم هو أن نعرف أن الشخصية تعيش عراكا داخليا . الشخصية لها علاقة مع الأب و علاقة مع الحبر الذي يبقى بعد أبيها . و للشخصية علاقة بالكتابة أيضا و انكسار القلم هو تعبير عن انقطاع روح الإلهام . ثم تنطلق في البحث عن حل لإيجاد دفعة جديدة لوحيها الإبداعي . إذا خرج المشاهد بهذه الشبكة من العلاقات أعتبر نفسي قد نجحت . أما كل ما يحوم حول هذا فهو مجرد لغة الفيلم القصير و تقنياته التي تمثل الفرق بينه بين الفيلم القصير و الطويل الذي يعتمد على أحداث متسلسلة تتطلب الفهم . في فيلمي القصير أتحدث عن فنان يتعامل مع أدواته و يفقدها ثم يبحث عن أخرى بديلة . في الحقيقة عشت تجربة أدهشتني مع أمريكية من أصل كولمبي في مهرجان مراكش الأخير . قالت لي أنها شاهدت فيلمي و نال إعجابها . أفرحني كثيرا قولها ، و ذكرني سؤالك بهذا الأمر لأن فيلمي هناك من يفهمه كاملا و هناك من يفهم جزءً منه. لكن في الحقيقة لم أقصد قط ذلك ، و لم يكن هدفي تقديم قصة بقدر ما كان هدفي أن يلم المشاهد بشبكة العلاقات التي ذكرت من قبل . تصور أن الأمريكية التي حكيت لك عنها سردت لي أحداث الفيلم كما أردت أن يفهم دون أن تفقه كلمة واحدة من الحوار لأنها لا تعرف لا العربية و لا الفرنسية !
* ما هي الأحداث البارزة التي أثرت في بناء شخصيتك و نظرتك السينمائية ؟
** لقد أثر في حدث عشته هذه السنة هو ميلاد ابني الذي غير حياتي و نظرتي للأمور . لقد سمعت الكثير عن الإحساس بالأمومة و لما جربته لم أكن أتصور إلى أي مدى من الممكن للطفل أن يغني حياة أمه . و أنا كإنسانة راشدة علمني طفلي كيف أنظر للحياة و أعيد النظر في الكثير من قناعاتي . إننا نأخذ الأمور بجدية كبيرة و ننسى الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة و هذا ما يأتي به المولود الجديد . لقائي مع سكورسيزي و كياروستامي في مراكش كان متميزا أيضا . لقد كان لي تبادل كبير مع هذا الأخير : في تمريني الأول معه غمرني بملاحظاته السلبية عندما طلب مني إنجاز فيلم قصير موضوعه الهاتف النقال . كان جد قاس في حكمه على عملي . و قساوته تلك جعلتني أتجاوز نفسي و قدراتي . و لما عرضت عليه إنجازي بفكرة جديدة هنأني قائلا : في ظرف أسبوع استطعت أن أفجر داخلك كل هذه العطاء و أخلق رد الفعل هذا . لقد شجعني قوله و سأحافظ على علاقتي به عبر الانترنيت للاستفادة من تجربته و معرفته . إنها خطوة جديدة بالنسبة لي و حدث لن أنساه قط لأنه مخرج عملاق . لقد علمني التواضع . لما جاء سكورسيزي إلى مراكش و هو رجل وراءه 40 سنة من الإخراج كلمنا و كأنه مبتدئ في فيلمه الأول . منذ شهور و نحن ننتظر سكورسيزي للننهل من تجرببته و معارفه و إذا به يقول لنا في أدب : هل يمكن أن تمنحوني 5 دقائق إضافية لأبين لكم كذا و أشرح كذا .. إنه جد متواضع و يستمع للأسئلة و يجيب في لطف .. قيمة المخرجين الكبار من طينة سكورسيزي هي تواضعهم و إيمانهم بأن كل ما يعرفونه هو أنهم لا يعرفون شيئا .
* كيف تختارين السيناريوهات التي تشتغلين عليها ؟
** يجب أن أحب العمل أولا ، أن يلمس شيئا داخلي . هناك جانب عقلاني و شروط أساسية لكن في نفس الوقت هناك جانب عاطفي . يجب أن يحرك العمل شيئا داخلي و إلا فلن أستطيع التعامل معه . سيناريو أول فيلم لي كان لمحمود ميكري . راقتني فيه بساطة القصة ، حيث تحكى من وجهة نظر طفل صغير ، نظرة بريئة . أما الفيلم الثاني فأنا من كتبت السيناريو حيث كان لي تساؤلان أساسيان : أولا حول الشخص الذي تكون له حمولة عاطفية و ثقافية و إبداعية و له ارتباط خاص بأداة التعبير . تخيل مثلا نحاتا فقد بصره ، هل سيكف عن الإبداع ؟ لا أظن ذلك . سيبحث له حتما عن البديل و إلا سيعيش مع إعاقته التي ستقوده لنهايته . ثانيا ربط التساؤل الأول بحياة شخصية نسائية في زمن انتقالي في المغرب . في فترة الخمسينات كان المغرب ينتقل إلى الحرية و الاستقلال ، و في السبعينات هناك انتقال في نظرة جيل بأكمله إلى مختلف القضايا بعد ماي 68 و التحول الذي عرفته قضية المرأة . و السؤال هو : هل ستتحمل المرأة المغربية دائما ثقل تاريخها ؟ هل ستصبح عضوا كاملا و فعالا في المجتمع ؟ و هل ستثبت وجودها ليس فقط من خلال الرجل الذي هو والدها الذي منحها حمولة ثقافية و عاطفية ، إنما باستعمال أبيها كغنى و ليس عبء . و بما أن الفيلم قصيرا ، كان لابد من طريقة و لغة مركزة جدا و مرئية لأعبر على أن الشخصية النسائية ستتحدي الجدل داخلها و ستنفتح من جديد على عالم أترك لمخيلة الجمهور معرفة كنهه .
* ما هي مشاريعك المستقبلية ؟
** أشتغل على فيلم قصير يتحدث عن فكرة عصر السرعة الذي يخترقنا . و كيف أن المجتمع المغربي المبني على التكافل تغير و أصبح كل فرد لا ينظر إلا لهمه الشخصي . يمكن أن يمر أي منا أمام فقير أو محتاج دون أن يعيره أدنى اهتمام لدرجة يصبح فيها شفافا . لن يتساءل قط : هل كان له حياة من قبل ؟ الموضوع هو اللامبالاة التي تكبر داخل مجتمعنا و الفردانية التي غزتنا . لاحظ أننا في بعض الأحيان نرى شخصا يهاجم أو يعتدى عليه دون أن يتدخل أحد لأن المجتمع أصبح عنيفا و يخيم عليه الخوف و الرهبة .
أجرى الحوار : جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق