30‏/10‏/2006

السينما تجبر فرنسا على التصالح مع ماضيها

"الأصليون" يعودون للوطن الأم
السينما تجبر فرنسا على التصالح مع ماضيها
بفضل فيلم "الأصليون" الذي يقوم ببطولته الممثل المغربي الفرنسي جمال دبوز سوف يتم قريبا تحسين بل تغيير الحالة الاجتماعية ل 34 ألف جندي مغربي متقاعد ممن ساهموا في تحرير فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية. هذا الرقم يضم 20 ألف جندي متقاعد و8 آلاف معطوب و6 آلاف أرملة حيث سيستفيدون من الزيادة في المعاشات التي سيبدأ تطبيقها انطلاقا من فاتح يناير المقبل.
كيف استطاع فيلم سينمائي القيام بذلك ولعب كل هذا الدور المؤثر؟
ما هو الفن؟ ما هو دور الذي يمكن أن يلعبه؟ هل يجب تبني فن يحمل هموما وقضايا أم فنا من أجل الفن؟
اشكالات تحمل العديد من التساؤلات الفرعية والمتشعبة وحتما لن يصل المرء إلى جواب شافي وكافي.
المسألة معقدة إذن لكن ما حدث مع فيلم "الأصليون" ( les indigenies) أعطى جوابا واضحا لما يمكن أن يكون الفن والدور الذي يلعبه.
حكت وسائل الإعلام الفرنسية قصة إلحاح الرئيس الفرنسي على مشاهدة العرض الأول لفيلم "الأصليون" رفقة زوجته بيرناديت وبطل الفيلم جمال دبوز. تحدثت الجرائد الفرنسية عن نوع من التوافق والألفة بين شيراك ودبوز بل إن الرئيس الفرنسي كان بين الفينة والأخرى ينطلق في ضحكات طويلة وابتسامات معبرة تدل على أن ما يجمع الرجلين هو صداقة قوية ومثينة.
وردت وسائل الإعلام تلك المودة إلى الموقف الذي أخذه دبوز اتجاه غريم شيراك وابنه الضال "نيكولا ساركوزي" حيث لا يفوت فرصة أو ظهورا تلفزيونيا إلا جعل ساركوزي ضحية نكته وسكيتشاته الهزلية التي تلقى صدى واسعا في فرنسا.
حسب المؤرخين كان الجيش الفرنسي سنة 1944 يتكون من 550 ألف جندي من بينهم 134 ألف جزائري و73 ألف مغربي و26 ألف تونسي و92 ألف ينتمون لإفريقيا السوداء. أي ما يقارب نصف مجموع الجيش الفرنسي.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وصل عدد الضحايا "الأصليين" إلى 60 ألف جندي سنة 1945. أي ما يمثل ربع الخسائر الفرنسية طوال الحرب العالمية الثانية.
سنة 1934 هب 233 ألف جندي إفريقي لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. هكذا يبدأ فيلم "الأصليون" حكاية أبطال من شمال إفريقيا ضحوا بكل غالي ونفيس من أجل فرنسا. "لتحيا فرنسا" كان يصيح سعيد الذي يلعب دوره جمال دبوز "لتحيا فرنسا".
لكن مع نهاية الحرب ستلفض فرنسا هؤلاء المحاربين وتتركهم عرضة للفقر والفاقة والمرض. يحصل الجندي المغربي المتقاعد الآن ما قدره 600 درهم شهريا. أما الجندي الفرنسي المتقاعد فيحصل على 8000 درهم شهريا. كانت تلك هي الطريقة الوحيدة التي وجدتها فرنسا لمكافأة أبطال لعبوا دورا كبيرا في تحريرها. الأمر الذي دفع الوزير الفرنسي المنتدب في النهوض بتكافئ الفرص عزوز بيغاغ للقول "إن هؤلاء الجنود كانوا سواسية في مواجهة الموت، لكنهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، أصبحوا غير متساوين في الحياة". وأضاف بيغاغ، وهو أيضا مخرج يدرك جيدا قوة الصورة والسيناريو في تغيير مجتمع ما ، "إنكم تنجزون فيلما سينمائيا يشاهده ملايين الأشخاص، الذين تحركون مشاعرهم بقوة إن رجال السينما أقوة بكثير من السياسيين".

لكن فيلم المخرج الفرنسي ذي الأصول الجزائرية رشيد بوشارب جاء لتغيير حيف دام أكثر من 40 سنة وتحقيق لامساواة لجنود تقاسموا نفس "حمام الدم" ونشوة الانتصار وطعم الحرية. لقد غنوا جميع : سلام لامبراطوريتنا .. من أجلها نتحدى كل الصعاب .. الجوع والموت يجعلنا نبتسم" لكن منذ ذاك الحين توقفت ابتسامتهم وانتهت بهجتهم.
في أحد مشاهد الفيلم يقول عبد القادر الذي يلعب دور الممثل سامي بوعجيلة "إننا نغير مصير فرنسا وحان الوقت لتغيير أمورنا نحن" ونظن أن "الأصليون" غير الكثير من الأمور، وسرع انطلاق عرضه يوم الأربعاء الماضي ب500 قاعة سينما بفرنسا، من وتيرة تنفيذ قرار الرئيس الفرنسي جاك شيراك بمعادلة معاشات قدماء المحاربين المنحدرين من المستعمرات مع تلك التي يستفيد منها قدماء المحاربين الفرنسيين ،وتلك قوة السينما.
لقد اعتبر المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا الفيلم "تذكير للدور الكبير للجنود المغاربيين". أما جمال الدبوز فقد قبل الحصول على أقل راتب يحصل عليه ممثل في فرنسا بحسب القوانين النقابية هناك، وحمل هم الفيلم من بدايته لنهايته وقال عنه إنه فيلم لإيقاض الضمائر وفتح جرح لم يندمل بعد.
مسيرة الفيلم مازالت طويلة ومعاركه مازالت في بدايتها. والآن يتم الحديث عن "ملف" آخر وطابو فرنسي جديد. إنه رفض تمتيع أيتام الجنود غير الفرنسيين الذين ماتوا من أجل فرنسا بالجنسية الفرنسية، لتحيا السينما.
جمال الخنوسي
jamal2sn@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق