21‏/10‏/2010

نحن ومصطفى سلمى .. وقناة الجزيرة

ضربت قناة الجزيرة القطرية من خلال تعاملها الغريب مع قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، آخر مسمار في نعش المهنية والاحترافية التي تغيب في هذا القناة التلفزيونية منذ بداياتها، وأبرزت بما لا يدعو إلى الشك أن المصداقية و"الرأي والرأي الآخر" ليست إلا شعارات للاستهلاك اليومي وتسويق شركات البترول والغاز المحتضنة للعقول البسيطة من الخليج إلى المحيط.
وبحديثنا عن غياب المهنية عن القناة المذكورة، لن نأتي في حقيقة الأمر بجديد، فأمرها انكشف منذ مدة، وتأكد مع توالي الأحداث إصرار القناة على الصيد في الماء العكر للمغرب والبحث في قنوات الصرف الصحي عن كل ما يوجعه ويقلب السكين في جراحه، فاقتاتت الجزيرة على مدى سنوات من تقرحاته ولعقت دماءه، وفي الآن ذاته تجاهلت كل نقط النور والتغيرات الإيجابية التي تشهدها البلاد من خلال التركيز على النصف الفارغ من الكأس. وتكفي هنا المقارنة بين تعامل الجزيرة مع القضية المفتعلة للانفصالية أميناتو حيدر، مع تجاهلها القضية العادلة لمصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الذي أطلقت عليه الصحافة الفرنسية لقب "رهينة بوليساريو". بل أكثر من هذا وضعت دولة القناة لائحة سوداء للبلدان المارقة المستهدفة تضم بالإضافة إلى المغرب كلا من مصر والسعودية والأردن.
وبعيدا عن التباكي على مهنية "الجزيرة" أو تحيز عشيرة قطر، فإن الدرس الحقيقي الذي يمكن استخلاصه من القضية برمتها مرتبط بالأساس بقضية الإعلام في بلدنا ودوره القاصر في "تسويق" القضايا الكبرى ذات البعد الدولي. فالمغرب لا يتوفر سوى على قناتين عموميتين فقط ليس لهما تأثير إقليمي، فبالأحرى دولي. مما يجعل مسألة تسويق هذه القضايا أمرا متعسرا (قضية ولد سلمى وقضية أمينتو حيدر وقضية مبادرة الحكم الذاتي كمثال). فمن خلال الدور الذي تلعبه الأولى والثانية، لا نخاطب، في حقيقة الأمر، سوى أنفسنا، وتبقى القناتان تحركان نقاشا مغربيا مغربيا في حين أن التحدي أكبر منهما وتلزمه مقاربة مختلفة.
وزاد في تدهور الوضع فشل تجربة "ميدي 1 سات" التي كان الملك الراحل الحسن الثاني يسعى من خلالها إلى تسويق القضايا المغربية على المستوى الإقليمي (المتوسطي كمرحلة أولى)، وبالتالي مواجهة الطروحات الانفصالية التي تسوقها الجزائر. ثم تلاها إخفاق "الإخبارية" التي لبست لبوس "المغربية" ولم تعد في نهاية المطاف سوى نشرات أخبار مكررة بلا بريق أو إشعاع وشريط أحداث هو صيغة تلفزيونية لوكالة المغرب العربي للأنباء.
لا يمكننا أن نعيب على الآخرين عدم الاكتراث بقضايانا إلى مالانهاية لأن ل "دولة القناة" أجندتها وخياراتها وتحالفاتها وأولوياتها في لعبة إعلامية سياسية باتت مفضوحة، وعلينا أن نتعامل بدورنا بقليل من الحكمة وكثير من النفعية. فنحن اليوم أمام رهانات وتحديات كبرى، فيما يخص قضايانا المصيرية أو أوراش بناء المغرب الحديث، التي تتطلب جميعها "دبلوماسية" إعلامية موازية لتعديل ميزان القوى لصالحنا، حتى تواكب وتدعم تسويق قضايانا والتعريف بها. فلا يعقل أن نقود في بداية القرن الواحد والعشرين "ثورة صامتة" أو "أوراش بناء سرية"، فيما نترك ساحة الإعلام بكل مخاطرها وتحدياتها فارغة لمفبركي كيانات الوهم وصناع أبطال الورق.
جمال الخنوسي