05‏/12‏/2010

الليلة البيضاء الباريسية تصل إلى الدار البيضاء!


ليالي السهر أتلفت أعصاب البيضاويين وزادت في استهلاك بعضهم للحبوب المهدئة التي يطلق عليها تجنيا اسم القرقوبي   

يشبه عمدة باريس، بيرتراند دولانوي، مدينته. فالرجل هادئ جدا، ودبلوماسي جدا، وخلوق جدا. وعند لقائنا به، نحن معشر الصحافيين في الأسبوع الماضي، ألح "جنتلمان" باريس على مصافحة الجميع واحدا واحدا في باب القاعة، إذ برمج اللقاء مع وسائل الإعلام، من أجل الترحيب وتطبيق أصول الكرم الحاتمي والباريسي.
وبما أن الرجل خبر الصحافة ونواياها السيئة والطيبة على السواء، وتمرس على المعارك السياسية والبوليميك، فقد كان محرجا جدا من الخوض في القضايا الداخلية لفرنسا، وبدا السيد العمدة خجولا في حديثه عن النقط الحساسة التي تقسم فرنسا وتقسم ظهر الفرنسيين مثل الإجراءات الجديدة في موضوع للهجرة وقانون "البركة" وإصلاح نظام التقاعد.
وحتى يرضي دولانوي فضول الصحافيين قدم لهم خبطة صحافية أو "سكوب" بلغة أهل الميدان، إذ جاء على لسان عمدة باريس أن عمدة مدينة الدار البيضاء، محمد ساجد، قرر أسوة بزميله في مدينة الجن والملائكة، إقامة ليلة بيضاء في البيضاء ابتداء من 2011، وستنطلق هذه البادرة كما هو معمول به في العاصمة الفرنسية في أول سبت من شهر شتنبر.
والليلة البيضاء، لمن لا يعرفها، تقليد باريسي أطلقه برتراند دولانوي منذ سنوات وانتشر في مجموعة من المدن العالمية من بروكسل إلى روما. ويحشد الحدث كل سنة أكثر من مليون باريسي يشاركون في فعالياته ويقضون ليلتهم في الاحتفال بمهرجان الفنون الباريسية، إذ تفتح أبواب المتاحف وصالات عرض الآثار الفنية مثل متحف اللوفر الشهير وحمامات السباحة العامة فى المدينة المحاطة بالأضواء الملونة والموسيقى إلى جانب إقامة الحفلات الراقصة والسهرات الغنائية الكلاسيكية والجاز. كما توفر باريس للرواد الذين لا تستهويهم تلك الأنواع من الفنون، الكتب وقراءة الأشعار. وبموازاة مع كل هذا، يتم استنفار قوات الشرطة الفرنسية عبر أنحاء المدينة لإقرار الأمن وتأمين سلامة المحتفلين.
وما لا يعرفه دولانوي هو أن زميله عمدة الدار البيضاء لا تملك مدينته مقومات الليلة البيضاء في شيء، فلا متاحف في المدينة ولا صالات عرض الآثار ولا حفلات وسهرات الغنائية إلا موسيقى "الجرة" في البارات الحقيرة المصحوبة بالأصوات النشاز لمغنين كسر الكحول نبراتها.
ما لا يعرفه دولانوي هو أن سكان مدينة الدار البيضاء يعيشون الليالي البيضاء 365 يوما في السنة، بسبب الضوضاء المنتشرة ليلا ونهارا، وب"رباعات الشباب" الذين يتجمهرون على رأس كل درب وزقاق يقهقهون في تناغم تارة، و"يقلبونها صباط" تارة أخرى.
ما لا يعرفه دولانوي هو أن سوء جودة النوم وكثرة السهر هما السبب الرئيسي في انفلات أعصاب البيضاويين، والتشنج الذي تشهده طرقات المدينة المكتظة، وحوادث التراشق بالسكاكين، وتبادل كلمات تحت الحزام وفوقه، وكثرة استهلاك المهدئات التي يطلقون عليها تجنيا اسم "القرقوبي".  
الشيء الوحيد المفتوح في ليالي البيضاء، سيدي العمدة هو قنينات "الروج" وأفواه السكارى، أما الثقافة في البيضاء وفي هذا البلد ككل فليلتها "كحلة زحلة ما فيها ضو".
جمال الخنوسي