13‏/02‏/2011

"...فيلم" .. قليل من السينما كثير من البورنو


أكثر جرأة من "كازا نيغرا" وأشد حمقا من بولان وأكثر عريا من انتاجات مارك دورسيل الإباحية مع حوار يليق بالأفلام البورنغرافية


كان فيلم "... فيلم" للمخرج محمد أشاور الذي عرض أخيرا صفعة حقيقية في وجه كل من حجوا إلى قاعة سينما روكسي لتتبع أطوار المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته 12.
صفعة كانت فعاليات المهرجان في حاجة إليها من أجل تغذية النقاش والحوار في هذا الحدث الفني الكبير، وتكسر الهدوء النسبي الذي خيم منذ البداية.
لنبدأ إذن بالبوليميك كما هي العادة في مثل هذه المناسبات. ففيلم أشاور ليس فيلما عاديا، إنه أكثر جرأة من "كازا نيغرا" (مع فارق فني كبير لصالح نور الدين لخماري) وأشد حمقا من أحمد بولان، وأكثر عريا من انتاجات مارك دورسيل الإباحية. كل هذا مع حوار ساذج  يليق بأكبر الأفلام البورنغرافية.
 ويحكي الفيلم الذي يتمركز حول ثلاث شخوص رئيسية هي البطل/المخرج ويقوم بأداء الدور محمد أشاور نفسه، وصديقته الحميمة التي تقوم بأداء دورها فاطيم (Fatym) العياشي، ثم صديقه المخلص الذي يقوم بأداء الدور فهد بنشمسي، (يحكي) قصة مخرج مهووس بالأفلام يحاول أن يكتب سيناريو يتعذر عليه الحصول على فكرة جيدة، فيؤثر مخاضه الإبداعي على حياته الشخصية.
ورغم أن فيلم أشاور قدم مشاهد نقدية لاذعة، إلا أن المزعج فيه هو ذلك التعنت في الإثارة، وعنف الصدمة التي يتعمد خلقها. إنه نوع من "القفوزية السينمائية" التي تحاول أن تعبر عن نفسها ببلادة، وتؤكد أنه بإمكانها أن تقول ما لم يستطع أحد قوله من قبل، وأن تظهر ما لم يظهره أحد من قبل، وتتحدث عما لن يتحدث عنه أحد من قبل.
ويدفعنا العمل إلى تكرار النقاش البائد حول السينما والقراءات الأخلاقوية وحدود الإبداع، والحرية، ولغة الشارع والخطابات المملة إياها. لكن أين السينما من كل هذا؟
فيلم أشاور هو من أشاور ولأشاور ولا يناشد سوى أشاور. ويدفعك إلى النظر إليه كأنه مركز الكون، فيلم ذاتي إلى أبعد الحدود ينعكس حتى في رؤية الفيلم ذاتها، فالمخرج الذي تعذر عليه إيجاد سيناريو فيلم جيد عليه اللجوء إلى مبدع آخر اسمه السيناريست (!) وليس التمركز حول الذات المبدعة التي تقوم بالمعجزات، وهو أمر نراه في الفيلم، كما نراه في الواقع المزري عند أشاور وغيره من المخرجين المغاربة.    
إن "...فيلم" هو مقدمة فقط لما كان من الممكن أن يكون فيلما جيدا عن مخرج يريد أن يصنع فيلما، لكنه للأسف توقف عند اللحظة الجنينية للموضوع مستعملا الأفكار المسبقة وما يروج في الجلسات القذرة بين قنينتين من البيرة حول السينما وعالم السينما (جنس، جنس، جنس ...).
وكان بذلك ظالما لعالم ليس بالقتامة التي يتصورها، ولا بالذعر الذي رسمه، ولا بالتهتك الذي يريد أن يروج له الشعبيون والمتزمتون الذين انتقدهم بشدة فسقط المخرج في الفخ ذاته، إذ لا يمكن أن تكون فنانا وفيلمك يتغذى من الحقد وتصفية الحسابات.
إن خطورة "... فيلم" تتجلى في مجانيته، وفي تكرار كلمات ساقطة أو مشاهد خادشة للحياء غير مبررة حتى أنه فقد البوصة بعد 30 دقيقة الأولى، وتاه في الحديث عن الجنس بشكل مثير وعن الدين بتهكم شديد وعن السياسة التي لم يتمكن الاقتراب منها، إنها نصف شهامة وشجاعة ناقصة  حتى لا نقول جبنا، يقفز "على الحيط القصير" دائما.
إن ظهور فيلم "...فيلم" مؤشر على حرية سينمائية كبيرة نتمتع بها جميعا، فالفن السابع رئة نستنشق بها لا محدودية الإبداع، لكنها في الآن ذاته مسؤولية تقتضي النضج والتروي.
الحرية التي يتمتع بها التعبير السينمائي في المغرب نعمة، لا يعرف قيمتها سوى المحرومون منها، لذلك لا ينبغي علينا رفسها والتعامل معها بصفاقة. أو كما يقول لويس أراغون، المبدع الفرنسي الكبير، مع استبدال كلمة حب بسينما، "الحب شيء راق وإلاهي نضعه بين أقدام الخنازير".
جمال الخنوسي