28‏/12‏/2013

لماذا فشل الخلفي في إصلاح التلفزيون؟

جمال الخنوسي
إذا كان من اللازم تحديد خصلة واحدة فقط يتميز بها وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، سنذكر له براعته في انتقاء اللجن لكل شيء (لجنة لتنظيم المهرجانات، ولجنة تحديث إالقاعات السينمائية...)، وتسطير الكتب البيضاء (كتاب أبيض للصحافة الالكترونية، وآخر للسينما... )، وعقد المناظرات الوطنية (المناظرة الوطنية حول السينما...). واليوم يعود الوزير الشاب من جديد ليتوسل عقد مناظرة وطنية حول إصلاح الإعلام السمعي البصري بعد أن وصل القطاع في عهده إلى الموت.



أكثر من سنتين بعد معركة دفاتر التحملات تبث أن أحلام الخلفي لا علاقة لها بالواقع، حيث فشل في كل ما سطره بحماسة الشباب، وما كان أحلاما وردية باعها في وسائل الإعلام عن الحكامة والشفافية، وخزعبلات الكم والكيف وأسطورة الانتاج الوطني، والمقاربة التشاركية العزيزة على قلبه، وصل المجال برمته إلى الطريق المسدود، ويوجد اليوم في حالة كارثية حقيقية: القنوات العمومية تعيش على الإعادات، الشيء الجديد فيها نشرات الأخبار وحالة الطقس، أما حالة العاملين في السمعي البصري فتدعو للشفقة بعد أن فقد الكثيرون وظائفهم وركن جلهم للعطالة بعد أن سرحتهم شركات الانتاج التي لم تعد تقوى على تسديد رواتبهم، أو لم تعد تطلب خدماتهم لغياب انتاجات جديدة.  الصورة كارثية إذن، وما قيل قبل مدة حول دفاتر التحملات الغير الواقعية لم يقو الشاب الوزير على "تنزيل" شيء منها. ما الحل إذن؟الحل كما تفتقت بذلك نباهة الشاب الوزير هو "عقد مناظرة وطنية حول إصلاح الإعلام السمعي البصري"، لكن المهم هنا بالنسبة إلى الخلفي ليس المناظرة في حد ذاتها، فقد اكتسب باعا طويلا في تنظيم المناسبات والسفريات، بل الأساس هو الظفر برعاية ملكية، من أجل توفير الحماية وإخراس الألسن المزعجية. الرعاية الملكية بالنسبة إلى الخلفي مقاربة نفعية و"مصلحجية"، سيقي من خلالها نفسه من الاتهام بأن مبادراته وراءها خلفيات سياسية، (وإن كان الأمر كذلك)، وبالتالي سيطلب الرعاية كدرع سيحول أسلوب الرعاية إلى أسلوب جديد من الريع، يتجاوز التجانس اللغوي بين الكلمتين إلى حدود التنافر بين المقاربتين.  إن ما ما يقوم به الخلفي اليوم جبن سياسي يبرره بإقحام الملك في الشأن العام. وما عليه سوى تحمل مسؤولياته وتطبيق سياسة حكومية في منأى عن إقحام الملك في سياسة قطاعية. وإلا لماذا لم يطلب زميله الحبيب الشوباني،الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بالرعاية الملكية قبل إطلاق الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة؟  لأنه قرر تحمل المسؤولية وليس الاختباء، والتهافت على الرعاية الملكية التي تفتح الباب أمام التأويلات والاستيهامات التي لا حدود لها: الرعاية تعطلات يعني الفوق ما باغيينش؟ الرعاية جات بزربا يعني الفوق راضيين؟؟؟؟ هنا تتجلى خطورة إقحام الملك في قضايا قطاعية لأن الرعاية تكون في سياقات تقاطع نماذجنا الوطنية مع نماذج أخرى، أما القضايا الداخلية فليتحمل المتهافتون على المناصب مسؤولياتهم، وإذا وقع تصادم بين المؤسسات فإن الملك هو الضامن لحسن سيرها طبقا للمادة 42 من الدستور.الحديث اليوم عن مناظرة وطنية أو دولية أو أي خزعبلات من هذا القبيل لا يعدو أن يكون هروبا إلى الأمام بعد أن أحرق الوزير سفنه على عتبة دار البريهي، إلا أنه خلافا لطارق بن زياد، خسر الخلفي معركته وينتظر اليوم الخلاص من "السماء”.