27‏/10‏/2006

محمد الحياني: قاوم الموت حيا وصارع الجحود والنسيان ميتا


10 سنوات بعد رحيل عندليب المغرب

محمد الحياني: قاوم الموت حيا وصارع الجحود والنسيان ميتا

عندما سألنا غزلان الشابة البالغة من العمر 29 سنة عن الأغنية المغربية المفضلة لديها، أجابت بدون تفكير "راحلة " لمحمد الحياني. ثم استطردت قائلة " لما حصلت على شهادة الباكلوريا منذ سنوات بادرت إحدى صديقاتي في إهداء أغنية محمد الحياني كمحاولة منها لإرضائي لأنها تعرف جيدا القيمة التي يمثلها هذا الفنان المبدع في قلبي وقلوب جميع المغاربة.
واليوم ( 23 أكتوبر) وبحلول الذكرى العاشرة على رحيل العندليب المغربي، تقدم القناة الأولى في إطار البرنامج المميز "في البال أغنية" رائعته "بارد وسخون ياهوى" التي قدمها الراحل سنة 1972 والتي كتب كلماتها بعد أن احترق بلوعة الحب الشاعر علي الحداني وكنها لحن القدميري .
فرصة لنا لكي نعود لعميد الأغنية المغربية ونتسائل: ماذا يمكن أن يقال بعد 10 سنوات من رحيله؟.

محمد الحياني هو الفنان المغربي الوحيد الذي اجتمعت فيه جميع شروط النجومية: الصوت العذب، الأداء المميز بالإضافة للمظهر الحسن والوسامة. كل الشروط كانت متوفرة ليكون للحياني مقام كبير وحضوة لاتظاهى. لكن لسوء الحظ تفاصيل حياته مليئة بالمصاعب والمآسي جعلته يهدر سنوات طويلة من عمره يصارع المرض والموت بدل منازعة شياطين الالهام والإبداع. ومع ذلك قدم المرحوم أغان خالدة كراحلة ومن ضي بهاك وقصة الأشواق ووقتاش تغني يا قلبي وبارد وسخون ياهوى وغيرها من الأغاني التي ماتزال حاضرة بيننا..

عندما طلبتها للحديث كان يبدو على الحاجة " فاطنة" أخت الفنان محمد الحياني الكثير من التأثر. باغثتني بالاعتذار لأنها جد حزينة لقرب ذكرى رحيل أخيها. قالت وهي تغالب دموعها "بعد سي محمد فقدت كل شيء، كان المرحوم أبا وأخا تجمعني معه الكثير من الذكريات الحلوة والمرة. ويحز في نفسي كثيرا هذا الجحود الذي ألاحظه في المسؤولين على الإعلام المغربي. فلم يعد أحد يذكر المرحوم ولم يحاولوا حتى تكريمه بالشكل الذي يناسب هرما فنيا شرف المغرب والمغاربة".
بعد رحيل الحياني وجدت عائلته الصغيرة والكبيرة نفسها دون سند، وتأثرت وضعية الجميع برحيه: ترك ابنته في سن صغيرة (عمرها الآن 21 سنة) وأمه ساءت صحتها بعد وفاة ابنها. لقد عانى الحياني في حياته بمقاومته للمرض وعانى من الجحود والنسيان بعد موته ، إذا استثنينا بعض المحاولات التي التفتت للمرحوم وأعادت له الإعتبار. "لقد تكفل الملك الراحل الحسن الثاني بحالته وهو مريض وأقام له جائزة تليق به. إني ألوم الإذاعة الوطنية التي تنكرت للحياني وماقام به وكأنه لم يفن عمره فيها. لقد مللنا الوعود الفارغة وأظن أنه حان الوقت لإعطاء هذا المبدع المكانة التي يستحقها.

أما الملحن عبد العاطي أمنة فقد اعتبر الحياني من أحسن الأصوات في العالم العربي بشهادة مطربين كبار أمثال السعودي محمد عبده الذي أسر له في جلسة حميمية إعجابه بمحمد الحياني وأكد له على تميزه بإحساس "رهيب". كما اعتبر الحياني خسارة كبيرة للفن المغربي.
"كانت رحلتي معه طويلة ومتنوعة واشتغلنا على " الوسادة و"وقتاش تغني ياقلبي" لقد كانت تجمعنا صداقة ، إنه إنسان وديع جدا"
وعن الحياني يقول المسرحي الكبير أحمد الطيب لعلج الذي كانت تربطه بالراحل علاقة أبوية كما يقول لكن أبوية بمعنى الاحتضان والمؤازرة والمساندة والدفع إلى الأمام. فقد وهب الله للحياني صوتا جميلا ويتمتع بموهبة فدة بكل ماتحمله الكلمة من معنى. ومن المبدعين الذين آمنوا بموهبته واقتنعوا بحسه المرهف الملحن عبد القادر الراشدي. ويضيف الأستاذ لعلج في حسرة " كان ينبغي لنا أن نحتفي بالحياني وهو على قيد الحياة تقديرا له واعترافا بجميله لأنه كان ولايزال يمثل مظهرا من مظاهر هويتنا المغربية. فكل مبدع كيفما كان مجال اشتغاله يتقاسم معه كل المغاربة شرف إبداعه. وذكرى الحياني يجب أن تنبهنا لوعي نفتقده وهو ضرورة الاحتفاء بفنانينا على قيد الحياة، لأن الفنان محتاج دائما للإعتراف به وتكريمه وهو حي يرزق. ويضيف الأستاذ لعلج في حنين " لحنت للمرحوم الحياني أغنية " متايب الله" وكنت أعتبره صديقا أكثر منه فنانا تجمعني معه ظروف العمل والإشتغال. وربطتنا علاقة تملؤها المودة والاحترام إلى أن رحل في عز عطائه. الصوت الجميل في حقيقة الأمر لايكفي ولابد له من جمالية الأداء وفنان في حجم الحياني جمع بين الصوت العذب والأداء الراقي والأنيق وباقتران هذين العنصرين جاد علينا الزمن بفنان في حجم ومن طية محمد الحياني لن يعيد الزمان مثيلا له".
جمال الخنوسي
jamal2sn@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق