29‏/12‏/2005


حول تداعيات فيلم ليلى المراكشي : ماروك
- محمد العسلي : "ماروك " فيلم صهيوني أستعملت فيه شابة مغربية لم تفهم و لم تفقه حيثيات اللعبة
- فريد الزاهي : العسلي مجرد سينمائي شاب في مرحلة الكهولة .
- بعد أن أطلق محمد العسلي العنان للسانه ننتظر منه الآن أن يطلق العنان للحيته

وجهها طفولي ، بريق الذكاء في عينيها ، تغطي خجلها بابتسامات تزرعها في كل اتجاه ، لكن كلماتها طلقات نار و تعبيرها إعلان حرب . ليلى المراكشي الطفلة التي أحرقت طنجة و اختلف الجمهورحولها . صنعت الحدث ، خلقت المفاجأة في المهرجان الوطني الثامن للفيلم بطنجة و هزت كراسي سينما روكسي بعنف . لم يثر فيلم ضجة كالتي أثارها فيلمها ، و لم يفرق فيلم الجمهور كما فرقه فيلمها .

هدوء ما قبل العاصفة :
فيلم " ماروك " سيناريو و إخراج ليلى المراكشي تدور أحداثه بمدينة الدار البيضاء في حي راق من أحياء الثراء الفاحش و البدخ . تعيش غيثة البطلة البالغة من العمر 17 سنة و التلميذة في الباكلوريا أول قصة حب في حياتها بعد مغامرات خاطفة لتجد نفسها في مواجهة التقاليد و الأعراف في صورة الأخ و الوالدين . شأنها في ذلك شأن باقي المراهقين و المراهقات من جيلها . تعاني غيثة من عدم القدرة على التأقلم مع محيطها و قيمه لتخلق لنا بطلة مهزوزة تتأرجح بين نموذجين : نموذج القيم البالية المهترئة التي تعتمد على مظاهر التقوى و الورع و نموذج الغرب الذي يتسم بالانحلال الخلقي و السفاهة . لن يخلص البطلة من هذا التأرجح سوى قصة حب عنيفة تنتهي نهاية مأساوية .
هذا هو ملخص الفيلم و ربما ستتساءلون و ما العيب في هذا و لم أفزعت ليلى المراكشي رجالا بقامات طويلة و بنيات جسدية شامخة ؟

بداية الخلاف :
في الوهلة الأولى يمكن وضع الفيلم في خانة أفلام الشباب و المراهقين . خليط من أماريكان باى و تريبل ايكس صخب الشباب و مرحه و السرعة على الطرقات. كل التوابل التى تثير المراهق و تستهويه متوفرة . الفيلم يحكي عن أولاد " الفشوش " الذين يولدون و في أفواههم ملاعق من ذهب يكبرون وسط الفيلات و القصور يتسابقون في الطرقات بسياراتهم الفارهة يأكلون ، يشربون ، ينطقون بالسفاهات و يتناكحون كالكلاب . هذه الطبقة المجتمعية استفزت " البعض " . محمد الدهان الناقد السينمائي وأستاذ علم الاجتماع في تدخل غريب عبر عن رفضه للفيلم " الفاشي " بدعوى أنه لا يريد مشاهدة شريحة مجتمعية اضطهدته في الواقع و لن يسمح لها أن تضطهده في السينما كذلك !! كانت هذه صفعة الأولى لمن اعتبروها كذلك . لكن ما يزيد الطين بلة هو آن " غيثة " بطلة الفيلم المسلمة ستقع في حب " يوري " اليهودي الوسيم الذي تتلألأ نجمة داوود على صدره ! كيف تحب المسلمة اليهودي ؟ هكذا حركت ليلى البركة الراقدة و أيقظت الغيلان النائمة . لو قلبت الآية لأعتبرت المسألة عادية أو حتى " بطولية " لكن ليلى تجرأت و اختارت الأصعب . فضلت أن تصرخ أن للأنثى إختيارها و تخلخل النظرة الدونية و فكرة " الكفاح المسلح " بالذكر و مقاومة العدو بالإغراء و قهره بالجنس كما هو الحال في رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " للطيب صالح و غيرها . لم ينظر إلى " يوري " اليهودي قط على أنه مغربي بل كعدو يهودي . و لم يخمد نار هذا الحوار الجنسي بين الأديان إلا تدخل المخرج نبيل لحلو في جرأة معهودة متحدثا عن تجربته : « لقد نكح اليهود المسلمات ، و نكحنا نحن أيضا الكثير من اليهوديات » .

إعلان الحرب :
كان أكبر هجوم على الفيلم بطله محمد العسلي صاحب فيلم " في الدار البيضاء الملائكة لا تحلق " حيث إعتبر "ماروك " فيلما صهيونيا استعملت فيه شابة مغربية لم تفهم و لم تفقه حيثيات اللعبة ، إنها ضحية . و نحن نندد بالناس الذين استعملوها و الذين أرادوا التطبيع مع توجه صهيوني يريد إلغاء الهوية المغربية ، العربية و الإسلامية بشكل فج يدخل في سيرورة تركيع الإنسان العربي و أنا شخصيا ـ مع مجموعة كبيرة من المغاربة ـ ( ! ) نندد بهذا التوجه السلبي لأنه قبل أن نتكلم عن السينما نتكلم طبعا عن الوجود و نحن مطالبون بالدفاع عن وجودنا » .
و أمام طرح فكرة التسامح و الاستماع للآخر و الإنفتاح على طرق تفكير مختلفة بادرنا بالقول : " نحن لا نسمع .. المطلوب منا هو الإذعان و ليس الإجتماع و الحوار المطلوب منا هو إلغاء أنفسنا ليصول و يجول الآخر القوي الذي يفرض علينا العولمة و التوجه السياسي و القيم . نحن لسنا في مكان قوة أو الند للند حتى نتحاور. المطلوب منا فقط هو الإذعان » . محمد العسلي خلال مناقشة فيلم " ماروك " مع مخرجته طالب بمنع الفيلم و التصدي له بعنف . و لم يخمد لهيب الاحتجاج سوى تدخل نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي التي إعتبر مثل هذه المواقف غير مجدية و لا يحق لأي أحد أن يأخذ على عاتقه تحديد هوية فيلم من الأفلام أو نزع مغربية أي مبدع وإعتبر كل الأفلام المشاركة في المهرجان أفلاما مغربية أنتجت بين سنة 2003 ( تاريخ آخر مهرجان ) إلى اليوم . و أكد أن جميع الأشرطة لم تخضع لأي اختيار أو إنتقاء قبلي . و أكدت ليلى المراكشي نفس الأمر مضيفة أن فيلمها حصل على موافقة لجنة الرقابة دون حدف أي مشهد و سيبدأ عرضه في الصالات المغربية ابتداء من شهر فبراير 2006 .
و في عرض سؤال لمحمد العسلي سجلنا استغرابنا لكونه فنانا و مبدعا و في نفس الوقت ضد حرية الفن في حين وهب العديد من المبدعين أرواحهم من أجل هامش و لو صغير للحرية . أجاب العسلي في عصبية : « نحن لسنا ضد حرية الإبداع . نحن ضد توجه سياسي منهجي له أهداف لإلغائي كثقافة لأنه قوي ماديا . فهل لأني ضعيف و ليس لي القوة لفرض رأيي و تصوري بشكل عام أقبل الهجوم و أصبح عدوا لحرية الإبداع ؟ أنا أتكلم عن عمل لا وطني ، عمل مصنوع بشكل صهيوني يلغيني ليس كسينمائي فحسب و إنما كإنسان مغربي عربي ، مسلم و من واجبي كإنسان مقاومة هذا التوجه الذي يريد أن يمسخني كما أن هناك سياسات أخرى تريد إلغاء هذا الانسان الذي أنتمي إليه و المجتمع الذي أنا فرد منه . حان الآن دور السينما لتغزوه السياسات الأمريكية و الصهيونية لتزكي نفس التوجه في العالم و الذى يؤسفني أن مجموعة من الناس في بلادنا لم تفهم هذه الخطورة الكامنة في هذا العمل و ظلوا يسردون خطابات جوفاء و سطحية . لقد استعملت ليلى المراكشي كبيدق لأن أي إنسان مغربي له احترام لمغربيته وإنسانيته يرفض أن يستعمل بهذا الشكل . و حتى مسألة الدعم ـ التي هي حق لجميع المغاربة ـ تحمينا جميعا من ضغوطات فيلم ك"ماروك" » . هنا اختلطت علينا المفردات و التعابير الضخمة فآثرنا سؤال العسلي عن المعايير التي يحدد بها مدى " مغربية " أي انتاج سينمائي فرد في امتعاض " الفيلم المغربي هو الفيلم الذي يدافع على قيم هذا البلد و إنسان هذا البلد و يحتضن قضاياه و لا يحتضن قضايا الصهاينة ».

الهجوم المضاد :
موقف محمد العسلي استقبل باستهجان و رفض و حتى تدخله في قاعة المناقشة تلاه صفير و تنديد من الصحفيين و النقاد و المهتمين بالشأن السينمائي . و قد عبر أحد الحضور عن ذلك في سخرية : " بعد آن أطلق محمد العسلي العنان للسانه ننتظر منه الآن أن يطلق العنان للحيته ، إنه رجل دونكيشوتي يحارب طواحين الهواء و يرى الأعداء في كل مكان " و في نفس الاتجاه صرح لنا فريد الزاهي الأستاذ الجامعي و الناقد السينمائي بأن « هناك مسألة مبدئية يجب الإنطلاق منها . أولا : لا يجب لأي أحد أن ينصب نفسه حكما على الآخرين وهو يمارس تقريبا نفس الأمور. من جهة ثانية أظن أن محمد العسلي مخرج في منتصف العمر إن لن نقل في مرحلة الكهولة وعليه أن يفكر في فيلمه المقبل بدل أن يرمي الناس بالشظايا والقاذورات والمثل يقول إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الآخرين بالحجارة. كان من الممكن أن يكون فيلمه ضحية لنفس الأمور التي يقولها عن ليلى المراكشي فهو كذلك اعتمد على الأجانب . إن العسلي مجرد سينمائي شاب في مرحلة الكهولة بينما ليلى المراكشي سينمائية ناضجة مازالت في مرحلة الشباب والمستقبل عريض أمامها. وننتظر منها المزيد والأحسن والأفضل. أتحداه أن يقدم فيلما بنفس قوة فيلمه الأول والأخير . عليه أولا أن يجيبنا عن هذه الأسئلة . من زاوية أخرى يجب أن يحافظ كل فرد على موقعه وكرسيه، فعار على محمد العسلي أن يكون ناقدا ومخرجا و قاضيا و حكما و جلادا وكل شيء . ويسطو على جميع المواقع من منطلق ذاتي ضيق يجعل كل العالم يتمحور حول ذاته الكريمة . أعود مرة أخرى وأقول لمحمد العسلي حدثنا عن فيلمك المقبل. لا أظن أن هناك سؤالا أفضل من هذا. عليه أن يكنس أمام بيته قبل أن يتهم الآخرين "بالعفن". من يكون العسلي لإعطاء نفسه الحق لمنع الآخرين ؟ هناك مشكلة في محدودية التكوين لدى البعض وحدود التموقف الذي من الممكن أن يخلق منزلقات خطيرة جدا . رأيي في منتهى البساطة من يخيل له أنه حقق نجاحا و وصل لا يجب أن يعتبر نفسه فزاعة. نحن متابعون للسينما منذ مرحلة فقرها. لما كان الفيلم يظهر كل سنتين . حيث يعتبر ظاهرة وحدثا في حد ذاته لا نراها إلا نحن بصفتنا نقادا ومهتمين بالسينما ولا يعرف أي إقبال جماهيري أو لا يوزع أساسا على القاعات. أما الآن فهناك شروط صحية يجب أن نحافظ عليها وندافع عنها ونوحدها بدل خلق أرخبيلات » .
نفس الاتجاه يسير فيه يونس ميكري المغني و الممثل حيث اعتبر أن القيام بفيلم سينمائي طويل وإتمامه وخروجه للوجود في المغرب هو في حد ذاته إنجاز يجب الاحتفاء به . فمن الغريب أن المبدع يعاني وهو يصنع فيلمه ويجلد بسياط الإمكانات القليلة . و نتلذذ بجلده بعد خروج فيلمه . أنا أجد أن هذا الأمر بلا جدوى الآن. سيكون هناك حوار حقيقي وجاد عندما ننتج سينما حقيقية بشروط صحية وسليمة . نحن الآن نريد أن نقدم سينما لا أن نقدم " بوليميك "» .
كما احتج الناقد السينمائي خليل الدامون و رفض أن يكون الفنانون بكل هذا العنف والإقصاء الذي تحدث عنه العسلي. « وإلا سنصبح أصوليين نمارس النفي وإلغاء الآخر . هذه العقلية يجب أن تنقرض من أساس تفكيرنا. نحن نعيش في وبالسينما. والسينما لا تعرف شيئا اسمه الإقصاء بل هناك شيء اسمه النقاش، الحوار .. إنها كلمات نبيلة. والنقاش الجاد هو الذي بإمكانه أن يجعل الفيلم يأخذ المكان اللائق به، أما أن نقصي مخرجة ونضطهدها بدعوى أنها طرحت مشكلة معينة أو أسلوبا جديدا فهذا أمر غير مقبول . هناك جرأة حقيقية في فيلم "ماروك" وطرح لقضايا مست عمق ثقافتنا وتاريخنا وتراثنا ومع ذلك يبقى الأمر قابلا للجدل والانطلاق نحو الأحسن أما الإقصاء فسيعطي للزلة الشرعية ويزكي أفكارا وأساليب أكثر من دحضها. هناك فعلا شريحة مغربية ـ وإن كانت ضئيلة ـ تنظر للأمور بنفس منظار ليلى المراكشي، أنا لست متفقا معها بطبيعة الحال ولكن يبقى الحوار قائما بيننا وصلة وصل دائمة. فيلم "ماروك" جميل و محبوك من الناحية التقنية. ولكن من ناحية المقاربة الموضوعاتية فطرحها محتاج لنقاش طويل.

إعلان الهدنة :
مهما يكن من أمر يبقى طرح ليلى المراكشي للعديد من المواضيع أمرا مشروعا و شجاعا مع بعض التحفظ في الطريقة التى تناولتها بها حيث أنها اتخذت موقفا في حين كان عليها التزام الحياد . و مهما ارتكبت المراكشي من أخطاء بوضع صراعات غاية في التعقيد بين يدي شخصيات " تافهة " يجب الاعتراف بأننا حملنا الفيلم صراعا أزليا و مريرا مازال الجميع يدفع ثمنه . لكن مع ذلك يبقى دعوة للحب و السلام و التعايش وفرصة للمحافظة على خيط الحوار لنجعل من القمع و الاقصاء مفردات مقموعة و مقصية من قاموس الإبداع . فلا أحد يملك الحق في أية رقابة على مانشاهد أو لا نشاهد لأنه بكل بساطة "التفكير لا يفوض" .



هناك تعليق واحد:

  1. عادتهم ولا هيشتروها
    المهم إن في الآخر هتلاقي الفيلم مش قد كده برضه
    :)

    ردحذف