21‏/10‏/2010

الفرنسيون من أصول مغربية .. مواطنون من الدرجة الثانية

إن موجة صعود اليمين المتطرف والأحزاب العنصرية المتشددة التي شهدتها أوربا في الآونة الأخيرة، ليست الشر في الحد ذاته. بل إن التطورات التي يخلفها بروز مثل هذه التيارات المنغلقة والعنصرية هو الذي يؤرق المهاجرين والمتجنسين. فنتيجة للانتصارات الانتخابية الجزئية التي يحققها هؤلاء، يجد اليمين أو اليمين المعتدل نفسه في مأزق حقيقي يتجلى في هروب الناخبين إلى أقصى اليمين فيضطر إلى تبني بعض أفكار المتطرفين، التي تنتمي إلى عصور بائدة، أملا في إنقاذ الوضع.
في هولندا مثلا لا أحد يأخذ شخصا معتوها اسمه "خيرت فيلدرز" على محمل الجد. فالرجل يعد الناخبين بقصور من الرمال وخفض الضرائب إلى معدلات خيالية، ويجعل من البلاد البرتقالية ساحة للأحلام الوردية التي لا حدود لها، لأنه يمتلك الحل السحري لكل شرور الأراضي المنخفضة: طرد المهاجرين وترحيل المسلمين.
ومن أجل تكوين حكومة جديدة تضطر الأحزاب الأخرى إلى وضع يدها في يد ظاهرة إعلامية وفقاعة سياسية لا تمتلك أي برنامج سياسي أو اقتصادي وتلتزم بتطبيق وتبني بعض أفكاره المسمومة لإرضائه وضمان التحالف معه.
في فرنسا، كان وصول المتعصب "جون ماري لوبان" زعيم "الجبهة الوطنية" إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في 2002 على حساب الاشتراكي ايونيل جوسبان، صدمة كبيرة لكل الفرنسيين الذين تجندوا من أجل تحقيق نجاح تاريخي لجاك شيراك. إلا أن اليمين الفرنسي "سطا" بدوره على بعض أفكار "لوبان"، وما كان يعتبر بالأمس طابو وكلاما لتحقيق "الفرجة التلفزيونية"، أصبح اليوم برامج حكومية ومشاريع قوانين في عهد نيكولا ساركوزي.
فالذي يطبخ اليوم في ردهات قصر الإليزيه هو مظهر من مظاهر هذه "السرقات السياسية القذرة". فكيف تسمح فرنسا لنفسها بمجرد التفكير في تعديل القوانين لتبرير سحب الجنسية من مواطنيها؟
فبموجب التعديلين المقترحين ستستحدث في القانون جريمة تجمع بين "تعدد الأزواج في الواقع" و"الاحتيال" و"استغلال الضعف" (وهي جريمة فضفاضة لا معنى لها). وسيعاقب على هذه الجريمة كل شخص يعمد باسم الإسلام وعن طريق إقامة علاقات مع أكثر من امرأة واحدة، إلى الاستفادة بشكل احتيالي من المنح الاجتماعية الحكومية.
أما التعديل الثاني فينص على سحب الجنسية الفرنسية من "كل شخص من أصل أجنبي تعمد تشكيل خطر "على حياة شرطي ودركي أو أي ممثل للسلطة العامة" (وهذا بدوره تحديد فضفاض أيضا). وسيشمل هذا التعديل الذين حصلوا على الجنسية قبل أقل من عشر سنوات والمحكوم عليهم ب"السجن خمسة أعوام على الأقل".
أكثر من هذا، يواصل ساركوزي حملة ترحيل الغجر من فرنسا وإعادتهم إلى رومانيا وبلغاريا. وهو إجراء جعل راهبا من رموز الكنيسة في فرنسا "يتمنى من الله أن يصاب الرئيس نيكولا ساركوزي بنوبة قلبية"، ودفع السياسي المحنك، ورئيس الوزراء الأسبق الذي يطمح إلى الترشح في انتخابات 2012 الرئاسية، "دومينيك دوفيلبان، إلى القول، "إن سياسة ساركوزي الأمنية وصمة عار على فرنسا".
أي بلد يقبل على مواطنيه أن تكون لهم جنسية معلقة في الفراغ يمكن أن تسقط في أي لحظة؟ أي بلد يقبل على مواطنيه أن تكون لهم جنسية "نص نص"؟ وأي وطن هذا الذي يطرد أبناءه بشكل مهين لأنهم أخطؤوا أو أذنبوا؟
هل رأيتهم قط أما تتنصل من أبنائها الأشقياء وتنكر صلتها بهم بدل إخراجهم من الوحل وإيجاد حل لمشاكلهم؟
إنه لمن المحزن فعلا أن نكتشف مع بداية القرن الواحد والعشرين أن الإنسان لا يسير بخطوته الصغيرة أو قفزته الكبيرة حسب المقولة الشهيرة ل"نيل أرمسترونغ"، بل يغوص يوما بعد يوم في الحضيض.
جمال الخنوسي